الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسحاق: ورجع سعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة، فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ومسلمات
…
" (1) ، فهذا أثرٌ عظيم في ظهور العلم ، بل وتجد في ذلك سرعةً وإقبالاً من الناس في حين ظهور الحق ، فعندما رجع مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى مكة ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأمر الأنصار وسرعتهم في دخول الإسلام فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما أخبره (2).
ثانياً: تمييز الحق من الباطل:
إن الحق والباطل لا يجتمعان ، والصراع بينهما قائم ومستمر ، والواجب على المسلم إحقاق الحق وإبطال الباطل ، قال تعالى:{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)} (3) ، " (لِيُحِقَّ الْحَقَّ) أي يظهر دين الإسلام ويعزه. (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) أي الكفر. وإبطاله إعدامه، كما أن إحقاق الحق إظهاره "(4).
والحوار الناجح قائم على هدف واضح ، وهو الوصول إلى الحق ، قال ابن القيم رحمه الله:" فالمحاجة والمجادلة إنما فائدتها طلب الرجوع والانتقال من الباطل إلى الحق ومن الجهل إلى العلم، ومن العمى إلى الإبصار "(5) ، فبإمكان المحاور المسلم أن يطرح آراءه بما لا يخالف الشرع وأن يجعل الحق نصب عينيه،
(1) ابن هشام: مصدر سابق ، 1/ 435.
(2)
ابن سعد: مصدر سابق ، 3/ 88.
(3)
سورة الأنفال: آية (8).
(4)
القرطبي: مصدر سابق ، 7/ 370.
(5)
ابن القيم: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط3 ، 1425هـ ، 2/ 206.
فقد أعطى الله الحرية في ابداء الرأي على شرط ألا يتنافى ذلك الرأي مع تعاليم الإسلام، فأمر المسلم أن يقول كلمة الحق أمام كل أحد لا تأخذه في الله لومة لائم، وجعل ذلك من أفضل الجهاد، وأمره أن يناصح ولاة أمور المسلمين، وينهاهم عن المخالفات، وأمره أن يرد على من يدعو إلى الباطل وينهاه، وهذا أعظم وأجمل نظام لاحترام الرأي، أما الرأي المخالف لشريعة الله فلا يسمح لصاحبه بإظهاره؛ لأنه هدم وفساد ومحاربة للحق (1) ، فبذلك يستطيع المحاور المسلم أن يميز بين الحق والباطل ، ويستطيع الطرف الآخر كذلك أن يميز.
ولا يقتصر هذا الأثر على الدين فحسب ، ففي العلوم الدنيوية لا بد فيها من تمييز الصواب من الخطأ ، وذلك بحسب الأدلة والبراهين التي تقوي جانب الصواب وتظهره.
أما مصعب بن عمير رضي الله عنه فقد ميّز بنفسه الحق من الباطل ، فترك دين آبائه ودخل الدين الإسلامي معلناً إسلامه ، ثم في حواراته المنهجية استطاع أن يبيِّن للطرف الآخر الحق ، وأن يجعله يميز الحق من الباطل الذي كان عليه ، فعندما جاءه أسيد بن حضير رضي الله عنه أخذ يكلمه عن الإسلام ، ويعلمه شيئاً من تعاليمه السمحة ، وقرأ عليه من القرآن ، فعرف بذلك أسيد بن حضير رضي الله عنه الحق ، فأشرق وجهه وتهلل ودخل الإسلام ، وكذا فعل مصعب بن عمير رضي الله عنه مع سعد بن معاذ رضي الله عنه فأسلم (2) ، فكان لمعرفتهم الحق أثرٌ كبيرٌ في دحض الباطل وأهله.
(1) آل عمر ، عبد الرحمن بن حماد: دين الحق ،وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ، المملكة العربية السعودية ، ط6 ، 1420هـ ، ص95.
(2)
ابن هشام: مصدر سابق ، 1/ 435.