المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الإجماع على أن المصيب في العقليات واحد - الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٢

[البابرتي]

فهرس الكتاب

- ‌ الأمر

- ‌ مسألة صيغة الأمر بعد الحظر

- ‌ مسألة: الأمر بالأمر بالشيء

- ‌ مسألة: الأمران المتعاقبان بمتماثلين

- ‌حده

- ‌ النهي

- ‌العام والخاص

- ‌ مسألة: جواب السائل غير المستقل دونه تابع للسؤال في عمومه

- ‌ مسألة: المقتضى:

- ‌ مسألة: من الشرطية تشمل المؤنث

- ‌حده

- ‌ التخصيص:

- ‌ المخصص متصل ومنفصل

- ‌ المطلق والمقيد

- ‌ المجمل

- ‌ مسألة: لا إجمال في نحو: (حرمت عليكم الميتة)

- ‌ مسألة: لا إجمال في نحو: " لا صلاة إلا بطهور

- ‌البيان والمبين

- ‌الظاهر والمؤول

- ‌ تعريف التأويل

- ‌ النسخ:

- ‌ مسألة: إذا نقص جزء العبادة أو شرطها فنسخ " لجزء الشرط " لا للعبادة

- ‌القياس

- ‌ شروط حكم الأصل

- ‌أن يكون حكم الأصل شرعيا

- ‌أن لا يكون حكم الأصل منسوخا

- ‌أن لا يكون حكم الأصل فرعا

- ‌أن لا يكون معدولا به عن القياس

- ‌أن لا يكون حكم الأصل عديم النظير

- ‌أن لا يكون حكم الأصل ذا قياس مركب

- ‌أن لا يكون دليل حكم الأصل شاملا لحكم الفرع

- ‌شروط علة الأصل

- ‌اختلفوا في جواز تعليل حكمين بعلة واحدة

- ‌ ومن شروط علة الأصل

- ‌ شروط الفرع:

- ‌ أن يساوي في العلة علة الأصل

- ‌وأن يساوي حكمه حكم الأصل

- ‌ مسالك العلة:

- ‌ الأول - الإجماع:

- ‌ الثاني - النص:

- ‌والنص على مراتب:

- ‌المرتبة الثانية: - التنبيه والإيماء

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌ الثالث

- ‌ الرابع

- ‌ الثالث: السبر والتقسيم

- ‌طرق الحذف

- ‌دليل العمل بالسبر وتخريج المناط

- ‌ الرابع: المناسبة والإخالة

- ‌ المقصود من شرع الحكم قد يحصل يقينا وقد يحصل ظنا

- ‌ المؤثر

- ‌ المرسل

- ‌ الملائم

- ‌ الغريب

- ‌تثبت علية الشبه بجميع المسالك

- ‌القياس جلي وخفي

- ‌ مسألة: القائلون بالجواز قائلون بالوقوع إلا داود وابنه

- ‌لا يكفي رجحان المعين ولا كونه متعديا لاحتمال الجزئية

- ‌ الاستدلال

- ‌ الأول من أقسام الاستدلال: التلازم

- ‌ القسم الثالث من الاستدلال شرع من قبلنا

- ‌ مذهب الصحابي

- ‌ الاستحسان

- ‌ المصالح المرسلة

- ‌ الاجتهاد

- ‌ الإجماع على أن المصيب في العقليات واحد

- ‌ مسألة تقابل الدليلين: " العقليين محال

- ‌ مسألة: لا ينقض الحكم في الاجتهاديات

- ‌ مسألة: المجتهد قبل أن يجتهد ممنوع من التقليد

- ‌ التقليد والمفتي والمستفتي

- ‌ مسألة: " لا " تقليد في العقليات

- ‌ مسألة: غير المجتهد يلزمه التقليد

- ‌ مسألة: " الاتفاق " على استفتاء من عرف " بالعلم والعدالة

- ‌ مسألة: إفتاء من ليس بمجتهد " بمذهب مجتهد

- ‌ إذا قلد العامي مجتهدا في حكم من الأحكام لا يجوز الرجوع إلى غيره من المجتهدين في ذلك الحكم بالاتفاق

- ‌ الترجيح:

- ‌ ما يتعلق بحال المروي

- ‌ الترجيح بحسب المدلول

الفصل: ‌ الإجماع على أن المصيب في العقليات واحد

بالدليل وهو تصديقه وتحكيمه وتصويبه في الحكم لأبي بكر وسعد بن معاذ.

وبرجوعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الوقائع وذلك دليل على عدم جواز الاجتهاد.

وأجاب بأن رجوعهم إلى النبي عليه السلام في الوقائع صحيح ولكن لم يدل على منعهم من الاجتهاد لجواز أن يكون الرجوع فيما لم يظهر لهم وجه الاجتهاد أو لجواز الأمرين.

ص - مسألة:‌

‌ الإجماع على أن المصيب في العقليات واحد

" وأن النافي ملة الإسلام مخطئ ، آثم ، كافر ، اجتهد أو لم يجتهد. وقال الجاحظ: لا إثم على المجتهد بخلاف المعاند. وزاد العنبري: كل مجتهد في العقليات مصيب. لنا: إجماع المسلمين على أنهم من أهل النار. ولو كانوا غير آثمين - لما ساغ ذلك. واستدل بالظواهر. وأجيب باحتمال التخصيص قالوا: تكليفهم بنقيض اجتهادهم ، ممتنع عقلا وسمعا لأنه مما لا يطاق. وأجيب بأنه كلفهم الإسلام وهو من المتأتي المعتاد ، فليس من المستحيل في شيء ".

ش - أجمع المسلمون على أن المصيب في العقليات واحد لأن المصيب فيها هو ما وقع مجتهده مطابقا للواقع وذلك لا يكون إلا واحدا. وأجمعوا على أن النافي ملة الإسلام كافر اجتهد أو لم يجتهد.

ص: 686

وقال الجاحظ المجتهد في نفي ملة الإسلام مخطئ وفي غيره إن لم يطابق الواقع ولكن غير آثم بخلاف المعاند.

وزاد العنبري على ما قال الجاحظ: إن كل مجتهد في العقليات مصيب.

ولعله في عدم الإثم لا في وقوع المعتقد وإلا كان العالم قديما وحادثا وهو محال.

واحتج المصنف على أن نافي ملة الإسلام كافر اجتهد أو لم يجتهد بإجماع المسلمين على أن نافيها من أهل النار ولو لم يكن آثما لم يصح لهم هذا الحكم.

واستدل على أن نافي ملة الإسلام مخطئ كافر اجتهد أو لم يجتهد بظواهر الآيات كقوله - تعالى -: (فويل يومئذ للمكذبين) وقوله: (ذلك ظن الذين كفروا).

وقوله: (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أردىكم) وقوله: (ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون).

ص: 687

ووجه الاستدلال بها أن الله - تعالى - ذمهم على اعتقادهم وتواعدهم بالعقاب ولو كانوا معذورين لما كان كذلك.

وأجاب عنه باحتمال التخصيص بأن يكون المراد به المعاند.

واحتج من نفي الإثم عن المجتهد في نفي الإسلام بأن تكليف الكفار نقيض ما أدى إليه اجتهادهم ممتنع إذ لا قدرة لهم على نقيض ذلك فكان تكليف ما ليس في الوسع.

وأجاب بأن التكليف بنقيض ما أدى إليه اجتهادهم ليس بممتنع لأن نقيض ما أدى إليه اجتهادهم ليس بمحال لذاته بل هو ممكن لكنه مناف لما تعودوه وهو معتاد والتكليف بالمنافي المعتاد واقع فإنهم كلفوا بالإسلام وهو مناف لما تعودوه وهو معتاد والتكليف بالمنافي المعتاد واقع فإنهم كلفوا بالإسلام وهو مناف لمعتادهم ومعتاد لحصوله من غيرهم ومثله لا يكون ممتنعا.

ص - مسألة: القطع لا أثم على مجتهد في حكم شرعي " اجتهادي. وذهب بشر المريسي والأصم إلى تأثيم المخطئ.

لنا: العلم بالتواتر باختلاف الصحابة المتكرر الشائع من غير نكير ولا تأثيم لمعين ولا مبهم. والقطع أنه لو كان إثم لقضت العادة بذكره.

واعترض كالقياس ".

ش - لما فرغ من بيان الاجتهاد في العقليات بين الاجتهاد في الشرعيات.

ذهب عامة العلماء إلى عدم تأثيم المجتهد المخطئ فيها خلافا لبشر المريسي

ص: 688

وأبي بكر الأصم.

ودليل العامة أن العلم حصل بالتواتر فإن الصحابة اختلفوا اختلافا متكررا شائعا من غير نكير ولا تأثيم بعضهم بعضا لا بطريق التعيين بأن يقال فلان أخطأ ولا بطريق الإبهام بأن يقال أحدها مخطئ ، والقطع حاصل بأنه لو أثم معين أو مبهم لقضت العادة بذكره لكونه من المهمات.

واعترض على هذا بمثل ما اعترض على القياس من أنهم أثم بعضهم بعضا في العمل بالاجتهاد وأنكر عليه.

ولئن سلم أنه لم ينقل فعدم النقل لا يدل على عدم الإنكار.

والجواب هاهنا كالجواب هنالك.

ص - مسألة: المسألة التي لا قاطع فيها.

" قال القاضي والجبائي: كل مجتهد فيها مصيب وحكم الله فيها تابع لظن المجتهد. وقيل: المصيب واحد ، ثم منهم من قال: لا دليل عليه ، كدفين يصاب. وقال الأستاذ: إن دليله ظني ، فمن ظفر به ، فهو المصيب. وقال المريسي والأصم:

ص: 689

دليله قطعي. والمخطئ آثم. ونقل عن الأئمة الأربعة التخطئة والتصويب. فإن كان فيها قاطع ، فقصر فمخطئ آثم ، وإن لم يقصر فالمختار مخطئ غير آثم.

لنا: لا دليل على التصويب. والأصل عدمه. وصوب غير معين للإجماع. وأيضا: لو كان مصيبا لاجتمع النقيضان ، لأن استمرار قطعه مشروط ببقاء ظنه للإجماع على أنه لو ظن غيره لوجب الرجوع فيكون ظانا عالما بشيء واحد. لا يقال: الظن ينتفي بالعلم ، لأنا نقطع ببقائه. ولأنه كان يستحيل ظن النقيض مع ذكره.

فإن قيل: " الظن متعلق " بأنه الحكم المطلوب والعلم بتحريم المخالفة فاختلف المتعلقان فإذا تبدل الظن زال شرط تحريم المخالفة. فإن قيل: فالظن متعلق بكونه دليلا والعلم ثبوت مدلوله فإذا تبدل الظن زال شرط ثبوت الحكم. قلنا: كونه دليلا حكم أيضا. فإذا ظنه علمه وإلا جاز أن يكون المتعبد به غيره فلا يكون كل مجتهد مصيبا. وأيضا أطلق الصحابة الخطأ في الاجتهاد كثيرا وشاع وتكرر ولم ينكر.

عن علي وزيد وغيرهما رضي الله عنهم أنهم خطأوا ابن عباس في ترك العول ، وخطأهم وقال: من باهلني باهلته أن الله لم يجعل في مال واحد نصفا ونصفا وثلثا ".

ش - المسألة: إما أن يكون فيها قاطع من نص أو إجماع أو لا يكون. فإن كان الثاني فقد اختلف فيها. قال القاضي والجبائي: كل مجتهد مصيب فيها وليس فيها

ص: 690

قبل الاجتهاد لله حكم وإنما حكمه فيها تابع لظن المجتهد لما أدى إليه اجتهاده كان حكم الله فيها في حقه وحق من قلده.

وقيل: لله فيها حكم والمصيب واحد.

ثم اختلفوا فمتهم من قال لا دليل على ذلك الحكم بل يوقف عليه بطريق الاجتهاد كدفين يصاب بطريق الاتفاق فمن ظفر به أصاب ومن لم يظفر به فقد أخطأ.

ومنهم من قال عليه دليل.

ثم اختلفوا فيما بينهم.

فقال الأستاذ دليله ظني من ظفر به أصاب وله أجران ومن لم يظفر به أخطأ

ص: 691

وله أجر واحد.

وقال بشر والأصم: دليله قطعي والمخطئ آثم.

ونقل عن الأئمة الأربعة التخطئة والتصويب يعني تصويب كل مجتهد وتخطئته.

وقد ذكرنا ما نقل عن أبي حنيفة في ذلك في التقرير فليطلب ثمة.

وإن كان الأول فإن قصر المجتهد في طلبه ولم يجد فمخطئ آثم.

وإن لم يقصر فقد اختلفوا فيه ، فقيل إنه غير مخطئ.

والمختار أنه مخطئ غير آثم واحتج المصنف على ذلك بثلاثة أوجه:

الأول: لا دليل على تصويب الكل والأصل عدمه.

وفيه نظر لأن للمصوبة أدلة. فإن قيل هذا يستلزم أن لا يصوب أحد من

المجتهدين.

أجيب بأن الدليل يقتضي ذلك لكنه ترك للإجماع على تصويب واحد غير معين ولأنه يفضي إلى عدم جواز الاجتهاد لعدم فائدته وهو خلاف ما تقدم.

ص: 692

والثاني: أن كل مجتهد لو كان مصيبا لاجتمع النقيضان لأن المجتهد إذا ظن أن حكم الله في حقه ما أدى إليه اجتهاده قطع بأن الحكم ذاك لعلمه أن كل مجتهد مصيب. وإذا قطع استمر قطعه إذ الأصل بقاء الشيء على ما كان. واستمرار قطعه مشروط ببقاء ظنه للإجماع على أنه لو ظن غيره وجب الرجوع إليه. فيكون ظانا عالما بشيء واحد في زمان فيلزم اجتماع النقيضين ضرورة اقتضاء القطع عدم احتمال النقيض والظن احتماله.

ولا يخفى تطويله ويكفي أن يقال: لأنه إذا اجتهد ظن أن ذلك حكم الله وإذا ظن ذلك قطع بأنه حكم الله لعلمه بأن كل مجتهد مصيب فكان ظانا عالما.

وأورد على الملازمة بأنا لا نسلم أن الظن ينفى عند عدم العلم بل ينتفي به لأن الأضعف يزول بالأقوى.

وأجاب بوجهين:

أحدهما: أنا نقطع ببقاء الظن عند بقاء الإصابة الموجبة لاستمرار القطع فلا يمكن منعه.

وغايته أنه يلزم على تقدير أن يكون كل مجتهد مصيبا بقاء الظن عند استمراره وعدم بقائه وهو محال يلزم من تقدير تصويب كل مجتهد فيكون التقدير محالا لأن ما يفضي إلى المحال محال.

والثاني: أنه لو انتفى ظن ما أدى إليه الاجتهاد بالعلم به لاستحال ظن نقيض ما أدى إليه الاجتهاد مع ذكر ما أدى إليه الاجتهاد للعلم به ، وذلك لأن عند ظن نقيض ما أدى إليه الاجتهاد يكون ما أدى إليه الاجتهاد موهوما اللازم نقيض ما أدى إليه

الاجتهاد فبالعلم به أحرى بالانتفاء فينتفي وهم ما أدى إليه الاجتهاد بالعلم مما أدى إليه الاجتهاد فينتفي ملزومه وهو ظن نقيض ما أدى إليه الاجتهاد ، ويثبت المطلوب وهو الملازمة المذكورة.

ويلزم استحالة ظن نقيض ما أدى إليه الاجتهاد عند العلم بما أدى إليه الاجتهاد

ص: 693

لكن لا يستحيل ظن نقيض ما أدى إليه الاجتهاد للإجماع على جواز ظن نقيض الحكم عند ذكر الحكم.

وفيه نظر لأن كون ما أدى إليه الاجتهاد وهو الحكم موهوما عند ظن النقيض إما أن يكون عند الذاكر أو عند غيره. فإن كان الأول فلا علم لما تقدم في أول الكتاب ، وإن كان عند غيره فلا ينهض جوابا لأن الكلام في ظن الذاكر.

ولأن الفرض زوال الظن والوهم بالعلم فأين الوهم اللازم عند ظن النقيض حتى ينتفي بانتفائه الملزوم؟

فإن قيل ما ذكرتم من لزوم اجتماع النقيضين مشترك الإلزام فإنه كما يلزم على ذلك تصويب كل مجتهد يلزم على تصويب واحد لأن الإجماع على أن المجتهد إذ ظن وجوب الفعل أو حرمته وجب عليه اتباع ظنه فليزم وجوبه أو حرمته قطعا مع كونه ظانا بالوجوب أو الحرمة فكان الشيء معلوما مظنونا في زمان واحد.

قلنا: الظن يتعلق بأن الوجوب أو الحرمة هو الحكم المطلوب بالاجتهاد والعلم يتحقق بتحريم مخالفة ذلك للظن فاختلف المتعلقان واندفع التناقض.

ولقائل أن يقول فعلى هذا يجوز تصويب كل مجتهد ولا يلزم التناقض لاختلاف متعلق الظن والعلم كما ذكرتم.

قوله: فإذا تبدل الظن زال شرط المخالفة ، إشارة إلى جواب دخل.

تقريره: متعلق العلم والظن واحد لأنه إذا تبدل ظن الحكم زال العلم بتحريم مخالفته وذلك يدل على أن متعلقهما واحد.

وتقرير الجواب: أن الظن شرط العلم بتحريم المخالفة فإذا تبدل " الظن " زال شرط العلم بتحريم المخالفة فيزول العلم بتحريم المخالفة لزوال شرطه لا لأن متعلقهما واحد.

فإن قيل على تقدير تصويب كل مجتهد لم يلزم اجتماع النقيضين لاختلاف

ص: 694

المتعلقين فإن متعلق " الظن " كون الدليل الذي أقامه المجتهد على الحكم دليلا ومتعلق العلم بثبوت مدلوله وهو الحكم وزوال العلم عند تبدل الظن لا يوجب كون المتعلقين واحدا لأن الظن شرط العلم وزوال الشرط يوجب زوال المشروط.

أجيب بأن كون الدليل الذي أقامه المجتهد على الحكم دليلا هو أيضا حكم فإذا ظنه لزم أن يكون معلوما وإلا لجاز أن يكون " المتعبد " به غيره فلا يكون كل مجتهد مصيبا وحينئذ يلزم أن يكون كون الدليل دليلا معلوما مظنونا في حالة واحدة وهو محال.

ولقائل أن يقول: كون الدليل حكما إما أن يكون عقليا ولا مدخل له في الباب أو شرعيا وليس كذلك لأنه ليس من الخمسة المذكورة. والاجتهاد إنما يكون بذل الوسع في تحصيل ظن بحكم شرعي كما تقدم. سلمناه ولكن يصح أن يقال في إصابة الواحد أن متعلق الظن هو الوجوب أو الحرمة فإذا ظنه قطع به فكان معلوما وإلا لجاز أن يكون المتعبد به غيره فيكون مظنونا معلوما.

والوجه الثالث: أن الصحابة رضي الله عنهم أطلقوا الخطأ في الاجتهاد كثيرا وشاع وتكرر ولم ينكر فكان إجماع منهم على أن المصيب واحد.

منها ما روي عن علي وزيد بن ثابت وغيرهما كابن مسعود رضي الله عنهم أنهم خطأوا ابن عباس في ترك العول ، وخطأهم ابن عباس وقال من شاء باهلته أن الله - تعالى - لم يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا.

ومنها ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ألا يتقي الله زيد

ص: 695

يجعل ابن الابن ابناً ولا يجعل أب الأب أبا. والله أعلم.

ص - واستدل: إن كانا بدليلين.

" فإن كان أحدهما راجحا تعين ، وإلا تساقطا وأجيب بأن الأمارات تترجح بالنسب فكل راجح. واستدل بالإجماع على شرع المناظرة فلولا تبيين الصواب لم تكن فائدة. وأجيب: بتبيين الترجيح أو التساوي أو التمرين.

واستدل بأن المجتهد طالب ولا مطلوب ، محال. فمن أخطأه ، فهو مخطئ قطعا. وأجيب: مطلوبه ما يغلب على ظنه ، فيحصل. وإن كان مختلفا.

واستدل بأنه يلزم حل الشيء وتحريمه لو قال مجتهد شافعي لمجتهدة حنفية: أنت بائن. ثم قال: راجعتك.

وكذلك لو تزوج مجتهد امرأة بغير ولي ، ثم تزوجها بعده مجتهد بولي. وأجيب بأنه مشترك الإلزام ، إذ لا خلاف في لزومه اتباع ظنه. وجوابه أن يرفع إلى الحاكم فيتبع حكمه ".

ش - واستدل على عدم إصابة كل مجتهد بوجوه أربعة:

الأول: إذا اختلف اجتهادان في حكم فإما أن يكون اجتهاد كل من المجتهدين بدليل أو لا. فإن كان الثاني يلزم تخطئاهما " إن كانا بلا دليل " أو

ص: 696

تخطئة من لا دليل له.

وإن كان الأول فإما إن يرجح أحدهما أو لا. فالأول يستلزم تصويب صاحبه وتخطئة غيره. والثاني يلزم تساقطهما وتخطئتهما جميعا.

وأجاب بأنه على كل منهما أمارة والأمارات ترجح بالنسب إلى الأشخاص وكل أمارة تترجح بالنسبة إلى من يقول بها.

وحاصله اختيار النسق الأول من الترديد ونفي استلزامه لما ذكره وذلك لأنه إنما يلزمه ذلك أن لو كان أحد الدليلين مرجحا على غيره مطلقا.

وأما إذا كان مرجحا بالنسبة إلى من يقول به فلا يلزم ذلك.

الثاني: أن الإجماع منعقد على شرعية المناظرة وفائدتها تبيين الصواب لأن الأصل عدم الغير ولو كان كل مجتهد مصيبا لم يشرع لعدم فائدتها.

وأجاب بجواز أن تكون الفائدة بيان ترجح أحد الأمارتين على الأخرى أو تساويهما أو تمرين النفس لاستنباط الأحكام.

ولقائل أن يقول ترجح إحدى الأمارتين ليس مقصودا لذاته فيكون لتبين " للصواب " لأن الأصل عدم غيره. وأما بيان التساوي فليس بمقصود أصلا ، وتمرين النفس للاستنباط إن كان لتبين الصواب ثبت المدعى وإن لم يكن فهو مستغني عنه لأن كل ما أدى إليه اجتهاد كل مجتهد إذ ذاك صواب فلا حاجة إلى التمرين.

والثالث: أن المجتهد طالب وكل طالب لا بد له من مطلوب موجود لاستحالة طلب المعدوم فمن وجد ذلك المطلوب فهو المصيب فكان المصيب واحدا.

وأجاب بما معناه سلمنا ذلك لكن لا يلزم أن يكون ذلك المطلوب واحدا فإن المصوبة تقول بتعدده واختلافه فمطلوب كل منهم ما يغلب على ظنه أنه حكم الله في الحادثة وهو موجود في الذهن ولا حاجة إلى تعينه في نفس الأمر فمن ذهب اجتهاده إلى شيء وهو مطلوبه وهو حكم الله عنده فكان كل مجتهد مصيباً.

ص: 697

والرابع: أنه لو كان كذلك " لدخل " الشيء وتحريمه فيما إذا قال شافعي لزوجته الحنفية: أنت بائن. ثم راجعها فإنها بالنظر إلى الزوج تحل لأن الواقع به طلاق رجعي. وبالنظر إليها تحرم لأن الواقع به بائن ، ولذلك لو تزوج مجتهد حنفي امرأة بغير ولي. ثم تزوجها بعده شافعي بولي يلزم حل المرأة وحرمتها بالنسبة إلى كل واحد من الزوجين.

وأجاب بأن هذا مشترك الإلزام فإنه على تقدير أن يكون المصيب واحدا يلزم كل اتباع ظنه فإنه يجب على كل مجتهد اتباع ظنه وذلك يستلزم كون الشيء الواحد حلالا حراما معا جميعا.

ثم قال المصنف: والجواب أن المتبع في مثل ما ذكر هو حكم الحاكم لا اجتهادهما فرفع إلى الحاكم.

ص - قال المصوبة: قالوا: " لو كان المصيب واحدا لوجب النقيضان ، إن كان المطلوب باقيا أو وجب الخطأ إن سقط الحكم المطلوب.

وأجيب بثبوت الثاني بدليل أنه لو كان فيها نص أو إجماع ، ولم يطلع عليه بعد الاجتهاد وجب مخالفته ، وهو خطأ ، فهذا أجدر.

قالوا: قال: " بأيهم اقتديتم اهتديم ".

ولو كان أحدهما مخطئا لم يكن هدى.

وأجيب بأنه هدى لأنه فعل ما يجب عليه من مجتهد أو مقلد ".

ش - احتجت المصوبة بأن المجتهد المصيب إن كان واحداً ولم يصب

ص: 698