الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألا أيها الشخصان بالله بلغا
…
سلامي إلى أهلي بمكة والحجر
تلقيتما ما عشتما ألف نعمة
…
بعز وإقبال يدوم مع النصر
ولا ضاع عند الله ما تصنعانه
…
فقد خف عني ما وجدت من الضر
بصنعكما لي نلت خيرا وراحة
…
كذلك فعل الخير بين الورى يجري
وما بي وايم الله موتي وإنما
…
تركت عجوزا في المهامه والقفر
ضعيفة حال ما لها من جلادة
…
على نائبات الحادثت التي تجري
تعودها حب القفار مقيمة
…
على الشيح والقيصوم والنبت
وكنت لها ركنا تعد رحاله
…
وأكرمها جهدي وإن مسني فقر
وأطعمها من صيد كفي أرنبا
…
من الوحش واليربوع والظبي
من الضب والغزلان والبهت بعده
…
مع البقر الوحش المقيمات في ابر
وأحمي حماها أن تضام ولم أزل
…
لها ناصرا في موقف الخير والشر
وإني أردت الله لا شيء غيره
…
وجاهدت في جيش الملاعين بالسمر
وأرضيت خير الخلق أعني محمدا
…
لعلي أنال الفوز في موقف الحشر
فمن خاف يوم الحشر أرضى إلهه
…
وقاتل عباد الصليب بني الكفر
كذا جلت يوم الحرب في كل كافر
…
وجندلته بالطعن في الكر والفر
تقول وقد حان الفراق لحينه
…
ألا يا أخي مالي على البين من صبر
ألا يا أخي هذا الفراق فمن لنا
…
بحسن رجوع قادم منك بالبشر
إذا سافر الإنسان عن أرض أهله
…
فإما رجوع أو هلاك مدى الدهر (1).
(43) جديع بن علي بن شبيب الدوسي
الكرماني صاحب العصبية بخراسان: جديع بن علي بن شبيب بن عامر بن براري بن صنيم بن مليح بن شرطان بن معن بن مالك بن فهم بن غَنْم بن دوس، وإنما سمي الكرماني؛ لأنه ولد بكرمان، وكان رأسا في الأزد (2) شيخ خراسان وفارسها.
(1) فتوح الشام 1/ 234. قلت: قصيدة جميلة ولكني أميل إلى رأي من يقول: إنها صنعة. والبيتين قبل الأخير تؤيد ذلك، والله أعلم.
(2)
جمهرة أنساب العرب 1/ 381، والتعريف بالأنساب والتنويه بذوي الأحساب 1/ 43.
وإنما ثارت العصبية بينه وبين نصر بن سيار الوالي؛ لأنه كان أحسن إلى نصر في ولاية أسد بن عبدالله، فلما ولِي نصر بن سيار خراسان عزل الكرماني عن الرئاسة، وصيرها لحرب بن عامر بن أيثم الواشحي، فمات حرب، فأعاد الكرماني عليها، فلم يلبث إلا يسيرا حتى عزله، وصيرها لجميل بن النعمان، فتباعد ما بين نصر والكرماني، فحبس الكرماني في الحصن "القهندز" وكان على الحصن مقاتل بن علي المري، ولما أراد نصر حبس الكرماني أمر عبيدالله بن بسام صاحب حرسه فأتاه به، فقال له نصر: يا كرماني، ألم يأتني كتاب يوسف بن عمر يأمرني بقتلك فراجعته فقلت له: شيخ خراسان وفارسها، وحقنت دمك؟ ! ، قال: بلى، قال: ألم أغرم عنك ما كان لزمك من الغرم، وقسمته في أعطيات الناس؟ ، قال: بلى، قال: فبدلت ذلك إجماعا على الفتنة! ، قال الكرماني: لم يقل الأمير شيئا إلا قد كان أكثر منه، فأنا لذلك شاكر، فإن كان الأمير حقن دمي فقد كان مني أيام أسد بن عبدالله ما قد علم، فليستأن الأمير ويتثبت فلست أحب الفتنة، فقال عصمت بن عبدالله الأسدي: كذبت، وأنت تريد الشغب وهو ما لا تناله، وقال سلم بن أحوز: اضرب عنقه أيها الأمير، فقال المقدام وقدامة ابنا عبد الرحمن بن نعيم الغامدي: لجلساء فرعون خير منكم، إذ قالوا:{أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} (1)، والله لا يقتلن الكرماني بقولك يا ابن أحوز، وعلت الأصوات، فأمر نصر سلما بحبس الكرماني، فحبس لثلاث بقين من شهر رمضان سنة (126) ست وعشرين ومائة، فكلمت الأزد نصرا فقال: إني حلفت أن أحبسه ولا يبدؤه من سوء، فإن خشيتم عليه فاختاروا رجلا يكون معه، فاختاروا يزيد النحوي، فكان معه في الحصن، وصير حرسه بني ناجية أصحاب عثمان وجهم ابني مسعود.
وبعث الأزد إلى نصر المغيرة بن شعبة الجهضمي، وخالد بن أبي صالح الحداني، فكلماه فيه، فلبث في الحبس تسعة وعشرين يوما، فقال علي بن وائل؛ أحد بني ربيعة بن حنظلة: دخلت على نصر والكرماني جالس ناحية، وهو يقول: ما ذنبي إن كان أبو الزعفران جاء! ، فوالله ما واريته ولا أعلم مكانه، وقد كانت الأزد يوم حبس الكرماني، أرادت أن تنزعه من رسله، فناشدهم الله الكرماني ألا يفعلوا، ومضى مع رسل سلم بن أحوز وهو يضحك، فلما حبس تكلم عبدالملك بن حرملة اليحمدي، والمغيرة بن شعبة الجهضمي، وعبد الجبار بن شعيب بن عباد، وجماعة من الأزد
(1) من الآية (111) من سورة الأعراف.
نزلوا نوش (1) وقالوا: لا نرضى أن يحبس الكر ماني بغير جناية ولا حدث، فقال لهم شيوخ اليحمد: لا تفعلوا وانظروا ما يكون من أميركم، فقالوا: لا نرضى ليَكُفَنَّ عنا نصر أو لنبدأ بكم، وأتاهم عبدالعزيز بن عباد بن جابر بن همام بن حنظلة اليحمدي في مائة، ومحمد بن المثنى، وداود بن شعيب، فباتوا بنوش مع عبدالملك بن حرملة ومن كان معه، فلما أصبحوا أتوا حوزان، وأحرقوا منزل عزة أم ولد نصر، وأقاموا ثلاثة أيام، وقالوا: لا نرضى، وعند ذلك صيروا عليه الأمناء، فجعلوا معه يزيد النحوي وغيره، فجاء رجل من أهل نسف (2) فقال لجعفر غلام الكرماني: ما تجعلون لي إن أخرجته؟ ، قالوا لك ما سألت، فأتى مجرى الماء من الحصن "القهندز" فوسعه، وأتى ولد الكرماني وقال لهم: اكتبوا إلى أبيكم يستعد الليلة للخروج، فكتبوا إليه، وأدخلوا الكتاب في الطعام، فأرسل الكرماني إلى محمد بن المثنى، وعبدالملك بن حرملة: إني خارج الليلة، فدعا الكرماني يزيد النحوي، وحصن بن حكيم، فتعشيا معه وخرجا، ودخل الكرماني السَرَب فأخذوا بعضده فانطوت على بطنه حية فلم تضره، فقال بعض الأزد متندرا: كانت الحية أزدية، فلم تضره.
وأثنا مروره في السَرَب انتهى إلى موضع ضيق فسحبوه، فسحج منكبه وجنبه، فلما خرج ركب بغلته دوامه، ويقال: بل ركب فرسه البشير، والقيد في رجله، فأتوا به قرية تسمى "غلطان" وفيها عبدالملك بن حرملة فأطلق عنه، فاجتمعوا وخرج فأتاهم فرقد مولاه، فأخبرهم، فلقوه في قرية حرب بن عامر (3)، وعليه ملحفة متقلدا سيفا، ومعه عبدالجبار بن شعيب، وابنا الكرماني: علي وعثمان، وغلامه جعفر، فأمر عمرو بن بكر أن يأتي "غلطان (4)، وأندغ"(5)، وأُشترج (6) معا، وأمرهم أن يوافوه على باب الريان بن سنان اليحمدي، بنوش في المرج مصلاهم في العيد، فخرج القوم من
(1) ويقال: نوج بالجيم، بالفتح ثم السكون، وآخره شين معجمة، أو جيم، هي: عدة قرى بمرو (معجم البلدان 5/ 311).
(2)
بفتح أوله، وثانيه، ثم فاء: هي مدينة كبيرة كثيرة الأهل و"الرستاق" القرى، بين جيحون وسمرقند، خرج منها جماعة كثيرة من أهل العلم في كل فن، (معجم البلدان 5/ 285) ..
(3)
لم أقف على تعريب لها، ولا شك أنها حول مرو.
(4)
بفتح أوله، وثانيه، وطاء مهملة، وآخره نون، كأنه مأخوذ من الغلط ضد الصواب: قرية بينها وبين مرو أربعة فراسه " 22 كمن 176 م"(معجم البلدان 4/ 208).
(5)
لم أقف على تعريف لها، ولا ريب أنها حول مرو.
(6)
بالضم ثم السكون، وتاء مثناة مضمومة، وراء ساكنة، وجيم: قرية في أعالي مرو، يقال لها: أشترج بالا؛ معناه: أشترج الأعلى (معجم البلدان 1/ 196).
قراهم بالسلاح، فصلى بهم الغداة، وهم زهاء ألف، فما برحت الشمس حتى صاروا ثلاثة آلاف، وأتاهم أهل السقادم (1)، على مرج نيرا (2)، فقال خلف بن خليفة:
أصحروا للمرج أجلى للعمى
…
فلقد أصحر أصحاب السَرَب
إن مرج الأزد مرج واسع
…
تستوي الأقدام فيه والركب
وقيل: إن الأزد بايعت لعبدالملك بن حرملة على كتاب الله عز وجل ليلة خرج الكرماني، فلما اجتمعوا في مرج نوش أقيمت الصلاة، فاختلف عبدالملك والكرماني ساعة ثم قدمه عبدالملك، وصير الأمر له، فصلى الكرماني.
ولما هرب الكرماني أصبح نصر معسكرا بباب مَرْو الرُّوذ (3) بناحية اردانة (4)، فأقام يوما أو يومين.
وقيل: لما هرب الكرماني استخلف نصر عصمت بن عبدالله الأسدي، وخرج على القناطر الخمس بباب مَرْو الرُّوذ وخطب الناس، فنال من الكرماني فقال: ولد بكرمان كان كرمانيا، ثم سقط إلى هرات، فكان هرويا، والساقط بين الفراشين لا أصل ثابت، ولا فرع نابت، ثم ذكر الأزد فقال: إن يستوثقوا فأذل قوم، وإن يأبوا فهم كما قال الأخطل:
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت
…
فدل عليها صوتها حية البحر
ثم ندم على ما فرط منه (5) فقال: اذكروا الله؛ فإن ذكر الله شفاء، ذكر الله خير لا شر فيه، يذهب الذنب، وذكر الله براء من النفاق.
ثم اجتمع إلى نصر خلق كثير، فوجه سلم بن أحوز إلى الكرماني في المجففة (6) في بشر كثير. . .، وكان الكرماني يحضر الجمعة في ألف وخمسمائة وأكثر وأقل، فيصلي خارجا من المقصورة، ثم يدخل على نصر فيسلم ولا يجلس، ثم ترك إتيان نصر وأظهر الخلاف، فأرسل إليه نصر مع سلم بن أحوز: إني والله ما أردت بك في حبسك سوءا، ولكن خفت أن تفسد أمر الناس فأتني، فقال الكرماني: لولا أنك في منزلي لقتلتك، ولولا ما أعرف من حمقك أحسنت أدبك، فارجع إلى ابن الأقطع
(1) لم أقف على تعريف له.
(2)
لم أقف على تعريف له.
(3)
مدينة قريبة من حوزان، ومعنى الروذ بالفارسية: النهر، وحصن مرو الروذ هو قصر الأحنف بن قيس، انظر: الخراج وصناعة الكتابة 1/ 106، 402.
(4)
ام أقف على تعريف لها.
(5)
ندم لأنه عرف أن ذلك منه شوطة غضب، وليس حقيقة، والواقع يكذب ما زعم، رحمهم الله جميعا.
(6)
لم أقف على تعريفها.
فأبلغه ما شئت من خير وشر، فرجع إلى نصر فأخبره، فقال: عد إليه، فقال: لا والله وما بي هيبة له، ولكني أكره أن يسمعني فيك ما أكره، فبعث إليه عصمت بن عبدالله
الأسدي، فقال: يا أبا علي، إني أخاف عليك عاقبة ما ابتدأت به في دينك ودنياك، ونحن نعرض عليك خصالا، فانطلق إلى أميرك يعرضها عليك. . .، فلم يجبه، فأرسل إليه مرة ثانية قديدا، وقال نصر لقديد بن منيع: انطلق إليه، فأتاه فقال له: يأبا علي، لقد لججت وأخاف أن يتفاقم الأمر فنهلك جميعا، وتشمت بنا هذه الأعاجم. . .، وتقاول الخصمان: الكرماني الدوسي، ونصر بن سيار، وتبادلا الشتم بما ليس في كل منهما، ولكنها العداوة تظهر ما ليس بحق، ودارت بينهما الرسل فلم تجد نفعا مع شدة الكرماني، ولاسيما وقد صرح بما كان يرجو تحقيقه من الخليفة مروان قال:"كانت غايتي في طاعة بني مروان أن يقلد ولدي السيوف، فأطلب بثأر بني المهلب ــ أبناء العم من ولد العتيك ــ مع ما لقينا من نصر وجفائه وطول حرمانه، ومكافأته إيانا بما كان من صنيع أسْد إليه" وقد سعى الرسل بالصلح بين الخصمين إلى حد إجراء المصاهرة بينهما ــ مع أنها لا تسمن ولا تغني من جوع ــ إذ أتى رسول آخر هو عقيل الكرماني فقال: يا أبا علي، قد سننت سنة تطلب بعدك من الأمراء، وإني أرى أمرا أخاف أن تذهب فيه العقول، قال الكرماني: إن نصرا يريد أن آتيه ولا آمنه، ونريد أن يعتزل ونعتزل، ونختار رجل من بكر بن وائل، نرضاه جميعا، فيلي أمرنا جميعا حتى يأتي أمر من الخليفة، وهو يأبا هذا، قال: يأ ابا علي، إني أخاف أن يهلك أهل هذا الثغر، فأت أميرك وقل ما شئت تُجَب إليه، ولا تطمع شفهاء قومك فيما دخلوا فيه، فقال الكرماني: إني لا أتهمك في نصيحة ولا عقل، ولكني لا أثق بنصر، فليحمل من مال خراسان ما شاء ويشخص، قال: فهل لك في أمر يجمع الأمر بينكما؟ ، تتزوج إليه ويتزوج إليك، قال: لا آمنه على حال ــ ومما زاد الأمر سوءا ــ أنه لما عزل الخليفة منصور بن جمهور خطب نصر فقال: "قد علمت أنه لم يكن من عمال العراق وقد عزله الله، واستعمل الطيب ابن الطيب" فغضب الكرماني لابن جمهور، فعاد في جمع الرجال واتخاذ السلاح، واتَّبعه خلق كثير (1).
وهنا جاء دور الرماح والمجالدة بالسيوف، فاستخلص الكرماني مرو بعد قتل الحارث بن سريج، وتنحى نصر عنها، فأرسل إليه نصر سالم بن أحوز في رابطته وفرسانه، فوجد يحيى بن نعيم الشيباني واقفا في ألف رجل من ربيعة، ومحمد بن
(1) البداية والنهاية 10/ 16.
المثنى في سبعمائة من فرسان الأزد، وابن الحسن بن الشيخ في ألف من فتيانهم، والحزمي السعدي في ألف من أبناء اليمن، فقال سالم لمحمد بن المثنى: يا محمد، قل لهذا الملاح أن يخرج إلينا ــ يعني الكرماني ــ فقال محمد: يا ابن الفاعلة لأبي علي تقول هذا؟ ! ، واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم سالم بن أحوز، وقتل من أصحابه زيادة على مائة، ومن أصحاب الكرماني زيادة على عشرين، وتستمر المواجهات الدامية بين الخصمين: أصحاب نصر وقد قتل منهم سبعمائة، ومن أصحاب الكرماني ثلاثمائة، ولم يزل الشر بينهم حتى خرجوا إلى الخندقين فاقتتلوا قتالا شديدا.
وهنا جاء دور المقولة السائرة: "الحرب خدعة" كان أبو مسلم الخراساني يراقب الموقف بين الطرفين، فلما استيقن أن كلا الفريقين قد أثخن أصاحبه، وأنه لا مدد لهم، جعل يكتب إلى شيبان ثم يقول للرسول: اجعل طريقك على مضر فإنهم سيأخذون كتبك، فكانوا يأخذونها فيقرؤونها؛ وفيها: إني رأيت أهل اليمن لا فاء لهم
ولا خير فيهم، فلا تثقن بهم ولا تطمئن إليهم، فإني أرجو أن يريك الله في اليمانية ما تحب، وإن بقيت لا أدع لها شعرا ولا ظفرا، ويرسل رسولا آخر بكتاب فيه ذكر مضر بمثل ذلك، ويأمر الرسول أن يجعل طريقه على اليمانية، حتى صار هوى الفريقين معه، وكتب إلى الكور بإظهار الأمر. . .، قلت: المكر والخديعة سبب كل فظيعة، كان هذا أسلوب أعداء عثمان لما زوروا عليه كتابا إلى واليه على مصر، فكان من البلاء ما كان بسبب ذلك الكتاب المزور. وأقبل ابو مسلم حتى نزل بين خندق الكرماني، وخندق نصر، وهابه الفريقان، وبعث إلى الكرماني إني معك، فانضم الكرماني إليه، فاشتد ذلك على نصر بن سيار، فأرسل على الكرماني ويحك لا تغتر! ، فوالله إني لخائف عليك وعلى أصحابك منه، فدخل مرو ونكتب كتابا بينن بالصلح، وهو يريد أن يفرق بينه وبين أبي مسلم، فدخل الكرماني منزله، وأقام أبو مسلم في العسكر، وخرج الكرماني حتى وقف في الرحبة في مائة فارس وعليه قرطق (1)، وأرسل إلى نصر: أخرج لنكتب بيننا ذلك الكتاب، فأبصر نصر منه غرة، فوجه غليه ابن الحارث بن سريج في نحو من ثلاثمائة فارس في الرحبة، فالتقوا بها طويلا، ثم إن الكرماني طعن في خاصرته، فخرَّ عن دابته، وحماه أصحابه حتى جاءهم ما لا قبل لهم به، فقتل نصر بن سيار الكرماني وصلبه (2).
فتأمل أيها القارئ الكريم كم يجر طلب الدنيا وملذاتها من البلاء وسفك دماء الأبرياء، وظلم الناس في أموالهم وأعراضهم، عجبا ثلاثة نفر: الكرماني، ونصر بن سيار، وأبو مسلم الخراساني، جروا البلاء الأعظم على الأتباع طلبا للإمارة وما يتبعها، وأخشى من تلوثهم بفكر الخوارج، وإن لم أقف على ما يؤكد ذلك، وعجبا لذلك الخليفة تجري في ولاياته الحروب الطاحنة ولا يحرك ساكنا.
(1) لباس فارسي.
(2)
تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري 7/ 287 ــ 292، والكامل في التاريخ 4/ 363، 364، 365، والبداية والنهاية 10/ 16، بتصرف.