الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (1). فيجب أن يكون الحق عند المحاور والوصول إليه هو المقصد ، وهذا قد يكون في النظر سهل الاعتبار والمأخذ ولكنه عند التطبيق والتدقيق عزيز المنال صعب المدرك (2).
ولذا ترك مصعب بن عمير رضي الله عنه دين آبائه ، وما كان فيه من نعمة ودلال ، وتحمل الأذى والتعذيب؛ من أجل دين الله. وقد رأى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حبه الصادق لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لذا قال عنه صلى الله عليه وسلم:«لقد رأيت هذا عند أبويه بمكة يكرمانه وينعمانه، وما فتى من فتيان قريش مثله ، ثم خرج من ذلك ابتغاءَ مرضاة الله ونصرة رسوله ....» (3).
وكذلك لم يشغل بال مصعب بن عمير رضي الله عنه عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة إلا نشر الإسلام بينهم وتعليمهم ، فلم ينظر إلى شيء من زينة الدنيا ، ولم يطلب من أحد شيئا ، رغم ما كان فيه من فقر وضعف ، وهذا كله يدل على إخلاصه وصدق نيته ونزاهة نفسه.
ثانياً: تهيئة الجو المناسب:
إن الحوار الناجح يتطلب تهيئته قبل البدء فيه بعدة أمور ، تجعل منه حواراً هادفاً بنّاءً ، يؤتي ثماره المرجوة منه ، ومن ذلك:
1 -
اختيار المكان المناسب ، بأن يكون هادئاً خالياً من الملهيات والمشتتات ، جيد الإضاءة والتهوية.
(1) سورة البينة: آية (5).
(2)
بن حميد ، صالح بن عبدالله: أدب الاختلاف ، مؤسسة آسام ، الرياض ، ط3 ، 1412هـ ، ص35.
(3)
الحاكم: مصدر سابق ، كتاب الإيمان ، باب ذكر مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه ،3/ 728 ، رقم 6640.
2 -
اختيار الزمان المناسب ، بألا يكون في أوقات العمل أو أوقات الراحة والاستجمام ، بل يكون في الأوقات التي يكون الإنسان فيها غالباً خالٍ من الارتباطات ونحو ذلك.
3 -
بدء الحوار بالتعارف بين الطرفين؛ لأن ذلك يضفي على جو الحوار نوعاً من الهدوء والسكينة ، وكذلك استعمال بعض المقدمات اللطيفة (1).
4 -
الجلوس في أثناء الحوار؛ لأن الوقوف يوحي إلى عدم الرضا بالحوار ، ويعطي صاحبه شيئاً من الأنفة والتعالي ، فيقوده ذلك إلى رفع الصوت واستعمال بعض الأقوال والأفعال التي تخل بالحوار وتعطل سيره ، وأما الجلوس فيعطي النفس شيئاً من الارتياح والاستقرار النفسي.
ولقد كان من أمر مصعب بن عمير ، وأسعد بن زرارة رضي الله عنهما أن دخلا حائطاً من حوائط بني ظفر (2) ، عند بئر مرق (3) ، ومن هنا سيكون الحوار مهيئاً ، لما يحويه المكان من خضرة جميلة ، ومياه وفيرة ، تجلب الهدوء والروائح الزكية.
فعندما أخبر أسعد بن زرارة مصعب بن عمير رضي الله عنهما بقدوم أسيد بن الحضير رضي الله عنه قال: " إن يجلس أكلمه "(4) ، فحرص مصعب بن عمير رضي الله عنه على
(1) زمزمي ، يحيى بن محمد: مصدر سابق، ص126.
(2)
ابن هشام: مصدر سابق ، 1/ 435. وحوائط بني ظفر في الحرة الشرقية المعروفة بحرّة واقم (أي شرق المدينة). السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1419هـ ، 3/ 62.
(3)
ابن هشام: مصدر سابق ، 1/ 436. وبئر مرق قريبة من دار بني ظفر. السمهودي: مصدر سابق ، 4/ 23.
(4)
ابن هشام: مصدر سابق ، 1/ 435.