الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إخوةً مجتمعين (1) ، وكان مصعب بن عمير رضي الله عنه يصلي بهم ، وكان يسمى المقرئ بالمدينة (2) ، وبذلك أصبح الأنصار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا منطلقاً لغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ، فشع نور الإسلام من المدينة حتى بلغ أقاصي الأرض ، كل ذلك كان توفيقاً من الله وحده ، ثم جهود مصعب بن عمير رضي الله عنه في توحيد صفوفهم واجتماع كلمتهم من خلال حواراته البناءة والهادفة.
خامساً: الثواب والأجر من الله سبحانه:
يسير المسلم في حياته بين الرجاء والخوف ، فيرجو من الله الثواب والجنة ويخافه من عذابه والنار ، ولكن ثمة أمور يتحتم على المسلم معرفتها لينال الثواب والأجر من الله سبحانه ، فقبول العمل يحتاج إلى أمرين: الإخلاص لله سبحانه ، والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عثيمين رحمه الله:" وللعبادة شرطان: أحدهما: الإخلاص لله عز وجل بألا يريد بها سوى وجه الله والوصول إلى دار كرامته، وهذا من تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله. الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يتعبد لله تعالى بغير ما شرعه، وهذا من تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله"(3)، وقد قال الله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} (4)، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في هذه الآية: " أخلصه وأصوبه. قيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إنَّ العمل إذا كان خالصاً ولم
(1) ابن هشام: مصدر سابق ، 1/ 435.
(2)
المصدر السابق ، 1/ 434.
(3)
ابن عثيمين: تقريب التدمرية ،دار ابن الجوزي ، الدمام ، ط1 ، 1419هـ ، ص113.
(4)
سورة الملك: آية (2).
يكن صواباً لم يقبل؛ وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً والخالص: أن يكون لله. والصواب: أن يكون على السنة." (1).
فالثواب والأجر لا يحصل إلا بالإخلاص والمتابعة ، قال العلامة ابن باز رحمه الله:" أن الإخلاص لله في العبادة واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، أصلان أساسيان في صحتها وقبولها، واستحقاق الثواب عليها "(2) ، فهذا ما يجب على كل مسلم معرفته ، والحرص على تضمينه في حياته كلها؛ لعله ينال من الله الأجر والمثوبة.
ومن أعظم الأعمال التي ينال بها المسلم الثواب ، الدعوة إلى الله؛ لأن من دل على خير كان له أجر من عمل به ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنَّ الدال على الخير كفاعله» (3) ، ومن الدعوة إلى الله أن يستعمل الداعية أسلوب الحوار؛ لأنه من أقوى الأساليب في استمرار الناس على الخير ، فإذا اقتنع الطرف الآخر بما تدعو إليه ، كان تمسكه به متين ، بل وسيدعو إلى الحق الذي أتيت به ، وهذا ما حصل مع مصعب بن عمير رضي الله عنه ، فقد أسلم على يده خلق كثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي حواره مع الأنصار أسلم أسيد بن حضير ، وسعد بن معاذ رضي الله عنهم ، وبإسلامهما أخذوا جميعاً يدعون إلى الله وينشرون الإسلام في المدينة حتى لا يكاد يخلو دار من مسلم (4).
(1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى ،مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، المدينة المنورة ، د. ط ، 1416هـ ، 28/ 23.
(2)
ابن باز: مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ، أشرف على جمعه وطبعه محمد بن سعد الشويعر ، موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ، http://www.alifta.com ، 16/ 292 .
(3)
الترمذي: مصدر سابق ،كتاب أبواب العلم ، باب ما جاء الدال على الخير كفاعله ، 5/ 41 ،
رقم 2670 ، قال الألباني: حسن صحيح.
(4)
ابن هشام: مصدر سابق ، 1/ 435.
وما قام به مصعب بن عمير رضي الله عنه نحسبه عند الله مخلصاً ، فما ترك دين آبائه ، ولا النعمة التي كان فيها ،وما تحمل السجن والتعذيب ، إلا دليلاً على إخلاصه ومحبته لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ،فقد قال صلى الله عليه وسلم «لقد رأيت هذا عند أبويه بمكة يكرمانه وينعمانه، وما فتى من فتيان قريش مثله ، ثم خرج من ذلك ابتغاءَ مرضات الله ونصرة رسوله
…
» (1) ، ثم ما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلا عندما رأى فيه الإخلاص ، والصدق في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته؛ لذا استحق مصعب بن عمير رضي الله عنه من عند الله ثواباً عظيماً ، وأجراً كبيراً ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهيد عند الله يوم القيامة ، فعندما استُشهد مصعب بن عمير رضي الله عنه في غزوة أحد ، مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم:«أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه» (2) ، فرضي الله عن مصعب بن عمير وأجزل له المثوبة ، وجعل الفردوس الأعلى مسكنه ، إنه سميع مجيب.
(1) الحاكم: مصدر سابق ، كتاب الإيمان ، باب ذكر مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه ،3/ 728 ، رقم 6640.
(2)
الحاكم: المصدر سابق ، كتاب التفسير ، باب من قراءات النبي صلى الله عليه وسلم
…
، 2/ 271 ، رقم 2977.
الفصل الخامس: التطبيقات التربوية لأسلوب الحوار عبر الاستفادة من سيرة مصعب بن عمير رضي الله عنه والحوارات التي حفلت بها:
المبحث الأول: تطبيقاته في الأسرة.
المبحث الثاني: تطبيقاته في المدرسة.
المبحث الثالث: تطبيقاته في المسجد.