الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوله أَن أَرْوَاح السُّعَدَاء عَن يَمِين آدم وأرواح الْكفَّار الأشقياء عَن يسَاره حق كَمَا أخبر بِهِ النَّبِي وَقَوله إِن ذَلِك عِنْد مُنْقَطع العناصر لَا دَلِيل عَلَيْهِ من كتاب وَلَا سنة وَلَا يشبه أَقْوَال أهل الْإِسْلَام وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تدل على أَن الْأَرْوَاح فَوق العناصر فِي الْجنَّة عِنْد الله وأدلة الْقُرْآن تدل على ذَلِك وَقد وَافق أَبُو مُحَمَّد على أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وَمَعْلُوم أَن الصديقين أفضل مِنْهُم فَكيف تكون روح أَبى بكر الصّديق وَعبد الله بن مَسْعُود وأبى الدَّرْدَاء وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وأشباههم رضى الله عَنْهُم عِنْد مُنْقَطع العناصر وَذَلِكَ تَحت هَذَا الْفلك الْأَدْنَى وَتَحْت السَّمَاء الدُّنْيَا وَتَكون أَرْوَاح شُهَدَاء زَمَاننَا وَغَيرهم فَوق العناصر وَفَوق السَّمَوَات
وَأما قَوْله قد ذكر مُحَمَّد بن نصر المروزى عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَنه ذكر هَذَا الَّذِي قُلْنَا بِعَيْنِه قَالَ وعَلى هَذَا جَمِيع أهل الْعلم وَهُوَ قَول جَمِيع أهل الْإِسْلَام
قلت مُحَمَّد بن نصر المروزى ذكر فِي كتاب الرَّد على ابْن قُتَيْبَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم} الْآثَار الَّتِي ذكرهَا السّلف من اسْتِخْرَاج ذُرِّيَّة آدم من صلبه ثمَّ أَخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم وردهم فِي صلبه وَأَنه أخرجهم مثل الذَّر وَأَنه سُبْحَانَهُ قسمهم إِذْ ذَاك إِلَى شقي وَسَعِيد وَكتب آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وَمَا يصيبهم من خير وَشر ثمَّ قَالَ قَالَ إِسْحَاق أجمع أهل الْعلم أَنَّهَا الْأَرْوَاح قبل الأجساد استنطقهم {وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل} هَذَا نَص كَلَامه وَهُوَ كَمَا ترى لَا يدل على أَن مُسْتَقر الْأَرْوَاح مَا ذكر أَبُو مُحَمَّد حَيْثُ تَنْقَطِع العناصر بِوَجْه من الْوُجُوه بل وَلَا يدل على أَن الْأَرْوَاح كائنة قبل خلق الأجساد بل إِنَّمَا يدل على أَنه سُبْحَانَهُ أخرجهَا حِينَئِذٍ فخاطبها ثمَّ ردهَا إِلَى صلب آدم وَهَذَا القَوْل وَإِن كَانَ قد قَالَه جمَاعَة من السّلف وَالْخلف فَالْقَوْل الصَّحِيح غَيره كَمَا ستقف عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله إِذْ لَيْسَ الْغَرَض فِي جَوَاب هَذِه الْمَسْأَلَة الْكَلَام فِي الْأَرْوَاح هَل هِيَ مخلوقة قبل الأجساد أم لَا حَتَّى لَو سلم لأبى مُحَمَّد هَذَا كُله لم يكن فِيهِ دَلِيل على أَن مستقرها حَيْثُ تَنْقَطِع العناصر وَلَا أَن ذَلِك الْموضع كَانَ مستقرها أَولا
فصل وَأما قَول من قَالَ مستقرها الْعَدَم الْمَحْض فَهَذَا قَول من قَالَ إِنَّهَا
عرض من أَعْرَاض الْبدن وَهُوَ الْحَيَاة وَهَذَا قَول ابْن الباقلانى وَمن تبعه وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْهُذيْل العلاف النَّفس عرض من الْأَعْرَاض وَلم يُعينهُ بِأَنَّهُ الْحَيَاة كَمَا عينه ابْن الباقلانى ثمَّ قَالَ هِيَ عرض كَسَائِر أَعْرَاض الْجِسْم
وَهَؤُلَاء عِنْدهم أَن الْجِسْم إِذا مَاتَ عدمت روحه كَمَا تقدم وَسَائِر أعراضه الْمَشْرُوطَة بِالْحَيَاةِ وَمن يَقُول مِنْهُم أَن الْعرض لَا يبْقى زمانين كَمَا يَقُوله أَكثر الأشعرية فَمن قَوْلهم إِن روح الْإِنْسَان الْآن هِيَ غير روحه قبل وَهُوَ لَا يَنْفَكّ يحدث لَهُ روح ثمَّ تغير ثمَّ روح ثمَّ تغير هَكَذَا أبدا فيبدل لَهُ ألف روح فَأكْثر فِي مِقْدَار سَاعَة من الزَّمَان فَمَا دونهَا فَإِذا مَاتَ فَلَا روح تصعد إِلَى السَّمَاء وتعود إِلَى الْقَبْر وتقبضها الْمَلَائِكَة ويستفتحون لَهَا أَبْوَاب السَّمَوَات وَلَا تنعم وَلَا تعذب وَإِنَّمَا ينعم ويعذب الْجَسَد إِذا شَاءَ الله تنعيمه أَو تعذيبه رد إِلَيْهِ الْحَيَاة فِي وَقت يُرِيد نعيمه أَو عَذَابه وَإِلَّا فَلَا أَرْوَاح هُنَاكَ قَائِمَة بِنَفسِهَا الْبَتَّةَ
وَقَالَ بعض أَرْبَاب هَذَا القَوْل ترد الْحَيَاة إِلَى عجب الذَّنب فَهُوَ الَّذِي يعذب وينعم وَحسب
وَهَذَا قَول يردهُ الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وأدلة الْعُقُول والفطن والفطرة وَهُوَ قَول من لم يعرف روحه فضلا عَن روح غَيره وَقد خَاطب الله سُبْحَانَهُ النَّفس بِالرُّجُوعِ وَالدُّخُول وَالْخُرُوج ودلت النُّصُوص الصَّحِيحَة للصريحة على أَنَّهَا تصعد وتنزل وتقبض وَتمسك وَترسل وتستفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء وتسجد وتتكلم وَأَنَّهَا تخرج تسيل كَمَا تسيل القطرة وتكفن وتحنط فِي أكفان الْجنَّة وَالنَّار وَأَن ملك الْمَوْت يَأْخُذهَا بِيَدِهِ ثمَّ تتناولها الْمَلَائِكَة من يَده ويشم لَهَا كأطيب نفحة مسك أَو أنتن جيفة وتشيع من سَمَاء إِلَى سَمَاء ثمَّ تُعَاد إِلَى الأَرْض مَعَ الْمَلَائِكَة وَأَنَّهَا إِذا خرجت تبعها الْبَصَر بِحَيْثُ يَرَاهَا وَهِي خَارِجَة وَدلّ الْقُرْآن على أَنَّهَا تنْتَقل من مَكَان إِلَى مَكَان حَتَّى تبلغ الْحُلْقُوم فِي حركتها وَجَمِيع مَا ذكرنَا من جمع الْأَدِلَّة الدَّالَّة على تلاقى الْأَرْوَاح وتعارفها وَأَنَّهَا أجناد مجندة إِلَى غير ذَلِك تبطل هَذَا القَوْل وَقد شَاهد النَّبِي الْأَرْوَاح لَيْلَة الْإِسْرَاء عَن يَمِين آدم وشماله وَأخْبر النَّبِي إِن نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة وَأَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر وَأخْبر تَعَالَى عَن أَرْوَاح آل فِرْعَوْن أَنَّهَا تعرض على النَّار غدوا وعشيا
وَلما أورد ذَلِك على ابْن الباقلانى لج فِي الْجَواب وَقَالَ يخرج على هَذَا أحد وَجْهَيْن إِمَّا بِأَن يوضع عرض من الْحَيَاة فِي أول جُزْء من أَجزَاء الْجِسْم وَإِمَّا أَن يخلق لتِلْك الْحَيَاة وَالنَّعِيم وَالْعَذَاب جَسَد آخر
وَهَذَا قَول فِي غَايَة الْفساد من وُجُوه كَثِيرَة أَي قَول أفسد من قَول من يَجْعَل روح الْإِنْسَان عرضا من الْأَعْرَاض تتبدل كل سَاعَة الوفا من المرات فَإِذا فَارقه هَذَا الْعرض لم يكن بعد الْمُفَارقَة روح تنعم وَلَا تعذب وَلَا تصعد وَلَا تنزل وَلَا تمسك وَلَا ترسل فَهَذَا قَول