الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَشَاء من عباده لينذر يَوْم التلاق وَقَالَ تَعَالَى {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ من أمره على من يَشَاء من عباده أَن أنذروا أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون} وسمى ذَلِك روحا لما يحصل بِهِ من الْحَيَاة النافعة فَإِن الْحَيَاة بِدُونِهِ لَا تَنْفَع صَاحبهَا الْبَتَّةَ بل حَيَاة الْحَيَوَان البهيم خير مِنْهَا وَأسلم عَاقِبَة
وَسميت الرّوح روحا لِأَن بهَا حَيَاة الْبدن وَكَذَلِكَ سميت الرّيح لما يحصل بهَا من الْحَيَاة وَهِي من ذَوَات الْوَاو وَلِهَذَا تجمع على أَرْوَاح قَالَ الشَّاعِر
إِذا ذهبت الْأَرْوَاح من نَحْو أَرْضكُم
…
وجدت لمسرها على كَبِدِي بردا
وَمِنْهَا الرّوح وَالريحَان والاستراحة فسميت النَّفس روحا لحُصُول الْحَيَاة بهَا وَسميت نفسا إِمَّا من الشَّيْء النفيس لنفاستها وشرفها وَإِمَّا من تنفس الشَّيْء إِذا خرج فلكثرة خُرُوجهَا ودخولها فِي الْبدن سميت نفسا وَمِنْه النَّفس بِالتَّحْرِيكِ فَإِن العَبْد كلما نَام خرجت مِنْهُ فَإِذا اسْتَيْقَظَ رجعت إِلَيْهِ فَإِذا مَاتَ خرجت خُرُوجًا كليا فَإِذا دفن عَادَتْ إِلَيْهِ فَإِذا سُئِلَ خرجت فَإِذا بعث رجعت إِلَيْهِ
فَالْفرق بَين النَّفس وَالروح فرق بِالصِّفَاتِ لَا فرق بِالذَّاتِ وَإِنَّمَا سمي الدَّم نفسا لِأَن خُرُوجه الَّذِي يكون مَعَه الْمَوْت يلازم خُرُوج النَّفس وَإِن الْحَيَاة لَا تتمّ إِلَّا بِهِ كَمَا لَا تتمّ إِلَّا بِالنَّفسِ فَلهَذَا قَالَ
تسيل على حد الظباة نفوسنا
…
وَلَيْسَت على غير الظباة تسيل
وَيُقَال فاضت نَفسه وَخرجت نَفسه وَفَارَقت نَفسه كَمَا يُقَال خرجت روحه وَفَارَقت وَلَكِن الْفَيْض الاندفاع وهلة وَاحِدَة وَمِنْه الْإِفَاضَة وَهِي الاندفاع بِكَثْرَة وَسُرْعَة لَكِن أَفَاضَ إِذا دفع بإختياره وإرادته إِذا انْدفع قسرا وقهرا فَالله سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يفيضها عِنْد الْمَوْت فتفيض هِيَ
فصل وَقَالَت فرقة أُخْرَى من أهل الحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف الرّوح غير النَّفس
قَالَ مقَاتل بن سُلَيْمَان للْإنْسَان حَيَاة وروح وَنَفس فَإِذا نَام خرجت نَفسه الَّتِي يعقل بهَا الْأَشْيَاء وَلم تفارق الْجَسَد بل تخرج كحبل ممتد لَهُ شُعَاع فَيرى الرُّؤْيَا بِالنَّفسِ الَّتِي خرجت مِنْهُ وَتبقى الْحَيَاة وَالروح فِي الْجَسَد فِيهِ يتقلب ويتنفس فَإِذا حرك رجعت إِلَيْهِ أسْرع من طرفَة عين فَإِذا أَرَادَ الله عز وجل أَن يميته فِي الْمَنَام أمسك تِلْكَ النَّفس الَّتِي خرجت وَقَالَ أَيْضا إِذا نَام خرجت نَفسه فَصَعدت إِلَى فَوق فَإِذا رَأَتْ الرُّؤْيَا رجعت فَأخْبرت الرّوح ويخبر الرّوح فَيُصْبِح يعلم أَنه قد رأى كَيْت وَكَيْت
قَالَ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه ثمَّ اخْتلفُوا فِي معرفَة الرّوح وَالنَّفس فَقَالَ بَعضهم النَّفس طينية نارية وَالروح نورية روحانية
وَقَالَ بَعضهم الرّوح لاهوتية وَالنَّفس ناسوتية وَأَن الْخلق بهَا ابتلى
وَقَالَت طَائِفَة وهم أهل الْأَثر أَن الرّوح غير النَّفس وَالنَّفس غير الرّوح وقوام النَّفس بِالروحِ وَالنَّفس صُورَة العَبْد والهوى والشهوة وَالْبَلَاء معجون فِيهَا وَلَا عَدو أعدى لِابْنِ آدم من نَفسه فَالنَّفْس لَا تُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا وَلَا تحب إِلَّا إِيَّاهَا وَالروح تَدْعُو إِلَى الْآخِرَة وتؤثرها وَجعل الْهوى تبعا للنَّفس والشيطان تبع النَّفس والهوى وَالْملك مَعَ الْعقل وَالروح وَالله تَعَالَى يمدهما بالهامة وتوفيقه
وَقَالَ بَعضهم الْأَرْوَاح من أَمر الله أخْفى حَقِيقَتهَا وَعلمهَا على الْخلق
وَقَالَ بَعضهم الْأَرْوَاح نور من نور الله وحياة من حَيَاة الله
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَرْوَاح هَل تَمُوت بِمَوْت الْأَبدَان والأنفس أَو لَا تَمُوت
فَقَالَت طَائِفَة الْأَرْوَاح لَا تَمُوت وَلَا تبلى
وَقَالَت الْجَمَاعَة الْأَرْوَاح على صور الْخلق لَهَا أيد وأرجل وأعين وَسمع وبصر ولسان
وَقَالَت طَائِفَة لِلْمُؤمنِ ثَلَاثَة أَرْوَاح وللمنافق وَالْكَافِر روح وَاحِدَة
وَقَالَ بَعضهم للأنبياء وَالصديقين خمس أَرْوَاح
وَقَالَ بَعضهم الْأَرْوَاح روحانية خلقت من الملكوت فَإِذا صفت رجعت إِلَى الملكوت
قلت أما الرّوح الَّتِي تتوفى وتقبض فَهِيَ روح وَاحِدَة وَهِي النَّفس
وَأما مَا يُؤَيّد الله بِهِ أولياءه من الرّوح فَهِيَ روح أُخْرَى غير هَذِه الرّوح كَمَا قَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وأيدهم بِروح مِنْهُ} وَكَذَلِكَ الرّوح الَّذِي أيد بهَا روحه الْمسْح ابْن مَرْيَم كَمَا قَالَ تَعَالَى إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم اذكر نعمتي عَلَيْك وعَلى والدتك إِذْ أيدك بِروح الْقُدس وَكَذَلِكَ الرّوح الَّتِي يلقيها على من يَشَاء من عباده هِيَ غير الرّوح الَّتِي فِي الْبدن
وَأما القوى الَّتِي فِي الْبدن فَإِنَّهَا تسمى أَيْضا أرواحا فَيُقَال الرّوح الباصر وَالروح السَّامع وَالروح الشَّام فَهَذِهِ الْأَرْوَاح قوى مودعة فِي الْبدن تَمُوت بِمَوْت الْأَبدَان وَهِي غير الرّوح الَّتِي لَا تَمُوت بِمَوْت الْبدن وَلَا تبلى كَمَا يبْلى وَيُطلق الرّوح على أخص من هَذَا كُله وَهُوَ قُوَّة