الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما ذكرتم لارتفع الضمان لكونه من المؤاخذة والعقاب والتالي باطل لأنه لا يسقط وذلك على وجهين:
أحدهما: أن الضمان إنما لم يسقط لأنه ليس بعقاب إذ المراد به ما يتعلق بالنفس من المضار والضمان متعلق بالمال.
الثاني: أن وجوبه وإن سلم أنه عقاب لكنه " تخصيصا " لعموم الخبر الدال على نفي كل عقاب والتخصيص أولى من الإجمال.
ولقائل أن يقول الأولوية إما أن تكون قبل البيان أو بعده والثاني ممنوع لأن التخصيص يفضي إلى المجاز. والبيان قد لا يكون كذلك. والأول غير صحيح ههنا لأن الضمير ثابت مقتضى والمقتضى لا عموم له فلا يصح التخصيص.
واحتج المجملون بما سبق في (حرمت عليكم الميتة) وتقريره رفع ذات الخطأ والنسيان لما لم يستقم وجب الإضمار ضرورة وفيما يضمر ازدحام والكل لا يراد إما لتعدده أو لأن الضرورة تندفع بالبعض وليس بمعين لعدم المرجح فلم تتضح دلالته فكان مجملا.
وأجاب بما تقدم بمنع عدم مرجع لأن العرف يقتضي إضمار المؤاخذة والعقاب.
ولا يخلو عن مناقشة لأنه دعوى لا بد من بيانها.
ص -
مسألة: لا إجمال في نحو: " لا صلاة إلا بطهور
" خلافا للقاضي.
لنا إن ثبت عرف شرعي في الصحيح فلا إجمال. وإلا فالعرف في مثله نفي الفائدة ، مثل: لا علم إلا ما نفع. فلا إجمال.
ولو قدر انتفاؤهما فالأولى نفي الصحة لأنه يصير كالعدم فكان أقرب إلى الحقيقة المتعذرة. فإن قيل: إثبات اللغة بالترجيح. قلنا: إثبات المجاز بالعرف في مثله. قالوا: والعرف شرعا مختلف في الكمال والصحة. قلنا: مختلف للاختلاف.
ولو سلم فلا استواء لترجحه بما ذكرناه.
ش - النفي في " لا صلاة " ليس لنفي حقيقتها لتحققها حسا فلا بد من تقدير وبه لا تتضح دلالته إلا بخارج.
فذهب القاضي إلى إجماله بناء على ذلك.
وذهب الجمهور إلى عدمه محتجين بأنه إن ثبت عرف شرعي في الصحيح أي إن ثبت أن الشارع نقله من نفيها إلى نفي الصحة أي لا صلاة صحيحة فلا إجمال.
وإن لم يثبت عرف شرعي فالعرف اللغوي في مثله إضمار الفائدة أي لا فائدة للصلاة إلا بطهور فكذلك لا إجمال كما في قولهم لا علم إلا ما نفع. أي لا فائدة لعلم إلا ما نفع. ولو فرض انتفاؤهما فنفي الصحة أولى بالتقدير من نفي الفضيلة لأن الشيء الغير صحيح كالمعدوم فهو أقرب إلى حقيقته المتعذرة التي هي نفي الوجود.
فإن قيل هذا إثبات اللغة بالترجيح وهو باطل.
أجاب بأنه إثبات المجاز بالعرف معناه أنه من باب ما تترك الحقيقة بالعرف وهو جائز بالاتفاق.
ورد بأن الفرض عدم العرفين فلا يستدل به.
والجواب أن المنفيين منه غير المثبت فإن المنفيين هو ما كان في تعيين معنى يخرج به عن الإجمال ، والمثبت ما ترك به الحقيقة إلى المجاز.
ولقائل أن يقول العرف الشرعي انتفاؤه في حيز الشرط فهو مجهول وذلك يدل على الإجمال.
وقال المجملون إن عرف الشرع مختلف في الكمال والصحة في مثله كما في قوله عليه السلام: " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " و " لا صلاة إلا بقراءة " وإذا كان كذلك لم تتضح دلالته فيكون مجملا.
وأجاب بأنا لا نسلم اختلاف وروده في الشرع بل الاختلاف لاختلاف العلماء في تقديره فإن بعضهم يقدر الصحة وبعضهم يقدر الكمال.
وفيه نظر لأن ما ذكرنا من المثالين لا يطرد فيه ذلك بل الاختلاف للمورد ألا ترى أن تقدير الكمال في الثاني والصحة في الأول لا يستقيم ولئن سلم أن وروده في الشرع مختلف فيه ولكن لا نسلم أن مثل ذلك اختلاف في عرف الشرع يوجب الاجمال وإنما يوجبه إذا تساوى عرف الشرع فيهما وهو ممنوع لأن نفي الصحة راجح بما ذكرنا فلا إجمال.
وفيه نظر لأن الاختلاف إن أوجب عدم إيضاح الدلالة فهو مجمل لا محالة وإن لم يوجبه كان المانع عدم التساوي وهو بالنظر إلى ذات التركيب ممنوع وبالنظر إلى خارج ليس بمتنازع فيه غاية ما في الباب حينئذ أن يكون مجملا مبينا.
ص - " مسألة الإجمال " في نحو: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما).
لنا: أن اليد إلى المنكب حقيقة لصحة بعض اليد لما دونه.
والقطع إبانة المتصل فلا إجمال.
واستدل: لو كان مشتركا في الكوع والمرفق والمنكب لزم الإجمال.
أجيب بأنه لو لم يكن لزم المجاز. واستدل: يحتمل الاشتراك والتواطؤ.
وحقيقة أحدهما ووقوع واحد من اثنين أقرب من واحد معين.
وأجيب: إثبات اللغة بالترجيح. وبأنه لا يكون مجمل أبدا.
قالوا: تطلق اليد على الثلاث ، والقطع على الإبانة ، وعلى الجرح فثبت الإجمال.
قلنا: لا إجمال مع الظهور.
ش - أية السرقة ونحوها ليست بمجمل لأن المذكور فيها اليد والقطع وهما واضحا الدلالة على مدلولهما أما اليد: فلأنها حقيقة لمجموع العضو من الأنامل إلى المنكب بدليل قوله: (إلى المرافق) سواء كانت الغاية لإسقاط ما وراء الغاية أو لمد الحكم إليها فإنها لو لم تذكر لانصرف من الأنامل إلى المنكب ولو كانت للكوع لم تصح الغاية وأما القطع فلأنه الإبانة يعلمها كل أحد فلا إجمال حينئذ.
وفيه نظر لجواز أن يكون الإجمال في السارق فإنه الذي أخذ مال الغير على سبيل الخفية من حرز لا شبهة فيه في عرف الشرع ولا بد في ذلك من تقدير النصاب وليس في لفظه ما يدل على مقداره ولا على نفسه وهو في ذلك غير متضح الدلالة فلم لا يجوز أن يكون مجملا بذلك وقد بينه الشارع في محل القطع واشترط النصاب ومقدراه.
وقد استدل أيضا على عدم الإجمال بأنها إنما تكون مجملا أن لو كان اليد
مشتركة في الكوع والمرفق والمنكب والاشتراك خلاف الأصل.
وأجيب بأنه لو لم تكن مشتركة لكان مجازا في بعضها والمجاز خلاف الأصل.
وضعف بأن المجاز أولى كما تقدم.
وفيه ما فيه.
واستدل أيضا بأن اليد تحتمل أن تكون مشتركة فتكون مجملا وأن تكون متواطئا وأن تكون حقيقة في أحدهما مجازا في غيره ولا إجمال على التقديرين الأخيرين ولا شك أن وقوع واحد من الاثنين أقرب من وقوع معين يعني التقدير الأول فكونه غير مجمل أقرب من كونه مجملا.
وأجيب بأنه إثبات اللغة بالترجيح وهو باطل وبأنه لو صح ما ذكرتم لزم أن لا يوجد مجمل أصلا وهو باطل وذلك لأن المجمل لا بد فيه من تعدد على ما عرف في بيانه فإن كان حقيقة كان مجملا وإن كان متواطئا أو مجازا في أحدهما لا يكون مجملا ووقوع واحد من التقديرين أقرب من وقوع معين فكان عدم الإجمال أقرب.
وهو مردود لأن أقسام المجمل عود الضمير إلى أحد المرجعين وعود الصفة لأحد الموصوفين وهذه الثلاثة لا تتحقق فيهما.
واحتج المجملون بأن اليد مطلق على الثلاث يعني على العضو إلى الكوع وإلى المرفق وإلى المنكب ، والقطع يطلق على الإبانة والجرح. ولا ترجيح لواحد من ذلك على الآخر فكان مجملا.
وأجاب بأن اليد والقطع وإن كانا يطلقان على المعاني المذكورة لكن لا إجمال فيهما لكونهما ظاهرين في بعض تلك المعاني إذ اليد ظاهرة في الكل والقطع في
الإبانة ولا إجمال مع الظهور.
ص - مسألة: المختار أن اللفظ لمعنى تارة ولمعنيين أخرى من غير ظهور مجمل.
لنا: أنه معناه. قالوا: يظهر في المعنيين لتكثير الفائدة.
قلنا: إثبات للغة بالترجيح. ولو سلم عورض بأن الحقائق لمعنى واحد أكثر.
فكان أظهر. قالوا: يحتمل: الثلاثة كالسارق.
ش - إذا استعمل اللفظ فيما يفيد معنى تارة وفيما يفيد معنيين تارة وليس بظاهر بالنسبة " إلى " أحدهما.
فالمختار عند المصنف أنه مجمل. ونفاه بعض الأصوليين.
واحتج على المختار بأنه إذا لم يكن ظهور لأحدهما بالنسبة إلى الآخر لم تتضح
دلالته فكان مجملا.
واحتج النافي بوجهين:
الأول: أن حمله على ما يفيد معنيين أظهر لأنه يوجب تكثير الفائدة ، والحمل على ما هو أكثر فائدة أظهر.
وأجاب بأنه إثبات اللغة بالترجيح وهو باطل ، ولو سلم أن ليس إثبات اللغة بالترجيح ممنوعا لكنه معارض بأن الألفاظ الموضوعة لمعنى واحد بطريق الحقيقة أكثر منها موضوعة لمعنيين مجازا وما أكثر أظهر.
والثاني: ما تكرر أن اللفظ يحتمل أن يكون مشتركا بينهما ويحتمل أن يكون متواطئا إلى آخره.
وجوابه أيضا ما مر.
ص - مسألة: ما له محمل لغوي ومحمل في حكم شرعي مثل: " الطواف بالبيت صلاة " ليس بمجمل.
لنا: عرف الشارع تعريف الأحكام ولم يبعث لتعريف اللغة.
قالوا: يصلح لهما ، ولم يتضح.
قلنا: متضح. بما ذكرنا.
ش - إذا ورد لفظ من الشارع جائز الحمل على المفهوم اللغوي والمفهوم الشرعي كقوله صلى الله عليه وسلم: " الطواف بالبيت صلاة " فإنه يجوز أن يقال المراد به الافتقار
إلى الطهارة ، وأن يقال المراد به أنه صلاة لغة وهي الدعاء لاشتماله على الدعاء ففيه اختلاف فمنهم من يقول إنه مجمل وهو مذهب الغزالي.
وذهبت طائفة إلى خلافه. وهو مختار المصنف.
واحتج عليه بأن عرف الشرع تعريف الأحكام الشرعية لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث لتعريف اللغة فحينئذ يجب حمل اللفظ على الحكم الشرعي لتوافقه لمقصود البعثة فلا يكون مجملا.
وقال المجملون اللفظ يصلح للحكم الشرعي وللمعنى اللغوي فلم تتضح دلالته على شيء منهما فيكون مجملا.
وأجاب بأنه تتضح دلالته على الحكم الشرعي لما ذكرنا.
ص - مسألة: لا إجمال فيما له مسمى لغوي ومسمى شرعي. وثالثها الغزالي في الإثبات الشرعي وفي النهي مجمل. ورابعها في النهي اللغوي فالإثبات مثل إني إذا لصائم.
لنا: أن عرفه يقضي بظهوره فيه.
الإجمال: يصلح لهما.
الغزالي: في النهي تعذر الشرعي للزوم صحته.
وأجيب: ليس معنى الشرعي: الصحيح ، وإلا لزم في " دعي الصلاة الإجمال ".
الرابع: في النهي تعذر الشرعي للزوم صحته ، كبيع الحر والخمر.
وأجيب بما تقدم. وبأن " دعي الصلاة " للغوي: وهو باطل.
ش - الفرق بين هذه المسألة والمسألة المتقدمة أن المجمل أعم من المسمى لجواز أن يكون الجمل حكما شرعيا.
إذ ورد من الشارع لفظ له مسمى لغوي ومسمى شرعي من غير ظهور أحدهما.
فقد اختلف فيه على أربعة مذاهب:
الأول: لا إجمال فيه. وهو المختار عند المصنف.
والثاني: أنه مجمل مطلقا.
والثالث: أنه ورد في الإثبات حمل على الشرعي فلا يكون مجملا وإن ورد في النهي لم يحمل على واحد فيكون مجملا وهو مذهب الغزالي.
والرابع: أنه إذا ورد في الإثبات حمل على الشرعي وإذا ورد في النهي حمل على اللغوي فلا يكون مجملا.
والفرق بين المذهب الأول والرابع أنه في الأول يحمل على الشرعي سواء كان في الإثبات أو النهي وفي الرابع يحمل على اللغوي في النهي.
مثال الإثبات قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة - حين سألها " هل من غذاء؟ " فقالت: لا " " إني إذا صائم " ومثال النهي: " لا تصوموا في هذه الأيام ".
واحتج للمختار بأن عرف الشرع قاض بظهور في مسماه الشرعي كما تقدم فلا إجمال.
وللمجملين مطلقا بأن اللفظ صالح لهما من غير ترجيح فيكون مجملا.
والجواب ما تقدم من اتضاح دلالته بالنسبة إلى المفهوم الشرعي.
وللغزالي بأنه إذا وقع في النهي مثل لا تصوموا يوم النحر تعذر حمله على الشرعي لأن الشرعي هو الصحيح فلو حمل عليه لزم صحته. وليس بصحيح.
ولقائل أن يقول لم يثبت في الشرع عدم صحة صوم يوم النحر إما وصفا أو وصفا وأصلا إلا بهذا الحديث فكيف يستلزم الشيء صحة ما ورد لعدمها.
وأجاب بأن الشرعي ليس معناه الصحيح لأنه لو كان معناه ذلك لزم الإجمال في قوله عليه السلام: " دعي الصلاة أيام أقرائك " لامتناع حملها على الشرعية لعدم صحتها ، وإذا امتنع ذلك كان مجملا.