الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دين؛ يشرب الخمر، ويضرب بالطنابير، ويعزف عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسمر عنده الحُرَّاب ــ اللصوص ــ وإنا نشهدكم أننا قد خلعناه (1).
وبهذا التصرف من والي المدينة ووفدها اشتعلت الفتنة، وكانت الكارثة، ورغم ظلم يزيد وفسقه على ما ذكر المؤرخون فإن ما صنعه الوفد كان أمرا نزل بالناس منه شر عظيم، وما نسب إلى يزيد إن صح فهو شر يخصه، ومن معه في ذلك، فالفتنة لم تصب يزيد وحده، بل عمت الناس بشر عظيم، ولذلك نهى الله عن إيقاظ الفتن، قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (2).
(108) العاض بن ثعلبة الدوسي
العاضّ (3) بن ثعلبة بن سليم الدوسي، جاهلي لم أقف على ما يفيد عنه سوى أنه من أجداد الطفيل بن عمرو رضي الله عنه (4)، وانظر تكملة النسب في ترجمة الطفيل (106).
(109) عامر بن الطفيل الدوسي
لم أقف على ما ذكر عنه في غير فتوح الشام للواقدي، وكذلك ولده جندب بن عامر، ترجمته (51) فيقال: عامر، وتارة يكنّى: أبا عامر الدوسي، واحتمال الاشتباه بالطفيل بن عمرو وارد، وأن وهما وقع في اسمه واسم ابنه؛ اشتبه الأب عامر بن الطفيل بالطفيل بن عمرو، ترجمته (106) واشتبه الابن جندب بعمرو بن الطفيل، ترجمته (170) فإن قصة الرؤيا المحكية لكل منهما واحدة، إلا أن رؤيا الطفيل بن عمرو أكثر تفصيلا، أما عامر حكي عنه أنه رأى في منامه كأن امرأة لقيته ففتحت له فرجها فدخل فيه، ونظر إليه ابنه فأسرع ليدخل مكانه ــ وهي جزء من رويا الطفيل ــ فاستيقظ عامر وقص ذلك على المسلمين فلم يدر أحد تأويله، فقال عامر: أما أنا فعرفت تأويها، قالوا: وما تأويلها يا أبن الطفيل قال تأويله إني أقتل لأن المرأة التي أدخلتني فرجها هي الأرض، وابني سيصيبه جراح ويوشك أن يلتقي بي، فقاتل يوم
(1) الكامل في التاريخ 3/ 203. عد إليه أيها القارئ الكريم وتأمل بتجرد ترى الحق إن شاء الله.
(2)
من الآية (25) من سورة الأنفال.
(3)
بالضاد المعجمة المشددة، هو من كان بصيرا بعلاج الجروح، ومنهم من جعله بالصاد المهملة: من العصيان. انظر: اكمال الكمال 6/ 23.
(4)
تبصير المنتبه بتحرير المشتبه 3/ 890.
اليمامة وابلى بلاء حسنا وسلم ولم يلحقه أذى (1)، فلما كان يوم اليرموك شهد فيه الحرب، فاتفق سياق الرؤ يا فيما ذكر عامر وأنها كانت في اليمامة، واختلف مصيره يوم اليرموك؛ فجندب بن عامر قتل في مبارزة جبلة بن الأيهم، قاتل عامر بن الطفيل والد جندب.
أما عمرو بن الطفيل فلم يقتل، بل قطعت يده، وله قصة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكرناها في ترجمته (170) وهذا يؤيد التفريق بينهما، وقد اختلف العلماء في موقع وفاة الطفيل بن عمرو فقيل: في أجنادين، وقيل: في اليرموك، وقيل: اليمامة، والمرجح عندي أنه قتل في أجنادين، وهو يقول:"يا معشر الأزد، لا يؤتين المسلمون من قبلكم"، وإن لم يصدق ظني في اشتباه أمر الرجلين الطفيل وعامر، فهما شخصيتان من دوس، عكَّر صفو التفريق بينهما إهمال فتوح الشام ذكر الطفيل بن عمرو، وكأنها قناعة من الواقدي بأنه قتل في اليمامة، ومما يؤيد التفريق بين الابنين مباروة عامر ومن بعده ابنه جندب جبلة ابن الأيهم، وعلى هذا الفهم فقد قيل عن عامر بن الطفيل: رفيق خالد بن الوليد رضي الله عنهما، فهما صحابيان، وكان عامر أحد أبطال المسلمين أخذه خالد وتوجه يطلب الشام، وقد حدث أن وقع في الأسر، حيث أشرف المسلمون على حلة عامرة، وأغنام وإبل قد سدت الفضاء والمستوى، فأسرع المسلمون إلى الحلة، وإذا براع يشرب الخمر وإلى جانبه رجل من العرب مشدود، فتنبه المسلمون وإذا هو عامر بن الطفيل الذي أرسله خالد، فأقبل خالد بن الوليد مسرعا حتى وقف عليه فلما رآه تبسم وقال: يا ابن الطفيل كيف كان سبب أسرك؟ ، قال عامر: أيها الأمير إني أشرفت على هؤلاء القوم في هذه الحلة وقد أصابني الحر والعطش فملت إلى هذا الراعي ليسقيني من اللبن، فوجدته يشرب خمرا فقلت له: يا عدو الله أتشرب الخمر وهي محرمة؟ ! ، فقال لي: يا مولاي إنها ليس بخمر وإنما هي ماء زلال فانزل كي تراه واستنشق ما في الجفنة فإن كان خمرا فافعل ما بدا لك، فلما سمعت كلامه أنخت المطية ونزلت عن كورها، وجلست على ركبتي أنظر في الجفنة وإذا أنا بالعبد قد طلبنا بعصا كانت إلى جانبه، وضربني
(1) فتوح الشام 1/ 199.
على رأسي فشجني شجة موضحة فانقلبت على جانبي، فأسرع العبد الي وشدني كتافا واوثقني رباطا، وقال لي: أظنك من أصحاب محمد بن عبدالله ولست أدعك من بين يدي أو يقدم سيدي من عند الملك، فقلت له: ومن سيدك من العرب فقال القداح بن وائلة، وإني عند هذا العبد كلما شرب الخمر حضرني كما ترى والقى علي فضلة من كأسه، فلما سمع خالد بن الوليد كلام عامر بن الطفيل اشتد به الغضب ومال على العبد وضربه ضربة هائلة فجندله صريعا، ونهب المسلمون المال والأغنام والإبل، وقلعوا الحلة بما فيها واطلق عامرا وقال له: أين رسالتي يا عامر فقال: يا مولاي هي فى طرف عمامتي لم يعلم بها العبد، فقال خالد: انطلق بها يا عامر على بركة الله تعالى قال فركب عامر (1).
قال عامر: كنت يوم حرب دمشق في القلب وشاهدنا ما جرى بين خالد و "عزازير" لما ولى هاربا وقصر جواد خالد عن طلبه فوقع في قلبه الطمع وقال كان البدوي خاف مني ومالي إلا أن أقف حتى يلحقني وآخذه أسيرا، ولعل المسيح ينصرني عليه، فلما وقع ذلك في نفسه وقف حتى لحق به خالد وقد جلل فرسه العرق، فلما قرب منه صاح "عزازير" وقال: يا عربي لا تظن إني هارب خوفا منك وإنما أبقيت عليك خوفا على شبابك فارحم نفسك وإن أردت الموت أسوقه إليك أنا قابض الأرواح أنا ملك الموت فعند ذلك ترجل عن جواده وسحب السيف وسار إليه كأنه الاسد الضاري.
فلما نظر "عزازير" إلى ذلك وإلى ترجل خالد زاد طمعه فيه وحام حوله وهم إليه يريد أن يعلو رأسه بالسيف، فزاغ خالد عنها وصاح فيه وضرب قوائم فرسه ضربة عظيمة فقطعها، فسقط عدو الله على الأرض ثم ولى هاربا يريد أصحابه، فسبقه خالد وقال: يا عدو الله إن الذي تسميت باسمه قد غضب عليك واشتاق إليك، وها هو قد أقبل عليك يقبض روحك ليؤديك إلى جهنم، ثم هجم عليه وهم أن يجلد به الأرض، ونظرت الروم إلى صاحبها وهو في يد خالد فهموا أن يحملوا على خالد ويخلصوه
(1) فتوح الشام 1/ 23، وقد ورد أن حامل كتاب خالد إلى الشام عمرو بن الطفيل، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة 1/ 391، وانظر: ترجمة عمرو بن الطفيل (172).
من يده، إذ قد أقبلت جيوش المسلمين وأبطال الموحدين مع الأمير أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، كان قد سار من بصرى فوجدوه وقد أخذ "عزازير" في تلك الساعة، فلما نظرت عساكر دمشق إلى جيوش المسلمين قد أقبلت داخلهم الجزع والفزع فوقفوا عن الحملة (1)، ظنوا ذلك مددا للروم.
قال عامر بن الطفيل: "لقد كان الواحد منا يهزم من الروم العشرة والمائة قال فما لبثوا معنا ساعة واحدة حتى ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار وأقبلنا نقتل فيهم من الدير إلى الباب الشرقي فلما نظر أهل دمشق إلى انهزام جيشهم أغلقوا الأبواب في وجه من بقي منهم قال قيس بن هبيرة رضي الله عنه فمنهم من قتلناه ومنهم من أسرناه (2).
قال عامر بن الطفيل: كنت عن يمين خالد بن الوليد حين حملوا، وحملت خولة (3) أمامه، وحمل المسلمون وعظم على الروم ما نزل بهم من خولة بنت الأزور، وقالوا: إن كان القوم كلهم مثل هذا الفارس فما لنا بهم من طاقة (4).
قال عامر بن الطفيل الدوسي: كنت مع أبي عبيدة ونحن نتبع المنهزمين إلى طريق غزة، إذ أشرف علينا خيل فظننا إنها نجدة من عند الملك هرقل، فأخذنا على أنفسنا وإذا بالغبرة قد قربت منا، فإذا هي عسكر من ارسلها أبو بكر الصديق وما رأوا أحدا من المنهزمين إلا قتلوه ونهبوا ما معه (5).
قال أبو هريرة: وكانت النوبة في تلك الليلة لبني دوس، والأمير عليها عامر بن الطفيل الدوسي، فبينما نحن جلوس في مواضعنا من الباب إذ سمعنا أصوات القوم وهم ينادون، قال أبو هريرة فلما سمعت بادرت إلى أبي عبيدة وبشرته بذلك فاستبشر وقال: أمض وكلم القوم، وقل لهم: لكم الأمان، قال: فأتيت القوم وبشرتهم بالأمان فقالوا: من أنت؟ ، فقلت: أنا أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أن عبيدا أعطوكم
(1) فتوح الشام 1/ 35، 36.
(2)
فتوح الشام 1/ 36.
(3)
شكك البعض في وجود خولة بنت الأزور، ولم تذكر إلا في فتوح الشام، ولا ذكر لها في مصادر التاريخ والأدب، وعدها أسطورة.
(4)
فتوح الشام 1/ 41.
(5)
فتوح الشام 1/ 60، باختصار.
الأمان والذمام ونحن في الجاهلية لما غدرنا، فكيف وقد هدانا الله إلى دين الإسلام قال فنزل القوم.
وكان من أمر خالد رضي الله عنه أنه جمع إليه خيل المسلمين من أهل الشدة والصبر، ومن شهد معه الزحف، فقسمهم أربعة ارباع: فجعل على أحدهم قيس بن هبيرة المرادي رضي الله عنه، وقال له: أنت فارس العرب فكن على هذه الخيل، واصنع كما أصنع، وجعل على الربع الآخر ميسرة بن مسروق العبسي، وأوصاه بمثل ذلك، ودعا عامر بن الطفيل رضي الله عنه، على الربع الثالث وأوصاه بمثل ذلك (1).
فلما كان يوم اليرموك شهد فيه الحرب خرج عامر إلى قتال العلج ــ من فرسان الروم ــ وهو كأنه شعلة حريق أو صاعقة، وطعن البطريق وكانت قناته قد شهدت معه المشاهد، فاندقت بين يديه وانتضى سيفه وهزه، وضرب به العلج على عاتقه فخالط أمعاءه فتنكس العلج صريعا عن جواده، وأسرع عامر بن الطفيل فرمى به إلى المسلمين وسلمه إلى ولده، وانثنى راجعا نحو الروم وحمل على الميمنة وعلى الميسرة وعلى القلب.
ثم قصد المتنصرة (2) فقتل منهم فارسا ودعا للبِرَاز وخرج إليه جبلة بن الأيهم (3) وعليه درع من الديباج المثقل بالذهب وتحتها درع من دروع التبابعة وعليه بيضة تلمع كشعاع الشمس وتحته فرس من نسل خيول عاد فلما خرج جبلة إلى عامر بن الطفيل قال له: من أي الناس أنت قال أنا من دوس قال جبلة إنك من القرابة فابق على نفسك، وارجع إلى قومك ودع عنك الطمع فقال له عامر: قد أخبرتك من أنا ومن قبيلتي فأنت من أي العرب قال أنا من غسان وأنا سيدها جميعها أنا جبلة بن الأيهم الغساني وإنما خرجت إليك حين نظرت إليك وقد قتلت هذا البطريق الشديد وهو نظير "ماهان وجرجير" في الشجاعة فعلمت أنك كفؤ فخرجت لأقتلك وأحظى عند "ماهان وهرقل" بقتلك فقال عامر بن الطفيل أما ما ذكرت من شدة القوم وعظم
(1) فتوح الشام 1/ 71.
(2)
قوم جبلة بن الأيهم العربي سيد بني غسان، تنصر بعد إسلام في عهد عمر رضي الله عنه.
(3)
ارتد عن الإسلام، واعتنق النصرانية، بسبب حكم عمر عليه لأنه صفع غلاما من المسلمين، واستعظم أن يحكم عليه وهو سيد قومه فتنصر.