الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(232) نجد بن الصامت الدوسي رضي الله عنه
-
نجد بن الصامت بن عابد بن أسماء بن قُرْوُدس بن الحارث بن مالك بن فهم بن غنم دوس القُرْدُوسي، الدوسي (1)، له إدراك عُد به من الصحابة، ولولده سعد ذكر بخراسان، في خلافة بني مروان، وقيل: إن نجدا هو الذي قتل أمير خراسان: قيبة بن مسلم الباهلي، في خلافة سليمان بن عبد الملك، والمشهور أن قاتل قتيبة هو وكيع بن أبي الأسود، وليس سعد بن نجد الدوسي، وقد جمع القولين ابن دريد في كتابه الاشتقاق وذكر أن وكيعا كان الرأس في ذلك، وأن نجدا باشر قتله، ومعه جهم بن زحر الجعفي (2).
وقتيبة ولاه الحجاج خراسان وسجستان في أيام الوليد بن عبد الملك، وقتل سنة (96) ست وتسعين من الهجرة، وقيل: قتل بفرغانة، سنة (97) سبع وتسعين، وهو ابن (45) خمس وأربعين سنة، بسبب منافسته ليزيد بن المهلب على الولاية، بعد وفاة الوليد بن عبد الملك، فقد ولّى سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب على العراق، وقد ذم قتيبة آل المهلب، وأقسم إنه إن وُلِّي يزيد بدلا منه ليخلعنه.
فإن صح أن قاتله نجد بن الصامت الدوسي، فهي عصبية منه ليزيد بن المهلب العتكي الأزدي، وقد كانت القبائل تتنازع الشرف والسيادة على تلك النواحي، ولذلك كان من خطب قتيبة بن مسلم الباهلي أن قال: "لماذا تتفرقون؟ ! ولماذا تتحزبون؟ ! كلكم من آدم! وكلكم مسلمون! وكلكم على شريعة واحدة! تعبدون رباً واحداً، وتدينون ديناً واحداً، فاجتمعوا ووجهوا قوتكم إلى عدوكم، فإن عدوكم بحاجة إلى أن تذلوه، وعدوكم يفرح بهذه التفرقات فيكم.
فلما لَمَّهم وجمعهم قويت كلمتهم، فتوجهوا وصاروا يفتحون بلاد أفغانستان، وبلاد السند، وبلاد ما وراء النهر، وفتحوها بلداً بلداً إلى أن وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وحصل هذا بعد أن جمع الله كلمتهم." ولا ريب أنه كان أحد القواد المصلحين، وكل
(1) معرفة الصحابة لأبي نعيم 7/ 360، ومنهم من نسب سليم إلى جده فقال: سليم بن فهم.
(2)
بتصرف: الاشتقاق 1/ 500، والإصابة 6/ 389، والكامل في التاريخ 4/ 72، وفتوح البلدان 1/ 327، والمعارف 1/ 407.
ما وقع من الفتح والصلح مع ملوك الصين كان على يده (1)، ولكنه لم يسلم مما أنكر على الناس، وطالب بعدم تولية يزيد بن المهلب، لمنافسته فابن المهلب رأس في القوم لا يقل عن قتيبة، رحمة الله علينا وعليهم.
وإن كان القاتل وكيع فإن له مثالب، وهو حري بذلك، ومن ذلك أنه أقبل على الحسن البصري فقال:"يا أبا سعيد، ما تقول في دم البراغيث يصيب الثوب أيصلى فيه؟ " فقال الحسن: "يا عجبا ممن يلغ في دماء المسلمين كأنه كلب، ثم يسأل عن دم البراغيث"، فقام وكيع ينخلج في مشيته تخلُّج المجنون، فقال الحسن:"لله في كل عضو منك نعمة، اللهم لا تجعلنا ممن يتقوى بنعمتك على معصيتك" وقد خطب وكيع بن أبي سود وهو والي خراسان فقال في خطبته: "إنّ الله خلق السّماوات والأرض في ستّة أشهر"، فقالوا له: بل في ستّة أيّام، فقال:"والله لقد قلتها وأنا أستقلّها"(2).
ولا نطيل في ذكر مثالب الرجل، ولا يمنع أن يزيد بن المهلب استغل الطرفين لقتل عدوه قتيبة بن مسلم، يوضح هذا أن وكيعا لما قتل قتيبة بعث بطاعته وبرأس قتيبة إلى سليمان، فوقع ذلك من سليمان كل موقع، فجعل يزيد بن المهلب لعبد الله بن الأهتم مائة ألف على أن ينقر وكيعا عنده، فقال ابن الأهتم: أصلح الله أمير المؤمنين! والله ما أحد قوله لسليمان بن عبد الملك: أوجب شكرا، ولا أعظم عندي يدا من وكيع، لقد أدرك بثأري، وشفاني من عدوي، ولكن أمير المؤمنين أعظم وأوجب عليّ حقا، وأن النصيحة تلزمني لأمير المؤمنين، إن وكيعا لم يجتمع له مائة عِنان قط إلا حدَّث نفسه بغدرة، خاملٌ في الجماعة، نابهٌ في الفتنة، فقال سليمان: ما هو إذا ممن نستعين به، فاستعمل سليمان يزيد بن المهلب على حرب العراق، فغدر يزيد، فلم يعط عبد الله بن الأهتم ما كان ضمن له، ووجه ابنه مخلد بن يزيد أميرا إلى وكيع، فأخذه ومن معه وحبسهم وعذبهم (3)، وهكذا تفعل السياسة وطلب السيادة
(1) شرح الطحاوية لابن جبرين رحمه الله.
(2)
فضيلة الشكر لله على نعمته 1/ 59، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم 9/ 4105.
(3)
تاريخ الطبري، وصلته 6/ 526، 527.