الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتوقف فِي ذَلِك آخَرُونَ مِنْهُم أَبُو عمر بن عبد الْبر فَقَالَ وَفِي حَدِيث زيد بن ثَابت عَن النَّبِي أَنه قَالَ إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها وَمِنْهُم من يرويهِ تسْأَل وعَلى هَذَا اللَّفْظ يحْتَمل أَن تكون هَذِه الْأمة خصت بذلك فَهَذَا أَمر لَا يقطع عَلَيْهِ
وَقد احْتج من خصّه بِهَذِهِ الْأمة بقوله إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها وَبِقَوْلِهِ أوحى إِلَى أَنكُمْ تفتنون فِي قبوركم وَهَذَا ظَاهر فِي الِاخْتِصَاص بِهَذِهِ الْأمة قَالُوا وَيدل عَلَيْهِ قَول الْملكَيْنِ لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل الذى بعث فِيكُم فَيَقُول الْمُؤمن أشهد أَنه عبد الله وَرَسُوله فَهَذَا خَاص بِالنَّبِيِّ وَقَوله فِي الحَدِيث الآخر إِنَّكُم بِي تمتحنون وعني تسْأَلُون
وَقَالَ آخَرُونَ لَا يدل هَذَا على اخْتِصَاص السُّؤَال بِهَذِهِ الْأمة دون سَائِر الْأُمَم فَإِن قَوْله ان الْأمة اما ن يُرَاد بِهِ أمة النَّاس كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض وَلَا طَائِر يطير بجناحيه إِلَّا أُمَم أمثالكم وكل جنس من أَجنَاس الْحَيَوَان يُسمى أمة وَفِي الحَدِيث لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها وَفِيه أَيْضا حَدِيث النَّبِي الَّذِي قرصته نملة فَأمر بقرية النَّمْل فأحرقت فَأوحى الله اليه من أجل أَن قرصتك نملة وَاحِدَة أحرقت أمة من الْأُمَم تسبح الله وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ أمته الَّذِي بعث فيهم لم يكن فِيهِ مَا يَنْفِي سُؤال غَيرهم من الْأُمَم بل قد يكون ذكرهم اخبارا بِأَنَّهُم مسئولون فِي قُبُورهم وَأَن ذَلِك لَا يخْتَص بِمن قبلهم لفضل هَذِه الْأمة وشرفها على سَائِر الْأُمَم
وَكَذَلِكَ قَوْله أوحى إِلَى أَنكُمْ تفتنون فِي قبوركم
وَكَذَلِكَ اخباره عَن قَول الْملكَيْنِ مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم هُوَ اخبار لأمته بِمَا تمتحن بِهِ فِي قبورها وَالظَّاهِر وَالله أعلم أَن كل نَبِي مَعَ أمته كَذَلِك وَأَنَّهُمْ معذبون فِي قُبُورهم بعد السُّؤَال لَهُم وَإِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم كَمَا يُعَذبُونَ فِي الْآخِرَة بعد السُّؤَال وَإِقَامَة الْحجَّة وَالله سبحانه وتعالى أعلم
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة وَهِي أَن الْأَطْفَال هَل يمْتَحنُونَ فِي قُبُورهم اخْتلف
النَّاس فِي ذَلِك على قَوْلَيْنِ هما وَجْهَان لأَصْحَاب أَحْمد
وَحجَّة من قَالَ أَنهم يسْأَلُون أَنه يشرع الصَّلَاة عَلَيْهِم وَالدُّعَاء لَهُم وسؤال الله أَن يقيهم عَذَاب الْقَبْر وفتنة الْقَبْر كَمَا ذكر مَالك فِي موطئِهِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه على جَنَازَة صبي فَسمع من دُعَائِهِ اللَّهُمَّ قه عَذَاب الْقَبْر
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ على بن معبد عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَنه مر عَلَيْهَا بِجنَازَة صبي صَغِير فَبَكَتْ فَقيل لَهَا مَا يبكيك يَا أم الْمُؤمنِينَ فَقَالَت هَذَا الصَّبِي بَكَيْت لَهُ شَفَقَة عَلَيْهِ من ضمة الْقَبْر
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ هناد بن السرى حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ إِنَّه كَانَ ليُصَلِّي على المنفوس وَمَا ان عمل خَطِيئَة قطّ فَيَقُول اللَّهُمَّ أجره من عَذَاب الْقَبْر
قَالُوا وَالله سُبْحَانَهُ يكمل لَهُم عُقُولهمْ ليعرفوا بذلك منزلهم ويلهمون الْجَواب عَمَّا يسْأَلُون عَنهُ
قَالُوا وَقد دلّ على ذَلِك الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة الَّتِي فِيهَا أَنهم يمْتَحنُونَ فِي الْآخِرَة وَحَكَاهُ الْأَشْعَرِيّ عَن أهل السّنة والْحَدِيث فَإِذا امتحنوا فِي الْآخِرَة لم يمْتَنع امتحانهم فِي الْقُبُور
قَالَ الْآخرُونَ السُّؤَال أَنما يكون لمن عقل الرَّسُول والمرسل فَيسْأَل هَل آمن بالرسول وأطاعه أم لَا فَيُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَأَما الطِّفْل الَّذِي لَا تَمْيِيز لَهُ بِوَجْه مَا فَكيف يُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم وَلَو رد إِلَيْهِ عقله فِي الْقَبْر فَإِنَّهُ لَا يسْأَل عَمَّا لم يتَمَكَّن من مَعْرفَته وَالْعلم بِهِ وَلَا فَائِدَة فِي هَذَا السُّؤَال وَهَذَا بِخِلَاف امتحانهم فِي الْآخِرَة فَإِن الله سُبْحَانَهُ يُرْسل اليهم رَسُولا وَيَأْمُرهُمْ بِطَاعَة أمره وعقولهم مَعَهم فَمن أطاعه مِنْهُم نجا وَمن عَصَاهُ أدخلهُ النَّار فَذَلِك امتحان بِأَمْر يَأْمُرهُم بِهِ يَفْعَلُونَهُ ذَلِك الْوَقْت لَا أَنه سُؤال عَن أَمر مضى لَهُم فِي الدُّنْيَا من طَاعَة أَو عصيان كسؤال الْملكَيْنِ فِي الْقَبْر
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه فَلَيْسَ المُرَاد بِعَذَاب الْقَبْر فِيهِ عُقُوبَة الطِّفْل على ترك طَاعَة أَو فعل مَعْصِيّة قطعا فان الله لَا يعذب أحدا بِلَا ذَنْب عمله بل عَذَاب الْقَبْر قد يُرَاد بِهِ الْأَلَم الَّذِي يحصل للْمَيت بِسَبَب غَيره وَإِن لم يكن عُقُوبَة على عمل عمله وَمِنْه قَوْله إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ أَي يتألم بذلك ويتوجع مِنْهُ لَا أَنه يُعَاقب بذنب الْحَيّ وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى
وَهَذَا كَقَوْل النَّبِي السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب فالعذاب أَعم من الْعقُوبَة وَلَا ريب أَن فِي الْقَبْر من الآلام والهموم والحسرات مَا قد يسرى أَثَره إِلَى الطِّفْل فيتألم بِهِ فيشرع الْمصلى عَلَيْهِ أَن يسْأَل الله تَعَالَى لَهُ أَن يَقِيه ذَلِك الْعَذَاب وَالله أعلم