الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لاشتراكهما في عدم الاستغراق. وإذا كان المراد المعهود الذهني لا يكون من العموم والخصوص في شيء.
وفيه نظر لأن تمحله غير خاف على أن البعض إما أن يكون مطابقا بعد التجريد فهو عينها أو قبله فلا مطابقة.
والأولى أن يقال ليس ذلك بعد التخصيص والكلام فيه. ولا غرو أن يكون قوله: من العموم والخصوص في شيء إشارة إلى ذلك وإلا لكان قوله: فليس من العموم في شيء كافيا في الجواب فتأمل.
ص -
المخصص متصل ومنفصل
. المتصل: الاستثناء المتصل ، والشرط والصفة والغاية ، وبدل البعض.
والاستثناء في المنقطع ، قيل: حقيقة. وقيل: مجاز. وعلى الحقيقة قيل: متواطئ. وقيل: مشترك. ولا بد لصحته من مخالفة في نفي الحكم ، أو في أن المستثنى حكم أخر ، له مخالفة " توجبه ".
مثل: ما زاد إلا ما نقص. ولأن المتصل أظهر ، لم يحمله فقهاء الأمصار على المنقطع ، إلا عند تعذره. ومن ثم قالوا في: له عندي مائة درهم إلا ثوبا ، وشبهه: إلا قيمة ثوب.
ش - المخصص في اللافظ حقيقة. وفي اللفظ الدال على إرادة اللافظ مجاز
متعارف. وهو على المعنى المجازي ينقسم إلى متصل ومنفصل.
والمتصل أربعة أشياء الاستثناء المتصل ، والشرط ، والصفة ، والغاية ، وزاد المصنف قسما آخر وهو بدل البعض من الكل لأنه إخراج بعض أجزاء ما يتناوله اللفظ.
ورد بأن المبدل منه في حكم المنحى. وقد أقيم البدل مقامه فلا يكون مخصصا.
والجواب: أن كونه في حكم المنحى هو كونه مخصوصا منه.
واختلفوا في الاستثناء المنقطع. فقيل إطلاقة عليه: حقيق.
وقيل: مجاز.
واختلف القائلون بالحقيقة فقيل متواطئ موضوع للقدر المشترك بين المتصل والمنقطع. وقيل مشترك لفظي.
احتج من قال بالمجاز بأن المتصل هو الذي يسبق إلى الفهم وذلك علامة الحقيقة.
ومن قال بالتواطئ بأن الاستثناء ينقسم إليهما ومورد القسمة مشترك فكان متواطئا.
ومن قال بالاشتراك اللفظي بأنه مستعمل فيهما وفي المتصل الإخراج وفي المنقطع المخالفة فلا مشترك بينهما من حيث المعنى. والأصل في الاستعمال الحقيقة فيكون مشتركا بينهما لفظا.
وفيه نظر لأن المتصل يسبق إلى الفهم ولو كان لتردد الذهن. وفي ذلك رد للمذهبين جميعاً.
ولا بد في المنقطع من مخالفة المستثنى للمستثنى منه في نفي الحكم أو في أن للمستثنى حكما آخر له مخالفة مع المستثنى منه.
مثال الأول - جاءني القوم إلا حمارا. ومثال الثاني - ما زاد إلا ما نقص. وما
نفع إلا ما ضر. فإن ما الأولى نافية ، والثانية مصدرية. وفاعل زاد ونقص مضمر ومفعولهما محذوف والتقدير ما زاد فلان إلا نقصا. وما نفع فلان إلا مضرة. فالمستثنى وهو النقصان والمضرة حكم مخالف للمستثنى منه. ولما كان إطلاق
المستثنى على المتصل أظهر وأقوى لكونه حقيقة لم يحمل فقهاء الأمصار الاستثناء على المنقطع ما لم يتعذر حمله على المتصل ولأجل ذلك قالوا: لو كان له عندي مائة درهم إلا ثوبا وشبهه. معناه إلا قيمة ثوب احتيالا للاتصال.
ص - وأما حده ، فعلى التواطؤ: ما دل على مخالفة بإلا ، غير الصفة وأخواتها وعلى الاشتراك أو المجاز لا يجتمعان في حد. فيقال في المنقطع: ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها من غير إخراج.
وأما المتصل فقال الغزالي: قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دال على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول.
وأورد على طرده التخصيص بالشرط والوصف بالذي والغاية ومثل: قام القوم ولم يقم زيد.
ولا يرد الأولان.
وعلى عكسه: جاء القوم إلا زيدا. فإنه ليس بذي صيغ.
وقيل: لفظ متصل بجملة ، لا يستقل بنفسه ، دال على أن مدلوله غير مراد بما اتصل به ، ليس بشرط ولا صفة ولا غاية.
وأورد على طرده: قام القوم ازيد. وعلى عكسه: ما جاء إلا زيد. فإنه لم يتصل بجملة وأن مدلول كل استثناء متصل مراد الأول. والاحتراز من الشرط والصفة وهم. والأولى: إخراج بإلا وأخواتها.
ش - في كلامه تسامح. والصحيح أن يقول: وأما حده على التواطئ فما دل على مخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها نحو: ليس ، ولا يكون ، وخلا ، وعدا ، وحاشا ، وما خلا ، وما عدا ، وسوى ، وغير.
واحترز بقوله: - إلا وأخواتها - عما دل على مخالفة لا بها نحو: جاءني القوم ولم يجئ زيد ، وقام زيد لا عمرو.
وإنما قيد بأن يكون إلا غير الصفة احترازا عن إلا التي هي لمعنى الصفة: وهي ما كانت تابعة لجمع متكرر غير محصور نحو قوله - تعالى -: (لو كان فيهما ءالهة إلا الله) فإن المستثنى فيه يوصف ليس مما نحن فيه.
وأما على قول من يقول بالاشتراك أو المجاز فلا يمكن الجمع بين المتصل
والمنقطع في حد واحد من حيث المعنى لاختلاف حقائقهما فيحد كل على حدة.
فيقال في المنقطع: ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة من غير إخراج.
وفائدة القيود ظاهرة. وقوله: " من غير إخراج " لإخراج المتصل.
وأما المتصل فقد حده الغزالي: بأنه قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دال على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول.
وأراد بالقول الكلمات ، دل على ذلك قوله:" ذو صيغ " فإن الصيغ لا تكون لكلمة واحدة. واحترز به عن التخصيص بالفعل والعقل وقرينة الحال.
وقوله: " مخصوصة " احترز به عن كلمات لا يكون لها تلك الصيغ والمراد بالصيغ المخصوصة أدوات الاستثناء.
والمحصورة هي المعدودة القليلة. وقوله: " دال " إشارة إلى غاية أدوات الاستثناء. هذا ما قيل في بيانه.
وفيه نظر لأنه إما أن يكون هذا تعريف الاستثناء أو تعريف أدواته. لا سبيل إلى الثاني لكونه غير مراد في هذا الموضع ولا إلى الأول لأنه ليس كلمات بل هو معنى قائم بالمتكلم والكلمات أدواته.
وقد أورد عليه بحسب الطرد التخصيص بالشرط كقولك: أكرم الناس إن كانوا عالمين ، وبالوصف بالموصولات ، وبالغاية، ومثل: قلم القوم ولم يقم زيد لأن هذه
الألفاظ صيغ مخصوصة محصورة دالة على أن ما يذكر بعدها غير مراد من الألفاظ السابقة.
وإنما قيد الوصف بالذي لأن الوصف بغيره لا يدخل تحت الحد لأنه لم يذكر بعده شيء بخلاف الوصف بالذي فإنه يذكر بعده الصلة.
والمصنف منع ورود الأولين أعني التخصيص بالشرط والوصف لأنهما لا يدلان على أن المذكور بهما لم يرد بالقول السابق ، وإنما يدلان على أن المراد بالقول الأول هو المذكور بعدهما.
وأورد على عكسه مثل: جاء القوم إلا زيدا. فإنه ليس بذي صيغ مع أنه استثناء.
وقيل في تعريف المتصل: إنه لفظ متصل بجملة لا يستقل بنفسه دال على أن مدلوله غير مراد بما اتصل به ليس بشرط ، ولا صفة ، ولا غاية.
فقوله: " لفظ " احترز عن التخصيص بالفعل والعقل وقرينة الحال.
وقوله: " متصل بجملة " لإخراج المخصصات المنفصلة.
وقوله: " لا يستقل بنفسه " لإخراج مثل: قام القوم ولم يقم زيد. فإن قولنا ولم يقم لفظ متصل بجملة ولكن يستقل بنفسه.
وفيه نظر فإن قوله: ولم يقم بحرف العطف ليس بمستقل بنفسه. وإن ترك العاطف فات الاتصال.
وقوله: " دال " احتراز عن المهملات.
وقوله: " على أن مدلوله غير مراد " يعني أن مدلول المستثنى غير مراد بما اتصل به الاستثناء لإخراج التأكيد في نحو: جاء القوم كلهم.
وقوله: " ليس بشرط ولا صفة ولا غاية " احتراز عنها.
وأورد على طرده. جاء القوم لا زيد. فإنه يصدق عليه التعريف فإنه لم يتصل بجملة. وأن مدلول كل استثناء متصل مراد بالأول. وأن الاحتراز عن الصفة والشرط وهم ، لخروجهما بقوله:" غير مراد " فلم يحتج إلى ذكرهما.
ثم قال المصنف: والأولى أن يقال في تعريفه: إنه إخراج بإلا أو إحدى أخواتها.
وفيه نظر لأنه لبيان أنه لم يدخل لا للإخراج.
ص - وقد اختلف في تقدير الدلالة في الاستثناء فالأكثر: المراد ب " عشرة " في قولك: عشرة إلا ثلاثة سبعة. و " إلا " قرينة لذلك ، كالتخصيص بغيره. وقال القاضي: عشرة إلا ثلاثة بإزاء سبعة ، كاسمين مركب ومفرد. وقيل: المراد: ب " عشرة ": عشرة باعتبار الأفراد ثم أخرجت ثلاثة. والإسناد بعد الإخراج ، فلم يسند
إلا إلى سبعة. وهو الصحيح. لنا: أن الأول غير مستقيم للقطع بأن من قال: اشتريت الجارية إلا نصفها ونحوه لم يرد استثناء نصفها من نصفها ، لأنه كان يتسلسل " ولا " نقطع بأن الضمير " الجارية " بكمالها. ولإجماع العربية على أنه إخراج بعض من كل.
ولإبطال النصوص. وللعلم بأنا نسقط الخارج. فيعلم أن المسند إليه ما بقي.
والثاني كذلك للعلم بأنه خارج عن قانون اللغة إذ لا تركيب من ثلاثة ولا يعرب الأول وهو غير مضاف. ولامتناع إعادة الضمير على جزء الاسم في " إلا نصفها " ولإجماع العربية إلى أخره.
ش - واختلف العلماء في تقدير الدلالة في الاستثناء على ما هو المقصود؟
فذهب الأكثر إلى أن الاستثناء بين أن مراد المتكلم بالمستثنى منه ما بقي. فالمراد ب " عشرة "، في قولك: عشرة إلا ثلاثة: سبعة ، و " إلا " قرينة مبينة لذلك كالتخصيص بغير الاستثناء فإن المخصص فيه قرينة مبينة لمراد المتكلم بالعام.
وقال القاضي أبو بكر المستثنى والمستثنى منه وآلة الاستثناء جميعا موضوع لمعنى واحد وهو ما يفهم أخرا كأن العرب وضعت بإزاء سبعة اسمين ، مفردا ومركبا. فالمركب: عشرة إلا ثلاثة والمفرد ، سبعة.
وقيل: المراد بالمستثنى منه الجميع باعتبار الأفراد من غير حكم بالإسناد. ثم خرج منه المستثنى ، وحكم بالإسناد بعد إخراج المستثنى من المستثنى منه. فلم يسند إلا إلى ما بقي بعد اللإخراج.
فعلم أن المسند إليه سبعة. وهذا هو الصحيح عند المصنف.
وفيه نظر: " لا " يلزم أن لا يكون جاءني القوم في جاءني القوم إلا زيداً.
جملة إلا بعد الاستثناء وليس كذلك. ولأن إخراج المستثنى من المستثنى منه قبل الإسناد. ثم الإسناد بعد الإخراج إما أن يكون فعل المتكلم أو فعل غيره والثاني باطل لا محالة ، والأول كذلك لأنا نعلم قطعا أن ذلك لم يخطر ببال أحد من النحوين والعلماء عند المتكلم بالاستثناء فضلا عن العوام فما ذلك إلا متعسفا بتعسف عظيم.
احتج المصنف على سقم المذهب الأول بأوجه منها:
أنه لو كان المراد بالمستثنى منه هو الباقي بعد الاستثناء لزم أن يكون المراد استثناء نصف الجارية من نصفها إذا قيل: اشتريت الجارية إلا نصفها. إذ المراد بالمستثنى منه هو الباقي بعد الاستثناء فكأن المراد بالجارية نصفها وقد استثنى عنه النصف فيلزم استثناء نصفها من نصفها لكنا نقطع بأن من قال ذلك لم يرد استثناء النصف من النصف.
وفيه نظر لأن مراد الجمهور أن المراد بالمستثنى منه بعد الاستثناء ما بقي لا قبله وليس مرادهم أن ما بقي هو المستثنى منه وبهذه النكتة تندفع الأوجه التي اعترض بها المصنف عليهم فتأملها تصب.
ومنها أنه لو كان مراد المتكلم بالمستثنى منها ما بقي بعد الاستثناء لزم التسلسل واللازم باطل.
وبيان الملازمة أن المراد بالجارية مثلا إذا كان نصفها وقد أخرج الاستثناء من المستثنى منه نصفه فيكون نصف النصف مخرجا بالاستثناء فيكون المراد بالنصف الذي هو المستثنى منه نصف النصف لأنه الباقي بعد استثناء النصف وقد أخرج عن المستثنى منه الذي هو نصف النصف.
وفيه نظر آخر وهو أن التسلسل على تقدير وجوده ممتنع لأنه في الأمور الاعتبارية.
ومنها أنه لو كان المراد بالمستثنى منه الباقي بعد الاستثناء لزم رجوع ضمير نصفها إلى النصف لأنه هو المراد ، لكنه الجارية بلا خلاف.
وفيه نظر لأن الضمير راجع إلى الجارية حالة الاستثناء والمراد بها النصف بعده وهذا يذكر للثلاثة المذكورة أولا.
ومنها أنه لو كان كذلك لم يكن الاستثناء في قولنا: اشتريت الجارية إلا نصفها إخراج بعض من كل وهو ظاهر لكن أهل العربية أجمعوا على أنه إخراج بعض.
والثلاثة جارية.
ومنها أنه لو كان كذلك بطل النصوص لأن العشرة نص في مدلولها فلو أريد بها سبعة بطل النص لكن بطلانها باطل بالاتفاق.
وفيه نظر لأن ذلك ليس ببطلان بل هو استعمال مطنب في موضوع موجب على ما ستعرف. سلمناه. لكن بطلانه لا يجوز مطلقا أو إذا لم يقع مستثنى منه. والأول ممنوع ، والثاني يحصل به المطلوب.
ومنها أنا نعلم قطعا أنا نسقط الخارج يعني المستثنى من المستثنى منه فيعلم بعد إسقاطه أن المسند إليه ما بقي بعد الاستثناء فلو كان المراد بالمستثنى منه هو الباقي لم يكن الإسقاط موجبا للعلم بكون الباقي مسندا إليه لأن إسقاط الخارج متوقف على حصوله وإذا كان المستثنى منه هو الباقي لم يحصل خارج.
ولقائل أن يقول ذلك نهج متعسف لا يسلك كما تقدم على أن كل ذلك مغالطة إذا طبقت النكتة المذكورة عليها عرفت على أن عباراته كلها إيجاز مخل لا يفيد إلا بطريق الإلغاز.
واحتج على سقم المذهب الثاني أيضا بأوجه الأول: بأنا نعلم قطعا أنه
خروج عن قانون اللغة إذ لم يعهد وضع مركب من كلمات أولها معرب وهو غير مضاف وهذا يفضي إلى ذلك.
ولقائل أن يقول: المراد بالمركب المطنب وبالمفرد الموجز وإنكار وجود ذلك في كلام العرب لقصور الباع في علم البلاغة.
الثاني: أنه لو كان كذلك كان الضمير في " نصفها " لجزء الاسم وهو باطل لا محالة.
وفيه نظر فإنه يجوز أن يسمى شخص بضرب زيد غلامه ، والمنازع مكابر.
الثالث: أنه لو كان كذلك لما كان الاستثناء المتصل إخراجا وهو خلاف إجماع أهل العربية.
وفيه نظر لأن مذهب الخصم أن الاستثناء لبيان أنه لم يدخل لا للإخراج والإجماع معارض بإجماع آخر لأهل العربية أن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا.
ص - قال الأولون: لا يستقيم أن يراد عشرة بكمالها ، للعلم بأنه ما أقر إلا بسبعة فيتعين. وأجيب بأن الحكم بالإقرار باعتبار الإسناد ولم يسند إلا بعد الإخراج.
قالوا: لو كان المراد عشرة امتنع من الصادق مثل قوله: (إلا خمسين عاما).
وأجيب بما تقدم.
القاضي: إذا بطل أن بكون عشرة وبطل أن يكون سبعة تعين أن يكون الجميع لسبعة. وأجيب بما تقدم فتبين أن الاستثناء على قول القاضي ليس بتخصيص. وعلى الأكثر تخصيص وعلى المختار محتمل.
ش - القائلون بالمذهب الأول احتجوا بوجهين:
أحدهما: أنه لو قال: له علي عشرة إلا ثلاثة لم يستقم أن يراد بعشرة بكمالها للعلم القطعي بأنه ما أقر إلا بسبعة فتعين أن يكون المراد بها سبعة.
وأجاب المصنف بأن الحكم بالإقرار باعتبار الاسناد لا باعتبار العشرة فكان المراد العشرة بكمالها وأخرج منها ثلاثة قبل الإسناد ثم أسند بعد الإخراج الحكم إلى الباقي.
وفيه نظر لما عرفت ما فيها من التمحل الذي لا مزيد عليه ولكن الجواب أن يقال الإقرار يثبت لمجموع الكلام ويفيد سبعة كسبعة.
الثاني: أنه لو كان كذلك لزم الكذب في كلام الصادق في مثل قوله - تعالى -: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) إذ المراد حينئذ تمام الألف فإذا نقص خمسون كان الأول كذبا.
وأجاب بأن الصدق والكذب إنما يعتبر بالنسبة إلى الاسناد والاسناد بعد الإخراج فلم يلزم كذب.
وفيه نظر لما عرفت أنه من باب بناء الفاسد على الفاسد.
وإنما الجواب ما ذكرنا أن المجموع مستعمل موضع تسعمائة وخمسين عاما.
واحتج القاضي بأنه إذا بطل أن تكون العشرة بكمالها مرادة ، وبطل أن تكون
السبعة مرادة بها تعيين أن يكون الجميع لسبعة.
وأجاب بأنا لا نسلم أبطال المذهب المختار لما تقدم من الدلائل على صحتها.
وفيه نظر لما تبين فساد تلك الدلائل كلها فإذا علمت ما ذكر تبين لك أن الاستثناء على قول القاضي ليس بتخصيص إذ لا إخراج فإنه لبيان أنه لم يدخل كما مر ، وعلى مذهب الأكثر تخصيص لأنه إخراج بعض ما تناوله اللفظ ، وقصر اللفظ على بعض مسماه.
وعلى ما اختاره يحتمل أن يكون تخصيصا نظرا إلى أنه بعد الإسناد قد قصر لفظ المستثنى منه على بعض مسماه. ويحتمل أن لا يكون نظرا إلى أنه أريد بالمستثنى منه تمام مسماه.
ص - مسألة: شرط الاستثناء الاتصال لفظا أو ما في حكمه ، كقطعه لتنفس أو سعال ، ونحوه. وعن ابن عباس يصح وإن طال شهرا.
وقيل: يجوز بالنية كغيره. وحمل عليه مذهب ابن عباس لقربه. وقيل: يصح
في القرآن خاصة.
لنا: لو صح لم يقل صلى الله عليه وسلم: " فليكفر عن يمينه " معينا لأن الاستثناء أسهل. ولبطل جميع الإقرار والطلاق والعتق وأيضا فإنه يؤدي إلى أن لا يعلم صدق ولا كذب.
قالوا: قال صلى الله عليه وسلم: " والله لأغزون قريشا ثم سكت وقال: بعده إن شاء الله ". قلنا يحمل على السكوت لعارض كما تقدم. قالوا: " مسألة اليهود عن لبث أهل الكهف فقال: " غدا أجيبكم. فتأخر الوحي بضعة عشرة يوما ثم نزل: (ولا تقولن لشيء) فقال: إن شاء الله ".
قلنا: يحمل على أفعل إن شاء الله. وقول ابن عباس متأول بما تقدم أو بمعنى المأمور به.
ش - شرط صحة الاستثناء الاتصال لفظا أو حكما عند عامة العلماء والمراد بالحكمي ما وجد فيه الفصل لضرورة لتنفس وسعال وعطاس ونحوها.
ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما جواز الفصل بشهر.
وقيل: يجوز الفصل بالنية أي مع إضمار الاستثناء متصلا بالمستثنى منه كغير الاستثناء وهو التخصيص بالأدلة المنفصلة. وحمل ما نقل عن ابن عباس على هذا " القربة " من الصواب.
وقيل: يصح ذلك في القرآن فقط بناء على أنه كلام أزلي والفصل الخطابي لا يحل بالأزلي.
ورد بأن الكلام في العبارات التي وصلت إلينا لا الكلام الأزلي.
واحتج المصنف بأمور:
الأول: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها " فليكفر يمينه " ويأت الذي هو خير " يمين الكفارة للتخليص عن اليمين دون الاستثناء المنفصل. ولو جاز لعينه لرأفته على أمته.
الثاني: أنه لو جاز ذلك لما ثبت إقرار ولا طلاق ولا عتاق.
الثالث: أنه لو جاز لم يعلم صدق خبر ولا كذبه أصلا والملازمات ظاهرة واللوازم باطلة.
واحتج المجوزون أيضا بوجوه منها أنه صلى الله عليه وسلم قال: " والله لأغزون قريشا. وسكت. ثم قال بعد زمان: إن شاء الله " وأجاب بأنه يحمل على السكوت لعارض وهو متصل حكماً.
ومنها أن اليهود سألوه عن مدة لبث أهل الكهف. فقال عليه السلام: " غدا أجيبكم " ولم يقل أن شاء الله. فانقطع الوحي بضعة عشرا يوما. ثم نزل قوله - تعالى -: (ولا تقولن لشأئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) فقال عليه السلام: إن شاء الله إلحاقا بخبره الأول وهو قوله: " أجيبكم غدا ".
وفيه نظر لأن قوله: (ولا تقولن لشأئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) إن لم يدل مضافا إلى انقطاع الوحي على وجوب اتصاله فليس له دلالة على جواز الانفصال قطعا. وقوله عليه السلام: " إن شاء الله " لم يتعين أن يلحق بالخبر الأول لجواز أن يكون ذكره للتبرك أو متعلقا بقوله - تعالى -: (ولا تقولن لشأئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله).
يعني إن شاء الله - تعالى - ذلك فعلت كما أشار إليه المصنف: بقوله نحمله على أفعل إن شاء الله.
ومنها أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بصحته ولو لم يجز لما قال: لأنه من فصحاء أهل اللسان وترجمان القرآن.
وأجاب بأن قوله يتأول بما تقدم يعني جواز الانفصال بالنية أو بمعنى المأمور به يعني يجوز الانفصال في الاستثناء المأمور به وهو الاستثناء بمشيئة الله - تعالى -.
وفيه نظر لأنه يستلزم جواز أن تقول: أنت طالق. ثم تقول بعد زمان: إن
شاء الله. ولا يقع الطلاق وكذلك العتاق.
ص - مسألة: الاستثناء المستغرق باطل باتفاق والأكثر على جواز المساوي والأكثر. وقالت الحنابلة والقاضي: بمنعهما. وقال بعضهم والقاضي أيضا: بمنعه في الأكثر خاصة. وقيل: إن كان العدد صريحا. لنا: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) والغاوون أكثر ، بدليل:(وما أكثر الناس) فالمساوي أولى وأيضا: " كلكم جائع إلا من أطعمته ". وأيضا: فإن فقهاء الأمصار على أنه لو قال: عشرة إلا تسعة. لم يلزمه إلا درهم. ولولا ظهوره لما اتفقوا عليه عادة.
الأقل: مقتضى الدليل يمنعه إلى آخره.
وأجيب بالمنع لأن الإسناد بعد الإخراج ، ولو سلم فدليل متبع.
قالوا: عشرة إلا تسعة ونصف وثلث درهم مستقبح ركيك.
وأجيب بأن استقباحه لا يمنع صحته كعشرة إلا دانقا ، ودانقا إلا عشرين.
ش - الاستثناء إما أن يكون مستغرقا للمستثنى منه أو أكثر أو مساويا له أو أقل منه.
والأول باطل.
والرابع جائز بالاتفاق.
والثاني والثالث مختلف فيه فالأكثر على جوازهما.
وذهبت الحنابلة والقاضي أولا إلى منعهما. وقال بعض الأصوليين والقاضي آخرا بعدم الجواز في الأكثر دون المساوي.
وقيل: إن كان العدد صريحا كقولك: علي عشرة إلا تسعة. لم يجز الأكثر خاصة وإلا جاز مثل خذ هذه الدراهم إلا ما في الكيس الفلاني وكان ذلك أكثر من الباقي.
واحتج المصنف للأول بوجوه: منها أنه واقع في القرآن لقوله - تعالى -:
(إن عبادي ليس لك عليهم سلطن إلا من اتبعك من الغاوين).
والغاوون أكثر لقوله - تعالى -: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين). والوقوع دليل الجواز وإذا جاز الأكثر فالمساوي أولى.
ورد بأنه ليس من الجنس لأن الغاوين لم يدخلوا تحت العباد.
وأجيب بأن العباد أعم وهو صحيح لكنه ليس بحجة على من لم يمنع جوازه في غير العدد الصريح.
ومنها مثل ذلك في الحديث كما في قوله صلى الله عليه وسلم عن الله - تعالى -: " كلكم جائع إلا من أطعمته " ومن أطعمته أكثر. والوقوع دليل الجواز وليس بحجة على المجوز في غير العدد الصريح.
ومنها اتفاق فقهاء الأمصار على أنه إذا قيل: له عشرة إلا تسعة لزمه درهم ولولا ظهور جوازه لما اتفقوا عادة.
والقائلون بجوازه في الأقل خاصة احتجوا بوجهين:
أحدهما: أن مقتضى الدليل منع الاستثناء مطلقا لأنه إنكار بعد الإقرار وذلك إدخال " للعبد " في ربقة الكذابين والعقل يمنع عن الإقدام عليه لكن خالفناه في الأقل بسبب لم يوجد في الأكثر والمساوي وهو كون الأقل في معرض النسيان وعدم
الالتفات إليه فيبقى في الأكثر والمساوي معمولا به.
وأجاب بالمنع يعني لا نسلم أنه إنكار بعد الإقرار لأن الإقرار إنما يتقرر بعد الإسناد والإخراج قبله لو سلم ذلك ينبغي أن يتبع الدليل في الكل فلا يجوز الاستثناء أصلا.
وفيه نظر لأنه مبني على الأصل الفاسد المار ، لأنه قام الدليل على ترك ذلك الأصل في الأقل خاصة فلا يلزم اتباع الدليل في الكل وإلا لكان المقتضي مع المانع كالمقتضي السالم في لزوم العمل وذلك باطل لا محالة.
والثاني: أنه لو جاز ذلك لم يستقبح: علي عشرة إلا تسعة ونصف درهم وثلث درهم. واللازم باطل.
وأجاب بأن الاستقباح لا يمنع الصحة كقوله: علي عشرة إلا دانقا ودانقا إلى عشرين دانقا فإنه مستقبح ، وصحيح بالاتفاق.
ص - مسألة: الاستثناء بعد جمل بالواو ، قال الشافعية: للجميع والحنفية إلى الأخيرة والغزالي والقاضي: بالوقف. الشريف بالاشتراك أبو الحسين. إن تبين الإضراب عن الأولى فالأخيرة مثل أن يختلفا نوعا أو اسما ، وليس الثاني ضميره. أو حكما غير مشتركين في غرض. وإلا فللجميع.
والمختار: إن ظهر الانقطاع فللأخيرة ، والاتصال للجميع وإلا فالوقف.
ش - اختلف العلماء في استثناء واقع بعد جمل عطف بعضها على بعض بالواو:
فقالت الشافعية: يعود إلى الجميع.
وقالت الحنفية: يعود إلى الأخيرة.
ووقف الغزالي والقاضي.
وقال الشريف من الشيعة: بالاشتراك بين كونه عائدا إلى الجميع وإلى الأخيرة.
وقال أبو الحسين: إن تبين الإضراب عن الجملة الأولى فللأخيرة وذلك باختلافهما طلبا وخبرا مثل: جاء القوم ، وأكرم بني تميم ، وأهن بني كلاب إلا الطوال. أو باختلافهما اسما وليس الاسم في الجملة الثانية ضميرا للاسم في الجملة الأولى مثل: أكرم بني تميم وأهن بني كلاب إلا الطوال. أو باختلافهما حكما ولا
تكون الجملتان مشتركتين في غرض نحو: أكرم بني تميم واستأجر بني تميم إلا الضعفاء.
وإن لم يتبين الإعراض عنها مثل: إن اتفقا طلبا وخبرا ، ويكون الاسم الثاني ضمير الأول واشتركتا في غرض نحو: أطعم الفقراء وتصدق عليهم إلا الفاسقين فإنهما اشتركا في الجمل فهو للجميع.
هذا ما يدل عليه ظاهر كلامه.
وفي البديع زيادة اعتبارات لم تذكر ههنا فلتطلب فيه.
والمختار عند المصنف " أنه أظهر " بقرينة أن الجملة الأخيرة منقطعة عما قبلها فللأخيرة وإن ظهر أنها متصلة بما قبلها فللجميع وإن لم يظهر شيء منها فالوقف.
ص - الشافعية: العطف يصير المتعدد كالمفرد. وأجيب بأن ذلك في المفردات قالوا: لو قال " والله لا أكلت ولا شربت ولا ضربت إن شاء الله عاد إلى الجميع. وأجيب بأنه شرط فإن ألحق به فقياس. وإن سلم فالفرق أن الشرط مقدر تقديمه. وإن سلم فلقرينة الاتصال وهي اليمين على الجميع. قالوا: لو كرر لكان مستهجنا قلنا: عند قرينة الاتصال. وإن سلم فللطول مع إمكان إلا كذا من الجميع.
قالوا: صالح فالبعض تحكم كالعام. قلنا ، صلاحيته لا توجب ظهوره كالجمع المنكر. قالوا: لو قال: علي خمسة وخمسة إلا ستة كان للجميع.
قلنا: مفردا وأيضا فللاستقامة.
ش - احتجت الشافعية بخمسة أوجه:
الأول: إن العطف يصير المتعدد كالمفرد. يريد أن العطف ينافي عود الاستثناء إلى الأخيرة لأنه يوجب الاتحاد والعود التفرق وأحد المتنافين وهو العطف ثابت مشهور بين أخل اللسان فينتفي الأخير.
وأجيب بأن ذلك في المفردات وليس النزاع في ذلك.
وللخصم أن يقول ذلك دعوى لابد لها من دليل.
الثاني: أنه لو قال: والله لا أكلت ولا شربت ولا ضربت إن شاء الله عاد إلى الجميع فكذا في غيره.
وفيه نظر لأن ذلك إما أن يكون لغة أو عرفا والأول ممنوع والثاني مسلم ولكن الكلام في الأول.
وأجاب بأنه شرط لا استثناء والكلام فيه فإن ألحق بالشرط بجامع كان قياسا في اللغة وهو باطل ولو سلم جواز القياس فيها فالفرق ثابت فإن الشرط وإن كان متأخرا لفظا فهو مقدم تقديرا بخلاف الاستثناء فيجوز عود الشرط إلى الجميع لتقدمه دون الاستثناء ولو سلم عدم الفرق فإنما عاد هنا إلى الجميع بقرينة تشير باتصال الأخيرة بما قبلها وهي اليمين.
وللخصم أن يطالب بكون اليمين قرينة لذلك.
الثالث: أن الجمل المعطوفة بالواو وإذا عقبت بالاستثناء استهجن تكراره. فإنه لو قيل: " إن سرق " زيد فاقطعه إلا أن يتوب ، وإن شرب زيد فاجلده إلا أن يتوب ، وإن زنى زيد فاجلده إلا أن يتوب. كان مستهجنا عند أهل اللغة.
وفيه نظر لأنه دعوى.
وأجاب بأن التكرار إنما يكون مستهجنا عند قرينة اتصال بعضها ببعض وبدونها ممنوع ولو سلم استهجانه مطلقا لطول الكلام. مع إمكان الاختصار بأن بقول بعد الجمل إلا كذا في الجميع.
وفيه نظر لأن إمكان الاختصار قد لا يكون موجبا للاستهجان بالتكرار إذا كان في مقام الاطناب.
الرابع: أن الاستثناء المذكور صالح للعود إلى كل واحدة من الجمل لا محالة فالعود إلى البعض تحكم كالعام فإنه لما كان صالحا للجميع شمله دفعا للتحكم.
وأجاب بأن صلاحيته للعود إلى الجميع لا توجب ظهوره في العود إلى الكل وهو المتنازع فيه كالجمع المنكر فإنه صالح لكل الأفراد وليس بظاهر فيه.
الخامس: لو قيل: علي خمسة وخمسة إلا ستة عاد إلى الكل بالاتفاق فيطرد دفعا للاشتراك والمجاز.
وأجاب أولا: بأنه غير محل النزاع لوقوعه بعد المفردات.
وثانيا: بأنه عاد إلى الكل ههنا لأن عوده إلى الأخيرة يوجب الاستغراق فكان بدليل ولا كلام فيه.
ص - المخصص: آية القذف لم ترجع إلى الجلد اتفاقا. قلنا: لدليل وهو حق الآدمي ولذلك عاد إلى غيره. قالوا: " عشرة " إلا أربعة إلا إثنين " للأخير. قلنا: أين العطف؟ وأيضا مفردات. وأيضا للتعذر فكان الأقرب الأولى. ولو تعذر تعين الأول مثل علي عشرة إلا اثنين إلا اثنين ".
قالوا: الثانية حائلة ، كالسكوت. قلنا: لو لم يكن الجميع بمثابة الجملة.
قالوا: حكم الأولى يقين ، والرفع مشكوك قلنا: لا يقين مع الجواز للجميع. وأيضا فالأخيرة كذلك للجواز بدليل. قالوا: إنما يرجع لعدم استقلاله ، فيتقيد بالأقل وما يليه هو المتحقق. قلنا: يجوز أن يكون وضعه للجميع كما لو قام دليل.
القائل بالاشتراك: حسن الاستفهام.
قلنا: للجهل بحقيقته أو لرفع الاحتمال.
قالوا: صح الإطلاق ، والأصل: الحقيقة.
قلنا: والأصل عدم الاشتراك.
ش - احتج المخصص بالأخيرة أيضا بخمسة أوجه:
الأول: آية القذف وهو قوله - تعالى -: (والذين يرمون المحصنت ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمنين جلدة ولا تقبلوا لهم شهدة أبدا وأولئك هم الفسقون إلا الذين تابوا) فإنه راجع إلى الأخيرة فقط لعدم رجوعه إلى الجلد اتفاقا فيرد وإلا لزم الاشتراك أو المجاز.
وفيه نظر لأن الاشتراك يتحقق في استعمال اللفظ في مدلوليه الحقيقيين والمجاز في المدلول الغير الحقيقي والاستثناء موضوع للإخراج وقد استعمل فيه ، وأما أن يكون المخرج منه جملة أو جملا فلا مدخل له في مفهومه الوضعي حتى يلزم ذلك.
وأجاب بأن عدم العود إلى الجلد لدليل وهو أن الجلد حق الآدمي والتوبة لا أثر لها في إسقاط الآدمي.
وفيه نظر لأنه حد بالإجماع فكان حق الله ولا معتبر باشتماله على حق العبد لأنه مغلوب على ما عرف في موضعه.
الثاني: لو قال قائل: علي عشرة إلا أربعة إلا اثنين يعود إلى الأخير فقط فيجب أن يعود إلى الأخيرة في الجميع دفعا للحكم.
وفي صحة هذا النقل نظر لنه لا شبهة في كونه غير متصل بمحل النزاع أصلاً.
وأجاب بأن النزاع في الجمل المعطوفة ولا عطف فيه ولا جملة.
وأيضا إنما عاد إلى الأخيرة لتعذر عوده إلى الجميع لوقوع الاستثناء الثاني مستدركا فإن الاستثناء يخرج الإثنين حينئذ من الأربعة الواقعة مستثنى أولا واثنين من الجملة الأولى لتعلقه بها كتعلقه بالمستثنى فصار المخرج أربعة والاستثناء الأول يفيد فلا حاجة إلى الثاني ولما تعذر العود إلى الجميع وكأن الأخيرة أقرب حمل عليه.
وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لكان الحمل على الأولى لسبقها وقلة المخالفة فيه أولى ولو تعذر العود إلى الأخيرة تعين العود إلى الأولى كقوله: علي عشرة إلى اثنين إلا اثنين فإنه تعذر عود الاستثناء الأخير إلى الاستثناء الأول لكونه مستغرقا فتعين أن يعود إلى الأول.
وفيه نظر لأن هذا يصح أن يكون تأكيدا للأول فلا يتعلق لا بالأول ولا بالثاني أصالة.
الثالث: أن الجملة الثانية حائلة بين الأولى والاستثناء فتكون مانعة عن عوده إلى الأولى لتعلقه بها كالسكوت.
وأجاب بأن الجميع بمنزلة جملة واحدة للعطف كما تقدم.
وفيه نظر لأن جعل الجمل المتعددة بمثل جملة واحدة خارج عن قانون كلامهم.
الرابع: حكم الجملة الأولى متيقن ورفعه بتعلق الاستثناء بها مشكوك للاختلاف فيه واليقين لا يزول بالشك.
وأجاب بمنع التيقن مع احتمال رفع حكم الجميع بالاستثناء.
وفيه نظر لأن الاحتمال إنما ينشأ بعد ذكر الاستثناء باعتبار عوده إلى الأخيرة أو الجميع فحكم الأولى متيقن في أول ما ذكره لأن الظاهر عدم إبطال الإقرار بالإنكار بعده.
وأجاب أيضا بأن هذا لو كان مانعا من عوده إلى الأولى يمنع من عوده إلى الأخيرة لجواز عود الاستثناء إلى الأول بدليل دون الأخيرة فيكون رفع حكم الأخيرة
بالاستثناء مشكوكاً وثبوت حكمها متيقنا والمتيقن لا يزول بالمشكوك.
وفيه نظر لأنه على ذلك التقدير لا ينصرف الاستثناء إلى الأخيرة قطعا فضلا عن الشك.
الخامس: أن الاستثناء غير مستقل فالضرورة داعية إلى مرجع له فإما أن يرجع إلى الجميع وهو باطل لعدم الضرورة لاندفاعها بعوده إلى الخيرة فيتقيد بالأقل ، والأخيرة أولى لقربها.
وأجاب بجواز أن الواضع وضع في صورة تعدد الجمل الاستثناء الواقع بعدها للعود إلى الجميع وحينئذ لا يجوز العود إلى الأخيرة فقط كما إذا قام دليل على عوده إلى الجميع فإنه حينئذ لا يعود إلى الأخيرة فقط.
وفيه نظر فإنه لا يجوز ذلك لأن المركبات موضوعة من حيث مفرداتها ، ووضع الاستثناء في المفردات للإخراج ، وأما أن يكون المخرج منه جملة أو جملا فلا مدخل له في ذلك. سلمناه ولكنه يلزم الاشتراك وهو خلاف الأصل.
والقائل بالاشتراك احتج بوجهين:
الأول: أنه يحسن الاستفهام من المتكلم بأنه أراد العود إلى الأخيرة أو إلى الجميع وليس ذلك إلا لتردد الذهن وهو دليل الاشتراك.
وأجاب بأن حسن الاستفهام لا يدل على الاشتراك لجواز أن يكون الاستفهام للجهل بحقيقته أي لعدم العلم بمفهومه الحقيقي والمجازي.
وفيه نظر لأن حقيقة الاستثناء معلومة والانصراف إلى الجميع أو إلى الأخيرة من العوارض فإن من لم يختلف في حقيقة الاستثناء اختلف في هذا وهو دليل التغاير.
وقال: أو لدفع الاحتمال يعني أنه وإن كان حقيقة في أحدهما لكنه يحتمل أن يكون الآخر مرادا بطريق المجاز.
وفيه نظر لأن المجاز غير معتبر إلا بقرينة وقبلها لا معتبر لاحتماله.
الثاني: أنه يصح إطلاق الاستثناء مع إرادة العود إلى الجميع وإلى الأخيرة والأصل في الإطلاق الحقيقة فكان مشتركا.
وأجاب بأن الاشتراك خلاف الأصل فيحمل على كونه حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر وهو أولى من الاشتراك لما تقدم.
وفيه نظر لما تقدم ثمة.
ص - مسألة: الاستثناء من الإثبات نفي وبالعكس خلافا لأبي حنيفة.
لنا: النقل. وأيضا: لو لم يكن ، لم يكن " لا إله إلا الله " توحيدا.
قالوا: لو كان للزم من لا علم إلا بحياة " ، و " لا صلاة إلا بطهور ".
ثبوت العلم والصلاة بمجردهما. قلنا: ليس مخرجا من العلم والصلاة فإن اختار تقدير" إلا صلاة بطهور " ، اطرد فإن اختار لا صلاة تثبت بوجه إلا بذلك ، فلا يلزم من الشرط المشروط.
وإنما الإشكال في المنفي الأعم في مثله ، وفي مثل ما زيد إلا قائم إذ لا يستقيم نفي جميع الصفات المعتبرة.
وأجيب بأمرين: أحدهما: أن الغرض المبالغة بذلك والأخر: أنه أكدها.
والقول بأنه منقطع بعيد لأنه مفرغ ، وكل مفرغ متصل لأنه من تمامه.
ش - قيل اتفق الجمهور على أن الاستثناء من الإثبات نفي ، وأما الاستثناء
من النفي فقد اختلفوا فيه.
فذهب الشافعي إلى أنه إثبات خلافا لأبي حنيفة. وفي صحة هذا النقل عن أبي حنيفة نظر فإن المنقول عنه أنه من الإثبات نفي ومن النفي إثبات لكنه بإشارته لا بعبارته.
واختار المصنف مذهب الشافعي. واستدل عليه بوجهين:
الأول: النقل فإن أهل النقل نقلوا عن أهل اللغة ذلك.
والثاني: العقل أنه لو لم يكن كذلك لم يكن " لا إله إلا الله " توحيداً والثاني
باطل بالإجماع.
وبيان الملازمة أن النفي الداخل على الإله نفى جميع الآلهة وعلى التقدير المذكور لم يثبت الاستثناء واحدا منها فلم يشعر هذا اللفظ بالتوحيد لعدم ثبوت الألوهية لله.
وفيهما نظر أما الأول فلأنه معارض بما نقل عن أئمة اللغة أنهم قالوا: إن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا وإذا صح النقلان تعارضا فوفقنا بأنا جعلنا الاستثناء تكلما بالباقي بعد الثنيا عبارة ، ونفيا وإثباتا إشارة وقد ذكرنا ذلك في التقرير مستوفى فليطلب ثمة. فليس الغرض من هذه العجالة إلا الإلمام بأصول الأصحاب.
وأما التقرير الشافي فهناك وفي الأنوار وغيرهما.
وأما الثاني - فلأن هذا اللفظ يشعر بنفي الألوهية عن غير الله - تعالى - وذلك يكفي في التوحيد لأن ثبوت ألوهيته - تعالى - وتقدس لم ينازع فيه أحد قال الله
- تعالى -: (ولئن سألتهم من خلق السموت والأرض ليقولن الله) وإنما يدعون الشركة لغيره معه في غير ذلك فإذا انتفى ذلك حصل التوحيد.
- واحتج للحنفية بأن الاستثناء من النفي لو كان إثباتا لزم من " لا علم إلا بحياة " و " لا صلاة إلا بطهور " ثبوت العلم والصلاة بمجرد الحياة والطهور
لكونه استثناء من النفي واللازم باطل لأن الحياة حاصلة للبهائم ولا علم لها ، والصلاة تنتفي بانتفاء شرط آخر غيره.
وأجاب بأن هذا الاستثناء إن أجري على ظاهره من غير تقدير شيء فليس من الجنس لأن الحياة والطهور ليسا بمخرجين من العلم والصلاة فلا تكون محل النزاع إذ هو فيه وإن قدر شيء فإن قدر لا علما إلا علم بحياة. ولا صلاة إلا صلاة بطهور. لم يتوجه النقض لا طراد القول حينئذ بأن الاستثناء من النفي إثبات. وإن قدر لا علم يثبت بوجه إلا بحياة ، ولا صلاة تصح بوجه إلا بطهور كان معناه أن العلم مشروط بالحياة ، والصلاة بالطهارة ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط.
ورد الأطراد في الأول لعدم ثبوت الصلاة بالطهارة عند انتفاء غيرها وكذا عدم ثبوت العلم. واندفاع إلزام الخصم على الثاني فإن دليله لم يقتض إلا عدم ثبوت المستثنى في هذه الصورة.
والجواب قد قدره وهو حق. ثم قال المصنف: وإنما الإشكال في المنفي الأعم في مثل " لا صلاة إلا بطهور " وفي مثل: " ما زيد إلا قائم " لأنه إذا كان المراد المنفي الأعم يعني الذي ينفي جميع الصفات المعتبرة كان تقدير المثال الأول: لا صفة للصلاة من الصفات المعتبرة في وجودها من استقبال القبلة وستر العورة وغيرها إلا صفة الطهارة
وتقدير الثاني لا صفة لزيد من الصفات " المعتبرة في " كونه زيدا إلا القيام وحينئذ لا شك في وجود الإشكال لأن معنى الأول حينئذ نفي جميع الصفات المعتبرة للصلاة وإثبات الطهورية من بينها ومعنى الثاني نفي جميع الصفات المعتبرة في زيدية
زيد وإثبات القيام من بينها ، وذلك غير صحيح لا محالة.
وأجاب بأمرين:
أحدهما: أن المراد بتعميم النفي ههنا المبالغة في تحقق تلك الصفة للموصوف فكان قائلا قال: لا تعتبر صفة الطهورية للصلاة فقيل: لا صلاة إلا بطهور ، ويكون قصر قلب بطريق الادعاء.
الثاني: أن المراد أن هذا الوصف آكد الأوصاف.
وفيه نظر أما في الأولى فلأنه خطابة واستعمالها في مقام الاستدلال غير مفيد.
وأما في الثاني فلأن كونه آكد الأوصاف ممنوع لأنه ورد: " لا صلاة إلا بالقراءة " ، " لا صلاة إلا بالفاتحة " ، " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ".
على أنه لا ينهض في مثل: ما زيد إلا قائم.
فإن قيل الإشكال الذي أورده المصنف إنما يتأتى على تقدير كون الاستثناء متصلا وهو ممنوع لجواز أن يكون منقطعاً.
أجيب بأنه مفرغ وهو متصل لأنه من تمام الكلام المتقدم ولا شيء من المنقطع كذلك.
ص - التخصيص بالشرط. الغزالي: الشرط: ما لا يوجد المشروط دونه ، ولا يلزم أن يوجد عنده. وأورد: أنه دور. على طرده: جزء السبب.
وقيل: ما يقف تأثير المؤثر عليه. وأورد على عكسه: الحياة في العلم القديم.
والأولى: ما يستلزم نفيه نفي أمر على غير جهة السببية.
وهو عقلي كالحياة للعلم وشرعي كالطهارة ولغوي مثل: أنت طالق إن دخلت الدار.
وهو في السببية أغلب وإنما استعمل في الشرط الذي لم يبق للمسبب سواه فلذلك يخرج به ما لولاه لدخل لغة. مثل أكرم بني تميم إن دخلوا ، فيقصره الشرط على الداخلين.
وقد يتحد الشرط ويتعدد على الجمع ، وعلى البدل فهذه ثلاثة كل منها مع الجزاء كذلك فتكون تسعة.
والشرط كالاستثناء في الإتصال ، وفي تعقبه الجمل. وعن أبي حنيفة للجميع. ففرق.
وقولهم في مثل: " أكرمك إن دخلت " ما تقدم خبر ، والجزاء محذوف مراعاة لتقدمة كالاستفهام والقسم.
فإن عنوا ليس بجزاء في اللفظ فمسلم وإن عنوا ولا في المعنى فعناد.
والحق أنه لما كان جملة روعيت الشائبتان.
ش - قال الغزالي: الشرط: ما لا يوجد المشروط دونه ولا يلزم أن يوجد المشروط عنده. أي عند وجود الشرط.
وأورد على هذا التعريف أنه دوري لأن معرفة المشروط موقوفة على معرفة الشرط.
وقد أخذ في تعريفه. وأنه غير مطرد لأن جزء السبب لا يوجد مسبب دونه ولا يلزم أن يوجد المسبب عنده مع أن جزء السبب ليس بشرط.
وفيه نظر لجواز أن يكون تعريفا لفظيا كما ذكر أبو علي في
الإشارات في تعريف الإدراك قال: الإدراك أن تتمثل حقيقة المدرك عند المدرك يشاهدها بما به يدرك.
ويلزم أن جزء السبب شرطه.
وقيل في تعريف الشرط: هو ما يتوقف تأثير المؤثر عليه.
وأورد عليه بأنه غير منعكس لأن الحياة القديمة شرط للعلم القديم ة العلم ليس من الصفات المؤثرة.
ولقائل أن يقول لا نسلم أن الحياة القديمة شرط للعلم القديم ، لم لا يجوز أن يحصل العلم لذات الله وإن كانت لا تنفك عن الحياة.
ثم قال المصنف: والأولى أن يقال في حد الشرط: ما يستلزم نفيه نفي أمر آخر على غير جهة السببية. أي على وجه لا يكون سببا لوجوده ولا داخلا فيه.
فقوله: ما يستلزم نفيه نفي أمر كالجنس لاشتراكه بين الشرط والسبب وجزئه ، والباقي كالفصل. وبه يخرج عنه السبب وجزؤه ويدخل تحت الحد شرط الحكم وشرط السبب.
وفيه نظر لأن الملزومات تنتفي بانتفاء اللوازم وليس بأسباب ولا جزئها.
والشرط ينقسم إلى عقلي وشرعي ولغوي لأنه إما أن يحكم العقل بشرطيته أولا والأول هو العقلي كالحياة للعلم فإن العقل يحكم بانتفاء العلم عند انتفائها ولا يحكم بوجوده عند وجودها.
والثاني إما أن يكون الشرع قد حكم بشرطيته أو لا والأول هو الشرعي كالطهارة للصلاة ، والثاني اللغوي مثل: إن دخلت الدار فأنت طالق. فإن العقل يحكم بانتفاء الطلاق عند انتفاء دخول الدار.
ولا الشرع بل اللغة وضعت ألفاظا إذا استعملت في شيء " كان " ذلك شرطا وهي ألفاظ " معدودة معروفة ".
والشرط اللغوي أغلب استعماله في السببية العقلية نحو: إذا طلعت الشمس فالعالم مضيء.
والشرعية نحو قوله: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) فإن طلوع الشمس سبب لضوء العالم عقلا ، والجناية سبب لوجوب التطهر شرعا عند البعض.
وإنما استعمل الشرط اللغوي في الشرط الذي لم يبق للمسبب شرط آخر سواه يعني الشرط الأخير نحو: إن تأت أكرمك.
فإن الإتيان شرط لم يبق للإكرام سواه فإنه إذا دخل عليه الشرط اللغوي علم أن أسباب الإكرام كلها حاصلة ولم يبق إلا حصول الإتيان.
قوله: فلذلك ، يجوز أن يكون معناه فلأجل أن الشرط مخصص يخرج به أي بالشرط من الكلام ما لولاه أي الشرط لدخل فيه لغة مثل قولنا: أكرم بني تميم إن دخلوا الدار. فإن الشرط يقصر الإكرام على الداخلين منهم ويخرج منه غير الداخلين.
وفي عبارته تسامح والأولى أن يقول: فيقصره الشرط على دخولهم دون الداخلين. فتأمل.
وإنما قال لغة ليدخل فيه نحو قولنا: أكرم بني تميم أبدا إن قدرت ، لأن حالة عدم القدرة معلوم الخروج بدليل العقل من غير الشرط لكن خروجها عنه عقلا لا ينافي دخولها فيه لغة فيصدق في مثل هذه الصورة لولا الشرط لدخل فيه لغة.
والشرط قد يتحد نحو: إن دخلت الدار ، وقد يتعدد إما على الجمع كإن دخلت الدار والسوق ، أو على البدل نحو: أو السوق فذلك ثلاثة. وجزاء كل منها أيضا نحو: إن يقع ، كذلك ، فكان الأقسام تسعة حصلت من ضرب ثلاثة في ثلاثة.
ثم الشرط كالاستثناء في الاتصال لفظا أو حكما.
وفي تعقبه الجمل المتعاطفة بالواو يعود إلى الكل عند الشافعي.
وعند المصنف على التفصيل المار اختياره.
وعن أبي حنيفة أنه يعود إلى الجميع فرق بينه وبين الاستثناء ووجهه مذكور في التقرير.
وقد قيل في ذلك إن الاستثناء متأخر والشرط متقدم معنى ثم تكلم على مثل قولهم: أكرمك إن دخلت. فإنهم أعني النحاة قالوا: ما تقدم خبره والجزاء محذوف مراعاة لتقدم الشرط كتقدم الاستفهام والقسم. ثم قال: إن عنوا أن المتقدم ليس بجزاء
للشرط لفظاً فمسلم وإن عنوا أنه ليس بجزاء لا لفظا ولا معنى فعناد لتوقف الإكرام على الدخول فيكون متأخرا عنه معنى فيكون جزاء له معنى.
قال: والحق أن المتقدم يعني: أكرمك ، لما كان جملة مستقلة لفظا لا معنى روعيت الشائبتان فيه أي شائبة الاستقلال من حيث اللفظ ، فحكم بأنه جزاء ، وشائبة عدمه معنى فحكم بأن الجزاء محذوف لكونه مذكورا من حيث المعنى.
ص - التخصيص بالصفة مثل: أكرم بني تميم الطوال. وهي كالاستثناء في العود على متعدد.
الغاية مثل أكرم بني تميم إلى أن يدخلوا. " فيقصره على الداخلين " كالصفة وقد تكون هي والمقيد بها متحدين ومتعددين كالشرط. وهي كالاستثناء في العود على المتعدد.
ش - ولما كان من أقسام التخصيص بالمتصل الصفة والغاية تكلم عليهما.
أما الصفة فنحو: أكرم بني الطوال. وحكمه حكم الاستثناء إذا وقعت بعد جمل متعاطفة بالواو في عوده إلى الجميع أو إلى الأخيرة.
وأما الغاية مثل: أكرم بني تميم إلى أن يدخلوا أو حتى يدخلوا. فيقصر الإكرام على غير الداخلين.
وفي عبارته النظر المتقدم. وقد تتحدد الغاية والمغيا: كأكرم بني تميم حتى يدخلوا.
وقد يتعددان إما على سبيل الجمع ، أو البدل ، كأكرم بني تميم وأعطهم حتى يدخلوا أو يقوموا. وقد يتعدد أحدهما دون الآخر.
والأقسام تسعة كما في الشرط.
والغاية كالاستثناء في العود إلى الجميع أو إلى الأخيرة إذا وقعت بعد جمل متعاطفة بالواو كما فيما تقدم.
ص - التخصيص بالمنفصل يجوز التخصيص بالعقل. لنا: (الله خالق كل شيء). وأيضا: (والله على الناس حج البيت) في خروج الأطفال بالعقل. قالوا: لو كان تخصيصا لصحت الإرادة لغة.
قلنا: التخصيص للمفرد. وما نسب إليه مانع هنا وهو معنى التخصيص.
قالوا: لو كان مخصصا لكان متأخرا لأنه بيان. قلنا لكان متأخرا بيانه لا ذاته.
قالوا: لو جاز به لجاز النسخ.
قلنا: النسخ على التفسيرين محجوب عن نظر العقل. قالوا: تعارضا.
قلنا: يجب تأويل المحتمل.
ش - لما فرغ من بيان أنواع التخصيص بالمتصل شرع في أقسام المنفصل وهو الدليل العقلي والحسي والنقلي.
ذهب الجمهور إلى أن الدليل العقلي مخصص خلافا لبعض.
والدليل للجمهور وجهان:
أحدهما: أن قوله - تعالى -: (الله خلق كل شيء) يفيد العموم لغة لأن الشيء يتناول الواجب والممتنع والعقل يمنع أن يكون الواجب والممتنع مخلوقين فكان الدليل العقلي مخصصا.
وفيه نظر أما أولا فلأنا لا نسلم أن الشيء يتناول الممتنع ، وخلق الواجب ممتنع فلا يتناوله شيء.
وأما ثانيا: فلأن العقل عند الأشاعرة مهجور في الدلالة فلا يكون مخصصاً.
والثاني: قوله - تعالى -: (ولله على الناس حج البيت) فإن اللام في الناس للاستغراق فيكون عاما والعقل يمنع وجوبه على الصبيان والمجانين لعدم تمكنهما من معرفة الوجوب فكان العقل مخصصا.
وفيه نظر لأنا لا نسلم أن العقل خصصه بل قوله: (من استطاع إليه سبيلا) فإن المجانين والصبيان غير مستطعين شرعا أو قوله عليه السلام: " رفع القلم عن ثلاثة " أو غير ذلك من الأدلة النقلية الدالة على اشتراط العقل والبلوغ في التكليف على أنا نمنع كون اللام للاستغراق لم لا تكون للعهد؟ فإن وجوب الحج متأخر عن وجوب الصلاة والصوم فكان من تكلف من الناس معلوما فيكون المعهود أولئك.
واستدل المانعون بوجوه أربعة:
الأول: لو صلح العقل مخصصا للواجب والممتنع عن عموم الآية الأولى وللصبيان والمجانين في الثانية لصحت إرادة الواجب والممتنع من الأولى لغة ، وإرادة الصبيان والمجانين من الثانية لأن التخصيص إخراج ما تناوله اللفظ وما تناوله اللفظ يصح إرادته منه واللازم باطل لأن المتكلم لا يصح أن يريد دلالة لفظ على ما هو مخالف لصريح العقل.
وأجاب بمنع انتفاء التالي فإن التخصيص للمفرد وهو (كل شيء) في الأولى و (الناس) في الثانية قبل التركيب فصحة الإرادة بالنسبة إليهما قبله متحققة ، وما
نسب إلى المفردين في الآيتين مانع من إرادة الواجب والممتنع والصبيان.
فحكم العقل بالتخصيص وهو المعنى بالتخصيص العقلي.
وفيه نظر أما أولا فلما مر غير مرة أن العقل معزول عن الدلالة على أن الخصم إذا بدل بصحة الإرادة نفس الإرادة في التالي هكذا: لو صلح العقل مخصصا للواجب والممتنع عن عموم الآية الأولى وللصبيان والمجانين عن الثانية لأراد الواجب الواجب والممتنع من الأولى لغة ، والصبيان والمجانين من الثانية لأن الأصل إرادة ما وضع اللفظ له وهو العموم امتنع منع انتفاء التالي فإنه لا يصح أن يقال لا نسلم أنه لم يرد من المفرد نفسه والصبيان والمجانين لأنه لو أراد ذلك ثم أخرج بالنسبة كان تناقضا.
والمسلك الذي سلكه المصنف في الاستثناء من الإخراج ثم إيقاع النسبة لا يتحقق ههنا لأن النسبة هي التي يحصل بها الإخراج فتأمل.
الثاني: أن دليل العقل لو خصص العام تأخر عنه لأن التخصيص بيان والبيان متأخر عن المبين واللازم باطل لأن العقل متقدم على الخطاب.
وأجاب بأن العقل متأخر عن العام من حيث أنه بيان ، ومتقدم عليه بالذات.
ولقائل أن يقول دلالة العقل على ذلك إما أن يكون لذاته أو لأمر آخر معه فإن كان الأول فالذاتي لا يتخلف ، وإن كان الثاني فإما أن يكون ذلك الأمر عقليا أو نقليا فإن كان الأول فالكلام فيه كالكلام في الأول وإن كان الثاني كان هو المخصص أو المركب منها فلا يكون محل النزاع.
الثالث: أنه لو جاز التخصيص " العقل " جاز النسخ به لأن التخصيص بيان عدم الحكم في القدر المخصوص والنسخ كذلك. واللازم باطل بالاتفاق.
وأجاب بمنع الملازمة بناء على أن العقل لا يهتدي إلى النسخ على التفسيرين جميعا وهو انتهاء الحكم الشرعي أو رفعه كما سيأتي بخلاف التخصيص فإن العقل
يقطع بأن الواجب غير مخلوق.
وفيه نظر لأن الكلام ليس في هذه المادة خاصة ولأنه مبني على الفرق وقد تقدم ، ولأن العقل إذا جاز أن يعتبر قاطعا في الإخراج عن عموم اللفظ لم لا يجوز أن يكون دليلا على التوحيد وبعثة الرسل وغير ذلك مما لا يدل اللفظ عليه إلا بالنسبة إلى من هو عاقل وهل هذا إلا تناقض ظاهر؟!
الرابع: أن العام مقتض فلو كان العقل مخصصا تعارضا وهو باطل لاستلزامه الترك بأحد الدليلين وليس أحدهما أولى فيفضي إلى تركهما.
وأجاب بأنه إذا كان كذلك وجب تأويله بالمحتمل وهو أن بعض ما تناوله اللفظ غير مراد لأن العقل لا يقبل التأويل.
وفيه نظر لأن العام مقتض لإثبات الحكم بالاتفاق وأما كون العقل مخصصا ففي حيز النزاع فصرف المتفق عليه عن مقتضاه لما هو في حيز النزاع المرجوح خارج عن أوضاع العلوم قطعا.
ص - مسألة: يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب. أبو حنيفة والقاصي والإمام إن كان الخاص متأخرا وإلا فالعام ناسخ فإن جهل تساقطا.
لنا: أن (وأولات) مخصص لقوله: (والذين يتوفون) وكذلك (والمحصنات من الذين) مخصص لقوله: (ولا تنكحوا المشركات) وأيضا لا يبطل القاطع بالمحتمل.
قالوا: إذا قال: اقتل زيدا. ثم قال: لا تقتل المشركين. فكأنه قال لا تقتل زيدا. فالثاني ناسخ.
قلنا: التخصيص أولى لأنه أغلب ، ولا رفع فيه كما لو تأخر الخاص.
قالوا: على خلاف قوله: (لتبين) قلنا: (تبيانا لك شيء).
والحق أنه المبين بالكتاب والسنة. قالوا البيان يستدعي التأخير.
قلنا: استبعاد. قالوا: قال ابن عباس: كنا نأخذ بالأحداث فالأحداث. قلنا يحمل على عير المخصص جمعا بين الأدلة.
ش - اختلف الناس في جواز تخصيص الكتاب بالكتاب فمنهم من منعه.
والجمهور على جوازه.
واختلفوا في أن الجواز مطلق أو مقيد. فقال أبو حنيفة والقاضي أبو بكر وإمام الحرمين: يجوز ذلك إذا تأخر الخاص عن العام. وأما إذا تأخر العام فهو ناسخ للخاص المتقدم ، وإن جهل التاريخ تساقطا.
ومنهم من جوزه متقدما ومتأخرا واختاره المصنف.
واحتج عليه بوجهين:
أحدهما: الوقوع فإنه دليل الجواز لا محالة وهو في قوله - تعالى -: (وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فإنه مخصص لقوله - تعالى -: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا).
وقوله - تعالى -: (والمحصنت من المؤمنت والمحصنت من الذين أوتوا الكتب) فإنه مخصص لقوله - تعالى - (ولا تنكحوا المشركت) مع تأخر العام فيهما.
وفيه نظر أما أولا فلأنا لا نسلم أنها متأخرة لما روي أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد التي في سورة البقرة ".
والثاني: أن دلالة العام على ما يد عليه الخاص ليست مقطوعا بها لكونه غير نص فيه بخلاف دلالة الخاص فإنها مقطوع بها لكونه نصا والقاطع لا يبطل بالمحتمل.
وفيه نظر لأن دلالة الألفاظ غير قطعية عندهم فكان تناقض. ولأن العام كالخاص في كونه قطعيا في الدلالة عند أبي حنيفة وهو الحق فلا يصح الاحتجاج به عليه.
المانعون احتجوا بأربعة أوجه:
الأول: أن العام المتأخر بمنزلة التنصيص على الأفراد فإذا قال: اقتل زيدا. ثم قال: لا تقتل المشركين. فكأنه قال: لا تقتل زيدا المشرك ولا خالدا المشرك. ولا عمرا المشرك ولا شك أن هذا ناسخ لقوله: اقتل زيدا المشرك. فكذا ما هو بمنزلته.
وأجاب بأن قوله: لا تقتل المشركين يحتمل التخصيص بخلاف صورة التنصيص على الآحاد وإذا احتمل النسخ والتخصيص فالحمل على التخصيص أولى لأنه أكثر وقوعا ولا رفع فيه للحكم كما لو تأخر الخاص.
وفيه نظر لأن قوله: لا تقتل المشركين يحتمل التخصيص بالمتقدم أو غيره والأول ممنوع والثاني لا يفيد سوي الفرق بين الصورتين وذلك باطل كما تقدم غير مرة.
ولأنا لا نسلم أن النسخ رفع بل لبيان انتهاء الحكم على ما سيأتي.
الثاني: وهو دليل لمن ينفي تخصيص الكتاب بالكتاب مطلقا أن القول بذلك على خلاف قوله - تعالى -: (لتبين للناس) فإنه يدل على أن الرسول عليه السلام هو المبين لكل القرآن فلو جاز ذلك كان المبين غيره فلا يكون الرسول عليه السلام مبينا.
وفيه نظر لأنه ليس في الآية ما يدل على أن الرسول مبين لكل القرآن فلا ينافي أن يكون غيره مبينا للبعض وفيه أعمال الدليلين فكان أولى.
وأجاب عنه بالمعارضة فإن قوله - تعالى -: (ونزلنا عليك الكتاب تبينا لكل شيء) يدل على أن القرآن مبين لكل شيء والكتاب شيء فيكون مبينا له وإذا كان الكتاب مبينا للكتاب لا يكون الرسول مبينا للاستغناء أو لئلا يلزم تحصيل الحاصل.
وفيه نظر لأن القدر المبين من الكتاب شيء فلا بد وأن يكون مبينا بالكتاب وقد يكون بينا لا يحتاج إلى بيان فكان متروك الظاهر لا يحتج به ولم يقتصر على المعارضة بل زاد بيانا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين لكن بيانه قد يكون بالكتاب وقد يكون بالسنة وكون الرسول مبينا لا ينافي كون الكتاب مبينا لأن البيان كما يجوز أن
ينسب إلى الكتاب الذي يبين به الرسول ان ينسب الى الرسول.
وفيه نظر لأن هذا عين النزاع فإن الخصم يقول المبين هو الرسول لكن بكتاب الله الذي ينزل عليه أو بالحديث الذي ليس بمنزل والثاني عين النزاع والأول هو المطلوب.
الثالث: لو جاز تخصيص الخاص عاما لزم ان يكون متأخرا عن العام لأنه بيان وهو يستدعي تأخير المبين عن المبين والملزوم حق بالاتفاق فاللازم كذلك.
وأجاب بمنع استدعاء البيان تأخير المبين. قال: بل هو استبعاد وهو لا يوجب عدم الجواز.
وفيه نظر لأن التخصيص لبيان أن بعض ما يصلح أن يتناوله العام ليس بمراد واقتضاء ذلك تقدم العام لا يمنعه إلا معاند.
الرابع: أن العام المتأخر أحدث من الخاص المتقدم والأخذ بالأحدث واجب لقول ابن عباس: " كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث ".
وأجاب بأنا نحمل العام الأحدث الذي يجب الأخذ به على غير المخصص جمعا بين الأدلة فإن الدليل المتقدم يقتضي تقديم الخاص المتقدم على العام المتأخر وهذا الدليل يقتضي عكس ذلك فيحمل على غير المخصص جمعا بينهما.
ولقائل أن يقول هذا اعتراف منهم بأن دليلنا يجب العمل به.
وأما نحن فنقول إن دليلهم مزيف لا يجوز العمل به فكان مدعانا ثابتا ومدعاهم في حيز النزاع وأن العام المتأخر إذا كان ناسخا فإنه يوجب ترك العمل بالخاص المتقدم واذا كان الخاص المتقدم مخصصا أوجب ذلك بقدره من العام فاستويا في ذلك والتخصيص بالمتقدم مختلف فيه والنسخ بالمتأخر جائز بلا خلاف فالأخذ به أولى.
ص- مسألة: يجوز تخصيص السنة بالسنة " لنا وفيما " دون خمسة أوسق صدقة ". مخصص لقوله: (فيما سقت السماء العشر) وهي كالتي قبلها.
ش- إذا ورد سنة خاصة وسنة عامة وتعذر الجمع بينهما فعند العراقيين إن تأخر العام نسخ الخاص ، وإن تأخر الخاص نسخ العام بقدره ، وإن وردا معا خصص العام بالخاص وإن جهل التاريخ فالواقف.
ويؤخر المحرم احتياطا.
وقال الشافعي وأبو زيد وجمع من الحنفية الخاص مبين للعام.
وبعضهم لا يجيز تخصيص السنة بالسنة.
واستدل المصنف على الجواز بالوقوع فإن قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " مخصص لقوله عليه السلام: " ما سقته السماء ففيه العشر " وهذا بناء على أنه لا فرق عنده في جواز تخصيص الخاص العام متقدما كان او متأخرا.
وهذه المسالة كالتي قبلها في الخلاف وفي إقامة الدلائل وأجوبتها من الجانبين.
ص - مسألة: يجوز تخصيص السنة بالقرآن. لنا: (تبيانا لكل شيء) وأيضا: لا يبطل القاطع بالمحتمل. قالو: (لتبين للناس) وقد تقدم.
ش- يجوز تخصيص السنة بالقرآن خلافا لبعض والدليل على جوازه وجهان:
أحدهما: قوله - تعالى -: (ونزلنا عليك الكتب تبينا لكل شيء). وسنة الرسول عليه السلام شيء فتدخل تحته.
وفيه نظر فإنه متروك الظاهر كما تقدم.
الثاني: أن القرآن الخاص قاطع متنا ودلالة والعام من السنة يحتمل من حيث الدلالة فيكون القرآن مخصصا وإلا لزم إبطال القاطع بالمحتمل إذ الفرض تعذر الجمع بينهما.
وفيه نظر فإن نسخ الكتاب بالسنة جائز كما سنذكر.
وقال المانعون: السنة مبينة لغيرها لقوله - تعالى -: (لتبين للناس) ، فلو كان الكتاب مبينا لها لزم ان يكون مبينا لمبينه وهو باطل.
وفيه نظر فإن السنة كلها ليست تحتاج إلى البيان بل بعضها والكتاب كذلك فلم لا يجوز أن يبين بعض كل منهما بعض الأخر بحسب الاحتياج فتسقط هذه المشاغبة.
وأجاب بما تقدم من قوله إن المبين هو الرسول إما بالكتاب أو بالسنة إلى آخر ما ذكره ثمة.
وفيه النظر المذكور ثمة.
ص- مسألة: يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد وقال به الأئمة الأربعة.
وبالتواتر اتفاقا. ابن أبان: إن كان خص بقطعي. الكرخي: إن كان خص بمنفصل. القاضي: بالوقف.
لنا أنهم خصوا (وأحل لكم) بقوله: " ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها " و (يوصيكم الله) بقوله: " لا يرث القاتل ولا الكافر من المسلم ولا المسلم من الكافر " و " نحن معاشر الانبياء لا نورث ".
وأورد إن كانوا أجمعوا فالمخصص الإجماع. وإلا فلا دليل.
قلنا: أجمعوا على التخصيص بها.
قالوا: رد عمر حديث فاطمة بنت قيس أنه لم يجعل لها سكنى ولا نفقة لما كان مخصصا لقوله - تعالى - (أسكنوهن).
ولذلك قال: كيف نترك كتاب ربنا لقول امراة.
قلنا: لتردده في صدقها. ولذلك قال: لا ندري أصدقت أم كذبت.
قالوا: العام قطعي ، والخبر ظني. وزاد ابن أبان والكرخي:" لم يضعف بالتجوز " قلنا: التخصيص في الدلالة وهي ظنية فالجمع أولى.
القاضي كلاهما قطعي من وجه فوجب التوقف. قلنا الجمع اولى.
ش- تخصيص الكتاب بالخبر المتواتر جائز بلا خلاف.
وأما الخبر الواحد فقد نقل المصنف عن الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك
والشافعي وأحمد جوازه. وفي صحة هذا النقل عن أبي حنيفة نظر ، وإنما
المنقول عنه قول ابن أبان أنه إن خص الكتاب بدليل قطعي جاز ولا فلا. وقال الكرخي: إن خض بمنفصل جاز وإلا فلا. ومنعه بعض الأصوليين رأسا. وتوقف القاضي.
واستدل للأئمة الأربعة بأنه لو لم يجز لم يقع لأن الوقوع يستلزم الجواز ونقيض الأعم أخص من نقيض الأخص لكنه وقع.
فإن قوله صلى الله عليه وسلم " لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها " خصص قوله - تعالى -: (وأحل لكم ما ورآء ذلكم).
وفيه نظر لأن العمات والخالات يدخلن بدلالة قوله: (وأن تجمعوا بين الأختين) فإنه معلل بالإفضاء إلى قطيعة الرحم وهي موجودة في ذلك ، أو لأن الحديث مشهور تلقته الصدر الأول بالقبول ، والزيادة جائزة وهي نسخ عند الحنفية.
وقوله - تعالى -: (يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ الأنثيين) خص بقوله عليه السلام: " لا يرث القاتل ولا الكافر من المسلم ولا المسلم من الكافر " " ونحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه
صدقة ".
وفيه نظر لأن (يوصكم الله) مخصوص بكتاب قطعي متصل وهو قوله - تعالى -: (ءاباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) فإنه يدل على أن الآيات المعتبرة في الميراث باعتبار النفع والكافر لا نفع فيه فلا يكون داخلا وحينئذ
" تكون " دليلا لعيسى ابن أبان بل لأبي حنيفة أو بدليل منفصل وهو قوله - تعالى -: (ولن يجعل الله للكفرين على المؤمنين سبيلا) والتوارث سبيل فيكون منفيا وحينئذ يكون دليلا للكرخي دون الأئمة ويجوز أن يقال: " لا ميراث لقاتل " مشهور فتجوز الزيادة به وهو نسخ فلا يكون مما نحن فيه. وكذا " لا يرث الكافر من المسلم " وكذلك " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ".
وأورد على الدليل بأنهم أجمعوا على تخصيص العام بخير الواحد فالمخصص هو الإجماع وليس الكلام فيه ، وإن لم يجمعوا فلا دليل على جواز ذلك.
وأجاب بقوله: أجمعوا على التخصيص بها. قيل: معناه أجمعوا على تخصيص الآيتين بالآحاد المذكورة فكان المخصص خبر الواحد لا الإجماع.
وفيه نظر لأن دعوى الإجماع في ذلك غير صحيحة. أما في الآية الأولى فلأن
الإجماع غير منقول. سلمناه لكن على المشهور ولا كلام فيه أو بما ذكرنا من دلالة النص.
وأما في الثانية فلأنه على تقدير النقل لم يكن إلا على الخبر المشهور في جميع ذلك كما ذكرنا أو بما ذكرنا من الآيتين. وتمام ذلك مذكور في شرحنا للفرائض السراجية فليطلب ثمة.
وقال المانعون: رد عمر رضي الله عنه خبر فاطمة بنت قيس أنها كانت معتدة ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم: لها النفقة ولا السكنى.
لما كان حديثها مخصص لقوله - تعالى -: (أسكنوهن من حيث سكنتم) وقال كيف نترك كتاب ربنا بقول امرأة.
وأجاب بأن عمر رضي الله عنه ما رد خبرها لكونه مخصصا للكتاب بل لتردده في صدقها ولذلك قال: لا ندري أصدقت أم كذبت. ولا يلزم من عدم تخصيص الكتاب بخبر واحد لم يظن صدقه عدم تخصيصه بخير ظن صدقه.
وقالوا أيضاً العام لكونه كتابا قطعي المتن والخاص لكونه خبر الواحد ظني وهو لا يقدم على القطعي.
وزاد ابن أبان لإثبات مذهبه أن العام الذي لم يخص بدليل قاطع قطعي لم يضعف بالتجوز إذ لم يخص بقطعي وخبر الواحد ظني فلا يقدم على القطعي.
وقال الكرخي العام الذي لم يخص بمنفصل قطعي لم يضعف قطعه بالتجوز حيث لم يخص بمنفصل فلا يقدم الظني عليه.
وأجاب عن الجميع بأن التخصيص في دلالة العام لا في متنه. ودلالته على أفراده ظنية فحينئذ يجوز تخصيصه.
وفيه نظر لأن للخصم أن لا يسلم أن دلالة العام على أفراده ظنية.
وقال القاضي كل واحد من العام والخاص قطعي من وجه ظني من وجه أما الكتاب فقطعي المتن ظني الدلالة لكونه عاما وأما خبر الواحد فقطعي الدلالة لكونه خاصا ظني المتن ولا ترجيح لأحدهما على الآخر فيجب الوقف.
وأجاب بأنه على تقدير التخصيص يلزم الجمع بين الدليلين ، وعلى تقدير الوقف يلزم الترك بها ، والجمع أولى.
ص - مسألة: الإجماع يخصص القرآن والسنة كتنصيف آية القذف على العبد ولو عملوا بخلاف نص تضمن ناسخا.
ش - الإجماع يخصص الكتاب والسنة فإن الإجماع
خصص آية القذف بالأحرار فإن حد العبد في القذف نصف حد الأحرار.
وفيه نظر فإن ذلك ثابت بقوله - تعالى -: (فعليهن نصف ما على المحصنت من العذاب). وذلك لأن التنصيف فيه معلل بنقصان النعمة في حق الأرقاء وهو موجود ههنا فنصف. فيحمل على أن معنى قولهم الإجماع يخصص الإجماع يتضمن وجود المخصص لأن الإجماع لا اعتبار له زمن الوحي. وهذا كما لو عمل أهل الإجماع على خلاف نص فإنه لا يكون إجماعهم ناسخا لذلك النص بل الناسخ هو الدليل الذي تضمنه الإجماع لأن النسخ لا يكون بغير خطاب الشرع والإجماع ليس خطابه وإن أمكن دليلا على ذلك.
ص - مسألة: العام يخصص بالمفهوم إن قيل به. ومثل في الأنعام الزكاة ليس في الغنم السائمة زكاة للجمع بين الدليلين. فإن قيل: العام أقوى فلا معارضة. قلنا: الجمع أولى كغيره.
ش - العام يخص بالمفهوم إن قيل به سواء كان مفهوم موافقة أو مخالفة أما
الأول فكما إذا قال لعبده اضرب كل من في الدار ثم قال: إن دخل زيد فلا تقل له أف. فإنه يخرج زيدا عن عموم كلمة من نظرا إلى المفهوم. وأما الثاني فكما لو قيل: في الأنعام زكاة. ثم قيل: في الغنم السائمة زكاة. فإنه يخص العموم بإخراج الغنم العلوفة نظرا إلى مفهوم المخالفة وإنما كان كذلك ليكون جمعا بين الدليلين.
ص - مسألة: فعله عليه السلام يخصص العموم كما لو قال: الوصال أو الاستقبال للحاجة أو كشف الفخذ حرام على كل مسلم. ثم فعل. فإن ثبت الاتباع بخاص فنسخ. وإن ثبت بعام فالمختار تخصيصه بالأول. وقيل: العمل بموافق الفعل. وقيل بالوقف.
لنا التخصيص أولى للجمع.
قالوا: الفعل أولى لخصوصه. قلنا: الكلام في العمومين.
ش - إذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فعلا مخالفا لعام كان ذلك مخصصا له في حقه عليه السلام " كما إذا " الوصال حرام على كل مسلم أو استقبال القبلة لقضاء الحاجة حرام على كل مسلم أو كشف العورة حرام على كل مسلم. ثم وصل الرسول صلى الله عليه وسلم صوم يوم واستقبل القبلة في قضاء الحاجة وكسف العورة.
فإن ثبت وجوب اتباع الأمة في ذلك الفعل بدليل خاص مثل أن: يقول: اتبعوني في الوصال أو الاستقبال لقضاء الحاجة أو في كشف العورة. كان ذلك ناسخا
للعام المتقدم لتأخره.
وإن ثبت بعام مثل قوله - تعالى -: (واتبعوه) فيه ثلاثة مذاهب:
الأول: تخصيص دليل الاتباع بالعام السابق فتبقى الحرمة على الأمة في ذلك الفعل. وهو مختار المصنف.
والثاني: العمل بموافق الفعل يعني بآية الاتباع.
والثالث: الوقف.
واستدل على الأول بأن تخصيص دليل الاتباع أولى لكونه جمعا بين الدليلين فإن دليل الاتباع يتناول ذلك الفعل وغيره فإذا خص عنه الفعل ينفي معمولاته في الباقي.
قالوا: الفعل أولى لأنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم والعام المتقدم شامل له ولأمته فالخاص أقوى والعمل بالأقوى أولى.
وأجيب بأن التعارض بين العام السابق والعام الذي هو دليل الاتباع لا التعارض بين الفعل الخاص والعام السابق.
ولقائل أن يقول عام الاتباع أولى لتأيده بالفعل.
ص - مسألة: الجمهور إذا علم صلى الله عليه وسلم بفعل مخالف ولم ينكره كان مخصصا للفاعل فإن تبين معنى حمل عليه موافقة بالقياس أو بـ " حكمي على الواحد ".
لنا أن سكوته دليل الجواز. فإن لم يتبين ، فالمختار: لا يتعدى لتعذر دليله.
ش - إذا فعل واحد فعلا مخالفا لعام وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ولم ينكره كان تقريره عليه السلام مخصصا للعام بالنسبة إلى ذلك الفاعل لأن سكوته عليه السلام مع العلم به دليل الجواز.
فإن تبين معنى يوجب جواز ذلك الفعل حمل على ذلك الفاعل موافقة أي من وجد فيه المعنى المجوز لذلك الفعل إما بالقياس أو بقوله صلى الله عليه وسلم: " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ".
وفيه نظر لأن العمل بقوله صلى الله عليه وسلم: " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ".
يقتضي الإطلاق تبين معنى يوجب جواز ذلك الفعل أو لا.
وإن لم يتبين معنى يوجب جوازه فالمختار أنه لا يتعدى جوازه من الفاعل إلى غيره لتعذر دليل التعدي ، أما القياس فلعدم المعنى الموجب للجواز ، وأما الحديث
فلأنه يوجب بطلان العام بالكلية فالأولى أن يجمع بين الأدلة بأن نخص العام فيحمل على غير الفاعل ، ويحمل التقرير على الفاعل فقط والحديث يحمل على الصورة التي يتبين فيها المعنى الموجب للجواز.
وفيه نظر لأن أمثال ذلك يسمى توفيقا وتأويلا لا تخصيصا.
ص - مسألة: الجمهور إن مذهب الصحابي ليس بمخصص ، ولو كان الراوي خلافا للحنفية والحنابلة.
لنا: ليس بحجة.
قالوا: يستلزم دليلا وإلا لكان فاسقا فيجب الجمع.
قلنا: يستلزم دليلا في ظنه. فلا يجوز لغيره اتباعه.
قالوا: لو كان ظنيا لبينه.
قلنا: ولو كان قطعيا لبينه. وأيضا لم يخف عن غيره.
وأيضا: لم يجز لصحابي آخر مخالفته ، وهو اتفاق.
ش - إذا كان مذهب الصحابي مخالفا لعام لا يكون مخصصا له وإن كان راويا للعام ،
كمذهب أبي هريرة في ولوغ الكلب فإنه يخالف الحديث العام الذي رواه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا إحداهن بالتراب لأن مذهبه أن يغسله ثلاثا إحداهن بالتراب.
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن مذهبه يخص العام الذي رواه.
وفي تصحيح هذا النقل عن الحنفية نظر فإن المشهور عندهم أن عمل الراوي بخلاف الرواية بعدها يعد طعنا في روايته فلا يعمل بها " لأن ذلك تخصيص ".
واختار المصنف الأول. واحتج عليه بأن العام حجة ومذهب الصحابي ليس بحجة كما سنذكره فلا يكون مخصصا لما رواه.
واحتج المخصصون بأن مذهب الصحابي يستلزم دليلا ظاهرا " لا " مخالفة العموم من غير دليل فسق فيكون الدليل مخصصا للعام.
وأجاب بأن مذهبه يستلزم دليا في ظنه دفعا للفسق ولا يجوز لغيره متابعة ظنه.
وفيه نظر لأن مظنونه إما أن يكون راجعا إلى وجوه اللغة أو لا ، فإن كان الأول فمذهبه لا يكون حجة على غيره لاختصاصهم بمعرفة الدلائل بمشاهدة أحوال التنزيل وصدور الأحاديث.
واحتجوا أيضا بأن مخالفته للعام لا بد وأن تكون لدليل قطعي لأنه لو كان ظنيا لبينه لينظر فيه والقطعي يخصص العام.
وأجاب عنه بالمعارضة بثلاثة أوجه:
الأول: لو كان الدليل قطعيا لبينه ليصير إليه غيره ، ولو بينه لاشتهر كمذهبه.
ولقائل أن يقول لا نسلم أنه لو كان قطعيا لبينه لجواز أن يظن عدم الخفاء على غيره لأنه قطعي فلا يبينه. سلمناه ولكن لا نسلم أن البيان يستلزم الاشتهار إذ هو ليس من الحوادث العظيمة وشهرة مذهبه يجوز أن تكون اتفاقية فلا يستلزم شهرة الدليل.
والثاني: أنه لو كان قطعيا لم يخف على غيره لأن القطعي منحصر في الكتاب والسنة المتواترة والإجماع ولا يخفى شيء منها.
وفيه نظر لأنه ينافي قوله عليه السلام لمعاذ " فإن لم تجد " إذ ليس ذلك مخصوصا بالظنيات لا محالة.
والثالث: أنه لو كان قطعيا لم يجز لصحابي آخر مخالفته لكنه يجوز بالاتفاق وفيه نظر لجواز أن لا يطلع عليه.
ص - الجمهور: إن العادة في تناول بعض خاص ، ليس بمخصص خلافا للحنفية.
مثل: حرمت الربا في الطعام ، وعادتهم تناول البر.
لنا: أن اللفظ عام لغة وعرفا. ولا مخصص.
قالوا: يتخصص به كتخصيص الدابة بالعرف والنقد بالغالب.
قلنا: إن غلب الاسم عليه كالدابة اختص به بخلاف غلبة تناوله ، والفرض فيه.
قالوا: لو قال اشتر لي لحما ، والعادة تناول الضأن لم يفهم سواه.
قلنا: تلك قرينة في المطلق والكلام في العموم.
ش - ذهب الجمهور إلى أن عادة المكلفين في تناول بعض خاص من الأطعمة ليس بمخصص للعام كما لو قال النبي عليه السلام: حرمت الربا في
الطعام وعادتهم تناول البر فإنه لا يتخصص الطعام بالبر.
ونقل عن الحنفية أن العادة تخصص العموم.
والظاهر سقمه لأن الحنفية يجعلون ذلك من باب ترك الحقيقة إلى المجاز بدلالة العادة لا من باب التخصيص.
واختار المصنف الأول. واحتج عليه بأن لفظ الطعام لغة وعرفا لأنه يطلق على البر وغيره من الطعوم فيهما ولا مخصص فيكون باقيا على عمومه عملا بالمقتضى السالم عن معارضة المانع.
وفيه نظر " لأنه يخلو " إما أن يراد بالعرف عرف طائفة خاصة أو مطلقا ، والثاني ممنوع لأن المخصص يقول هو خاص بالبر في عرف طائفة ، والأول مسلم ولكن لا نسلم عدم المخصص بل العادة مخصصة.
واحتج للحنفية بوجهين:
الأول: أن الطعام يتخصص بالبر عادة كتخصيص الدابة بذات الحافر والنقد في البيع بغالب نقد البلد.
وأجاب بأن لفظ الطعام إن غلب في البر استعماله يختص به كالدابة والنقد فإنهما لما غلب استعمالهما في ذوات الحافر وغالب نقد البلد اختصا بهما بخلاف غلبة تناول البر فإنها لا تأثير لها في الدلالة حتى يختص والكلام المفروض في غلبة التناول لا في غلبة الاستعمال.
ولقائل أن يقول المراد بالتناول إن كان الاستعمال فخلله ظاهر لبطلان الفرق حينئذ. وإن كان غيره فلا بد من البيان فإن المعهود من تناول اللفظ لمعنى استعماله فيه. فإن قال المراد بالتناول الأكل قلنا ذلك عند الحنفية من باب ترك الحقيقة بدلالة العادة لا التخصيص.
الثاني: أنه لو قال لوكيله اشتر لي لحما والعادة تناول لحم الضأن لم يفهم عرفا سوى لحم الضأن. فكانت العادة مخصصة.
وأجاب بأن ما ذكرتم مطلق والعادة قرينة موجبة لحمل المطلق على المقيد وكلامنا في العموم.
ولقائل أن يقول حمل المطلق على المقيد إنما يكون أن لو ذكر لفظان كاشتر لي
لحماً اشتر لي لحم ضأن وليس المثال كذلك.
ص - مسألة: الجمهور إذا وافق الخاص حكم العام فلا تخصيص خلافا لأبي ثور مثل: " أيما إهاب دبغ فقد طهر " وقوله في شاة ميمونة: " دباغها طهورها ".
لنا: لا تعارض فلنعمل بهما. قالوا: المفهوم يخصص العموم.
قلنا: مفهوم اللقب مردود.
ش - إذا وافق الخاص حكم العام لا يخصص العام خلافا لأبي ثور وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " أيما إهاب دبغ فقد طهر " وقوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة: " دباغها طهورها " فإن الأول عام في إهاب الشاة وغيره والثاني خاص بإهاب الشاة ولكن لا معارضة بينها فلا يكون مخصصا بل يعمل بهما فيقال بطهارة إهاب الشاة بالخاص وبطهارة إهاب البقر والجمل والأسد والثعلب والنمور وغيرها بالعام لأن الأصل في الدليل الإعمال.
وقال أبو ثور المفهوم يخصص العموم وتخصيص جلد شاة ميمونة بالحكم يدل على نفي الحكم عن سائر الجلود بحسب المفهوم فيكون مفهوم الخاص مخصصا للعموم فلا يطهر بالدباغ إلا إهاب الشاة.
وأجاب بأن حكم التطهير بالدباغ المضاف إلى ضمير شاة ميمونة ثابت بمفهوم اللقب وهو ليس بحجة.
ص - مسألة: رجوع الضمير إلى البعض ليس بتخصيص. الإمام وأبو الحسين تخصيص.
وقيل: بالوقف. مثل: (والمطلقات) مع (وبعولتهن).
لنا: لفظان فلا يلزم من مجاز أحدهما مجاز الآخر.
قالوا: يلزم مخالفة الضمير.
وأجيب بأنه كإعادة الظاهر.
الوقف: لعدم الترجيح.
وأجيب بظهور العموم فيهما. فلو خصصنا الأول خصصناهما.
ولو سلم فالظاهر أقوى.
ش - إذا ورد عقيب العام ضمير يرجع إلى بعض أفراده لا يكون مخصصا لذلك العام.
وذهب إمام الحرمين وأبو الحسين البصري إلى التخصيص.
وقيل: بالوقف.
وذلك كقوله - تعالى -: (وبعولتهن أحق بردهن) بعد قوله: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن). فإنها عامة في البوائن والرجعيات والضمير في (بعولتهن) لبعض أفرادها وهي الرجعيات.
واختار المصنف الأول. واحتج عليه بأن كل واحد من اللفظين أعني المطلقات وضمير (بعولتهن) له مقتضى.
الأول: يقتضي الإجراء على ظاهره من عموم اللفظ.
والثاني: يقتضي الرجوع إلى كل ما تقدم وقد منعه عن ذلك مانع فارتكب المجاز بعوده إلى البعض ولا يلزم من مجاز أحدهما مجاز الآخر فلا يجب تخصيص العام لعدم المانع عن إجرائه على العموم.
والمخصصون قالوا: من تخصيص الضمير العام لئلا يلزم مخالفة الضمير لما يعود إليه فإن ذلك لا يجوز.
وأجاب بجواز مخالفة الضمير للظاهر لأن الضمير كناية عن الظاهر فيكون ذكر الضمير كإعادة الظاهر وإعادة الظاهر لتعلق حكم يختص ببعض الأفراد لا يوجب تخصيص الظاهر بالنسبة إلى حكم يجري في جميع الأفراد فكذلك الضمير.
وتجوز تلك المخالفة بالنسبة إلى حكمين فكذلك مخالفة الضمير للظاهر.
وفيه نظر لأن الظاهر مستقل بنفسه فيجوز أن يستعمل اللفظ في موضوعه بإطلاق فيكون حقيقة وأن يستعمل في غيره بإطلاق آخر فيكون مجازا ولا كذلك الضمير.
ولا تمسك لهم بقوله - تعالى -: (وإن كانت واحدة) بعد ذكر النساء لأن الضمير ليس لها بل لمعتقل ذهني فسره قوله: " واحدة ".
والواقف احتج بأن عدم التخصيص " يستلزم " مخالفة ظاهر الضمير لأنه يعود ظاهرا إلى كل أفراد المذكور والتخصيص يستلزم مخالفة ظاهر العام ولا ترجيح لأحدهما على الآخر فوجب الوقف.
وفيه نظر لأنه إن صح " أسند " باب التخصيص رأسا فتأمل.
وأجاب بأنا لا نسلم عدم الترجيح لأن العموم ظاهر في المظهر والمضمر فلو خصصنا العام الظاهر لزم تخصيصهما فيلزم مخالفة الظاهر فيهما ولو لم يخصص العام لزم مخالفة الظاهر في الضمير فقط بعوده إلى بعض المذكور فكان عدم تخصيص العام أرجح لعلة مخالفة الظاهر ولو سلم أنه لا يلزم من تخصيص الظاهر إلا مخالفة ظاهر فقط لكن مخالفة الظاهر في المظهر أقوى منها في المضمر لأن الظاهر أقوى دلالة منه لاستغنائه عن غيره بخلاف الضمير ومخالفة الظاهر فيما هو أقوى دلالة أشد من مخالفته فيما هو أضعف.
ص - مسألة: الأئمة الأربعة والأشعري وأبو هاشم وأبو الحسين: جواز تخصيص العموم بالقياس.
ابن سريج: إن كان جليا. ابن أبان: إن كان العام مخصصا
وقيل: إن كان الأصل مخرجا. والجبائي: يقدم العام مطلقا.
والقاضي والإمام: بالوقف.
والمختار: إن ثبتت العلة بنص أو إجماع أو كان الأصل مخصصا خص به. وإلا فالمعتبر القرائن في الوقائع. فإن ظهر ترجيح خاص فالقياس وإلا فعموم الخبر.
لنا: أنها كذلك كالنص الخاص فيخصص بها للجمع بين الدليلين.
واستدل بأن المستنبطة إما راجحة أو مرجوحة أو مساوية المرجوح والمساوي لا يخصص ووقوع احتمال من اثنين أقرب من واحد معين.
وأجيب بجريه في كل تخصيص وقد رجح بالجمع.
الجبائي لو خص به لزم تقديم الأضعف بما تقدم في خبر الواحد من أن الخبر يجتهد فيه في أمرين إلى آخره. أجيب بما تقدم. وبأن ذلك عند إبطال أحدهما وهذا إعمال لهما وبإلزام تخصيص الكتاب بالسنة وبالمفهوم لهما. واستدل بتأخيره في حديث معاذ وتصويبه. وأجيب بأنه أخر السنة عن الكتاب ولم يمنع الجمع.
واستدل بأن دليل القياس الإجماع ولا إجماع عند مخالفة العموم. وأجيب بأن المؤثرة ومحل التخصيص يرجعان إلى النص لقوله: " حكمي على الواحد " وما سواهما إن ترجح الخاص وجب اعتباره لأنه المعتبر كما ذكر في الإجماع الظني وهذه ونحوهما قطعية عند القاضي لما ثبت من القطع بالعمل بالراجح من الإمارات. ظنية عند قوم ، لأن الدليل الخاص بها ظني.
ش - نقل المصنف عن الأئمة الأربعة أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وعن الشيخ أبي الحسن الأشعري وأبي هاشم وأبي الحسين جواز تخصيص العام
بالقياس مطلقاً.
وليس ذلك مذهب أبي حنيفة، بل المنقول عنه هو ما أخذ به عيسى بن أبان وهو جوازه وإن كان العام مخصصا قبله.
وذهب ابن سريج إلى جوازه إن كان القياس جليا كقياس تحريم الضرب على حرمة التأفيف.
وقيل يجوز ذلك إذا كان الأصل أي المقيس عليه مخرجا من العام.
وقال أبو علي الجبائي لا يخصص العام بالقياس بل يقدم العام مطلقا.
وقال القاضي وإمام الحرمين بالوقف.
والمختار عند المصنف جوازه إذا كانت العلة بنص أو إجماع أو كان أصل
القياس مخصصاً وإن لم يتحقق أحد هؤلاء الأمور المذكورة تعتبر القرائن الموجبة للتفاوت والتساوي في آحاد الوقائع فإن ظهر ترجيح خاص للقياس خص العام به وإلا عمل بعموم الخبر أي لا يخصص بالقياس.
واحتج على مختاره بأن العلة إذا كانت ثابتة بنص أو إجماع أو كان الأصل مخصصا من العام كان القياس كالنص الخاص فخص العموم جمعا بين الدليلين بخلاف ما إذا لم يتحقق شيء منها فإن القياس وإن ترجح لكونه خاصا على العام دلالة لكن احتمل أن لا تكون العلة المستنبطة أو المختلف فيها علة مجاز إن ترجح العام عليه من هذا الوجه.
وفيه نظر لأنا لا نسلم أن رجحان القياس على العام دلالة لكونه خاصا لأن القياس يثبت به الظن كالعام. والخاص إنما يكون أقوى دلالة إذا كان نصا.
قوله واستدل بأن المستنبطة يعني على الشق الثاني من مختاره وهو أن العلة إذا كانت مستنبطة لا تخصص العام وذلك لأن المستنبطة إما أن تكون راجحة على العام فيما أريد تخصيصه أو مرجوحة أو مساوية له فالمرجوحة والمساوية لا تخصص لئلا يلزم ترجيح المرجوح أو أحد المتساويين من غير مرجح والراجحة تخصص فيكون القياس حينئذ مخصصا على تقدير واحد وغير مخصص على التقديرين ووقوع احتمال واحد من اثنين أقرب من " وقوع " واحد معين.
وأجاب بنقض إجمالي يعني لو صح ذلك لانسد باب التخصيص لجريانه في جميع صوره سواء كان بالقياس أو بغيره بأن يقال الخاص إما أن يكون راجحا على العام فيما أريد تخصيصه أو مساويا له أو مرجوحا إلى آخره.
وقد رجح الخاص على العام في غير صور القياس جمعا بين الدليلين فكذا ههنا.
ولقائل أن يقول الإشكال باق لأن الخاص إن كان راجحا فلا مرجح لأنه
تحصيل للحاصل. وإن كان أحد القسمين الآخرين فترجيح غير جائز أصلا ، وترجيح المساوي بغير مرجح فالجمع بين الدليلين لا يصلح مرجحا لأن المرجح لا بد وأن يكون وصفا في المرجح عند المحققين لا أمرا خارجا ولهذا لا يصلح أن يرجح الشهود على شاهدين بل بالعدالة في أحجهما ولا يصح ترجيح حكم يدل عليه حديثان على ما يدل عليه حديث واحد.
واحتج الجبائي على تقديم العام مطلقا بأنه لو خص العام بالقياس لزم تقديم الأضعف لما تقدم أن الخبر العام يجتهد فيه في أمرين والقياس يجتهد فيه في ستة أمور وفي الأمرين أيضا إن ثبت أصل القياس بالخبر. واللازم باطل بالاتفاق.
والجواب عن هذا هو الجواب المذكور ثمة.
وجوابان آخران:
وأحدهما: منع بطلان تقديم الأضعف والاتفاق على بطلان تقديم الأضعف إنما هو عند بطلان الأقوى بالكلية وههنا ليس كذلك فقدم الأبين جمعا بين الأدلة.
وفيه نظر لأن تقديم الأضعف مطلقا ترجيح المرجوح وهو باطل بإجماع العقلاء. والجمع بين الأدلة ليس بمرجح كما مر ، ولئن سلم فإنما يطلب المرجح بعد وجود التعارض ولا تعارض بين غير المتساوين وهذا واضح جداً.
والثاني: أن الدليل المذكور يوجب عدم جواز تخصيص الكتاب بالسنة لكونها أضعف وعدم جواز تخصيص الكتاب والسنة بالمفهوم لكون المفهوم أضعف منهما والملتزم أن يلتزم ذلك فلا يجوزه في الكتاب إلا بتقدم قطعي كما نقلنا عن أبي حنيفة.
والمصنف جعله مذهبا لعيسى بن أبان ، ولا يجوزه في السنة إلا بترجيح وكذا في مفهوم الموافقة.
واستدل أيضا الجبائي على عدم جواز تخصيص العام بالقياس مطلقا بقصة معاذ فإنه أخر القياس عن الكتاب والسنة وصوبه الرسول صلى الله عليه وسلم فلو كان القياس مخصصا للعام لقدمه عليهما.
وفيه نظر فإن الملازمة ممنوعة.
وأجاب بأن معاذا أخر السنة عن الكتاب وصوبه الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون الكتاب مقدما على السنة ولم يمنع ذلك عن الجمع بين عموم الكتاب وتخصيصه بالسنة إذا كانت خاصة فكذا تقديم الكتاب والسنة على القياس لا يمنع الجمع بين عمومها وتخصيصه بالقياس إذا كان خاصا.
ولقائل أن يقول إنما لم يمنع ذلك لإمكان أن تكون السنة قاطعة بخلاف القياس فإنه لا يكون قطعيا.
واستدل أيضا بأن دليل القياس هو الإجماع ولا إجماع على جواز القياس فيما إذا خالف القياس العموم لمخالفة الواقفية في جوازه إذ ذاك انتفى الدليل لا يكون حجة فلا يخص به لئلا يلزم ترك الحجة وهو العام بما ليس بحجة.
وأجاب بما تقريره أنا جوزنا التخصيص بالقياس على المختار إذا ثبت العلة بنص أو إجماع أو كان أصل القياس مخصصا بالنص وإذا كانت العلة مؤثرة أي ثابتة بنص أو إجماع ومحل التخصيص وهو أصل القياس مخصصا بالنص فهما يرجعان إلى النص ، أما المؤثرة فإن العلة المنصوص عليها بمنزلة النص بلا خلاف ، وأما أصل