الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ستجده عند قراءة كل ترجمة؛ وهذا ينبئ بترابط الأسرة، وتقدير بعضهم لبعض، وقد ترجم لهم لسان الدين ابن الخطيب، وهو من أقران كبارهم، ويظهر أنه معجب بهذه الأسرة، وغن تناقض فيما كتب عن أبي القاسم التالي ذِكرُه.
(198) محمد بن أحمد أبو القاسم الدوسي
قال إحسان عباس رحمه الله (1): الشيخ الكاتب أبو القسم محمد بن محمد (2) بن أحمد بن قطبة الدوسي، كلأه الله تعالى، ترجم له ابن الخطيب في التاج والإحاطة، ويبدو أن نظرة ابن الخطيب له تغيرت، فهو هنا يذمه على خلاف ما ورد في الإحاطة، على أني المح عاملا آخر قويا جدا على تأليف هذه الكتاب؛ وهو رغبة لسان الدين في أن يعيد النظر في تقدير الأشخاص الذين تنكروا له؛ مثل القاضي النباهي، وابن فركون، وابن زمرك، وأبي القاسم بن قطبة الدوسي، وأن يكيل لهم من الذم ما يشفي به بعض غليله، ويصحح آراءه التي سجلها فيهم من قبل في الإحاطة وغيرها من كتبه ورسائله، وحسبك أن تقارن مثلا بين ما كتبه في ظهير بتولية ابن الحسن القضاء، وفي ترجمته له في الإحاطة، وفي الإشارات التي دونها عنه في مواضع أخرى منها، وبين ترجمته في الكتيبة "لجعسوس" حتى ترى مبلغ التغير الذي أصاب نظرة ابن الخطيب نحو صديق قديم، ومثل ذلك موقفه من سائر الأشخاص الذين تنكروا له وتآمروا عليه.
وإذا كان ابن الخطيب ملوما من الزاوية التاريخية فأولئك الأشخاص يتلقون قدرا مكافئا من اللوم، فابن زمرك الذي حرق البخور الكثير على أعتاب أستاذه تحين كل فرصة بعد تغير الحال لينحي عليه بالذم في قصائده ويعرض به تقربا إلى السلطان، إنها أزمة لم تحرق ابن الخطيب وحده بنارها بل حرقت خصومه أيضا (3).
واسمع ما قال لسان الدين ابن الخطيب عن أبي القاسم الدوسي في حال الرضا:
محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي؛ من أهل غرناطة، يكنى أبا القاسم، مجموع خلال بارعة، وأوصاف كاملة، حسن الخطّ، ذاكر للتاريخ والأخبار، مستول على خصال
(1) في تعليقه على الكتيبة الكامنة 1/ 272.
(2)
هكذا: محمد، ولعله مقحم في النسب، فالذي في الإحاطة 1/ 228: محمد بت أحمد
(3)
الكتيبة الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة 1/ 14، 15.
حميدة؛ من حسن رواء وسلامة صدر، إلى نزاهة الهمّة، وإرسال السّجية، والبعد عن المصانعة، والتحلّي بالوقار والحشمة، شاعر، كاتب.
ومناقبه يقصر عنها الكثير من أبناء جنسه، كالفروسيّة، والتجنّد، والبسالة، والرّماية، والسّباحة، والشطرنج، متحمّد بحمل القنا، مع البراعة، مديم على المروءة، مواس للمحاويج من معارفه.
ارتسم في الديوان فظهر غناؤه، وانتقل إلى الكتابة، معزّزة بالخطط النّبيهة العلمية، وحاله الموصوفة متّصلة إلى هذا العهد، وهو معدود من حسنات قطره.
وثبت في "التاج المحلى" بما نصّه: "سابق ركض المحلّى، أتى من أدواته بالعجائب، وأصبح صدرا في الكتّاب وشهما في الكتائب.
وكان أبوه، رحمه الله، بهذه البلدة، قطب أفلاكها، وواسطة أسلاكها، ومؤتمن رؤسائها وأملاكها، وصدر رجالها، ووليِّ أرباب مجالها، فقد نثل ابنه سهامها، فخبر عدالة وبراعة وفهما، وألقاه بينهم قاضيا شهما، فظهر منه نجيبا، ودعاه إلى الجهاد سميعا مجيبا، فصحب السّرايا الغربية المغيرة، وحضر على هذا العهد من الوقائع الصغيرة والكبيرة، وعلى مصاحبة البعوث، وجوب السّهول والوعوث، فما رفض اليراعةَ للباتر، ولا ترك الدّفاترَ للزمان الفاتر.
له أدب بارع المقاصد، قاعد للإجادة بالمراصد. وقال من الرّوضيات وما في معناها:
دعيني ومطلول الرّياض فإنني
…
أنادم في بطحائها الآس والوردا
أعلّل هذا بخضرة شارب
…
وأحكي بهذا في تورّده الخدّا
وأزهر غصن البان رائد نسمة
…
ذكرت به لين المعاطف والقدّا (1).
وذكر من شعره نماذج متنوعة المشارب.
واسمع ما قال لسان الدين ابن الخطيب في صديقه القديم، في كتاب ألفه لهذا الغرض:"هذا الرجل ممن ينتحل الشعر، ويكسد سوق حظه فيغلي السعر، ويوجب لنفسه ما يوجبه المغرور، ويهتف لسانه بما لا يهتف به إلا المرور، فهو مرحمة، وإن رأى نفسه فارس ملحمة، ومشفقة، وإن زعم إنه يجري على عطارد نفقة".
(1) الإحاطة في أخبار غرناطة 1/ 272.
وجرى ذكره في بعض الموضوعات الأدبية بما نصه: "مفحاش مهذار، لا يتعقب زلاته اعتذار، ولا يزعه من بعد خط الزوال بمفرقه إنذار، سخيف العقل، عديم الصقل، حجة قوله أخبر تقل، منسفل من سرير الهرقل، إلى مطرح العقل، رأسه مكفوف، ومخه منشوف، ودنه عقير، وبيته من البِرّ والبُر فقير، يقرع من بعد المشيب باب الشقا. . . .، وشعره شعث الشعر، مشوب غرضه بالبعر (1)، فمن ذلك يمدح السلطان أبا الحجاج (2) رحمه الله:
سفرتْ فأخجلتْ الصباح المسفرا
…
ورنتْ فسدَّدتْ السهام الأُخزرا
وثنتْ معاطفها الليان لزورة
…
تركت بها لين القضيب محيرا
وكأنما تهدي نفائس لؤلؤ
…
من ثغرها خُضن العتيق الأحمرا
ردي الفؤاد فدتك نفسي وارحمي
…
صبا مشوقاً من وصالك مقترا
لم يكف أن صيَّرتِ قلبي عامداً
…
حتى أسلت من المدامع جعفرا
أعصي العواذل ما أطعت صبابتي
…
إن المتيم حسبه أن يخفرا
ذعرتُ بجيش الردف مقنب خصرها
…
فلذا ترى بين الخصور مخصرا
حديث جيش الردف عنها مسند
…
إذ كان نص الخصر عنها مفتِرى
ولئن جرت من مقلتي مدامع
…
ووردت من وصل الحبيب الاكدرا
فلكم صفا ماء الحياة بيوسف
…
وغدا به ربع المظالم مقفرا
الآخذ الأرواح يوم نزاله
…
والتارك البطل الكمي معفرا
والواهب الآلاف ليس يعيرها
…
طرفاً ولو كانت خيولاً ضمرا
ملك إذا نطق الحسام بكفه
…
خرس البليغ ولو تسنم منبرا
يمضي العزيمة وهي برق خاطف
…
فيدق أعناقا ويقصم أظهرا
وقال في غرض النسيب:
ولما تمادى البعد بيني وبينها
…
وكادت حبال الوصل أن تتصرما
(1) الكتيبة الكامنة 1/ 272، 273، وقال كلاما لم يرق لنا تدوينه.
(2)
هو يوسف بن إسماعيل بن نصر: تولى الخلاة سنة 734 وهو إذ ذاك لم يتم السادسة عشرة من عمره، وفي زمنه حدثت الوقعة العظمى بطريف؛ قتله رجل بمرور يوم عيد الفطر سنة 755 (الكتيبة الكامنة 1/ 273) ت 1.