الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفراده على العموم لأنا نقول هذا قياس فاسد لأن العام المخصوص انعقد أولا للعموم ثم خص بعضه بعارض لحقه فبقي فيما وراءه كما كان وهذا ليس كذلك لأن محل الكلام لا يقبل العموم.
وقالوا أيضا المساواة في الإثبات للعموم وما كان في الإثبات للعموم لا يكون في النفي له فالمساواة في النفي لا تكون للعموم.
أما الأولى فلأن قولنا زيد وعمرو يتساويان ، يقتضي تساويهما من جميع الوجوه وإلا لكان اختصاصهما بها لغوا إذ ما من شيئين إلا وبينهما مساواة من وجه وأقلها ما تقدم لكن اتصاف شيئين بالمساواة شائع ذائع.
وأما الثانية فلأن الإيجاب الكلي يناقضه السلب الجزئي.
وأجاب بالمعارضة بأن المساواة بين الشيئين في الإثبات للخصوص لأنه لو لم تكن له لم يصدق بين شيئين مساواة أصلا إذ ما من شيئين إلا ويصدق بينهما نفي المساواة في شيء وأقله نفي المساواة في الشخص وإلا لكانا متحدين لا متساويين وإذا كانت في الإثبات للخصوص كانت في النفي للعموم لأن نقيض الجزئي الموجب السالب الكلي.
وفيه نظر لأن كونهما في الإثبات للخصوص على الوجه المذكور مناف لمطلوبهم فإنهم جعلوه عاما في النفي باعتبار نفي مساواة ممكن لا من جميع الوجوه وذلك القدر هو المعتبر في خصوص الإثبات فكان النفي والإثبات إما خاصين وإما عامين ولا منافاة بينهما ولا تناقض. ثم قال بعد المعارضة. والتحقيق أن العموم مستفاد من النفي يعني لا من كونه نقيض قضية جزئية.
وفيه نظر لما عرفت أن خصوصية المادة مانعة عن العموم فكانت " ما " تركت الحقيقة بدلالة محل الكلام. وقد قررناه في التقرير مستوفي فيطلب ثمة.
ص -
مسألة: المقتضى:
وهو ما احتمل أحد تقديرات لاستقامة الكلام.
لا عموم له في الجميع. أما إذا تعين " أحدهما " بدليل كان كظهوره. ويمثل بقوله: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " لنا: لو أضمر الجميع لأضمر مع الاستغناء. قالوا: أقرب مجاز إليهما باعتبار رفع المنسوب إليهما عموم أحكامهما. أجيب: بأن باب غير الإضمار في المجاز أكثر فكان أولى ، فيتعارضان ، فيسلم الدليل. قالوا: العرف في مثل ليس للبلد سلطان نفي الصفات. قلنا: قياس في العرف. قالوا: يتعين الجميع لبطلان التحكم إن عين ولزوم الإجمال إن أبهم. قلنا: ويلزم من التعميم زيادة الإضمار وتكثير مخالفة الدليل ، فكان الإجمال أقرب.
ش - عرف المقتضي - بكسر الضاد - بما احتمل أحد تقديرات لاستقامة الكلام. وظاهره فاسد لأنه يحتمل التقديرات لا أحدهما فلا بد من إضمار. أي ما
احتمل إضمار أحد التقديرات المحتملة. وحكم بأنه لا عموم له يعني قبل تعيين واحد وهو مذهب المحققين.
أما إذا تعين إضمار أحدهما بدليل فكان المضمر في العموم والخصوص كالمظهر.
ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " فإن ظاهرهما غير مراد
لوقوعهما فيهم ، ويحتمل تقديرات كالحكم ، والعقاب والذم ، والضمان وما أشبهها فيضمر بعضها. وقيل: جميعها.
واحتج للأول بأن الإضمار خلاف الأصل لا يصار إليه إلا لضرورة وهي تندفع بإضمار واحد فلا حاجة إلى غيره.
ومن قال بالعموم احتج بثلاثة أوجه:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " حقيقته رفع حقيقتهما وهو متعدد فيصار إلى أقرب مجاز إليهما وهو عموم رفع أحكامهما لأن عدم جميعها أقرب إلى عدمهما أنفسهما من عدم بعضهما.
وأجاب بأن باب غير الإضمار في المجاز أكثر من باب الإضمار فكان الإضمار على خلاف الأصل ، والتقليل فيه أولى فيتعارضان يعني كون إضمار الجميع أقرب إلى الحقيقة وكون البعض أولى. فيسلم الدليل الذي ذكرنا.
وفيه نظر لأن الدليل المذكور هو أن الإضمار خلاف الأصل لا يصار إليه إلا لحاجة وهي تندفع بالقليل فلا يضمر الكثير والذي عارض به ههنا هو أيضا أن الإضمار على خلاف الأصل فالتقليل أولى. فلم يبق الدليل سالما بل هو عين ما عارض به.
الثاني: أن العرف اقتضى في قولنا: ليس للبلد سلطان عموم نفي الصفات التي
ينبغي للسلطان ففي غيره أيضا تكون كذلك بالقياس عليه لاشتراكهما في الصرف عن الظاهر للاستقامة.
وأجاب بأنه قياس في العرف وليس بجائز كما في اللغة لأن القياس تعدية الحكم الشرعي وكونه يقتضي عموم النفي أو خصوصه ليس به.
الثالث: أنه يتعين الحمل على الجميع وإلا لزم التحكم أو الإجمال لأن كلا منهما مساو للأخر فإن حمل على بعض معين كان تحكما وإن حمل على مبهم لزم الإجمال والتالي تقسيمه باطل.
وأجاب بأن الإجمال وإن كان مخالفا للأصل لكنه أولى من حمله على الجميع لأن حمله على الجميع يستلزم الإضمار وتكثر مخالفة الأصل فازداد على الإجمال بكثرة مخالفة الأصل فكان الإجمال أولى.
وفيه نظر لأن الإجمال يخرجه عن الحجية بخلاف كثرة المخالفة والإعمال أولى.
ص - مسألة: مثل لا أكل وإن أكلت. عام في مفعولاته. فيقبل تخصيصه. وقال أبو حنيفة لا يقبل تخصيصا.
لنا: أن " الأصل " لنفي حقيقة الأكل بالنسبة إلى كل مأكول وهو معنى العموم فيجب قبوله للتخصيص. قالوا لو كان عاما لعم في الزمان والمكان. وأجيب بالتزامه وبالفرق: بأن أكلت ، لا يعقل إلا بمأكول. بخلاف ما ذكر. قالوا: إن أكلت: ولا أكل مطلق. فلا يصح تفسيره بمخصص لنه غيره. قلنا: المراد المقيد المطابق للمطلق لاستحالة وجود الكلي في الخارج. وإلا لم يحنث بالمقيد.
ش - إذا وقع فعل متعد حذف مفعوله ولم يذكر معه مصدره نحو: والله لا
آكل. أو إن أكلت فعبدي حر كان عاما في مفعولاته عند الشافعي فإن مأكولا دون أخر صدق. وهو مختار المصنف.
وقال أبو حنيفة ليس بعام فلا يقبل تخصيصا.
واحتج المصنف بأن قولنا: لا أكل يدل على نفي حقيقة المصدر الذي تضمنه الفعل وكل ما يدل على نفي حقيقته يقتضي أن لا يوجد في جزئي وإلا لم تكن منتفية ولا نعني بعمومه إلا انتفاؤه عن المؤكولات الجزئية وإذا كان عاما قبل التخصيص.
وفيه نظر لأن المفعول ثابت اقتضاء لتوقف تعقل صحة الفعل المتعدي كما يستلزم المفعول يستلزمهما لكنه ليس كذلك فإنه ليس قابلا للتخصيص بالنسبة إلى الزمان والمكان.
وأجيب أولاً: بالتزام كون الفعل عاما بالنسبة إلى الزمان والمكان وقابلا للتخصيص.
وفيه نظر فإن نقل هذا الدليل عن الحنفية لا يكاد يصح لأنهم ذكروا عمومه باعتبار الزمان من صور النزاع بيننا فكيف يجعلونه دليلا إلا إذا جعل من باب رد المختلف على المختلف وهو لا يذكر في موضوع الاحتجاج.
وثانيا: بالفرق بأن تعقل الفعل المتعدي موقوف على المفعول دون الزمان فكان تعلقه بالمفعول أقوى.
ورد بأن الزمان كالمفعول في تعلق الفعل به وقد عرفت ما على الفرق غير ما مرة.
وقالوا أيضا إن أكلت ولا أكل مطلق أي يدل على المصدر المطلق من غير تقييده بقيد فلا يصح تفسيره بمخصص أي بمقيد لأنه يخالف المطلق لصحة إطلاق المطلق على كل فرد من أفراده بخلاف المخصص ولا بد من المطابقة بين المفسر والمفسر.
وأجاب بأن المراد بالأكل المدلول عليه بالفعل من أكل مقيد مطابق لمطلق لا الأكل لاستحالة وجود الكلي في الخارج ، والأكل المقيد المطابق للمطلق يجوز تفسيره بمخصص ولهذا إذا حلف لا يأكل يحنث بأكل مقيد.
وفيه نظر لأن المقيد المطابق للمطلق إما أن يكون عاما أو خاصا. والثاني خلاف المطلوب وفي الأول فساد الوضع لإسناد العموم إلى ما يقتضي ما يقابله، ولأن المراد بالمطابقة إما المطابقة في المفهوم أو فيما صدق عليه أو المطابقة بارتفاع المشخصات والأول والثاني ظاهر البطلان. والثالث لا يخلوا إما أن يكون التفسير بالمخصص قبل رفع المشخص أو بعده والأول غير مطابق لاختلافهما إطلاقا وتقييدا والثاني كذلك ، لأنه عينه لا مطابقه ، وإن كان المراد بالمطابقة غير ذلك فلا بد من
البيان ليتصور أولا فيتكلم عليه. وأما الحنث بالمقيد فإنه لضرورة حصول المحلوف عليه لا للعموم فإنه لو لم يقيد بطل المحلوف عليه وليس بتفسير بل أمر ثابت بدليل خارجي.
ص - مسألة: الفعل المثبت لا يكون عاما في أقسامه مثل: " صلى داخل الكعبة " فلا يعم الفرض والنفل. ومثل: " صلى بعد غيبوبة الشفق " فلا يعم الشفقين إلا على رأي. وكان يجمع بين الصلاتين في السفر لا يعم وقتيهما.
وأما تكرار الفعل فمستفاد من قول الراوي: " كان يجمع ".
كقولهم: كان حاتم يكرم الضيف. وأما دخول أمته فبدليل خارجي ، من قول مثل:" صلوا كما رأيتموني أصلي " و " خذو عني مناسككم " أو قرينة كوقوعه بعد إجمال أو إطلاق أو عموم أو بقوله: (لقد كان لكم) أو بالقياس.
قالوا: قد عمم نحو: " سها فسجد " و " أما أنا فأفيض الماء " وغيره.
قلنا: بما ذكرناه لا بالصيغة.
ش - الفعل الذي له جهات وأقسام إذا وقع في الإثبات لا يكون عاماً
في جميع الجهات والأقسام. وذلك مثل ما روي أنه صلى الله عليه وسلم: " صلى داخل الكعبة " والصلاة قد تكون فرضا ونفلا فإنه لا يقتضي العموم فيهما. ومثل ما روي أنه صلى الله عليه وسلم: " صلى بعد غيبوبة الشفق ". فإن صلاته تحتمل أن تكون بعد غيبوبة الشفق الأحمر والشفق الأبيض لوقوعه عليهما بالاشتراك اللفظي فلا يكون عاما فيهما إلا على رأي من حمل على وقوعها بعد غيبوبتهما " الاحتياط ". ومثل ما روي أنه صلى الله عليه وسلم: " كان يجمع بين الصلاتين في السفر " فإنه يحتمل أن يكون ذاك في وقت الصلاة الأولى أو الثانية فلا يعم وقتهما على أنه جمعهما في الوقتين والفرق بين المثال الأول والآخرين عموم الأول من حيث الأقسام وعمومهما من حيث الوقت.
قوله: " وأما تكرر الفعل " إشارة إلى الجواب عما يقال: الفعل يفيد التكرار وذلك دليل العموم.
وتقريره أن تكرره مستفاد من قول الراوي إنه عليه السلام كان يجمع فإنه
يفيد عرفا كقولهم كان حاتم يكرم الضيف فإنه يفيد تكرار إكرام الضيف.
وفيه نظر لأنه قياس في العرف وقد مر بطلانه.
وقوله: وأما دخول أمته - إشارة إلى جواب دخل أخر وهو أن الفعل يقتضي دخول الأمة فكما صح ذلك فليصح اقتضاء العموم.
وفيه نظر لأنه قياس في اللغة. وتقرير الجواب أن الفعل لم يقتض الدخول وإنما هو بدليل خارجي هو قول مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي " وقوله عليه السلام: " خدوا عني مناسككم " أو قرينة لوقوع فعله صلى الله عليه وسلم بعد جريان حكم فيه إجمال أو إطلاق أو عموم وعرف أنه عليه السلام قصد بيان ذلك أو بقوله - تعالى -: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
وفيه نظر لأنه يدل على المتابعة له صلى الله عليه وسلم لا غير ألا ترى أنه لا يجوز دخول
الأمة في المختص به. وفيما كان من باب ترك الأولى المسمى زلة فليس فيها دليل على المطلوب أو بالقياس على فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
واحتج من قال بالدخول بالإجماع فإن العموم ثبت بالإجماع في مثل: " سها رسول الله فسجد " وفيما إذا سئل عن كيفية الاغتسال فقال: " أما أنا فأفيض الماء على رأسي ". وإذا سئل عن قبلة الصائم فقال: " أنا أفعل ذلك " وفي غيرها من الأخبار.
وأجيب بأن العموم مستفاد من كلام الراوي فإن الراوي لما أدخل الفاء على سجد دل على التكرار فإن الفاء تقتضي السببية أو غيره من دليل خارجي قول أو قياس ، كما ذكرنا.
ص - مسألة: نحو قول الصحابي: " ينهى عن بيع الغرر " و " قضى بالشفعة للجار " يعم الغرر والجار. لنا: عدل عارف. فالظاهر الصدق. فوجب الاتباع قالوا يحتمل أن يكون خاصا أو سمع صيغة خاصة فتوهم والاحتجاج للمحكي. قلنا:
ش - إذا أخبر صحابي عن حكم صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظ عام مثل قوله:
" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر " و " قضى بالشفعة للجار " يجب الأحد بالعموم عند بعض الأصوليين فيعم الغرر والجار. وهو المختار عند المصنف.
وقال بعضهم لا يجب الأخذ بالعموم.
واحتج بأنه عدل عارف بصيغة العموم وغيرها فالظاهر صدقه في الإخبار بصيغة العموم وقد أخبر بصيغة العموم التي هي الغرر والجار لكونهما معرفين باللام فوجب الاتباع.
وقال الباقون احتمل أن يكون ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم خاصا كما في المثالين فإن اللام إن كان للاستغرق كان عاما وإن كان للعهد كان خاصا وهما في الاحتمال سواء ومع الاحتمال لا يقتضي العموم واحتمل أن يكون قد سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم صيغة خاصة فتوهم عمومها وحينئذ لا يكون حجة في العموم لأن الاحتجاج إنما يكون بالمحكي لا بالحكاية والحكاية إنما يحتج بها إذا كانت مطابقة للمحكي.
وأجاب بأن هذين الاحتمالين خلاف الظاهر لأن الاستغراق غالب والصحابي عدل عارف بأحكام اللغة فاحتمال توهم العموم فيما ليس بعام خلاف الظاهر.
ولقائل أن يقول لا نسلم أن العهد خلاف الظاهر لأن اللام موضوعة للعهد والاستغراق ناشئ من المقام.
ص - مسألة: إذا علق حكما على علة عم بالقياس شرعاً لا بالصيغة.
وقال القاضي: لا يعم. وقيل بالصيغة كما لو قال: حرمت المسكر لكونه حلوا لنا ظاهر في استقلال العلة. فوجب الاتباع. ولو كان بالصيغة لكان قول القائل: أعتقت غانما لسواده يقتضي عتق سودان عبيده ، ولا قائل به.
القاضي: يحتمل الجزئية. قلنا: لا يترك الظاهر للاحتمال.
الأخر: حرمت الخمر لإسكاره ، مثل: حرمت المسكر " لإسكاره ".
وأجيب بالمنع.
ش - إذا علق الشرع حكما بعلة كما لو قال: حرمت المسكر لكونه حلوا ، هل يعم الحكم في جميع صور وجود العلة أو لا؟
اختلفوا فيه فمنهم من يقول بالقياس الشرعي لا بالصيغة.
وقيل: يعم بالصيغة. وقال القاضي لا يعم والمصنف اختار الأول. واحتج على الشق الأول بأن تعلق الحكم بالعلة ظاهر في استقلال العلة في اقتضاء
الحكم فكلما وجدت العلة وجد الحكم فيثبت في جميع صور وجود الحلاوة بالقياس ، وعلى الثاني بقوله: لو كان بالصيغة لكان قول القائل أعتقت غانما لسواده يقتضي عتق سودان عبيده ولا قائل به.
وبيان الملازمة أن الصيغة لو اقتضت العموم كانت دلالتها عليه بحسب الوضع فيكون القائل أعتقت غانما لسواده كقوله أعتقت سودان عبيدي.
وللخصم أن يقول لو كان بالعلة لعتقت سودان عبيده لوجده العلة في المثال المذكور ولا قائل به.
واحتج القاضي بأنه يحتمل أن تكون العلة حلوا خاصا فتكون الحلاوة جزء العلة ويحتمل أن يكون الحلو المطلق فتكون علة تامة فكان العموم محتملا.
وأجاب بأن الخصوص وإن كان محتملا لكن العموم ظاهر والظاهر لا يترك للاحتمال. وتحقيقه أن الحكم وإن احتمل الإضافة إلى المختص فالظاهر إضافته إلى المشترك وإلا لا يتحقق قياس أصلا.
واحتج من قال بعموم صيغته بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " حرمت الخمر لإسكارها " مثل قوله: حرمت المسكر في المفهوم. والثاني يقتضي عموم حرمة المسكر صيغة فكذا الأول.
وأجيب بأنا لا نسلم تساويهما في إفادة العموم بحسب الصيغة.
ولقائل أن يقول لا شك أن الحكم معلق بالعلة في الصورتين جميعا أما الأولى فظاهرة وأما الثانية فلأن الحكم إذا رتب على مشتق كان المصدر علة بلا خلاف. فالحكم بأن الحكم المرتب عليه عام بصيغة دون المرتب على قوله لإسكارها تحكم صرف.
ص - مسألة: الخلاف في أن المفهوم له عموم لا يتحقق لأن مفهومي الموافقة والمخالفة عام فيما سوى المنطوق به لا يختلفون فيه ومن نفى العموم كالغزالي ، أراد أن العموم لم يثبت بالمنطوق به. ولا يختلفون فيه أيضا.
ش - المفهوم إذا فرض حجة لم يخالف في عمومه لأن مفهوم الموافقة وهو: ما يكون حكم المسكوت عنه موافقا للمنطوق كحرمة الضرب من التأفيف.
ومفهوم المخالفة: وهو ما يكون حكم المسكوت عنه مخالفا للمنطوق كعدم وجوب الزكاة على العلوفة من وجوبها على السائمة لم ينقل عن أحد ممن قال به عدم عمومها فيما عدا المنطوق.
وفيه نظر فإن الحنفية يقولون بحجية مفهوم الموافقة وسموه دلالة النص ولم يقولوا بعمومه.
قوله: والغزالي إشارة إلى الجواب عما يقال كيف ينفي الخلاف على العموم وقد خالف الغزالي نفي العموم: وتقريره إنما نفى عمومه لا لأن الحكم لا يعم في المفهوم بل معنى كلامه أن المنطوق لا يدل على عموم المفهوم بغير توسط المفهوم.
ص - مسألة: قالت الحنفية مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده ". معناه: بكافر. فيقتضي العموم إلا بدليل. وهو الصحيح.
لنا: لو لم يقدر شيء لامتنع قتله مطلقا ، وهو باطل. فيجب الأول للقرينة. قالوا: لو كان " كذلك لكان "" بكافر " الأول للحربي فقط فيفسد المعنى. ولكان (وبعولتهن) للرجعية والبائن ، لأنه ضمير المطلقات.
قلنا: خص الثاني بالدليل. قالوا: لو كان لكان نحو ضربت زيدا يوم الجمعة وعمرا ، أي يوم الجمعة. وأجيب بالتزامه. وبالفرق بأن ضرب عمرو في غير يوم الجمعة لا يمتنع.
ش - قالت الحنفية إذا عطف جملة على أخرى والمعطوفة لا يستقيم معناها إلا بتقدير وكان في الجملة المعطوفة عليها لفظ لو قدر في المعطوفة استقام وجب
تقديره فيها وحينئذ يكون حكم ذلك اللفظ في الجملتين من حيث العموم واحدا وكذا من حيث الخصوص إلا إذا دل دليل على خصوص الثانية وذلك مثل قوله - صلى اللع عليه وسلم -: " لا يقتل مسلم بكافر ، ولا ذو عهد في عهده " فإنه لا بد من تقدير قوله: " بكافر " ويكون عاما فيه إلا بدليل. وهو الصحيح عند المصنف.
واحتج عليه بأنه لو لك يقدر في الثانية " بكافر "لزم حرمة قتل ذي العهد مطلقا وهو باطل لأنه يقتل في الجملة اتفاقا وقرينة تخصيصه لكونه مذكورا في الأولى فإن قدر خلافه كان بلا قرينة وهو غير جائز.
وأجابت الشافعية بأنا لا نسلم أنه لو لم يقدر شيء لزم حرمة قتله مطلقا لأنها متعلقة بوصف العهد فإذا انتفى وصف العهد انتفى الحرمة
أو تقول لا نسلم أنه لو لم يقدر شيء لزم حرمة قتله مطلقا وإنما يلزم أن لو لم يتحقق المخصص وهو قوله - تعالى -: (كتب عليكم القصاص) ولئن سلم أنه يجب أن يقدر شيء فلا نسلم أنه يجب أن يقدر " بكافر " بل يجوز أن يقدر " ما دام في عهده " ويكون معناه: ولا يقتل ذو عهد ما دام في عهده.
وهذا الجواب فاسد لأن المنع إما أن يكون لنفس القاعدة بأن مثل هذا لا يمكن أن يقع في الوجود أو للمثال ، والأول باطل لأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال فكان ممكنا والثاني ليس بدأب المناظرين إن لم يكن هذا المثال فليكن مثال أخر. على أن قولهم حرمة القتل متعلقة بوصف العهد فإذا انتفى وصف العهد انتفى الحرمة. فاسد لأن كلامنا في ذي العهد فإذا انتفى الوصف فلم يبق ذا عهد ، ولا كلام فيه.
وأما التخصيص بقوله - تعالى - (كتب عليكم القصاص) فلا يكاد يصح
لاستلزامه أن يكون قوله عليه السلام " لا يقتل مسلم بكافر " أيضا مخصوصا مثله دفعا للتحكم وهو خلاف مذهبهم.
وأما تقدير " ما دام في عهده " ففاسد لأن معنى قوله في عهده هو معنى ما دام في عهده فكان لغوا على أن تقديره يقتضي أن لا يقتل ذو عهد ما دام في عهده مطلقا وهو أول المسألة.
واحتجت الشافعية بوجهين:
أحدهما: أنه لو كان حكم ذلك اللفظ في الجملتين من حيث العموم والخصوص واحدا لزم أن يكون بكافر في الأولى مقيدا بالحربي ضرورة كون الثاني مقيدا به ولكان الضمير في (بعولتهن) في قوله - تعالى -: (والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء) إلى قوله: (وبعولتهن أحق بردهن) للرجعية والبائن جميعا لأن ضمير (بعولتهن) يرجع إلى المطلقات وهي تعم الرجعية والبائن واللازمان باطلان فالملزم كذلك.
أما الأول فلأن الكافر لو قتل في الأولى بالحربي لزم دلالة الحديث على وجوب قتل المسلم بالذمي لأنه يدل على تقييد عدم وجوب القصاص بكون الكافر حربيا فمتى انتفى كون الكافر حربيا انتفى عدم وجوب القصاص فيلزم وجوب القصاص ولا قائل بكون هذا الحديث دليلا على وجوب قتل المسلم بالذمي.
وفيه نظر لأن عدم الاستدلال بمفهوم كلام لا يستلزم فساد ذلك الكلام في نفسه وهذا ظاهر جيدا على أن الحنفية لو كانوا قائلين بمفهوم المخالفة جاز لهم الاستدلال بذلك فإن مذهبهم جواز قتل المسلم بالذمي قصاصاً.
أما الثاني: فلاختصاص الضمير في (بعولتهن) بالرجعية بالاتفاق.
وأجاب بأن الموجب للعموم في المذكور والمقدر متحقق والمخصص في الثاني موجود دون الأول فوجب القول بخصوص الثاني دون الأول.
والثاني: أن التقدير لو كان واجبا في الحديث لكان ضربت زيدا يوم الجمعة وعمرا. تقديره وضربت عمرا يوم الجمعة لتساوي الصورتين لكنه ليس كذلك باتفاق النحاة.
وأجاب أولا: بمنع انتفاء التالي وأشار إليه بقوله: وأجيب بالتزامه.
وثانيا: بمنع الملازمة فإن ترك التقدير في الأول يخرج الكلام إلى ما يخالف الإجماع وهو حرمة قتل ذي العهد مطلقا ، وهو باطل. وليس المثال كذلك إذ ضرب عمرو كما جاز يوم الجمعة جاز في غيره بلا مانع فلا حاجة إلى تقييده.
ص - مسألة: مثل (يا أيها المزمل)(لئن أشركت) ليس بعام للأمة إلا بدليل من قياس أو غيره.
وقال أبو حنيفة وأحمد عام إلا بدليل.
لنا. القطع بأن خطاب المفرد لا يتناول غيره لغة. وأيضا: يجب أن يكون خروج غيره تخصيصا.
قالوا: إذا قيل لمن له منصب الاقتداء: اركب لمناجزة العدو ، ونحوه فهم لغة أنه أمر لأتباعه معه. " وكذلك: يقال " فتح وكسر. والمراد مع أتباعه.
قلنا ممنوع. أو فهم لأن المقصود متوقف على المشاركة. بخلاف هذا.
قالوا: (إذا طلقتم) يدل عليه. قلنا: ذكر النبي أولا للتشريف. ثم خوطب
الجميع. قالوا (فلما قضى) ولو كان خاصا ، لم يتعد. قلنا: نقطع بأن الإلحاق للقياس قالوا: فمثل: (خالصة لك) و (ناقلة لك) لا يفيد. قلنا يفيد قطع الإلحاق.
ش - إذا ورد خطاب خاص بالرسول عليه السلام مثل قوله - تعالى -: (يأيها المزمل قم اليل)(لئن أشركت ليحبطن عملك) لم يكن عاما للأمة إلا بدليل خارجي من قياس أو غيره. وقال أبو حنيفة وأحمد يعمهم إلا بدليل يخصه به.
واختار المصنف الأول. واحتج بأنا نقطع بأن خطاب المفرد لا يتناول غيره
حصل ذلك بالاستقراء في كلام العرب.
وأجيب بأنا لا ندعي أن خطاب المفرد يتناول الجميع في جميع الصور مطابقة بل ندعي ذلك في صورة يكون ذلك المفرد مقدم الجمع.
والخطاب الوارد فيما يحتمل الموافقة يفهم منه العموم لغة من غير تقييده بالمطابقة وبأن الخطاب الخاص بواحد لو كان متناولا لغيره ، لكان خروج غير ذلك الواحد عنه تخصيصا لكن التخصيص باطل لأنه على خلاف الأصل.
وفيه نظر لأنه إن أراد من بطلان التالي لكون التخصيص على خلاف الأصل فذلك يستلزم أن يكون كثير من نصوص الشرع على خلاف الأصل.
وإن أراد أن التخصيص يستلزم العام وليس بموجود فذلك عين النزاع. وإن أراد غير ذلك فلا بد من البيان فإنه غير معهود.
وقالت الحنفية ومن وافقهم العرف جار على أن السلطان إذا قال لمن له منصب الاقتداء: اركب لمقابلة العدو. فهم لغة أنه مأمور باتباعه وكذلك إذا أخبر عمن له منصب الاقتداء بأنه فتح البلاد وكسر العدو فهم لغة أنه إخبار عنه وعن متابعته.
وأجاب بأنا لا نسلم ذلك بل فهم لغة أنه وحده مأمور. ولو سلم ذلك لكن لا نسلم أن الفهم حصل بمجرد الأمر بل حصل بالقرينة وهي أن المأمور به الذي هو المقصود متوقف على مشاركة بخلاف أمر الرسول بشيء من العبادات فإنه لم يتوقف المقصود به على المشاركة فلم يتناول الأمة.
وفيه نظر لما تقدم أنه ليس المراد جميع الصور مطابقة بل في الصورة المذكورة وهو يفهم لغة ويعرف ذلك بالعرض على اللغوي فإن فهم ذلك فلا كلام وإن توقف فليس بصحيح لكن القطع حاصل بفهمه.
قالوا أيضا: قوله - تعالى -: (يأيها النبي إذا طلقتم النساء) ووجهه أن الله - تعالى - خاطب النبي بالنداء ثم عمم بعد ذلك بقوله: (وإذا طلقتم) وذلك يدل على أنه خطاب النبي عليه السلام يتناول الأمة.
وأجاب بأن الخطاب توجه نحو الجميع وإنما خص الرسول بالذكر تشريفا له.
وفيه نظر لأنه دعوى مجردة بل المراد به ما ذكرنا بدليل منصب الاقتداء والإعراض عما له دليل إلى دعوى مجردة عناد غير مسموع.
وقالوا أيضا: قوله - تعالى -: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجنكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم) فإنه يدل على أن خطاب الرسول عليه السلام بإباحة نكاح زوجة الدعي يتناول جميع الأمة لأنه أخبر أنه إنما أباح للرسول ليكون مباحا للمؤمنين فلو لم يكن الخطاب الخاص بالرسول عاما له وللأمة لم يتعد حكم الإباحة من الرسول إلى الأمة.
وأجاب بأن إلحاق الأمة به في إباحة نكاح زوجة الأدعياء بالقياس لا بأن الخطاب يتناولهم.
وفيه نظر لأن القياس يحتاج إلى جامع بين الرسول عليه السلام وبين غيره خاص بالنسبة إلى ذلك الحكم ووجوده ممنوع والاكتفاء بالجامع العام مثل كونه إنسانا أو مطلقا يفضي إلى محذور.
وقالوا أيضا: قوله - تعالى -: (خالصة لك من دون المؤمنين) وقوله: (فتهجد به نافلة لك) يدل على ذلك لا محالة لئلا يضيع قيد (خالصة لك) و (نافلة لك) إذ الخطاب لم يتناول غيره حينئذ.
وأجاب بأن فائدته قطع إلحاق غير الرسول به بطريق القياس.
وفيه نظر لأن ذلك يعتمد سبق جواز القياس وقد مر بطلانه.
ص - مسألة: خطابه لواحد ليس بعام خلافا للحنابلة. لنا: ما تقدم من القطع ولزوم التخصيص. ومن عدم فائدة " حكمي على الواحدة ".
قالوا: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) بعثت إلى الأحمر والأسود يدل عليه.
وأجيب بأن المعنى تعريف كل ما يختص به ولا يلزم اشتراك الجميع.
قالوا: " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " يأبى ذلك.
قلنا: محمول على أنه على الجماعة بالقياس أو بهذا الدليل " لأن " خطاب الواحد للجميع. قالوا: نقطع بأن الصحابة حكمت على الأمة بذلك كحكمهم بحكم ماعز في الزنا وغيره.
قلنا: إن كانوا حكموا للتساوي في المعنى فهو القياس ، وإلا فخلاف الإجماع.
قالوا: لو كان خاصا لكان " تجزئك ولا تجزئي أحدا بعدك ".
وتخصيصه خزيمة بقبول شهادته وحده زيادة من غير فائدة.
قلنا: فائدته قطع الإلحاق كما تقدم.
ش - إذا خاطب صلى الله عليه وسلم أحدا من الأمة لا يعم غيره عند الأكثر خلافا للحنابلة.
واحتج المصنف للأكثر بالوجهين المارين من القطع بأن خطاب الواحد لا يتناول غيره ومن لزوم التخصيص إذا خرج غيره على تقدير عمومه.
ولقد عرفت ما ورد عليهما.
وبوجه ثالث: هو أنه لو كان عاما لم يكن لقوله عليه السلام: " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " فائدة لحصولها إذاك من كون الخطاب لواحد
خطاباً لغيره أيضاً.
وفيه نظر فإن فائدته إذ ذاك قطع احتمال الخصوص بالمخاطب فإن العموم هو السابق مع احتمال الخصوص فذكره قطعا له.
واحتجت الحنابلة بوجوه أربعة:
الأول: قوله - تعالى -: (وما أرسلنك إلا كافة لناس) وقوله عليه السلام: " بعثت إلى الأسود والحمر " كتاب وسنة تدلان على أن حكمه عليه السلام لا يختص بواحد دون غيره.
وأجاب بأن المعنى أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الإنس والجن والعرب والعجم ليعرف كلا منهم ما يختص به من الأحكام ولا يلزم من ذلك اشتراك الجميع.
والثاني: أن قوله صلى الله عليه وسلم: " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " يأبى التخصيص فيهم وهذا لأن تقديره كحكمي على جماعة المسلمين ثم حذف المضاف إليه للعلم به فصار على جماعة ثم لما كان المراد به المعرف عرف بلام التعريف.
ثم إنه إما أن يكون تقديره حكمي على الواحد هو حكمي على الجماعة وهذا
يأبى التخصيص لا محالة والمنازع مكابر. وإما أن يكون تقديره حكمي على الواحد كحكمي على الجماعة وهو كذلك لأن معناه إني إذا حكمت على جماعة بشيء لزمهم ذلك كذلك إذا حكمت على واحد منهم به لزمهم ذلك.
وأجاب بأن هذا الحديث محمول على أن حكم الجماعة حكم الواحد بقياس الجماعة على الواحد أو نقول سلمنا أن حكم الواحد حكم الجماعة لكن بهذا الحديث لا لأن الخطاب يتناول الجميع ولا بد من ذلك جمعا بين الأدلة.
وفيه نظر أما الأول فلما فيه من التمحل الظاهر وأما في الثاني فلأنا نقطع بأن قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: " قم فصل فإنك لم تصل " عم غيره ولا يسند إفادة عمومه إلى قوله حكمي على الواحد حكمي على الجماعة إلا إذا علم تقدمه على الحديث الأعرابي وهو ممنوع.
والثالث: أن الصحابة رضي الله عنهم حكموا على الأمة بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم على واحد كحكمهم بوجوب الرجم على كل زان محصن ، وقطع كل سارق بحكم ما عز وسارق المجن وهو دليل واضح على المطلوب.
وأجاب بأنهم كانوا حكموا للتساوي في المعنى ألا ترى أنه إذا لم تتساوى الصورتان في المعنى الموجب لا يجوز ذلك لكونه على خلاف الإجماع على وجوب التساوي بين المقيس والمقيس عليه في المعنى الموجب.
وفيه نظر لأنه مصادرة فإنه إنما يلزم خلاف الإجماع على تقدير حكمهم مع عدم التساوي أن لو كان حكمهم بطريق القياس وهو المتنازع فيه.
والرابع: أنه لو كان خاصا بالمخاطب لكان قوله عليه السلام لأبي بردة ابن نيار لما ضحى بعناق: " تجزئك ولا تجزئ أحدا "
بعدك " غير مقيد لأنه إذا لم يكن عاما لم يكن الحكم ثابتا لغيره فلم يحتج إلى نفيه. وكذلك تخصيصه عليه السلام خزيمة بقبول شهادته وحده يكون غير مفيد.
وأجاب بأن فائدته قطع الإلحاق بالقياس عليه كما تقدم في المسألة السابقة.
وفيه نظر لأن من شروط القياس أن لا يكون الأصل مخصوصا بحكمه بنص أخر. وفيما ذكرتم ليس كذلك فأنى يتصور القياس حتى يحتاج إلى دفعه.
ص - مسألة: جمع المذكر السالم كالمسلمين ونحو: فعلوا مما يغلب فيه المذكر لا يدخل فيه المساء ظاهرا خلافا للحنابلة.
لنا: (إن المسلمين والمسلمات) ولو كان داخلا لما حسن. فإن قدر مجيئه للنصوصية ، ففائدة التأسيس أولى. وأيضا: قالت أم سلمى رضي الله عنها يا رسول الله إن النساء قلن: " ما نرى الله ذكر إلا الرجال "، فأنزل الله - تعالى -:(إن المسلمين والمسلمات) ولو كن داخلات لم يصح تقريره النفي. وأيضا: فإجماع العربية على أنه جمع المذكر. قالوا: المعروف تغليب الذكور. قلنا: صحيح إذا قصد الجميع ، ويكون مجازا. فإن قيل: الأصل الحقيقة. قلنا: يلزم الاشتراك وقد تقدم مثله.
قالوا: لو لم يدخلن لما شاركن المذكرين في الأحكام. قلنا بدليل من خارج وبذلك لم يدخلن في الجهاد والجمعة وغيرهما قالوا: لو أوصى لرجال ونساء بشيء ثم قال: وأوصيت لهم بكذا دخل النساء بغير قرينة ، وهو معنى الحقيقة. قلنا بل القرينة الإيصاء الأول.
ش - إذا ذكر جمع المذكر الذي يجري فيه التغليب مظهرا كان كالمسلمين أو مضمرا كواو فعلوا لا يتناول النساء خلافا للحنابلة وهو مذهب بعض
الحنفية. وإنما قال مما يغلب فيه المذكر احترازا عن مثل الناس فإنه يتناولهما بلا نزاع لأنه عند من يقول إنه جمع ليس مما يغلب فيه المذكر بل مما يتناول الذكر والأنثى وضعا. وعن مثل الرجال فإنه لا يتناولها بلا نزاع.
واحتج المصنف للأول بثلاثة أوجه:
الأول: قوله - تعالى -: (إن المسلمين والمسلمت) فإن المسلمين لو تناول المسلمات لم يكن في العطف فائدة.
فإن قيل الفائدة التنصيص بذكرهن تشريفا.
أجاب بأن ذلك تأكيد والتأسيس أولى.
وفيه نظر لأنه إنما يكون تأكيدا إذا كان تعرضا لما دل عليه غيره والتنصيص ليس كذلك فكان تأسيساً.
والثاني: ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن النساء قلن ما نرى الله ذكر إلا الرجال. فأنزل الله - تعالى -: (إن المسلمين والمسلمات) ولو دخلت النساء في جميع المذكر لم يصح سؤالها ولا تقريره عليه السلام النفي.
وفيه نظر لأنه قرر نفي الذكر لا نفي الدخول.
والثالث: أن أهل العربية أجمعوا على أن مثل المسلمين ، وفعلوا جمع المذكر فلا يتناول النساء وإجماعهم حجة في دلالة الألفاظ.
ولقائل أن يقول اجمعوا على ذلك عند الانفراد أو الاختلاط والأول مسلم ولا كلام فيه. والثاني ممنوع.
واحتجت الحنابلة أيضا بثلاثة أوجه:
الأول: أن المعروف من عادة أهل اللغة تغليب الذكور على الإناث إذا اجتمعوا ولهذا يقال للرجال والنساء ادخلوا فدل على التناول.
وأجاب بأن تغليب المذكر على المؤنث صحيح إذا قصد الجميع أي المذكر والمؤنث جميعا وأريد أن يعبر عنهما بعبارة واحدة ويكون مجازا لكن لا يفيد المطلوب لأنه إذا لم يعلم أنه قصد الجميع لم يلزم منه التناول. فإن قيل إذا سلمتم تناول جمع المذكر والإناث وجب أن يكون بطريق الحقيقة لأن الأصل في الكلام الحقيقة.
أجيب بأنه لو كان حقيقة فيهما لزم الاشتراك لكونه حقيقة في خصوص الذكر لكن المجاز أولى لما تقدم أن حمل اللفظ الدائر بين الحقيقة وبين المجاز على المجاز أولى.
ولقائل أن يقول قد تقدم أيضا فساد ذلك الرأي هناك.
والثاني: أنه لو لم يتناول الإناث لما شاركت الإناث الذكور في الأحكام لأن أكثرها بخطاب المذكرين واللازم باطل بالاتفاق.
وأجاب بمنع الملازمة فإنه إنما يلزم ذلك لو لم تكن المشاركة بدليل خارجي وهو ممنوع وسنده أنهن لم يدخلن في الجهاد والجمعة مع أن الخطاب ورد بصيغة جمع المذكر كقوله - تعالى -: (وجهدوا) وقوله: (فاسعوا إلى ذكر الله).
وفيه نظر لأن النص في الجهاد تناولهن لكنهن خرجن بقوله - تعالى -: (وقرن في بيوتكن) وأما الجمعة فقد صرفت القرينة عن التناول وهو قوله: (وذروا البيع) فإنه يشعر بأن المخاطبين مباشروا البيع وهن لا يباشرنه عادة ، ولأن الجمعة شرطها الجماعة وحضورهن الجماعات منهي عنه.