الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فزوجها أبوها بعبدالله بن عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة ، فولدت له محمداً ، ومصعباً ، وقريبة وعاتكة (1) ، ولم يعقب مصعب
بن عمير رضي الله عنه غير ابنته زينب حتى استشهد بأحد (2). ثم تزوج طلحة بن عبيد الله حمنة رضي الله عنها فولدت له محمداً السجاد وعمران (3).
المبحث الثاني: إسلامه رضي الله عنه
-:
عندما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ الدعوة إلى الله آمن به كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، فآمنت به زوجته خديجة رضي الله عنها ، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم زيد بن حارثة رضي الله عنه (4) ، فكان هؤلاء قد آمنوا به قبل أن يدخل دار الأرقم ،ولما اشتد أذى كفار قريش دخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه يعبد اللَّه تعالى فيها سرّا من قومه، ودخل معه جماعة حتى تكامل المسلمون أربعين رجلا (5) ، وكانت هذه الدار في الصفا، بعيدة عن أعين كفار قريش ومجالسهم، فاختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجتمع فيها بالمسلمين سرًا ، وذلك في السنة
(1) ابن سعد: الجزء المتمم لطبقات ابن سعد ، مكتبة الصديق ، الطائف ، ط1 ، 1414هـ ، 2/ 169.
(2)
ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة ، مصدر سابق ، 8/ 163.
الزبيري ، مصعب بن عبد الله: مصدر سابق ، ص19.
(3)
ابن الجوزي: تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير ، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، بيروت ، ط1 ، 1997م ، ص230.
ابن عبد البر: مصدر سابق ، 4/ 1813.
(4)
ابن اسحاق: سيرة ابن سحاق ، دار الفكر ، بيروت ، ط1 ، 1398هـ ، ص139.
البيهقي: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1405هـ ، 2/ 165.
المقريزي ، أحمد بن علي: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1420هـ ، 9/ 95.
(5)
الشامي ، محمد يوسف: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1414هـ ، 2/ 319.
الخامسة من البعثة، فيتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ وليؤدي المسلمون عبادتهم وأعمالهم، ويتلقوا ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وهم في أمن وسلام، وليدخل من يدخل في الإسلام ولا يعلم به الطغاة من أصحاب السطوة والنقمة (1).
ولقد كان مصعب بن عمير رضي الله عنه يعيش بين أفراد قبيلته على دينهم ، وعلى ما كان عليه آباؤه وأجداده ، فتلك الجاهلية العمياء قادتهم إلى عبادة الأصنام وشرب الخمور ، وحضور مجالس المعازف والغناء ، وغيرها من العبادات الباطلة ، مع ما يصحب ذلك من سوء في الأخلاق ، ودناءة في النفوس ، وخرافة في الأفكار التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي. ولكن مصعباً رضي الله عنه بعقله البصير ورؤيته الثاقبة ، استطاع أن يميز بين ماهو عليه وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين الحق الذي رأى فيه من التعاليم الإسلامية السمحة التي توافق العقل ، ولا تعارض الفطرة الإنسانية.
فعزم رضي الله عنه بنفسه من غير أن يدعوه أحد على الدخول في هذا الدين ، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه فأسلم وصدّق به وخرج ، فكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه ، فكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً (2).
وقد كتم إسلامه رضي الله عنه كغيره من الصحابة رضي الله عنهم ، ولأنه يعرف أنه أتى بدين يخالف دين قومه فسوف يلاقي من العذاب والأذى ما لاقاه الصحابة رضي الله عنهم ، وكان اختلافه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم ليختفي عن أنظار المترصدين من كفار
(1) المباركفوري ، صفي الرحمن: مصدر سابق ، ص97.
(2)
ابن سعد: مصدر سابق ،3/ 86.
ابن عبد البر: مصدر سابق ،4/ 1474.
ابن الأثير: مصدر سابق ،5/ 175.
قريش ، ويشارك بقية الصحابة رضي الله عنهم في عبادة الله وحده ، ويتلقى العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ ينهل من معين الوحيين حتى أصبح من أعلم الصحابة رضي الله عنهم في ذلك الوقت؛ لذلك أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مع من أسلم من الأنصار ليقرأ عليهم القرآن ويعلمهم أمور دينهم (1).
ومما كان ظاهراً في مكة ، هو الترصد لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك بصر عثمان بن طلحة بمصعب بن عمير رضي الله عنه وهو يصلي ، فأخبر أمه وقومه لتبدأ مرحلة جديدة من العذاب والنكال ، فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهِجرة الأولى (2). ولقد مر بمصعب رضي الله عنه ألواناً من العذاب كغيره من الصحابة رضي الله عنهم بل أشد ، وذلك لفارق ما كان عليه في الجاهلية وما وقع عليه بعد إسلامه ، فالأم التي كان لا يشغل بالها إلا ابنها من فرط حبها له، أصبحت معولاً هداماً لذلك الجسم المنعم ، فلا تتردد في تعذيبه ، وحرمانه مما كان عليه سابقا ، بل وكانت تعين قومه عليه ، حتى " أصابه من الشدة ما غَيَّر لونه وأذهب لحمه، ونهكت جسمه حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، وعليه فروة قد رفعها، فيبكي لما كان يعرف من نعمته، وحلفت أمه حين أسلم وهاجر ألا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بظل حتى يرجع إليها، فكانت تقف للشمس حتى تسقط مغشيا عليها، وكان بنوها يحشون فاها بشجار، وهو عود فيصبون فيه الحساء لئلا تموت "(3).
(1) يأتي ذكرها ص 26.
(2)
ابن سعد: مصدر سابق ،3/ 86.
ابن عبد البر: مصدر سابق ،4/ 1474.
ابن الأثير: مصدر سابق ،5/ 175.
(3)
السهيلي ،عبد الرحمن بن عبد الله: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط1 ، 1421هـ ، 4/ 52.
ولذا تغيرت حياة مصعب بن عمير رضي الله عنه وتبدلت أحواله في ملبسه ومأكله وشأنه كله ، فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنا لجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير رضي الله عنه، وما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة، والذي هو فيه اليوم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة، ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟» قالوا: يا رسول الله، نحن يومئذ خير منا اليوم، نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنتم اليوم خير منكم يومئذ» (2).
وعن عروة بن الزبير عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً بقُباء ومعه نفر، فقام مصعب بن عمير رضي الله عنه عليه بردة ما تكاد تواريه، ونكَس القوم، فجاء فسلم فردوا عليه، فقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم خيراً وأثنى عليه، ثم قال:«لقد رأيت هذا عند أبويه بمكة يكرمانه وينعمانه، وما فتى من فتيان قريش مثله ، ثم خرج من ذلك ابتغاءَ مرضات الله ونصرة رسوله، أما أنه لا يأتي عليكم إلا كذا وكذا حتى يُفتح عليكم فارس والروم، فيغدوا أحدكم في حلة ويروح في حلة، ويُغدى عليكم بقصعة ويُراح عليكم بقصعة» . قالوا: يا رسول الله، نحن اليوم خير أو ذلك اليوم ، قال:«بل أنتم اليوم خيرٌ منكم ذلك اليوم أما لو تعلمون من الدنيا ما أعلم لاستراحت أنفسكم منها» (2).
(1) الترمذي: سنن الترمذي ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ، مصر ، ط2 ، 1395هـ ، كتاب أبواب صفة القيامة والرقائق والورع ، باب حديث علي في ذكر مصعب بن عمير
…
، 4/ 647 ، رقم 2476.
(2)
الحاكم: مصدر سابق ، كتاب الإيمان ، باب ذكر مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه ،3/ 728 ، رقم 6640.