الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجيب بما معناه أنا نختار التوقف من الجانبين ولا دور لأن التوقف توقف معية كتوقف المتضايفين والدور إنما يلزم في توقف التقدم كتوقف المعلول على العلة.
وقال الذين لا يجعلونه بعد التخصيص حجة في الباقي إنه صار مجملا لتعدد مجازه فإنه حينئذ يكون مجازا بالنسبة إلى الباقي وفي كل بعض من الباقي لأنه كما يحتمل الباقي يحتمل كل بعض منه ولا ترجيح لأحد المجازات فكان مجملا في الباقي. والمجمل ليس بحجة قبل البيان بالاتفاق.
وأجاب بما معناه يكون متعينا للباقي كما تقدم أن الباقي كان مرادا قبل التخصيص والأصل بقاء الشيء على ما كان عليه وإذا كان معينا للباقي لا يكون مجملا.
والاعتراض المتقدم وارد ههنا أيضا.
والذين جعلوه حجة في أقل الجمع قالوا أقل الجمع متحقق قطعا لأن بقاءه معلوم وما بقي بعد التخصيص مشكوك فيطرح المشكوك ويؤخذ المقطوع.
وأجاب بأنا لا نسلم الشك في بقاء الباقي مع ما تقدم من الدليل الدال على كون الباقي مجازا مشهورا.
ص -
مسألة: جواب السائل غير المستقل دونه تابع للسؤال في عمومه
اتفاقاً.
والعام على سبب خاص بسؤال مثل قوله لما سئل عن بئر بضاعة: " خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ".
أو بغير سؤال كما روي أنه مر بشاة ميمونة فقال: " أيما إهاب دبغ فقد طهر ".
معتبر عمومه على الأكثر. ونقل عن الشافعي خلافه.
لنا استدلال الصحابة بمثله كأية السرقة وهي في سرقة المجن أو رداء صفوان وأية الظهار في سلمة بن صخر وأية اللعان في هلال بن أمية أو غيره.
وأيضا فإن اللفظ عام ، والتمسك به.
قالوا: لو كان عاما لجاز تخصيص السبب بالاجتهاد. أجيب بأنه اختص بالمنع للقطع بدخوله على أن أبا حنيفة أخرج الأمة المستفرشة من عموم " الولد للفراش " فلم يلحق ولدها مع وروده في ولد زمعة وقد قال عبد الله بن زمعة: " هو أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه ".
قالوا: لو عم لم يكن في نقل السبب فائدة. قلنا: فائدته منع تخصيصه.
ومعرفة الأسباب. قالوا: لو قال تغد عندي. فقال: والله لا تغديت لا يعم.
قلنا: العرف خاص. قالوا: لو عم لم يكن مطابقا.
قلنا: طابق وزاد. قالوا: لو عم لكان حكما بأحد المجازات بالتحكم لفوات الظهور بالنصوصية. قلنا: النص خارجي بقرينة.
ش - جواب السؤال إما أن يكون كافيا في فهم المقصود وإن قطع النظر عن السؤال أو لا. فإن كان سمي مستقلا وإن لم يكن سمي غير مستقل.
مثال الأول: ما إذا سئل عن ماء البحر ، فقيل: هو الطهور ماؤه. وليس الجواب
فيه تابعاً للسؤال في العموم والخصوص بل حكمه حكم المستقل.
ومثال الثاني: ما إذا سئل عن الإفطار بالمضمضة. فقيل: لا.
والجواب فيه تابع للسؤال فيهما أما في العموم فبالاتفاق. وكما إذا سئل عن بيع الرطب بالتمر. فقال عليه السلام: " أينقص الرطب إذا جف " فقالوا: نعم. قال: " فلا إذن " فإن السؤال لما لم يكن مختصا بمكلف دون غيره كان الجواب كذلك.
وأما في الخصوص فعند الجمهور. ونقل عن الشافعي خلافه.
مثل ما إذا قال شخص: توضأت بماء البحر. فقال له: يجزئك. فإنه عنده عام لا يختص بالسائل.
والعام إذا ورد على سبب خاص سواء كان بسؤال كقوله صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن بئر بضاعة: " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه " أو بغيره
كقوله صلى الله عليه وسلم لما مر بشاة ميمونة: " أيما إهاب دبغ فقد طهر " ففيه خلاف فذهب الأكثر إلى أن المعتبر عموم اللفظ دون خصوص السبب ونقل عن الشافعي خلافه.
واستدل المصنف للأكثر بأن الصحابة رضي الله عنهم استدلوا بمثل ذلك على إطلاقه كأية السرقة فإنها نزلت في سرقة المجن أو في رجاء صفوان ، ولم تختص به.
وآية الظهار نزلت في سلمة بن صخر.
وآية اللعان نزلت في هلال بن أمية أو عويمر العجلاني. وقد
شاع وذاع عنهم عدم التخصيص فكان إجماعا منهم على أن العموم معتبر دون خصوص السبب.
وفيه نظر لجواز أنهم عملوا في غير من نزلت بسببه بدلالة اللفظ لا بعبارته.
وأيضا فإن اللفظ عام وهو مقتض للعموم وخصوص السبب لا يعارضه فإن التمسك باللفظ.
وفيه نظر فإن كلامه يشبه أن يكون مصادرة.
ومن منع العموم احتج بخمسة أوجه:
الأول: لو كان العام الوارد على سبب خاص عاما لجاز تخصيص السبب عن اللفظ العام الوارد فيه لأنه فرد من أفراد العام وكل فرد من أفراد العام يجوز تخصيصه بالاجتهاد لكن لا يجوز ذلك بالاتفاق.
وأجاب أولا: بمنع الملازمة فإن دخول السبب الذي ورد لأجله العام تحته قطعي بخلاف الأفراد الباقية فإن دخولها تحته بحسب الظهور.
وفيه نظر لأن للخصم أن يقول إخراج الأفراد عن العام ليس بمشروط أن لا يكون المخرج قطعي الدخول فلا بد من بيان.
وثانيا: بمنع انتفاء التالي فإنا لا نسلم أنهم اتفقوا على عدم جواز إخراج السبب لأن أبا حنيفة رحمه الله أخرج ولد الأمة المستفرشة عن عموم قوله عليه السلام: " الولد للفراش " ولم يلحق ولد الأمة بمولاها المستفرش مع أن
الحديث ورد في ولد الأمة.
وقصته ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام. فقال سعد يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن
أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه. انظر إلى شبهه. فقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهه بينا بعتبة. فقال: " هو لك يا عبد. الولد للفراش. وللعاهر الحجر ".
فإذا عرفت هذا فاعلم أن هذا الحديث ورد في ولد أم الولد لأن عبد بن زمعة قال: ولد على فراش أبي من وليدته. والوليدة هي أم الولد.
وأبو حنيفة قائل بأن ولد أم الولد يثبت نسبه من غير دعوة فإذا لا يكون قائلا بتخصيص سبب ورود الحديث.
الثاني: وأجاب أن العام الوارد بسبب خاص لو كان عاما لما كان لنقل السبب فائدة لأن ذكر السبب مع العام يختص العام به. والتالي باطل لأنه لو لم يكن لذكره فائدة كان لغوا.
وأجاب بأن فائدته منع تخصيص السبب بالاجتهاد لصيرورته كالمنصوص الذي لا يجوز تخصيصه.
وفيه نظر لما قال في جواب الوجه الأول إن دخول السبب الذي ورد لأجله العام تحته قطعي فلا يجوز تخصيصه بالاجتهاد فإن صح ذلك فتخصيصه ممنوع والممنوع لا يحتاج إلى مانع أخر.
وبأن فائدته معرفة الأسباب مع الشيء.
وفيه نظر لأن للخصم منع كون ذلك فائدة شرعية إذ لا يترتب عليه حكم شرعي.
الثالث: لو قال قائل: تغد عندي. فقال والله لا تغديت. لم يعم لأنه إذا تغدى في منزله لم يحنث.
وفيه نظر لأن هذه المسألة من فروع هذا الأصل فلا يجوز أن يستدل به عليه. وأجاب: بأن خصوصه في هذه الصورة لأجل عرف خاص فإن مبنى الأيمان على العرف ، والمعروف في ذلك أن ينصرف إلى الغداء المدعو إليه.
وفيه نظر لأن للخصم أن يقول ذلك دعوى لابد من بيان.
الرابع: لو علم لم يطابق الجواب السؤال فإنه خاص ، والجواب عام إذ ذاك والمطابقة شرط صحة الجواب.
وأجاب بما معناه أن الشرط منها ما كان الجواب مشتملا على غير بيان السؤال وحكمه وهو موجود مع زيادة لا تنفي البيان ، وأما المطابقة بمعنى عدم اشتمال الجواب على غير بيان السؤال وحكمه فليست بشرط. بل هي باطلة لقوله تعالى:(قال هي عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مئارب أخرى) في جواب (وما تلك بيمينك يموسى) مع أن المطابق بذلك المعنى عصا.
الخامس: لو عم ذلك كان العموم مستلزما للحكم بأحد المجازات بالتحكم.
" واللازم ".
وبيان الملازمة: أنا نجزم حينئذ بأن صورة السبب مرادة من العام المذكور وصورة السبب أحد مجازات العام لأن كل بعض منه مجاز منه فيلزم الحكم بأحد المجازات بالتحكم لفوات الظهور بالنصوصية فإن سببية العموم بالنسبة إلى جميع الصور المندرجة تحته متساوية فالجزم بأحدها دون غيره تحكم.
وأجاب بما معناه قول بالموجب أي سلمنا فوات الظهور لبعض بالنصوصية ولكنها أمر خارجي ثبت بقرينة هي ورود الخطاب بيانا لذلك البعض والخارجي لا معتبر به وإنما المعتبر هو العموم الحاصل باللفظ العام والأفراد بالنسبة إليه سواء.
وفيه نظر لأن كون ورود الخطاب بيانا لذلك البعض في حيز النزاع وإنما كان ذلك أن لو اختص بالسبب.
ص - مسألة: المشترك يصح إطلاقه على معنييه مجازا لا حقيقة وكذلك مدلولا الحقيقة والمجاز. وعن القاضي والمعتزلة يصح حقيقة إن صح الجمع. وعن الشافعي ظاهر فيهما عند تجرد القرائن كالعام.
أبو الحسين والغزالي يصح أن يراد لا أنه " لغة ". وقيل: لا يصح أن يراد. وقيل يجوز في النفي لا الإثبات. والأكثر أن جمعه باعتبار معنييه مبني عليه.
لنا في المشترك أنه يسبق أحدهما. فإذا أطلق عليهما كان مجازا.
النافي للصحة: لو كان للمجموع حقيقة لكان مريدا أحدهما خاصة غير مريد وهو محال.
وأجيب بأن المراد المدلولان معا ، لا بقاؤه لكل مفرد.
وأما الحقيقة والمجاز فاستعماله لهما استعمال في غير ما وضع له أولا وهو معنى المجاز.
النافي للصحة: لو صح لهما لكان مريدا ما وضع له أولا غير مريد " وهو
محال ".
وأجيب بأنه مريد ما وضع له أولا وثانيا بوضع مجازي.
ش - اللفظ المشترك كالقرء للحيض والطهر يصح إطلاقه عليهما جميعا وكذلك يصح إطلاق اللفظ على مفهومه الحقيقي والمجازي معا ، كإطلاق لفظ النكاح على الوطء والعقد معا.
ونقل عن القاضي والمعتزلة أنه يصح إطلاق اللفظ المشترك على معنييه حقيقة إن صح الجمع بين معنييه كالعين بالنسبة إلى الجارية والباصرة وإن لم يصح كالقرء لا يصح.
ونقل عن الشافعي أن اللفظ المشترك ظاهر في معنييه عند تجرده عن القرائن المخصصة بواحد من معنييه.
وقال أبو الحسين والغزالي يصح ذلك بوضع جديد لا أنه يصح لغة حقيقة أو مجازا.
وقيل: لا يصح ذلك لا لغة ولا وضعاً جديداً.
وقيل: يجوز ذلك في النفي دون الإثبات.
وقيل: يجوز ذلك في الجمع.
وذهب الأكثرون إلى أن صحة إطلاق الجمع المشترك على معنييه كالأقراء مبنية على صحة إطلاق المفرد على معنييه.
واستدل المصنف على صحة ذلك في المشترك مجازا بأنه إذا أطلق سبق أحدهما إلى الذهن فلا يكون حقيقة في معنييه معا ، فإذا أطلق عليهما كان مجازا ، والعلاقة هي الكلية والجزئية.
وفيه نظر لأن السبق علامة الحقيقة وسبق أحدهما إما أن يكون بعينه أو بغير عينه ، والأول يستلزم أن يكون المشترك حقيقة في أحدهما وليس كذلك. والثاني
يستلزم أن يكون المشترك حقيقة في أحدهما لا بعينه وليس كذلك. على أن دعوى سبق أحدهما باطل فإن من علامات الاشتراك تردد الذهن. سلمناه ، ولكن لا نسلم أن مثل هذه الجزئية والكلية تصلح علاقة. سلمناه ، لكن إن أردتم أنه من باب ذكر الجزء وإرادة الكل فليس بصحيح لأن اللفظ موضوع لكل واحد ، وإن أردتم عكس ذلك فليس ذلك مدعاكم.
واحتج النافي لصحة إطلاق اللفظ المشترك على معنييه مطلقا بأنه لو صح ذلك كان لكونه حقيقة للمجموع لأنه موضوع لكل واحد من المجموع واستعمال اللفظ في ما وضع له حقيقة ولكن لا يصح أن يكون إطلاقه لكونه حقيقة للمجموع لاستلزام كون مستعمله مريدا لأحدهما بعينه خاصة لاستعماله فيه غير مريد لاستعماله في الأخر وهو محال.
وأجاب بما معناه إنما لزم ذلك لو كان المراد باستعماله فيهما استعمالا مع بقائه لكل مفرد وليس ذلك بمراد وإنما المراد باستعماله فيهما إرادة المدلولين معا بطريق المجاز.
ولقائل أن يقول المجاز لا يكون إلا بقرينة معاندة لإرادة الحقيقة وملزوم المعاند
معاند بالضرورة ، فإرادة المدلولين تناقض ظاهر ، لأن القرينة تنفي إرادة الحقيقة والمجاز الذي هو المدلولان إما أن يكون المراد به هيئة حاصلة بهما جميعا أو كل واحد ولا سبيل إلى الأول لأنه سقط أطلق القرء لا يراد به أمر ثالث حاصل من الحيض والطهر فتعين الثاني وهو عين الحقيقة المنفية على أن الجزئية والكلية ههنا لا تصلح مجوز للمجاز لأنه جزء اعتباري حصل بعد اعتبار المجاز والمجوز ينتفي أن يكون سابقا على المجاز لكونه علة له.
واستدل على ذلك في المجاز بأن استعمال اللفظ لمدلوليه الحقيقي والمجازي استعمال في غير ما وضع له أولا لأنه لم يوضع أولا للمعنيين ، واستعمال اللفظ في غير ما وضع له أولا مجاز.
قال الشارحون: والمجوز الجزئية والكلية.
وفيه نظر لما بينا أنها لم تصلح ههنا مجوزة سلمناه لكن لا نسلم أن استعماله في المجموع استعمال في غير ما وضع له بل هو استعمال في ما وضع له وفي غير ما وضع له ، وهو مركب منهما لا عين ما وضع له ولا غيره كالواحد من العشرة ولأن المجاز يستلزم القرينة المعاندة لإرادة الحقيقة كما تقدم. فإن قيل القرينة عندنا لإرادة المعنى المجازي لا لنفي المعنى الحقيقي فلا تنافي إرادة الحقيقة.
قلنا خلاف علماء البلاغة فيما هو منها وهو ليس بمحمود سلمناه لكن لو
كان كذلك احتيج إلى القرينتين وهو باطل بالإجماع وذلك لأن اللفظ إذا استعمل في المعنى المجازي وحده يحتاج إلى قرينة فعند إرادة المعنيين جميعا يحتاج إلى قرينة أخرى لئلا يلتبس بما استعمل في المجازي وحده.
واحتج النافي بأنه لو كان صح ذلك لزم أن يكون المستعمل مريدا ما وضع له اللفظ أولا لاستعماله فيه غير مريد لاستعماله في غير ما وضع له.
وأجيب بأنا لا نسلم ذلك بل يكون مريدا لما وضع له أولا وثانيا بوضع مجازي يعني أنه يكون مريدا له ولغيره لا أن لا يكون له.
وفيه نظر لأنه يستلزم أن يكون المعنى الحقيقي مرادا بالنسبة إلى الوضع الأول وداخلا في الإرادة بالنسبة إلى الوضع المجازي فصح أنه مريد له وغير مريد له فكان مرادا وغير مراد بل داخلا في الإرادة هذا غاية تدقيقهم في هذا البحث. ولعمري إنه فاسد لأن النزاع فيما إذا أريد الحقيقة من حيث هي حقيقة والمجاز من حيث هو مجاز فكان ثمة تصديقان والذهن لا يتوجه في حالة واحدة إلى تصديقين ولا إلى تصورين في التحقيق الوجداني.
ص - الشافعي (ألم تر أن الله يسجد له)(إن الله وملائكته يصلون) وهي من الله رحمة ومن الملائكة استغفار.
وأجيب بأن السجود الخضوع. والصلاة: الاعتناء بإظهار الشرف. أو بتقدير
خبر أو فعل حذف لدلالة ما يقارنه. أو بأنه مجاز بما تقدم.
ش - قال الشافعي رحمه الله استعمال المشترك حقيقة في معنييه جميعا واقع والوقوع دليل الجواز. أما الثانية فظاهرة. وأما الأولى فلقوله تعالى: (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس)، وقوله تعالى:(إن الله وملئكته يصلون على النبي) وذلك لأنه استعمل في الآية الأولى السجود وأريد معنياه وضع الجبهة على الأرض والخضوع لأنه نب إلى الناس وغيره وسجود الناس وضع الجبهة وسجود غيره الخضوع. وفي الثانية استعملت الصلاة في مدلوليه الرحمة والاستغفار لأنها
أسندت إلى الله والملائكة وهي بالنسبة إلى الله رحمة ، ومن الملائكة استغفار ، والأصل في الاستعمال الحقيقة فيكون المشترك مستعملا في معنييه بطريق الحقيقة.
واجاب المصنف بثلاثة أوجه:
الأول: أن السجود هو الخضوع لأنه ملزومه وذكر الملزوم وإرادة اللازم مجاز وهذا المجاز عام يتناول الناس وغيرهم ، وأن الصلاة هي الاعتناء بإظهار الشرف لأن الرحمة والاستغفار يستلزمانه ، وهو مشترك بين الله وملائكته فيكون بعموم المجاز.
الثاني: أنه يجوز أن يقدر فعل في الأولى حتى كأنه قال: ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ويسجد له من في الأرض ويسجد له الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ويسجد له كثير من الناس. وكل فعل بمعنى تعليق بالمسند إليه فلا يكون استعمال المشترك في معنييه.
وأن يقدر في الثانية خبر حتى كأنه قال: (إن الله وملائكته يصلون) ويكون حذف الفعل في الآية الأولى والخبر في الثانية للقرينة وهي دلالة ما يقارنه عليه.
الثالث: أن استعمال السجود في الأولى والصلاة في الثانية في المعنيين بطريقة المجاز لا بطريقة الحقيقة كما هو مختاره.
وقد زيف بأنه يستلزم إسناد معنى السجود إلى كل واحد مما أسند إليه على (المعنيين جميعا) وهو باطل قطعا.
ص - مسألة: نفي المساواة مثل (لا يستوي) يقتضي العموم كغيرها. أبو حنيفة لا يقتضيه. لنا: نفي على نكره كغيره.
" قالوا ": المساواة مطلقا أعم من المساواة بوجه خاص والأعم لا يشعر
بالأخص.
وأجيب بأن ذلك في الإثبات وإلا لم يعم نفي أبدا. قالوا: لو عم لم يصدق ، إذ لا بد من مساواة ، ولو في نفي ما سواهما عنهما.
قلنا: إنما ينفي مساواة يصح انتفاؤها. قالوا المساواة في الإثبات للعموم ، وإلا لم يستقيم إخبار بمساواة ، لعدم الاختصاص. ونقيض الكلي الموجب جزئي سالب. قلنا: المساواة في الإثبات للخصوص ، وإلا لم يصدق أبدا إذ ما من شيئين إلا وبينهما نفي مساواة ، ولو في تعينهما. ونقيض الجزئي الموجب كلي سالب.
والتحقيق أن العموم من النفي.
ش - نفي المساواة في مثل قوله تعالى: (لا يستوي أصحب النار وأصحب الجنة) يقتضي العموم أي بنفيها من كل وجه كما أن نفي غير المساواة يقتضي العموم وعلى هذا لا يقاد المسلم بكافر ولا تكون ديته كديته ، ولا يملك
الكافر الحربي مال المسلم إذا أخذه بدار الحرب.
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يقتضي العموم.
واحتج المصنف بأن حرف النفي دخلت على النكرة لدخولها على الفعل المقتضي لنفي المصدر الذي تضمنه الفعل وهو نكرة ، والنفي إذا دخل على النكرة أفاد العموم كالنفي الداخل على غير الفعل من بين النكرات.
وفيه نظر لأن خصوصية المادة مانعة عن العموم لقيام المساواة من بعض الوجوه ، والقياس مع وجود المانع فاسد ،
وقالت الحنفية: المساواة مطلقا أعم من المساواة بوجه خاص وهو المساواة من جميع الوجوه لأنها كما تكون من جميع الوجوه فقد تكون من بعض الوجوه.
والأعم لا يشعر بالأخص أي لا يدل عليه أصلاً.
وأجيب بأن ذلك في جانب الإثبات ، وأما في جانب النفي فإنه يشعر به لأن نفي العام يستلزم نفي الخاص وإلا لم يمكن نفي العموم أصلا لأنه حينئذ يجوز أن لا ينتفي الخصوص على تقدير انتفاء العام فلا يتحقق في العموم لأن الخاص يستلزم العام فإذا لم ينتف الخصوص لم ينتف العموم.
وفيه نظر لأن التالي امتناع نفي العموم وما ذكره في بيان الملازمة لا يفيده لأن الخصوص يجوز أن لا ينتفي لا أنه يجب أن لا ينتفي فإذا انتفى العموم بالنفي. وإذا لم ينتف لم لم ينتف العموم لأن عدم استلزام نفي العموم نفي الخصوص أعم من استلزام نفي العموم عدم انتفاء الخصوص وإنه لمظنة فضل تأمل منك فاحتط.
وقالوا لو عم نفي المساواة لم يصدق قوله: (لا يستوي أصحب النار وأصحب الجنة) لأن صدقه يتوقف على نفي المساواة من كل وجه وهي موجودة من وجه وأقل ذلك المساواة بينهما في نفي ما سواهما عنهما لكنه صادق قطعا.
وأجيب بمنع الملازمة لأن المدعي نفي مساواة يصح انتفاؤها لا المساواة من جميع الوجوه واللفظ وإن كان مقتضيا للعموم لكنه قد خص.
ولقائل أن يقول هذا إقرار بعدم العموم لأن الاستغراق في العموم شرط عنده وإذا كانت الحقيقة متروكة يصار إلى مجاز تدل عليه قرينة وهي فحوى الكلام وهو نفي المساواة في الفوز بالجنة لقوله: (أصحب الجنة هم الفائزون) وكذا في غيره من المواضع كما في قوله تعالى: (وما يستوى العمى والبصير) يعني في البصر أو في البصيرة إن أريد بهما الكفر والإيمان وفيما عدا ذلك تكون كالمجمل.
لا يقال إذا خص فيها البعض صار كالعام المخصوص فإنه يعمل به فيما بقي من