الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"باهان" فقال: دعوه فليأت معه، فاحتملنا معه نحوه، ولم نمش إلا خطى خمسا أو ستا حتى جاءنا الترجمان في نحو من عشرة فقال لي: ضع سيفك ولم يقولوا لخالد شيئا، فنظرت إلى خالد فقال خالد: ما كان ليضع عزه من عنقه أبدا، قد بعثتم إلينا فأتيناكم فإن تركتمونا جلسنا إليكم وسمعنا منكم، وإن أبيتم فخلوا سبيلنا ننصرف عنكم، فرجع الترجمان إلى "باهان" فأخبره فقال: دعوهما بأسيافهما، قال فأقبلنا فرحب بخالد وأجلسه معه، وجئت أنا فجلست على نمارق مطروحة للناس حيث أسمع مراجعتهما، فلما قال "باهان" لخالد: إنك من ذوي أحساب العرب، قال خالد: إن نبينا صلى الله عليه وسلم قال لنا: "إن حسب الرجل لدينه، ومن لم يكن له دين فلا حسب له، وقال لنا: إن خير الشجاعة عاقبةً ما كان منها في طاعة الله عز وجل " وذكرتَ أني أوتيت عقلا ووفاء، فإن أكن أوتيته فالله المحمود على ذلك، قال نبينا صلى الله عليه وسلم:"ما خلق الله عز وجل من خلقه شيئا هو أحب إليه من العقل، إن الله عز وجل لما خلقه وصوره قال له: أقبل فأقبل، وقال له: أدبر فأدبر، فقال وعزتي وجلالي ما خلقت من خلقي شيئا هو أحب إلي منك؛ بك تُنال طاعتي وتُدخل جنتي" والوفاء لا يكون إلا من العقل، ومن لا يكن له عقل فلا وفاء له".
شهد الحارث مع خالد اليرموك، ثم شهد صفين مع معاوية، وولاه معاوية على البصرة، سنة (45) خمس وأربعين من الهجرة، فشكا أهلها ضعفا فيه فاستعفى، ولم تطل مدة إمارته، وتوفي في زمن معاوية (1).
(58) الحارث بن قيس الدوسي
الحارث بن قيس بن صهبان بن عون بن علاج بن مازن بن أسود بن جهضم بن جذيمة بن مالك بن فهم بن غَنْم بن دوس بن عدثان بن عبدالله بن زهران بن كعب بن عبدالله بن نصر بن ملك بن الأزد (2).
هو مجير عبيدالله بن زياد لما قلاه الناس، وامتنعوا عن مبايعته، بعد موت يزيد بن معاوية، فلما رأى ذلك عبيدالله أرسل إلى حارث بن قيس فقال له: يا حار (3)، إن أبي
(1) تاريخ دمشق 11/ 453.
(2)
تراجم شعراء الموسوعة الشعرية 1/ 2292، ومعجم الأدباء: إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب 4/ 1673.
(3)
ترخيم لحارث.
كان أوصاني إن احتجت إلى الهرب يوما أن أختاركم، وإن نفسي تأبى غيركم، فقال الحارث: قد أبلوك في أبيك ما قد علمت، وأبلوه فلم يجدوا عنده ولا عندك مكافأة، وما لك مرد إذا اخترتنا، وما أدري كيف أتاني لك؛ إن أخرجتك نهارا إني أخاف ألا أصل بك إلى قومي حتى تقتل وأقتل، ولكني أقيم معك حتى إذا وارى دمسٌ دمسا (1) وهدأت القدم، ردفت خلفي لئلا تعرف، ثم أخذتك إلى أخوالي بني ناجية، قال عبيدالله: نعم ما رأيت، فأقام حتى إذا قيل: أخوك أم الذئب (2)، حمله خلفه، وقد نقل تلك الأموال فأحرزها، ثم انطلق به يمر به على الناس، وكانوا يتحارسون مخافة الحرورية فيسأل عبيدالله أين نحن؟ فيخبره، فلما كانوا في بني سليم قال عبيد الله: أين نحن؟ قال: في بني سليم، قال: سلمنا إن شاء الله، فلما أتى بني ناجيه قال: اين نحن؟ قال: في بني ناجية، قال: نجونا إن شاء الله، فقال بنوا ناجية: من أنت؟ قال: الحارث بن قيس، قالوا: ابن أختكم، وعرف رجل منهم عبيدالله فقال: ابن مرجانة! فأرسل سهما فوقع في عمامته، ومضى به الحارث حتى ينزله دار نفسه في الجهاضم، ثم مضى إلى مسعود بن عمرو بن عدي بن محارب بن صنيم بن مليح بن شرطان بن معن بن مالك بن فهم الدوسي، فلما رآه مسعود قال: يا حار (3)، قد كان يُتعوذ من سوء طوارق الليل، فنعوذ بالله من شر ما طرقتنا به، قال الحارث: لم أطرقك إلا بخير، وقد علمت أن قومك قد أنجوا زيادا فوفوا له، فصارت لهم مكرمة في العرب يفتخرون بها عليهم، وقد بايعتم عبيدالله بيعة الرضا، رضا عن مشورة، وبيعة أخرى قد كانت في أعناقكم قبل البيعة ــ يعني بيعة الجماعة ــ فقال له مسعود: يا حار، أترى لنا أن نعادي أهل مصرنا في عبيدالله، وقد أبلينا في أبيه ما أبلينا، ثم لم نكافأ عليه، ولم نشكر! ، ما كنت أحسب أن هذا من رأيك، قال الحارث: إنه لا يعاديك أحد على الوفاء ببيعتك حتى تبلغه مأمنه (4).
(1) حل الظلام وسكن المارة.
(2)
كلمة السر.
(3)
ترخيم حارث ..
(4)
تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (5/ 509، 510.