الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهن، وملء ما شاء ربي من بعد، أحمده وأشكره عدد خلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، ورضا نفسه، وهو القائل عز وجل لملائكته:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1)، سبحانه من حكيم عليم أدال الأيام بين الناس، وجعل معيار التفاضل تقواه تعالى، فقال عز وجل:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (2)، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، المخصوص بأشرف الأنساب وأكرم الأحساب، نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين له إلى يوم الدين، قرر العدل والمساواة بين الناس، فلم تبق مَيزة للشعوب والقبائل إلا التعارف إذا استظلوا بقيم الكتاب والسنة، أمابعد:
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قيل: يا رسول الله، من من أكرم الناس؟ ، قال:«أتقاهم» قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال:«فعن معادن العرب تسألوني؟ ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام فقهوا» (3)، ومن هنا نعلم يقينا أن الله عز وجل حكم بأن أكرم الناس أتقاهم له تعالى، ولو كان المتقي من أقل الناس حسبا ونسبا، وأن من عصى الله عز وجل انحطت درجة فضله ولو كان من نسل الأنبياء، ألا تسمع ما قال نبينا صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه:«يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة، فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يديَّ في الجنة» (4)، ويقول عمر الفاروق رضي الله عنه في شأن بلال رضي الله عنه:"أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا" يعني بلالا رضي الله عنه.
(1) من الآية (30) من سورة البقرة.
(2)
الآية (13) من سورة الحجرات.
(3)
البخاري حديث (3353) مسلم حديث (6311).
(4)
مسلم حيث (6478).
ولكن التعارف الذي ذكره الله عز وجل هو أن يعرف كل إنسان من خلال نسبه من يلقاه بنسب، فيُحرم الحرام منه، ويُحل الحلال، في نكاح أو ميراث، وما يلزمه من صلة الأرحام، وما يجب عليه من النفقات المشروعة، وهذا مما لا يسع المسلم جهله؛ لأنه من فروض الإسلام، ومن هنا نعلم أهمية قول رسول الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:«تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأجل، مرضاة للرب» (1)، فعِلم الأنساب له مكانته وفضله لما ذكرنا، ولمعرفة من أمر الله ورسوله بموالاتهم وحبهم، ولا ريب أن أكرم الناس علينا وأحبهم إلينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فمعرفة نسبه أمر بالغ الأهمية لكل مسلم ومسلمة، وكذلك نسب أهل بيته رضي الله عنهم، ومن أهل بيته نساؤه رضي الله عنهن؛ فهن أمهات المؤمنين، مفروض حقهن على كل مسلم ومسلمة، ونكاحهن محرم على كل مسلم، وحق آل البيت علينا لازم من حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يجهله مسلم، وكذلك حب أصحابه المهاجرين رضي الله عنهم، الذين نصروه وهاجروا معه، تاركين الأهل والمال والوطن، نصرة لله ورسوله، وكذلك حب أصحابه الأنصار رضي الله عنهم، الذين استقبلوه وآووه؛ هو ومن هاجر معه، ونصروهم نصرا مؤزرا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حبهم علامة على الإيمان، وبغضهم علامة على النفاق، قال صلى الله عليه وسلم:«آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» (2)، أنهم الذين أقام الله بهم الإسلام، وأظهر الدين بسعيهم، وقد أمر صلى الله عليه وسلم كل من ولي من أمور المسلمين شيئا أن يستوصي بالأنصار خيرا، وأن يحسن إلى محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم (3)، ويدخل في الاهتمام بعلم النسب معرفة من له حق في الخمس، وفيم يكون الخمس؟ (4)، ومن تحرم عليه الصدقة، ومن لا حق له في
(1) المسند حديث (7755).
(2)
البخاري حديث (17).
(3)
شعب الإيمان 4/ 70 ..
(4)
علما بأن الخمس ضل في فهمه الرافضة، لا ريب أنه عن قصد منهم لاستغلال العامة، إذ فرضوا عليهم تخميس كل ما يملكون، ويدفعونه للمنتسبين لآل البيت، فأثرى ساداتهم ثراء فاحشا، بسبب ذلك التعميم الباطل شرعا وعقلا، فإنه مخالف لنص القرآن قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا =
الخمس، ولا تحرم الصدقة عليه، فالعلم بالنسب نافع، والجهل به ضار دون شك، ويجوز أن يعرف الرجل من نسبه ما تيقن؛ ولو علا إلى ما قبل الإسلام، إذا كان دائرا في فلك البر والتقوى، فقد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبائل العرب بأنسابها حين عرض نفسه عليهم يدعوهم إلى الإسلام، ولما نزل عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (1)، صعد على الصفا وقال:«يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا» (2)، وفاضل بين قبائل الأنصار، بل وقبائل العرب، وأثنى على الحبشة، ونسبهم إلى جدهم أرفدة فقال:«دونكم بني أرفة» (3)، ولكن كل ذلك في إطار لا يُخرج إلى العصبية التي تفرق ولا تجمع، وتنتقص ولا ترفع، فقد أنكر ما جرى بين الأوس والخزرج من دعوى الجاهلية وهو صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم.
فعلم النسب مأمور به شرعا، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه أن يأخذ ما يحتاج إليه من علم نسب قريش عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (4)؛ وكان هو وأبو الجهم بن حذيفة العدوي، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، كانوا من أعلم الناس بالأنساب، ولم يزل علما قائما في الصحابة والتابعين كسعيد بن المسيب، وابن شهاب الزهري، وغيرهما، ومن بعدهم في أتباع التابعين كالشافعي، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وغيرهما، واعتنى به العلماء من بعدهم، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن قصَّر فيه مقصر.
= أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الأنفال: 41، فالتخميس لا يكون إلا فيما غنم من الجهاد الخالص لإعلاء كلمة الله عز وجل، ولا ريب أن العقل السليم يرفض ما ذهب إليه الرافضة، ومن خبثهم وتلبيسهم على عوامهم، حتى لا يحتج عليهم أحد بهذه الآية زعموا تحريف القرآن، وأن قرآنهم هو الذي يأتي به الغائب المزعوم.
(1)
الآية (214) من سورة الشعراء.
(2)
البخاري حديث (2753) ومسلم حديث (525) ..
(3)
البخاري حديث (950) ومسلم حديث (2102).
(4)
جمهرة أنساب العرب.
وبعد: فقد جمعت في كتابي هذا من الدوسيين ما أمكنني العثور على ذكر لهم في كتب الأنساب وغيرها، وأتمنى أن أكتب عن كل قبيلة من قبائل العرب ولاسيما في الموطن الأساس؛ جزيرة العرب، المستظلة اليوم بحكم الدولة السعودية، في نهج فريد في هذا العصر؛ أقامه موحد قبائل جزيرة العرب الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود؛ ملك اعترف الأفذاذ والعلماء والعظماء بأنه من أفذاذ هذا العصر، وإن جعلوه ضمن مائة عظيم (1) ذُكروا، فأنا أجعله في هذا العصر العظيم الأول؛ لاعتقاده وسياسته وبعد نظره، نعم أتمنى أن أكتب عن كل قبيلة على مبدأ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (2)، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، وما لا يدرك كله لا يترك جله، والأقربون أولى بالمعروف، فرأيت أن أجمع قدرا ممن نسب إلى دوس بن عُدثان بن عبد الله بن زهران؛ وهم قبيل متفرع من زهران، هاجروا من اليمن الأقصى، على أثر دمار سد مأرب، ومرتكز قسم منهم جبال السروات، وما يلها من تهامة، وجميع من تفرع من أبناء دوس ينتسبون اليوم إلى الجد الأعلى زهران بن كعب، وإن ذكروا انتسابهم إلى من دونه من الأجداد، وهم من أشهر قبائل المملكة العربية السعودية، وقسم منهم استوطن عمان؛ إما مباشرة من اليمن أو إلحاقا من السروات، ومنها وصلوا إلى كرمان، وانتشروا في بلاد فارس، والعراق، والشام، ومصر، والأندلس، ولا أزعم أني أوفيت الكيل، ولا أن جهدي أتى بالقَدَح المُعَلَّى، ولكني بذلت جهدا في التعريف بقدر لا بأس به، ليكون نواة لذوي الهمم من الأجيال القادمة، وكم ترك الأول للآخر، وحسبي من الناظر فيه أن يقول: رحمه الله وغفر له، ومن الناقد أن يقول: أخطأ رحمه الله وغفر له والصواب كذا، ويثبت ذلك ببرهان شافٍ وقلب صاف، وقد سميته "الجوس في المنسوب إلى دوس" وفي الحقيقة قد كان جوسا ممتعا، ولأني من أبناء العم؛ لأن قبيلتي بني حسن ينتسبون إلى أوس بن عامر بن
(1) المراد عظمة بشرية، محدودة الوصف، فلا تتعارض مع صفة الله العظيم فإنها عظمة مطلقة، فإن الله عز وجل عظيم ولا شيء أعظم منه تعالى.
(2)
الآية (13) من سورة الحجرات ..
حفين بن النمر بن عثمان بن نصر بن زهران بن كعب (1)، وقبائل دوس بنوا عبد الله بن زهران؛ أخي نصر بن زهران، وقد رتبت مادة كتابي هذا على حروف المعجم، وتوجهت إلى الكتابة عن دوس من زهران؛ لأن دوسا حصل لهم من الشرف ما لم يحصل لغيرهم؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال عمرو بن الطفيل سيد دوس:"يا رسول الله، إن دوسا قد عصت وأبت، فادع الله عليهم"، فقيل: هلكت دوس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهم اهد دوسا وأت بهم» (2)، فتحققت فيهم دوعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصل لهم من الخير والهداية الشيء الكثير، وامتازوا بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم عن بقية قبائل زهران، ولا يلحق بهم إلا من صدق مع الله ورسوله وعمل عملهم، ويبقى للصحابة منهم فضل الصحبة، ومن فضلهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي، أو أنصاري، أو ثقفي، أو دوسي» (3)، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
المؤلف
(1) جمهرة أنساب العرب 2/ 383. وقد وقعت مني غفلة فدونت على عجل في كتابي "ظروف وحروف" أن أوسا هو أخو دوس وأنه تحرف اسم عدثان إلى عدنان، معتمدا على الأنساب للصحاري 1/ 66 قال: فهم بن غانم بن أوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران، هكذا، والحق أنه خطأ، والصواب ما أثبته هنا إن شاء الله، فأوس من أبناء العمومة، والله أعلم.
(2)
البخاري حديث (2937) ومسلم حديث (2524).
(3)
صححه الألباني، صحيح وضعيف النسائي، حديث (3759).