الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا ، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا
غَافِلِينَ} (1)
(حم)، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ ، قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا ، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} قَالَ: جَمَعَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا ، ثُمَّ صَوَّرَهُمْ ، فَاسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا ، ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ ، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمْ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ ، وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ ، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا ، اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي ، وَلَا رَبَّ غَيْرِي ، فلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا ، وَإِنِّي سَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلِي يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي ، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي ، فَقَالُوا: شَهِدْنَا بِأَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا ، لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ ، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ ، وَرُفِعَ عَلَيْهِمْ آدَمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، فَرَأَى الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ ، وَحَسَنَ الصُّورَةِ وَدُونَ ذَلِكَ ، فَقَالَ رَبِّ: لَوْلَا سَوَّيْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ ، فَقَالَ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُشْكَرَ ، وَرَأَى الْأَنْبِيَاءَ فِيهِمْ مِثْلُ السُّرُجِ ، عَلَيْهِمْ النُّورُ ، خُصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرَ فِي الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} (2) قَالَ: كَانَ فِي تِلْكَ الْأَرْوَاحِ فَأَرْسَلَهُ إِلَى مَرْيَمَ ، وَقَالَ أُبَيٌّ: أَنَّهُ دَخَلَ مِنْ فِيهَا " (3)
(1)[الأعراف/172]
(2)
سورة الأحزاب 33/ 7
(3)
(حم) 21270 ، حسنه الألباني في المشكاة: 122، وهداية الرواة: 118 وقال: هو في حكم المرفوع.
(د)، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (1) وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ ، قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا (2) غَافِلِينَ (3)} (4) فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ عز وجل خَلَقَ آدَمَ ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً ، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (5) يَعْمَلُونَ (6) ثُمَّ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ "، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ (7)؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ اللهَ عز وجل إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (8) حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ "(9)
(1) أَيْ: أَخْرَجَ بَعْضَهُمْ مِنْ صُلْبِ بَعْضٍ مِنْ صُلْبِ آدَمَ، نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ ، كَنَحْوِ مَا يَتَوَالَدُونَ ، كَالذَّرِّ، وَنَصَبَ لَهُمْ دَلَائِلَ عَلَى رِبَوِبِيَّتِهِ ، وَرَكَّبَ فِيهِمْ عَقْلًا. تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(2)
أَيْ: التَّوْحِيدِ. تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(3)
فَإنِ احْتَجَّ الْكُفَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنَّهُ زَالَ عَنْهُم عِلْمُ الضَّرُورَةِ ، وَوُكِلُوا إِلَى آرَائِهِمْ فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ ، بَلْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى يُوقِظُونَكُمْ مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ. تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(4)
[الأعراف/172]
(5)
أَيْ: مِنْ الطَّاعَاتِ. تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(6)
إِمَّا فِي جَمِيعِ عُمْرِهِمْ ، أَوْ فِي خَاتِمَةِ أَمْرِهِمْ. تحفة الأحوذي (ج 7/ص 398)
(7)
أَيْ: إِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرْت يَا رَسُولَ اللهِ مِنْ سَبْقِ الْقَدَرِ، فَفِي أَيِّ شَيْءٍ يُفِيدُ الْعَمَلُ؟ ، وَلِأَيِّ شَيْءٍ أُمِرْنَا بِالْعَمَلِ. تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 398)
(8)
أَيْ: جَعَلَهُ عَامِلًا بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَوَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ بِهِ. تحفة (7/ 398)
(9)
(د) 4703 ، (ت) 3075 ، صَحِيح الْجَامِع: 1702 ، ظلال الجنة: 168، صحيح موارد الظمآن: 1514
(حم)، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ - يَعْنِي عَرَفَةَ - فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا ، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ (1) ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا فَقَالَ:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ ، قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا ، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا: إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ، أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} . (2)
(1) الذر: صغار النمل.
(2)
(حم) 2455 ، (ن) 11191 ، (ك) 75، انظر صَحِيح الْجَامِع: 1701 ، الصحيحة: 1623
وقال الألباني: ففي ذلك ردٌّ على قول ابن القيم أيضا في كتاب " الروح " بعد أن سَرَد طائفة من الأحاديث المتقدمة: " وأما مخاطبتهم واستنطاقهم وإقرارهم له بالربوبية ، وشهادتهم على أنفسهم بالعبودية ، فمن قال من السلف فإنما هو بناء منه على فهم الْآية، والآية لم تدل على هذا ، بل دلت على خلافه ". أ. هـ
وقد أفاض ابن القيم جدا في تفسير الْآية ، وتأويلها تأويلا ينافي ظاهرها ، بل ويعطِّل دِلالتها ، أشبه ما يكون بصنيع المعطِّلة لآيات وأحاديث الصفات حين يتأولونها، وهذا خلافُ مذهبِ ابن القيم رحمه الله ، الذي تعلمناه منه ومن شيخه ابن تيمية، فلا أدري لماذا خرج عنه هنا ، لا سيما وقد نَقَل (ص 163) عن ابن الأنباري أنه قال:" مذهب أهل الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الْآية: أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وصلب أولاده وهم في صُوَرِ الذَّر ، فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم ، وأنهم مصنوعون، فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن رَكَّبَ فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم ، كما جعل للجبل عقلا حين خوطب، وكما فعل ذلك للبعير لما سجد، والنخلة حتى سمعت وانقادت حين دُعِيَت ". أ. هـ
كما نقل أيضا عن إسحاق بن راهويه: " وأجمع أهل العلم أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، وأنه استنطقهم وأشهدهم ". أ. هـ
قلت: وفي كلام ابن الأنباري إشارة لطيفة إلى طريقة الجمع بين الْآية والحديث وهو قوله: " إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه ، وأصلاب أولاده ".
وإليه ذهب الفخر الرازي في " تفسيره "(4/ 323) ، وأيده العلامة مُلَّا علي القاري في "مرقاة المفاتيح "(1/ 140 - 141)، وقال عقب كلام الفخر: قال بعض المحققين: إن الله أخرج بني آدم من ظهره، فكل ما أخرج من ظهورهم فيما لَا يزال إلى يوم القيامة ، هم الذين أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم، وأخذ منهم الميثاق الأزلي ، ليُعْرَف منه أن النَّسل المُخْرَج فيما لَا يزال من أصلاب بنيه ، هو المُخْرَج في الأزل من صلبه، وأخذ منهم الميثاق الأول - وهو المَقَالِيُّ الأزَلي - كما أخذ منهم فيما لَا يزال بالتدريج حين أُخْرِجوا الميثاق الثاني - وهو الحالي الإنزالي -.
والحاصل: أن الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم ، أحدهما تهتدي إليه العقول من نَصْب الأدلة الحاملة على الاعتراف الحالي، وثانيهما: المقالي الذي لَا يهتدي إليه العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد ، من الأزل إلى الأبد، كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أراد صلى الله عليه وسلم أن يُعَلِّم الأمة ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقا آخر أزليًّا ، فقال ما قال مِنْ مَسْح ظهر آدم في الأزل ، وإخراج ذريته ، وأخذه الميثاق عليهم ، وبهذا يزول كثير من الإشكالات، فتأمل فيها حق التأمل. أ. هـ
ثم إنه ليلوح لي أننا وإن كنا لَا نتذكر جميعا ذلك الميثاق الرباني - وقد بيَّن العلماء سبب ذلك - فإن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي تشهد فعلا بأن الله هو الرب وحده لَا شريك له ، إنما هي أثر ذلك الميثاق، وكأن الحسن البصري رحمه الله أشار إلى ذلك حين روى عن الأسود بن سريع مرفوعا: " أَلَا إنها ليست نسمة تولد إِلَّا ولدت على الفطرة
…
" الحديث.
قال الحسن عَقِبَه: ولقد قال الله ذلك في كتابه: (وإذ أخذ ربك
…
) الْآية. أخرجه ابن جرير (15353).
ويؤيده أن الحسن من القائلين بأخذ الميثاق الوارد في الأحاديث ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وعليه ، فلا يصح أن يُقال: إن الحسن البصري مع الخَلَف القائلين بأن المراد بالإشهاد المذكور في الْآية ، إنما هو فطرهم على التوحيد، كما صنع ابن كثير. والله أعلم. أ. هـ