الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالطعام " فإن هذا الدليل شامل لحكم الأرز.
شروط علة الأصل
ص - ومن شروط على الأصل أن تكون بمعنى الباعث أي مشتملة على حكمة مقصودة للشارع من شرع الحكم. لأنها إذا كانت مجردة أمارة هي مستنبطة من حكم الأصل كان دورا.
ومنها أن تكون وصفا ضابطا لحكمه لا حكمة مجردة لخفائها أو لعدم انضباطها ولو أمكن اعتبارها جاز على الأصح.
ومنها أن لا تكون عدما في الحكم الثبوتي.
لنا: لو كان عدما لكان مناسبا أو مظنته.
وتقرير الثانية أن العدم المطلق باطل والمخصص بأمر إن كان وجوده منشأ مصلحة فباطل ، وإن كان منشأ مفسدة فمانع. وعدم المانع ليس علة.
وإن كان وجوده ينافي وجود المناسب لم يصلح عدمه مظنة لنقيضه لأنه إن كان ظاهرا تعين بنفسه وإن كان خفيا فنقيضه خفي ولا يصلح الخفي مظنة الخفي وإن لم يكن فوجوده كعدمه. وأيضا لم يسمع أحد يقول: العلة كذا أو عدم كذا.
واستدل بأن لا علة عدم. فنقيضه وجود. وفيه مصادرة. وقد تقدم مثله.
قالوا: صح تعليل الضرب بانتفاء الامتثال. قلنا: بالكف.
وأن لا يكون العدم جزءا منها.
قالوا: انتفاء معارضة المعجزة جزء من المعرف لها وكذلك الدوران وجزؤه عدم.
قلنا: شرط لا جزء.
وأن لا تكوم المتعدية المحل ولا جزءا منه لامتناع الإلحاق بخلاف القاصرة.
ش - لما فرغ من شروط الحكم في الأصل شرع في شروط علة الأصل وهي متعددة:
الأول: أن تكون العلة في الأصل بمعنى الباعث بأن تكون مشتملة على حكمة تصلح أن تكون مقصودة للشارع من شرع حكم الأصل كالاسكار في حرمة الخمر فإنه مشتمل على حفظ العقل لأن الحرمة تؤدي إليه وهو مقصود الشارع.
كذا قيل: وفيه نظر لأن الإسكار مشتمل على إزالة العقل لا على حفظه وكون الحرمة مؤدية إليه غير معتبر لأن تصور الباعث على الشيء سابق وكون الشيء مؤديا
إلى شيء يستلزم تقدمه في التصور وما ذاك إلا دور.
وإنما شرط ذلك لأنها إذا كانت مجرد أمارة لزم الدور لأن العلة فرع حكم الأصل لكونها مستنبطة منه وإذا كانت مجرد أمارة لا يكون لها فائدة سوى تعريف الحكم فيكون الحكم متفرعا عليها ويدور.
وفيه نظر لأن بعض الأصوليين ذهبوا إلى أن الحكم في الأصل والفرع ثابت بالعلة وحينئذ لا تكون العلة مستنبطة من حكم الأصل ولأن جهة التوقف مختلفة فإن توقف العلة على حكم الأصل لمي وتوقف الحكم على العلة إذا لم تكن باعثة أني ولا دور مع الاختلاف.
والثاني: أن تكون علة الأصل وصفا ضابطا لحكمة قيل: وهي الغاية
للحكم كالقدر مع الجنس في الربويات لأن ذلك وصف ضابط لحكمة هي دفع التفاضل بين المتجانسين مراعاة للتعادل فيما ليس فيه جهة التفاضل.
وأما الحكمة المجردة فلا تقع علة لخفائها وعدم انضباطها حتى لو أمكن اعتبارها لانضباطها وعدم خفائها جاز التعليل بها على الأصح لأنها هي العلة الغائية فتعليل الحكمة بها أولى من التعليل بالوصف ، " والفرق بين الشرطين غير محقق يـ ".
والثالث: أنه لا تكون علة الأصل عدما في الحكم الثبوتي خلافا لبعض الأصوليين. واحتج عليه بوجهين:
أحدهما: أنه لو كان الوصف الجامع في الحكم الثبوتي عدما لكان مناسباً أو
مظنة مناسب لأن الوصف الجامع لا بد وأن يكون باعثا لما تقدم والباعث منحصر في المناسب والمظنة على ما سيجيء.
والمناسب هو الوصف الظاهر المنضبط الذي يحصل عقلا من ترتب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا من حصول مصلحة أو دفع مفسدة.
ومظنة المناسب هو ما يلازم الوصف المذكور إذا لم يكن ظاهرا والتالي باطل وإليه أشار بقوله: وتقرير الثانية - لأن العدم إما أن يكون مطلقا أو مضافا إلى أمر والأول باطل لأن العدم المطلق لا يختص ببعض الأحكام الثبوتية دون بعض ، والثاني كذلك لأن وجود الأمر الذي اختص العدم به إما أن يكون منشأ مصلحة لذلك الحكم الثبوتي أو لا والثاني إما أن يكون منشأ مفسدة له أو لا والثاني إما أن يكون منافيا لوجود المناسب لذلك الحكم الثبوتي أو لا فهذه أربعة أقسام لا سبيل إلى واحد منها.
أما الأول: فلأن عدمه حينئذ لا يكون مناسبا للحكم الثبوتي ولا مظنة مناسب لاستلزام عدمه فوات تلك المصلحة.
وأما الثاني: فلأنه حينئذ يكون وجود ذلك الأمر مانعا من تحقق الحكم فعدمه عدم المانع وهو ليس بعلة بالاتفاق.
وأما الثالث: فلأن عدم ذلك الأمر المنافي للمناسب لا يصلح أن يكون مظنة للمناسب الذي هو نقيض ذلك الأمر المنافي لأن نقيضه وهو المناسب إن كان ظاهرا تعين أن يكون علة بنفسه من غير احتياج إلى المظنة وإن كان خفيا فنقيضه أي الأمر المنافي له أيضا خفي فعدم ذلك الأمر المنافي للمناسب أيضا خفي والخفي لا يصلح أن يكون مظنة للخفي.
وأما الرابع: فوجوده كعدمه وإذا تساويا لا يكون عدمه مناسبا ولا مظنة.
الثاني: أنه لم يسمع عن أحد من المجتهدين يقول: العلة كذا أو عدم كذا والعادة تقضي بأنه لو جاز ذلك لقاله أحد.
واستدل على هذا المطلوب بأن العلية موجودة لأن نقيضها وهو ألا علية عدمي
وإذا كان أحد النقيضين عدميا كان الآخر وجوديا وإذا كانت العلية موجودة لم يكن العدم علة وإلا لا تصف المعدوم بالوجودي وهو محال.
قال المصنف: وفيه مصادرة وذلك لأن عدمية اللاعلية متوقفة على وجودية العلية لأن عدمية صورة السلب تتوقف على وجودية ما دخل عليه السلب فلو توقف وجودية العلية على عدمية اللاعلية لزم الدور.
وقد تقدم مثل ذلك في مسألة الحسن والقبح حيث قيل الحسن وجودي لأنه نقيض اللاحسن.
وقال القائلون بأن العدم يجوز أن يكون علة للثبوتي: صح تعليل الضرب الذي هو وجودي بانتفاء الامتثال الذي هو عدمي فإذا أمر عبده بفعل ولم يمتثل فضربه السيد صح أن يقال إنما ضربه لأنه لم يمتثل أمره.
وأجاب المصنف بأن الضرب معلل بكف النفس عن الامتثال لا بانتفاء الامتثال والكف أمر ثبوتي.
وهذا الجواب من قبيل الاستغناء بالمناسب عن المظنة.
والرابع: أن لا يكون العدم جزءا من علة الأصل لما تقدم من الدليل وجوزه بعض الأصوليين.
واحتج بأن انتفاء معارضة المعجزة بمثلها جزء من معزف المعجزة لأن الفعل الخارق للعادة يتوقف في كونها معجزة على انتفاء المعارضة وهو عدمي وكون الفعل
معجزة ثبوتي فقد صار العدم جزء علة الثبوتي.
وبأن الدوران علة لعلية المدار للدائر وعليه المدار أمر ثبوتي وجزء الدوران وهو العكس عدم فيجوز أن يكون جزء علة الثبوتي عدما.
وأجاب عن الصورتين بأن العدم فيهما شرط لا جزء.
ولقائل أن يقول المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة فدعوى أن عدم المعارضة شرط دعوى مجردة.
والدوران هو ترتب الشيء على ما له صلوح العلية وجودا وعدما فكون العدم شرطا كذلك. وإن زعم بأن التعريف يتم بقوله: مقرون بالتحدي وبقوله ما له صلوح العلية وجودا وما عدا ذلك شرط فهو مع ضعفه للالتباس نزاع لفظي ولا جدوى له.
والخامس: أن لا تكون العلة المتعدية محل الحكم ولا جزءا منه لأنها يمتنع أن تتحقق في الفرع وهي محل الأصل أو جزؤه فيمتنع إلحاق الفرع بالأصل بخلاف العلة القاصرة فإنها تجوز أن تكون المحل أو جزأه الخاص ، مثل حرمت البر لكونه بر حب لم يكن الإلحاق مقصودا ، والمراد بالجزء الخاص لأن التعليل بالجزء المشترك جائز لإمكان وجوده في الفرع.
ص - والقاصرة بنص أو إجماع صحيحة باتفاق. والأكثر على صحتها بغيرهما كتعليل الربا في النقدين بجوهريتهما خلافا لأبي حنيفة.
لنا: أن الظن حاصل بأن الحكم لأجلها ، وهو المعني بالصحة بدليل صحة المنصوص عليها.
واستدل لو كانت صحتها موقوفة على تعديتها لم تنعكس للدور.
والثانية: باتفاق. وأجيب بأنه وقف معية.
قالوا: لو كانت صحيحة لكانت مفيدة والحكم في الأصل بغيرها. ولا فرع. ورد بجريانه في القاصرة بنص ، وبأن النص دليل الدليل ، وبأن الفائدة معرفة الباعث المناسب فيكون أدعى إلى القبول أو إذا قدر وصف آخر متعد لم يتعد إلا بدليل على استقلال.
ش - العلة القاصرة هي المختصة بالأصل وهي قد تكون ثابتة بنص أو إجماع وقد تكون بغيرهما والتعليل بالأول صحيح ، وبالثاني عند الأكثر كتعليل الربا في
النقدين بجوهريتهما.
ومنعه أبو حنيفة رحمه الله.
واحتج للأكثر بما تقريره أن المجتهد في طلب العلة إذا أدى اجتهاده إلى أن القاصرة علة حصل الظن بأن الحكم لأجلها ولا يعني بصحة التعليل بالقاصرة إلا حصول الظن بذلك بدليل صحة المنصوص عليها فإنه إذا حصل الظن بأن الحكم لأجلها صح التعليل.
وفيه نظر لأن المجتهد إما أن يطلب العلة للإلحاق أو لغيره والقاصرة لا تقبل الأول والثاني غير مطلوب لأن بالنص عنها مندوحة في إفادة الحكم في الأصل.
واستدل بأنه لو توقفت صحة التعليل على التعدية لم ينعكس أي لم تتوقف التعدية على صحة العلة لئلا يدور فإن التعدية لو توقفت على صحة العلة والفرض أن صحتها موقوفة على التعدية دار والتالي باطل بالاتفاق.
وأجاب بأن توقف أحديهما على الأخرى توقف معية فلا دور.
واحتج المانعون بأنه إذا صح التعليل بالقاصرة ما صح إلا لفائدة فإن ما ليس له فائدة شرعية ليس له صحة شرعية ولا فائدة لأنها إثبات الحكم إما في الأصل أو الفرع وهو في الأصل ثابت بالنص أو الإجماع ولا فرع في القاصرة.
وأجاب أولا: بالنقض الإجمالي فإن هذا الدليل بعينه جار في القاصرة الثابتة بنص أو إجماع كقوله عليه السلام: " فإنها دم عرق انفجر "
والإجماع على جوازه.
وفيه نظر لأن المنصوصة لبيان الحكمة لا أنها علة ولا كلام فيها.
وثانيا: بمنع عدم الفائدة فإن فائدته إثبات حكم الأصل والنص أو الإجماع دليل الدليل أي دليل هذه العلة.
وفيه نظر لأنه يلزم قطع الحكم عن الأقوى إلى الأضعف وذلك إبطال ولأنه حينئذ تكون العلة منصوصا عليها والفرض خلافة.
وثالثا: بعدم انحصار فائدة العلة في إثبات الحكم فإن فائدته معرفة الباعث المناسب لتكون أدعى إلى القبول لكونه معقول المعنى.
وفيه نظر لأن التعليل الشرعي وضع لإفادة الحكم الشرعي وما ذكرتم ليس كذلك.
وفائدتها أيضا أنه إذا ثبت كونها علة لو قدر وصف آخر متعد لم يفد العلية إلا إذا دل دليل على استقلاله بالعلية.
وفيه نظر لأن التعليل بالعلة القاصرة لا يمنع التعليل بالمتعدية ولأن هذه الفائدة غير متعلقة بالقاصرة فإن المتعدية دائما لا تعمل في الفرع إلا إذ دل الدليل على الاستقلال بالعلية وكان وجود القاصرة وعدمها سواء.
ص - وفي النقض: وهو وجود المدعى علة مع تخلف الحكم. ثالثها: يجوز في المنصوصة لا المستنبطة. ورابعها: عكسه. وخامسها: يجوز في المستنبطة وإن لم يكن مانع ولا عدم شرط والمختار إن كانت مستنبطة لم يجز إلا لمانع أو عدم شرط لأنها لا ثبت عليتها إلا ببيان أحدهما لأن انتفاء الحكم إذا لم يكن لذلك يكون لعدم المقتضي وإن كانت منصوصة فبظاهر عام فيجب تخصيصه كعام وخاص ويجب
تقدير المانع.
لنا: لو بطلت لبطل المخصص. وأيضا جمع بين الدليلين. ولبطلت القاطعة ، كعلل القصاص والجلد وغيرهما.
ش - اختلف الأصوليون في جواز النقض: وهو وجود المدعى علة مع تخلف الحكم عنه. على ستة مذاهب:
الأول: الجواز مطلقا على أنه ليس بقادح في العلية.
والثاني: عدمه مطلقا.
والثالث: جوازه في المنصوصة دون المستنبطة.
والرابع: عكسه إذا وجد المانع أو عدم الشرط.
والخامس: جوازه في المستنبطة دون المنصوصة وإن لم يكن التخلف بوجود مانع أو عدم شرط.
والسادس: وهو المختار عند المصنف أن العلة إن كانت مستنبطة لا يجوز تخلف الحكم عنها إلا بمانع أو عدم الشرط لأن عليتها لا تثبت عند التخلف إلا ببيان أحدهما لأن انتفاء الحكم إذا لم يوجد المانع أو عدم الشرط لانتفاء المقتضي لأنه لو كان موجودا والشرط موجود والمانع منتف تحققت العلة التامة والتخلف عنها ممتنع وإن كانت منصوصة فبظاهر عام أي إنما يجوز التخلف عنها إذا كان التنصيص بنص ظاهر عام فيجب تخصيصه بالنافي للحكم في صورة التخلف والعمل بالعلة في غيرها كعام وخاص إذا اختلفا فإنه يخص به العام ويعمل به في غير صورة التخصيص ويجب تقدير المانع في صورة التخلف إن لم يظهر مانع للضرورة.
واحتج المصنف على أن تخلف الحكم عن العلة المنصوصة بظاهر عام لا يبطل عليتها بثلاثة أوجه:
الأول: أن العلة المنصوصة بظاهر عام لو بطلت بالنقض لبطل العام المخصص
بظهور الخاص. واللازم باطل لأن العام المخصوص حجة كما تقدم. وبيان الملازمة بأن نسبة العلة المنصوصة بظاهر عام إلى موارد الحكم كنسبة العام إلى أفراده فكما أن التخصيص لا يبطل العام بالكلية كذلك النقض لا يبطل العلية بالكلية.
ولقائل أن يقول العلة المذكورة إما أن تكون تامة أو لا فإن كانت تامة لم يجز التخلف لأنه تكون الشروط موجودة والموانع منتفية فلو تخلف دل على عدم المقتضي كما تقدم ، وإن كانت غير تامة لم تقتض شيئا حتى توجد الشروط وترتفع الموانع فلم يكن حينئذ فرق بين المنصوصة والمستنبطة.
الثاني: أن العام الظاهر دل على العلية ، والنقض دل على عدمها فيعمل بالظاهر العام في غير صورة النقض ويعمل بالنقض في صورته ليكون جمعا بين الدليلين لأن الجمع بينهما أولى من إهمال أحدهما.
وفيه نظر لأن العلية إذا ثبتت بالنص لا يجوز قصرها وإلا لكان ما فرضناه علة غير علة وهو خلف باطل.
الثالث: أن العلة بنص ظاهر لو بطلت بالنقض لبطلت العلة القاطعة أي المتفق عليها كعلل القصاص والجلد وغيرهما بالنقض لأن العلة المنصوصة بنص ظاهر لا تتقاعد عن العلة المتفق عليها. لكن القاطعة لم تبطل عليتها بالتخلف في بعض الصور كما إذا قتل ابنه.
وفيه نظر لأن العلل القاطعة لم تعتبر للتعدية لأن الحكم يثبت فيما يثبت بالنص ويتخلف فيما بالنص فالتخلف غير ملتفت إليه لوجود ما يثبت به الحكم ويتخلف.
ص - أبو الحسين: النقض يلزم فيه مانع أو انتفاء شرط. فيتبين أن نقيضه من الأولي.
قلنا: ليس ذلك من الباعث. ويرجع النزاع لفظيا.
قالوا: لو صحت للزم الحكم. وأجيب: بأن صحتها كونها باعثة لا لزوم الحكم فإنه مشروط.
قالوا: تعارض دليل الاعتبار ودليل الإهدار. قلنا: الانتفاء للمعارض لا ينافي الشهادة.
قالوا: تفسد كالعقلية. وأجيب: بأن العقلية بالذات وهذه بالوضع.
ش - القائلون بقدح النقص في العلية احتجوا بأربع أوجه:
الأول: ما ذكره أبو الحسين وهو أن النقض لا بد له من وجود مانع أو انتفاء شرط لأن تخلف الحكم بدونهما يشعر بانتفاء العلة كما تقدم فبين النقض أن نقيض وجود المانع ونقيض انتفاء الشرط من أجزاء العلة المفروضة علة لأن الحكم لا يثبت بدون نقيض أحدهما فتنتفي العلة عند انتفاء نقيض أحدهما ضرورة انتفاء الكل بانتفاء جزئه.
وأجاب بأن المراد من العلة الباعث ونقيض أحدهما ليس جزءا من الباعث ويرجع النزاع لفظيا ، لأنه إن أريد بالعلة الباعث لا يكون نقيض أحدهما جزءا منها ولا يقدح النقض في العلية وإن أريد بالعلة ما يثبت الحكم كان نقيض أحدهما جزءا منها ويقدح النقض في العلية.
ولقائل أن يقول فسر الباعث فيما تقدم بما يشتمل على حكمة تصلح أن تكون مقصودة للشارع من شرع حكم الأصل فتلك الحكمة إما أن تكون عند النقض كما كانت بدونه أو لا فإن كانت تساوي النقض وعدمه ويلزم الحكم في صورة النقض والفرض عدمه وإن لم يكن بطلت في الأصل كما بطلت في النقض.
الثاني: أنه لو صحت العلة مع النقض لزم الحكم في صورة النقض لاستلزام العلة معلولها لكن الحكم قد " يختلف " فيها.
وأجاب بأن صحة العلة لكونها باعثة على شرعية الحكم " لأن يكون " لازما لها والعلة بمعنى الباعث لا تكون ملزومة للحكم فإن لزوم الحكم مشروط بوجود الشرط وعدم المانع.
وفيه نظر لأن العلة بمعنى الباعث إما أن تكون دليلا على الحكم أو لا فإن كانت لزمها الحكم لأن الدليل هو ما يلزم من العلم به العلم بوجود المدلول وإن لم تكن لم يكن القياس من أدلة الشرع لأنه منها بالعلة والتالي باطل بالاتفاق.
الثالث: أن العلة لا تصح مع النقض لأن دليل الاعتبار وهو ما دل على علية الوصف عارض دليل إهدار علية الوصف أي إبطالها وهو انتفاء الحكم في صورة النفض وكل ما تعارضا تساقطا إلا المرجع ولم يوجد.
وأجاب بأن انتفاء الحكم بوجود المعارض وهو تحقق المانع أو انتفاء الشرط لا ينافي الشهادة. يعني الدليل الدال على اعتبار علية الوصف لأن عند وجود الشهادة جاز أن ينتفي الحكم لمعارض وإذا لم يكن بين انتفاء الحكم لمعارض وبين الشهادة منافاة لا يقع التعارض بينهما.
ولقائل أن يقول لا نسلم جواز انتفاء الحكم لمعارض عند وجود الشهادة بل هو عين النزاع.
الرابع: أن العلة الشرعية تفسد بالنقض قياسا على العلة العقلية.
وأجاب عنه بالفرق وهو أن العلة العقلية تقتضي المعلول بالذات فلا يجوز أن يتخلف المعلول عنها ، وهذه أي العلة الشرعية تقتضي الحكم بالوضع فيجوز أن يتخلف الحكم عنها.
وفيه نظر لأنه مبني على الفرق وقد تقدم. ولأن الشرع إما أنه وضع الشرعية على وجه لا يتخلف الحكم عنها أو لا والثاني ممنوع والأول يوجب التسوية بينها وبين العقلية فصح القياس.
ص - المجوز في المنصوصة: لو صحت مع النقض لكان لتحقق المانع ولا يتحقق إلا بعد صحتها فكان دورا. وأجيب بأنه دور معية. والصواب أن استمرار الظن بصحتها عند التخلف يتوقف على المانع. وتحقق المانع يتوقف على ظهور الصحة فلا دور كإعطاء الفقير يظن أنه لفقره فإن لم يعط آخر توقف الظن. فإن تبين مانع عاد وإلا زالت.
قالوا: أدلتها اقتران فقد تساقطا. وقد تقدم.
ش - مجوز تخلف الحكم في المنصوصة دون المستنبطة احتج بوجهين:
الأول: لو صحت المستنبطة مع النقض لكانت صحتها لتحقق المانع وإلا لم يتخلف الحكم عنها فتتوقف صحة العلة على تحقق المانع ، والمانع يتوقف على صحة العلة لأن المانع إنما يكون مانعا إذا تحقق المقتضي فيتوقف كل واحد من المانع والصحة على الآخر فيدور.
وفيه نظر لأن الملازمة الثانية وهي قوله: وإلا لم يتخلف الحكم عنها - غير واضحة ولا مثبتة والصواب أن يقال: وإلا لا تبقى العلة لأنه إذا تحقق " النقض " والمانع غير متحقق والشروط موجودة لم يكن تخلفا بل كانت انتفاء الحكم لانتفاء العلة للحصر الاستقرائي.
وأجاب بأن التوقف توقف معية فإن الصحة والمانع لا يتقدم أحدهما على الآخر وتوقف المعية غير محذور لعدم تقدم الشيء على نفسه.
ثم قال المصنف: والصواب أن الصحة لا تتوقف على المانع بل استمرار الظن بصحة العلة عند تخلف الحكم يتوقف على المانع لأن صحة العلة جاز أن تتحقق بدون المانع فيما إذا لم يتخلف الحكم عن العلة وتحقق المانع لا يتوقف على استمرار
الظن بصحة العلة عند تخلف الحكم بل يتوقف على ظهور الصحة فلا دور.
وفيه نظر لأن قوله: لأن صحة العلة جاز أن تتحقق بدون المانع فيما إذا لم يتخلف الحكم عن العلة - غير صحيح لأن الكلام في صحتها عند التخلف.
ومثل لذلك بقوله: كإعطاء الفقير شيئا فإنه يظن أن الإعطاء للفقر فإن لم يعط فقيرا آخر توقف الظن في علية الفقير فإن تبين مانع عن إعطائه عاد ظن عليته أي استمر وإن لم يتبين مانع زال ظن عليته فظهر أن استمرار ظن صحة العلة عند تخلف الحكم يتوقف على المانع.
الثاني: أن دليل العلة المستنبطة اقتران الحكم بها في بعض الصور فكما أن اقتران الحكم بالوصف في بعضها يدل على العلية فكذلك عدم اقتران الحكم به في بعض آخر يدل على عدمها فتعارضا وتساقطا.
وقد تقدم الجواب في دليل الاعتبار ودليل الإهدار فيذكر ويذكر الجواب المذكور ثمة. والوجهان لعدم الجواز في المستنبطة ولم يذكر دليل الجواز في المنصوصة ، والعدم في الأول لا يستلزم الجواز في الثاني لاحتمال شمول العدم.
ص - المجوز في المستنبطة دون المنصوصة دليلها نص عام فلا يقبل.
وأجيب: إن كان قطعيا فمسلم. وإن كان ظاهرا وجب قبوله.
الخامس: المستنبطة علة بدليل ظاهر. وتخلف الحكم مشكك " فلا يعارض ".
وأجيب: تخلف الحكم ظاهر أنه ليس بعلة. والمناسبة والاستنباط مشكك.
والتحقيق أن الشك في أحد المتقابلين يوجب الشك في الآخر.
قالوا: لو توقف كونها أمارة على ثبوت الحكم في محل آخر لانعكس فكان دورا أو تحكما.
وأجيب بأنه دور معية.
والحق أن استمرار الظن بكونها أمارة يتوقف على المانع " أو " ثبوت الحكم وهما على ظهور كونها أمارة.
ش - المجوز في المستنبطة دون المنصوصة وهو القائل بالمذهب الرابع ، احتج على أن المنصوصة لا يجوز النقض فيها بأن المنصوصة دليلها نص عام وهو يقتضي ثبوت علية الوصف في جميع موارده فلا يقبل النقض.
وأجاب بأن النص العام إن كان قطعي الدلالة على العلة فمسلم وإن كانت بطريق الظهور وجب قبوله للنقض كالعام للتخصيص.
وفيه نظر لأن العام لا يكون قطعي الدلالة لما تقدم.
والقائلون بجواز النقض في المستنبطة وإن لم يكن مانع ولا عدم شرط وهو المذهب الخامس ، احتجوا على ذلك بوجهين:
أحدهما: أن المستنبطة على بدليل ظاهر فإن دليلها المناسبة وهي تدل على علية الوصف ظاهرا لا قطعا ، وتخلف الحكم عن الوصف مشكك أي موضع للشك ، وعليه الوصف يعني أن دلالته على عدمها ليست بظاهرة لتساوي الاحتمالين احتمال تخلف الحكم لعدم العلة واحتمال تخلفه لوجود المعارض وغير الظاهر لا يعارض الظاهر فلا يقدح النقض في العلة.
وأجاب بأن تخلف الحكم بلا وجود مانع وانتفاء شرط يدل على أن الوصف ليس بعلة ظاهرا ودلالة المناسبة واستنباط العلة على العلية مشكك فلا يكون ظاهرا ، وغير الظاهر لا يعارض الظاهر.
والتحقيق أن الشك في أحد المتقابلين يوجب الشك في الآخر فإذا أوجب
تخلف الحكم عن الوصف الشك في عدم العلية وجب أن يقع الشك فيها فلا يكون دلالة الدليل على العلية ظاهرة فيقع التعارض.
والثاني: أنه لو قدح النقض في العلة المستنبطة لتوقف كونها أمارة للحكم على ثبوته في محل آخر وهو محل النقض ولو توقف فإما أن يتوقف في محل آخر على كون العلة المستنبطة أمار للحكم أو لا فإن كان الأول وهو العكس دار وإن كان الثاني فهو تحكم.
وأجاب بأنه دور معية فلا يكون باطلا. ثم قال: والحق أن استمرار الظن بكون الوصف أمارة للحكم يتوقف على وجود المانع في محل النقض أو ثبوت الحكم فيه ، ووجود المانع وثبوت الحكم فيه يتوقف على ظهور كون الوصف أمارة لا على استمرار الظن بكونه أمارة فلا يلزم الدور.
الكسر والنقض المكسور
ص - وفي الكسر ، وهو وجود الحكمة المقصودة مع تخلف الحكم.
المختار: لا يبطل. كقول الحنفي في العاصي بسفره: مسافر فيترخص كغير العاصي ثم يبين المناسبة بالمشقة. فيعترض بصنعة شاقة في الحضر.
لنا: أن العلة السفر " لغير " انضباط المشقة ولم يرد النقض عليه.
قالوا: الحكمة هي المعتبرة قطعا. فالنقض وارد.
قنا: قدر الحكمة المساوية في محل النقض مظنون ولعله لمعارض.
" والعلة في الأصل موجودة قطعا ". فلا يعارض الظن القطع حتى لو قدرنا وجود قدر الحكمة أو أكثر قطعا. وإن بعد أبطل إلا أن يثبت حكم آخر أليق بها.
كما لو علل القطع بحكمة الزجر. فيعترض بالقتل العمد العدوان فإن الحكمة
أزيد لو قطع.
فنقول ثبت حكم أليق بها تحصل به وزيادة وهو القتل.
وفي النقض المكسور: وهو نقض بعض الأوصاف. المختار: لا يبطل كقول الشافعي في بيع الغائب مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد فلا يصح مثل بعتك عبدا.
فيعترض بما لو تزوج امرأة لم يرها.
لنا: أن العلة المجموع فلا نقض. فإن بين عدم تأثير كونه " معيبا " كان كالعدم فيصح النقض ولا يفيد مجرد ذكره دفع النقض.
ش - اختلف الأصوليون في الكسر:
وهو وجود الحكمة المقصودة من شرع الحكم مع تختلف الحكم عنه.
ومختار المصنف أنه لا يبطل العلة. مثاله قول الحنفي في العاصي بالسفر
وهو الذي يكون سفره معصية كالعبد الآبق وقطاع الطريق: مسافر فيترخص برخص السفر كالعبد ثم يبين المناسبة بين السفر والرخص باشتمال السفر على المشقة. فيعترض الشافعي بصنعة شاقة في الحضر كالحدادة فإن المشقة ثمة متحققة مع تخلف رخص المسافر عنها.
واحتج على المختار بأن العلة هي الوصف الضابط للحكمة لا نفس الحكمة لعسر انضباطها لاختلاف المشقة باختلاف الأشخاص والأزمان والشارع لم يجعل ما يعسر انضباطها علة للحكم فلا يرد النقض على ما هو علة.
والقائلون بإبطال لكسر العلة ، احتجوا بأن الحكمة هي المعتبرة في العلية قطعا لا الوصف الضابط للحكمة لأن المقصود من شرع الحكم هو الحكمة والوصف عنوان الحكمة وضابطها فحينئذ يرد النقض لوجود الحكمة في صورة النقض مع تخلف الحكم عنها.
وأجاب بما معناه أن الحكمة إنما تنقض إذا تساوت لحكمه الأصل والتساوي بين الحكمتين مظنون لجواز أن يكون قدر ما في النقض من الحكمة أقل منها في الأصل وعلى تقدير التساوي يجوز أن يكون التخلف لمعارض وإذا كان قدرها في النقض مظنونا والعلة في الأصل موجودة قطعا لا يعارض الظن القطع حتى لو قدر أن تكون الحكمة في محل النقض قدر الحكمة في الأصل أو أكثر منها على سبيل القطع - وإن بعد هذا التقدير لعسر الاطلاع على مقادير الحكم - أبطل الكسر الحكمة لوقوع التعارض بينهما حينئذ إلا أن يثبت حكم آخر في محل النقض أليق بالحكمة من الحكم المتخلف فإنه حينئذ لا يبطل الكسر العلة كما لو علل وجوب قطع اليد قصاصا بحكمة الزجر. فيعترض الخصم بالقتل العمد العدوان فإن حكمته أزيد ثمة لو قطع ، ولم يقطع.
فيقول المعلل ثبت فيه حكم أليق بحكمة الزجر تحصل حكمة الزجر بذلك الحكم وهو الزيادة وهو القتل.
وأما النقض المكسور: وهو نقض بعض أوصاف العلة. أي تخلف الحكم عن بعض أوصافها. فقد اختلفوا فيه أيضا.
ومختار المصنف أنه لا يبطل العلة وذلك كقول الشافعي في بيع الغائب: مبيع مجهول الصفة عند العاقد فلا يصح العقد قياسا على ما إذا قال: بعت عبدا من عبيدي والجامع كون المبيع مجهول الصفة عند العاقد.
فيعترض الحنفي بما لو تزوج امرأة لم يرها ، فإنها مجهولة الصفة عند العاقد والعقد صحيح فتخلف الحكم عن بعض أوصاف العلة.
واحتج على المختار بأن العلة مجموع الأوصاف وهو كونه مبيعا مجهول الصفة عند العاقد لا بعضه وهو كونه مجهول الصفة عند العاقد وحينئذ لا يلزم تخلف الحكم عن العلة فإن بين الحنفي عدم تأثير كونه مبيعا كان وصف كونه مبيعا كالعدم لانتفاء تأثيره فتكون العلة حينئذ كونه مجهول الصفة عند العاقد فيصح النقض لتخلف الحكم عن العلة.
ومجرد ذكر كونه مبيعا لا يفيد دفع النقض ما لم يبين له تأثير في العلة.
وفيه نظر لأن الحنفي سائل والسائل لا يجوز له بيان ذلك لكونه غصبا.
ص - وأما العكس: وهو انتفاء الحكم لانتفاء العلة. فاشتراطه مبني على منع تعليل الحكم بعلتين لانتفاء الحكم عند انتفاء دليله. ونعني انتفاء العلم أو الظن لأنه لا يلزم من انتفاء الدليل على الصانع انتفاؤه.
ش - واختلفوا في أن العلة هل هي مشروطة بالعكس: - وهو انتفاء الحكم لانتفاء العلة - أو لا؟
واشتراطه مبني على منع تعليل الحكم الواحد بعلتين فمن منع ذلك اشترطه لأنه حينئذ لا يكون إلا علة واحدة فيلزم من انتفائها انتفاؤه ، ونعني بانتفاء الحكم انتفاء العلم أو الظن به لأنه لا يلزم من انتفاء الدليل على الصانع
انتفاء العلم به.
وفيه نظر لأنه لم يفرق بين العلة والدليل والفرق بين حيث لا يصح إطلاق العلة في هذا المثال لفظا ولا معنى والكلام فيها.
ومن جوز ذلك لم يشترطه إذ لا يلزم من انتفاء دليل انتفاء العلم أو الظن بالمدلول لجواز تحقق دليل آخر موجب للعلم أو الظن به.
وفيه نظر لأنا ننقل الكلام فيما إذا انتفى جميع ما يصلح أن يكون دليلا عل ينتفي العلم أو الظن بالحكم بانتفاء ذلك؟
عند من جوز تعدد الدليل أولا لا يعلم مما ذكر ويفسد بناء هذه المسألة على تلك المسألة.
ص - وفي تعليل الحكم بعلتين أو علل كل مستقل.
ثالثها للقاضي: يجوز في المنصوصة لا المستنبطة.
رابعها: عكسه. ومختار الإمام: يجوز ولكن لم يقع.
لنا لو لم يجز لم يقع وقد وقع ، فإن اللمس والبول والغائط والمذي يثبت بكل واحد منها الحدث. والقصاص والردة يثبت بكل منها القتل. قولهم: الأحكام متعددة. ولذلك ينتفي قتل القصاص ويبقى الآخر. والعكس.
قلنا: إضافة الشيء إلى أحد دليليه لا يوجب " دليلا " وإلا لزم مغايرة حدث البول لحدث الغائط.
وأيضا لو امتنع لامتنع تعدد الأدلة لأنها أدلة.
المانع: لو جاز لكانت كل واحدة مستقلة غير مستقلة لأن معنى استقلالها ثبوت الحكم بها فإذا تعددت تناقضت.
وأجيب بأن معنى استقلالها أنها إذا انفردت استقلت فلا تناقض في التعدد.
قالوا: لو جاز لاجتمع المثلان فيستلزم النقيضين لأن المحل يكون مستغنيا " عن " مستغن. وفي الترتيب تحصيل الحاصل.
قلنا: في العلل العقلية فأما مدلول الدليلين فلا.
قالوا: لو جاز لما تعلق الأئمة في علة الربا بالترجيح لأن من ضرورته صحة الاستقلال.
وأجيب بأنهم تعرضوا للإبطال لا للترجيح ، ولو سلم فالإجماع على اتحاد العلة هاهنا ، وإلا لزم جعلها أجزاء.
ش - اختلفوا في جواز تعليل الحكم الواحد بأكثر من علة كل منها مستقلة بالعلية على خمسة أقوال:
الأول: الجواز مطلقا. وهو المختار عند المصنف.
والثاني: عدمه مطلقاً.
والثالث: الجواز في المنصوصة فقط وهو مذهب القاضي.
والرابع: عكس ذلك.
والخامس: أنه يجوز ولكن لم يقع. وهو مختار إمام الحرمين.
واحتج المصنف على المختار بوجهين:
أحدهما: أنه واقع والوقوع دليل الجواز وذلك لأن البول والغائط والمذي كل منها علة مستقلة للحدث وكذلك كل واحد من القتل العمد والردة علة مستقلة للقتل.
فإن قيل النزاع في الحكم الواحد والأحكام في الصورتين متعددة لأن القتل بالردة غير القتل قصاصا فإنهما يفترقان فيما ارتد القاتل بعد القتل ثم أسلم فإنه ينتفي القتل بالردة دون القصاص وإذا لم يسلم لكن عفى الأولياء ينتفي القصاص ويبقى الآخر.
أجيب بأن الحكم واحد والتعدد في إضافته إلى العلل وإضافة الشيء إلى أحد دلائله وعدم إضافته إلى دليل آخر لا يوجب التعدد في الشيء وإلا لزم مغايرة حدث البول لحدث الغائط لتعدد إضافته إلى علله.
وللخصم أن يلتزم ذلك أيضا لاختلاف اللوازم الدال على اختلاف الملزومات.
والثاني: أنه لو امتنع تعدد العلة لامتنع تعدد الأدلة لأن العلل أيضا أدلة لكونها معرفة للأحكام. والتالي باطل بالاتفاق إذ يجوز أن يكون لمدلول واحد أدلة.
ولقائل أن يقول العلة باعثة دون الدليل فاعتبارها به باطل.
والمانعون من جواز تعليل الحكم الواحد بعلل مستقلة احتجوا بثلاثة أوجه:
الأول: لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلل مستقلة لكانت كل واحدة منها مستقلة غير مستقلة واللازم باطل فالملزوم مثله. وبيان الملازمة بأن معنى استقلالها هو أن يثبت الحكم بها بانفرادها فإذا تعددت العلل المستقلة ثبت الحكم بكل واحدة منها لأنها علة مستقلة ولم يثبت بكل منها لأنه ثبت بالجميع فيلزم التناقض.
وأجاب بأن معنى استقلالها أنها إذا انفردت استقلت في العلية فيجوز أن تكون كل واحدة منها حالة الانفراد مستقلة وحالة الاجتماع غير مستقلة بل يكون المجموع علة ولا تناقض في ذلك.
وفيه نظر لأن الظاهر من هذا الجواب عدم تحرير المبحث فإنه لا علل حالة الانفراد فليس من المبحث ولا استقلال حالة الاجتماع فليس أيضا منه.
الثاني: لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين لزم اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل واللازم " بقسيمه " باطل.
أما تحصيل الحاصل فظاهر ، وأما اجتماع المثلين فللتناقض لأن محل التعليل وهو الحكم حصوله بكل منها يوجب الاستغناء عن الأخرى فكان مستغنيا عن كل منهما غير مستغن.
وأما الملازمة فلأن العلتين إن كانتا معا اجتمع المثلان لأن وجود العلة المستقلة يستلزم معلولها فيلزم من كل منهما ما لزم من الأخرى وقد اجتمع المثلان.
وإن كانت على الترتيب لزم تحصيل الحاصل.
واعترض بأن اجتماع المثلين لا اختصاص له بالمعية ، وبأن التوسط بالجمع بين المثلين في بيان كون المحل مستغنيا غير مستغن مستدرك.
وأجاب المصنف بأن اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل إنما يلزم من العلتين المستقلتين في العلل العقلية المفيدة لوجود المعلول وأما في العلل الشرعية التي هي دلائل الأحكام فلا لجواز تعدد الأدلة لمدلول واحد.
الثالث: لو جاز تعليل الحكم الواحد بذلك لما تعلقت الأئمة في علة الربا بترجيح العلل
من الطعم والقوت والكيل بعضها على بعض لأن من ضرورة صحة تعليل الحكم بذلك صحة استقلال كل منها بالعلية ، والمطلوب يحصل بكل واحد فلا وجه للترجيح لكنهم تعلقوا بالترجيح.
وأجاب بأن تعرضهم للعلل إنما هو لإبطال علية الغير لا للترجيح ولو سلم أنه للترجيح لكن لا لامتناع التعليل بعلتين مستقلتين بل للإجماع على اتحاد العلة في باب الربا ، وإذا أجمعوا على ذلك ولم يمكنهم المصير إلى واحد منها بلا مرجح لزمهم إما الترجيح أو جعل كل من علل الربا جزء علته والتالي باطل بالإجماع فتعين الأول.
وفيه نظر لأن الإجماع يحتاج إلى داع وناقل وكلاهما ممنوع.
ص - القاضي: لا بعد في المنصوصة. وأما المستنبطة فتستلزم الجزئية لدفع التحكم. فإن عينت بالنص رجعت منصوصة.
وأجيب: بأنه يثبت الحكم في محال أفرادها ، فتستنبط.
العاكس: المنصوصة قطعية ، والمستنبطة وهمية. فقد تساوى الإمكان. وجوابه واضح.
"
الإمام وقالت ": إنه القصوى وفلق الصبح لو لم يكن ممتنعا شرعا لوقع عادة ولو نادرا لأن إمكانه واضح ولو وقع لعلم. ثم ادعى تعدد الأحكام فيما تقدم.
ش - قال القاضي: لا بعد في تعدد العلل المنصوصة لأنه إذا نص الشرع على أن كل واحد منها علة مستقلة فقد جعل كل واحدة علامة للحكم وأما المستنبطة إذا تعددت فإنه يلزم أن يكون كل واحد جزءا للعلة لأن المستنبط في الأصل وصفين كل منهما صالح للعلية فإن عين بالنص علية كل منهما رجعت العلة منصوصة والتقدير بخلافه وإن لم يتعين بالنص علية كل منهما فإن أسند الحكم إلى أحدهما لزم التحكم وإلى كل منهما الاستغناء عن كل منهما بالأخرى فكان المحل مستغنيا غير مستغن فتعين الإسناد إليهما معا ويلزم الجزئية وهو المطلوب.
وأجاب بما معناه اختيار الإسناد إلى كل منهما ولا يلزم محال وذلك لأنه ثبت الحكم في محال أفرادها أي في محال كل واحد على سبيل الانفراد فيستنبط من ذلك أن كلا منهما عند الانفراد علة مستقلة ولا يلزم أن يكون كل واحد منهما عند الاجتماع علة مستقلة فلا يلزم استغناؤه عن كل واحد منها وعدم الاستغناء عند الاجتماع.
قال شيخي العلامة: والحاصل أنه يجوز أن يكون كل واحدة من العلل المستنبطة علة مستقلة عند الانفراد ولا يكون علة مستقلة عند الاجتماع وحينئذ لا يخلو من أن يكون المراد من قوله المستنبطة إن كانت متعددة يلزم الجزئية أنه يلزم الجزئية عند الاجتماع أو عند الانفراد والأول مسلم والثاني ممنوع إذ يجوز أن يكون كل واحد منها علة مستقلة عند الانفراد لما ذكرنا وأيضا يجوز أن يكون كل واحد
منهما حالة الاجتماع علة مستقلة لأن العلل الشرعية أدلة ويجوز اجتماع الأدلة على معلول واحد.
والعاكس أي القائل بجواز التعليل بعلتين مستقلتين في المستنبطة دون المنصوصة احتج: بأن المنصوصة قطعية فلو كانت كل منهما علة مستقلة لزم ما مر من المحال اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل وأما المستنبطة فعليتها وهمية لتساوي إمكان التعليل بالنسبة إلى كل واحدة وفيه تحكم أو الجميع وهو غير مستقيم لثبوت الاستقلال في محال افرادها. فتعين أن يكون كل واحد علة مستقلة
قال: وجوابه واضح لأنا لا نسلم أن المنصوصة قطعية ، سلمناه.
ولكن لا نسلم أن اجتماع العلل الشرعية القطعية محال لأنها دلائل ولا مانع عن اجتماع الأدلة القطعية على مدلول واحد.
وقال الإمام: إنه النهاية القصوى يعني أن إمكان تعليل الحكم بعلتين مستقلتين عقلا وامتناعه شرعا هو النهاية القصوى وفلق الصبح في الوضوح لأنه لو لم يمتنع شرعا لوقع عادة ولو. نادرا لوضوح إمكانه العقلي ولو وقع لعلم لكنه لم يعلم فلم يقع فيكون ممتنعا شرعا.
وفيه نظرا لأن تعليل الحكم بعلتين مستقلتين يستلزم التناقض وهو محال فمن أين الإمكان العقلي وليس يلزم وقوع ما لم يمتنع لا نادرا ولا غيره وكذلك العلم لا يلزم بكل ما وقع وغاية ما ذكره خطابة وهو لا يفيد في محل الاستدلال.
ثم ادعى الإمام تعددالأحكام في الصور السابقة الدالة على وقوع ذلك.
ولم يجب المصنف لوضوح الجواب وهو ما تقدم أنه واقع في الصور السابقة
والتعدد في الإضافة لا في الأحكام كما ذكرنا.
ص - القائلون بالوقوع: إذا اجتمعت. فالمختار: كل واحدة علة وقيل: جزء علة. وقيل: العلة واحدة لا بعينها.
لنا: لو لم تكن << كل علة >> لكانت جزء أو كانت العلة واحدة.
والأول: باطل لثبوت الاستقلال. والثاني: للتحكم. وأيضا: لامتناع اجتماع الأدلة.
القائل بالجزء: لو كانت كل مستقلة لاجتمع المثلان. وقد تقدم. وأيضا لزم التحكم لأنه إن ثبت بالجميع فهو المدعى وإلا لزم التحكم.
وأجيب ثبت بالجميع كالأدلة العقلية والسمعية.
القائل: لا بعينها: لو لم تكن كذلك لزم التحكم أو الجزئية فتتعين.
ش - القائلون بوقوع تعليل الحكم الواحد بعلل مستقلة اختلفوا فيما إذا اجتمعت على معلول واحد كاجتماع اللمس والمس والبول على نقض الوضوء.
فقيل: كل واحدة جزء علة. وقيل: العلة واحدة لا بعينها.
واختار المصنف أن كل واحدة علة. واحتج بوجهين:
الأول: أن كل واحد لو لم يكن علة لكانت إما جزء علة أو كانت العلة واحدة لعدم الغير واللازم << بقسيمة >> باطل أما الأول فلأنها لو كانت جزءا لم تكن مستقلة
وقد ثبت الاستقلال.
وفيه نظر لأن الاستقلال إنما ثبت عند الانفراد والكلام فيه وقد تقدم أنها عند الاجتماع جزؤ ، ثم لا يلزم من انتفاء بقاء علية كل واحدة لاحتمال واحدة لا بعينها وهو سائر في أكثر ما ذكر من التقسيمات أما الثاني فللزوم التحكم لعدم أولوية شيء منها.
والثاني: أنه لو لم يكن كل واحدة منها علة عند الاجتماع امتنع اجتماع الأدلة على مدلول واحد لأن واحد لأن العلة الشرعية أدلة.
وفيه نظرا لأن العلة الشرعية باعثة والدليل ليس كذلك فبطل الاعتبار.
والقائل بأن كل واحدة منها عند الاجتماع جزءا احتج بوجهين:
الأول: لو كانت كل واحدة علة مستقلة عند الاجتماع لزم اجتماع المثلين وقد تقدم بيان الملازمة وانتفاء التالي.
وفيه نظرا لأنه جعله دليلا مستقلا وليس كذلك لأنه لا يلزم من أن لا يكون كل واحدة علة أن يكون جزء علة لجواز أن تكون العلة واحدة.
والثاني: أن كل واحدة لو كانت علة مستقلة لزم التحكم وهو باطل وذلك لأن الحكم إن ثبت بالجميع ثبت المدعى وهو كون كل واحدة جزاء وإن لم يثبت بالجميع لزم التحكم لثبوته بواحدة حينئذ.
وأجاب بأنه ثبت بالجميع يعني بكل واحدة كالدلائل العقلية والسمعية فإن المدلول يثبت بكل واحد منها فلا يلزم للتحكم.
وفيه نظرا لاستلزامه التناقض كما تقدم والاعتبار بالدليل غير صحيح لما مر آنفا.
والقائل بأن العلة عند الاجتماع أحدها لا بعينها احتج بأنه لو لم تكن العلة واحدة لا بعينها لزم التحكم أو الجزئية لما مر من الدليل على الملازمة فتعين أن تكون واحدة لا بعينها.