الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة إسلامه:
بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: "أيها الناس، أفيكم سواد بن قارب؟ " فلم يجبه أحد تلك السنة، فلما كانت السنة المقبلة قال:"أيها الناس، أفيكم سواد بن قارب؟ " قال الراوي: فقلت: يا أمير المؤمنين، وما سواد بن قارب؟ ، فقال له عمر رضي الله عنه:"عن سواد بن قارب كان بدء إسلامه شيئا" قال الراوي: فبينا نحن كذلك إذ طلع سواد بن قارب، فقال له عمر:"يا سواد حدثنا ببدء إسلامك، كيف كان؟ " قال سواد: "فإني كنت نازلا بالهند، وكان لي رئي من الجن، فبينا أنا ذات ليلة نائم، إذ جاء في منامي ذلك فقال: قم فافهم واعقل إن كنت تعقل، قد بعث رسول من لؤي بن غالب، ثم أنشأ يقول":
عجبت للجن وأنجاسها
…
وشدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى
…
ما مؤمنو الجن كأرجاسها
قال: ثم أنبهني فأفزعني، وقال: سواد بن قارب، إن الله بعث نبيا فأنهض إليه تهتد وترشد.
فلما كان من الليلة الثانية أتاني فأنبهني، ثم أنشأ يقول كذلك:
عجبت للجن وتطلابها
…
وشدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى
…
ليس قدامها كأذنابها
فانهض إلى الصفوة من هاشم
…
واسم بعينيك إلى نابها
فلما كان في الليلة الثالثة أتاني فأنبهني، ثم قال:
عجبت للجن وتخبارها
…
وشدها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى
…
ليس ذوو الشر كأخيارها
فانهض إلى الصفوة من هاشم
…
ما مؤمنو الجن ككفارها (1).
قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: قال: "ما سمعت عمر، لشيء قط يقول: إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن، بينما عمر جالس، إذ مر به رجل جميل، فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو: لقد كان كاهنهم، عليَّ الرجل،
(1) تفسير ابن كثير 7/ 298.
فدعي له، فقال له ذلك، فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني، قال: كنت كاهنهم في الجاهلية (1)، قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ ، قال: بينما أنا يوما في السوق، جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت:
ألم تر الجن وإبلاسها؟ (2)
…
ويأسها من بعد إنكاسها
ولحوقها بالقلاص (3) وأحلاسها.
قال عمر: صدق، بينما أنا نائم، عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول: يا جليح (4)، أمر نجيح (5)، رجل فصيح (6)، يقول: لا إله إلا الله، فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول لا إله إلا الله، فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي" (7).
قال سواد: فلما سمعته تكرر ليلة بعد ليلة، وقع في قلبي حب الإسلام من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله، قال: فانطلقت إلى رحلي فشددته على راحلتي، فما حللت عليه نسعة ولا عقدت أخرى حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (8)، فإذا هو بالمدينة ــ يعني مكة ــ والناس عليه كعرف الفرس، فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مرحبا بك يا سواد ابن قارب، قد علمنا ما جاء بك» . قال: قلت: يا رسول الله، قد قلت شعرا، فاسمعه مني. قال سواد: فقلت:
أتاني رئيِّ بعد ليل وهجعة
…
ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
(1) يتنبأ لهم بالأمور المستقبلة بغير دليل.
(2)
تحيُّرها حتى صارت في الحَيْرة مثل إبليس.
(3)
جمع قَلوص: وهي الناقة الشابة.
(4)
لرجل ناداه، ومعناه: الوقح الكاشف بالعداوة.
(5)
من النجاح وهو الظفر بالجوائج.
(6)
من الفصاحة: وهي البيان، وسلامة الألفاظ من الإبهام، وسوء التأليف.
(7)
البخاري حديث (3866).
(8)
لاحظ أنه ذكر أنه كان بالهند، فهل هذا الشد لراحلته كان بالهند فما حل عنها نسعة ولا عقد أخرى حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! ! الأمر فيه غرابة، أو أنه لماعاد إلى الجزيرة شد الدعلب ناقته هذا الأقرب.