الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر ــ يعني قومه ــ وقع نور بين عيني مثل الصباح، قال: فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراق دينهم، فتحول فوقع في رأس سوطي فجعل الحاضر يقول: مِنْ ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق (1)، وأنا أهبط إليهم من الثنية (2)، قال: حتى جئتهم فأصبحت فيهم (3).
أول من أسلم بعده:
قال: فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرا فقلت: إليك عني يا أبه فلست منك ولست مني، قال: ولم يا بني؟ ، قلت: أسلمت، وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قال أبي: يا بني فديني دينك، فاغتسل فطهر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم قال: ثم أتتني صاحبتي، فقلت لها: إليك عني، فلست منك ولست مني، قالت: لم بأبي أنت وأمي؟ ، قلت: فرق بيني وبينك الإسلام، أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم، قالت: فديني دينك، قلت: فاذهبي إلى حِمى ذي الشرى فتطهري منه، وكان ذو الشرى صنما لدوس، وكان الحمى حمى له حموه، به وشل من ماء يهبط من الجبل، قالت: بأبي أنت وأمي أتخشى عليَّ الفتنة من ذي الشرى شيئا؟ ، قلت: لا أنا ضامن كذلك، فذهبت فاغتسلت، فجاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت (4).
موقف الطفيل من قومه:
روى الجم الغفير من الأئمة أن الطفيل بن عمرو رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن دوسا قد عصت وأبت، فادع الله عليها، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه فقال الناس: هلكت دوس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم اهد دوسا وأت بهم» مرتين (5)، وفي هذا الصدد قال الطفيل رضي الله عنه: دعوت دوسا إلى الإسلام فتبطئوا، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقلت: يا نبي الله: إنه قد غلبني على دوس الدَّيْر، فادع الله عليهم،
(1) أي: يتعجبون من ذلك النور في سوطه.
(2)
الطريق في الجبل.
(3)
معرفة الصحابة لأبي نعيم 11/ 157.
(4)
معرفة الصحابة لأبي نعيم 11/ 157.
(5)
معرفة الصحابة لأبي نعيم 11/ 157، وهو في الصحيحين تقدم تخريجه في التمهيد.
فقال: «اللهم اهد دوسا، ارجع إلى قومك فادعهم، وارفق بهم» ، قال: فرجعت فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقضى بدرا وأحدا والخندق، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس (1)، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين.
لذلك عرض الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق بارض دوس، قال:"هل لك في حصن ومنعة؟ ، حصن دوس" قال: فابى رسول الله لما ذخر الله للأنصار (2).
قال الطفيل: ثم إنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا فتح الله عليه مكة، قلت: يا رسول الله: ابعثني إلى ذي الكفين ــ صنم أبيه عمرو بن حممة ــ فخرج إليه فجعل طفيل بن عمرو يقول وهو يوقد عليه النار، وكان من خشب:
يا ذا الكفين لست من عبادكا
…
ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادكا
تنبيه:
لم يقل الطفيل ابعثني إلى ذي الخلصة، والمشهور من زمن بعيد أن صنم ذي الخلصة في دوس، وهذا يؤكد خطأ من زعم ذلك، ولو كان لطلب الطفيل هدمه مع ذي الكفين، وقد بحثت في عدد غير قليل من المصادر فلم أجد ذكرا لذي الخلصة في دوس، وإنما هو في تبالة (3)، وكان مروة بيضاء منقوش عليها كهيئة التاج، وكانت بتبالة بين مكة واليمن، على مسيرة سبع ليال من مكة، وكانت تعظمها وتهدي لها خثعم، وبجيلة، وأزد السراة، ومن قاربهم من بطون العرب من هوازن،
(1) منهم أبو هريرة (الجرح والتعديل 4/ 489).
(2)
ضعيف الأدب المفرد (94، 614) قلت: لم يخف علي تعليق العلامة الألباني رحمه الله، لكن لم يظهر لي وجه التضعيف، لاسيما والأمر لا يتعلق بحلال ولا حرام، وليس غريبا أن يقول ذلك الطفيل رضي الله عنه فهو سيد في قومه، وارض السراة أقرب لمكة، وهي حصن حصين، ودوس أهل منعة، ولكن المدينة مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي من علامات نبوته، وذلك فضل ذخره الله للأنصار رضي الله عنهم، فنعمت المدينة ونعم الأنصار.
(3)
كتاب الأصنام 1/ 34.
ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وأسلمت العرب، ووفدت عليه وفودها، قدم عليه جرير بن عبدالله البجلي مسلما، ، فقال له: يا جرير، ألا تكفيني ذا الخلصة؟ ، فقال: بلى، فوجهه إليه، فخرج حتى أتى بني أحمس من بجيلة فسار بهم إليه، فقاتلته خثعم، وباهلة دونه، فقتل من سدنته من باهلة يمئذ مائة رجل، وأكثر القتل في خثعم، فظفر بهم وهزمهم، وهدم بنيان ذي الخلصة، وأضرم فيه النار فاحترق، فذو الخلصة كان صنما بتبالة، وكانت العرب جميعا تعظمه، وتسميه الكعبة اليمانية، وكانت له ثلاة أقداح: الآمر، والناهي، والمتربص (1).
أما حديث البخاري (2)، ومسلم (3)، «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس إلى ذي الخلصة» فلا نشك في صحة الحديث، لكن نشك في صحة الموقع، ويظهر لي أن منشأ الخطأ أن دوسا "أزد السراة" كانت تعظم ذا الخلصة الواقع في تبالة، مع غيرها من العرب، لتميزه بالأقداح الثلاثة، ومسمى "الكعبة اليمانية" مضاهات للبيت الحرام، لهذا ذُكر نساء دوس، وقد ورد في مسند أحمد عقب الرواية:"وكانت صنما يعبدها دوس في الجاهلية بتبالة"(4)، ونقلها النووي في شرح حديث مسلم، وفي السنة لابن أبي عاصم "وهو صنم بتبالة"(5)، وفي صحيح ابن حبان "وكانت صنما تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة" قال معمر: إن عليه بيتا مبنيا مغلقا (6)، وقال الزمخشري: هو بيت أصنام كان لدوس، وخثعم، وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة (7).
(1) كتاب الأصنام 1/ 35، 47.
(2)
حديث (7116).
(3)
حديث (2906).
(4)
حديث (7677).
(5)
حديث (77).
(6)
حديث (6749).
(7)
الفائق في غريب الحديث 1/ 389.
وموقع آخر لذي الخلصة؛ قيل: كان عمرو بن لحي بن قمعة نصبه بأسفل مكة، حين نصب الأصنام في مواضع شتى (1).
قلت: والذي أجزم به أن موقع ذي الخلصة غلط فيه الكثيرون، فليس مكانه في السراة، بل في تبالة قريبة من بشة اليوم، وأن هادمه جرير البجلي رضي الله عنه، نعم صنم دوس هو ذو الكفين، وهادمه الطفيل رضي الله عنه، ولو كان ذو الخلصة في دوس لذكره الطفيل وطلب أن يهدمه.
أما لماذا ذكر نساء دوس دون غيرهن فالذي يظهر لي أن دوسا سبقت الكثير من القبائل ولاسيما اليمانية إلى الإسلام، والهجرة إلى المدينة عام خيبر في السنة السابعة، فكان هذا الخبر تحذيرا من تلك الردة، التي يقع فيها قبائل من العرب منهم نساء من دوس، والله أعلم.
قلت: لا يُغتر بما رواه مرداس بن قيس الدوسي من قصة الخلصة لأمرين:
الأول: فيه شبهة التحريف من مروان بن قيس، إذ وردت القصة في ترجمته (215) نصا.
والثاني: أن القصة لا تقوى على معارضة ما تقدم من البيان؛ لأن في سند الرواية عن مرداس عيسى بن يزيد بن داب وهو كذاب، وفي السند عبدالله بن محمد بن البلوي مجهول، وفيه مجاهيل أيضا (2)، وكذلك الرواية عن مروان غير مسندة.
قال العلماء رحمهم الله: ثم رجع طفيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله، فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين فجاهد معهم أهل الردة حتى فرغوا من طلحة الأسدي، ومن أرض نجد كلها فسار مع المسلمين إلى اليمامة، معه ابنه عمرو بن الطفيل، فرأى رؤيا وهو موجه إلى اليمامة فقال لأصحابه: إني قد رأيت رؤيا فأعبروها لي، رأيت كأن رأسي حلق، وأنه يخرج من فمي طائر، وأنه أتتني امرأة فأدخلتني في فرجها، وأرى ابني يطلبني طلبا حثيثا، ثم رأيته خنس عني، قالوا: خيرا قال: أما أنا فقد والله أولتها، قالوا: ماذا أولت؟ ، قال: أما حلق رأسي فوضعه، وأما الطائر الذي خرج من فمي، فروحي، وأما المرأة التي
(1) الفائق في غريب الحديث 1/ 389.
(2)
تخجيل من حرف التوراة والإنجيل 2/ 860.