الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: أسلوب الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:
ذُكر الحوار بشتى صوره في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواقف كثيرة ، ومع فئات عمرية مختلفة ، ومع المسلمين والكفار ، وهذا كله يدل على أهمية الحوار في التعامل مع مختلف الأجناس البشرية ، وأنه من أهم الأساليب التربوية التي تقود الإنسان إلى خيري الدنيا والآخرة ، ولا شك أن الحوار في المصدرين التشريعيين منهج لكل محاور ، ونبراس يهتدى به في الميادين الحوارية ، فالقرآن الكريم كلام الله عز وجل {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} (1) ، والسنة النبوية كلام النبي صلى الله عليه وسلم {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (2).
أولاً: الحوار في القرآن الكريم:
جاء القرآن الكريم بعدة أساليب حوارية بما يقتضيه الموقف ، وبما يصلح مع الطرف الآخر ، وذلك للوصول إلى هدف معين من الحوار ، إما لأخذ العبرة والعظة ، وإما لإثبات قدرة الله .... وغيرها.
فجاءت هذه الأساليب في مواضع متفرقة من القرآن الكريم ، فنورد مثالاً لها ، وهي كما يأتي:
1 -
قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي
(1) سورة النساء: آية (122).
(2)
سورة النجم: آية (3 - 4).
أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)} (1).
جرى هذا الحوار بين الله عز وجل وبين الملائكة ، فقد كان سؤال الملائكة سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء (2) ، ثم بيّن الله سبحانه وتعالى حكمته في أنه يعلم من هذا المخلوق ما لا تعلمه الملائكة ، وليبيّن لهم علمه الذي أحاط بكل شيء ، فهو أراد جل وعلا " أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين، ولتظهر آياته للخلق، ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة"(3).
فيستفيد المربي من هذا الأسلوب ولا سيما الأب مع أبنائه ، والمعلم مع طلابه ، وذلك في طرح موضوع يشد انتباههم؛ لتتوق أنفسهم إلى استكشاف خباياه ، ومعرفة مكنوناته ، فتستهوي أنفسهم السؤال والنقاش؛ ليبدأ الحوار الذي تصاحبه آدابه في جوٍ يسوده الهدوء. ثم يبين لهم ذلك المربي ما أراده من هذا الموضوع ، فيكون ذلك أدعى لاستيعابهم له ، ورسوخه في أذهانهم ، مما لو ألقاه لهم مباشرة.
(1) سورة البقرة: آية (30 - 33).
(2)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ، دار طيبة ، الرياض ، ط2 ، 1420هـ ، 1/ 216.
(3)
السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1 ، 1420هـ ، ص48.
2 -
وهذا الحوار بين الله عز وجل وبين إبليس ، فحينما خلق الله آدم عليه السلام ، أمر ملائكته بالسجود له إكراما واحتراما، وإظهارا لفضله، فامتثلوا أمر ربهم ، إلا إبليس استكبر فوبخه الله على ذلك (2). ثم بيّن الله عز وجل لنا عداوة إبليس وعزمه على إغوائنا "لنأخذ منه حذرنا ونستعد لعدونا، ونحترز منه بعلمنا، بالطريق التي يأتي منها، ومداخله التي ينفذ منها، فله تعالى علينا بذلك، أكمل نعمة"(3).
فقد يستعمل المربي هذا الأسلوب من الحوار ، عندما تكثر الأخطاء من ذلك الشخص ، ولم يفد فيه اللين والرفق ، فيستعمل معه التوبيخ ، الذي يعدُّ أحد أنواع العقاب ، مع أنه غالبا مؤثر ولكن نشاهد معظم الآباء يستعملونه
(1) سورة الأعراف: آية (11 - 18).
(2)
السعدي: مصدر سابق ، ص284.
(3)
المصدر السابق ، ص284.
بطريقة غير صحيحة (1) ، فإذا استعمل بطريقة صحيحة، كأن يكون على انفراد ، أفاد وأثمر ، وهذا العقاب يعدُّ من الحزم ،ولكن يستعمل في بعض الأحيان (2).
3 -
وهذا الحوار دار بين الله عز وجل وبين آدم وزوجه عندما أسكنهما الجنة ، ثم حذرهما من إبليس وفتنته، وذلك حينما نهاهما عن الأكل من تلك الشجرة ، فما زال الشيطان يوسوس لهما حتى أوقعهما في معصية الله ، ثم وبخهما الله عز وجل وعاتبهما على ذلك (4).
(1) الشربيني ، زكريا ، صادق ، يسرية: تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، د. ط ، 1421هـ ، ص257.
(2)
إبراهيم ، محمد قطب: منهج التربية الإسلامية ، دار الشروق ،القاهرة ،ط14 ،1414هـ، 1/ 191.
(3)
سورة الأعراف: آية (19 - 24).
(4)
السعدي: مصدر سابق ، ص285.
فيستطيع المربي أن يجعل من هذا الأسلوب الحواري مسلكاً لبيان الطريق الصحيح ، والتحذير والتنبيه مما يُلحق بالمتربي الضرر ، ولا بأس في استعمال التوبيخ أحياناً للمخالف بعد أن حُذر ونُبه.
4 -
دار هذا الحوار بين إبراهيم عليه السلام وبين ربه عز وجل، فكان عليه السلام يريد أن يرى قدرة الله سبحانه في إحياء الموتى ، فأعطاه الله جل وعلا دلالة حسية وبرهاناً على قدرة الله سبحانه وتوحده جل وعلا بالإحياء (2).
وهذا الأسلوب الحواري من أرقى الأساليب الحوارية المقنعة والناجحة؛ ذلك لأن المحاور يحرص على تدعيم كلامه بالبرهان الصحيح والدليل القاطع؛ ليصل إلى بيان الحقيقة وإقناع الطرف الآخر ، وقد يكون البرهان آيةً أو حديثاً أو قولاً لعالم ، وقد يكون من خلال التجربة الواقعية.
فالقرآن الكريم مليء بالمواقف الحوارية ، ولا يكاد يخلو جزءٌ منه من مواقف حوارية ، وقد جاءت بصورٍ كثيرة ، فهناك حوارات كثيرة تمثلت في حوار الله جل وعلا مع أنبيائه عليهم السلام ، وكذلك ما كان بين رسل الله عليهم السلام وأقوامهم ، كموسى عليه السلام مع قومه ، ويوسف عليه السلام مع إخوته وإبراهيم عليه السلام مع والده وقومه وعيسى عليه السلام ، وبعضها
(1) سورة البقرة: آية (260).
(2)
السعدي: مصدر سابق ، ص112.