الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأمرهَا أَن تَصُوم عَنْهَا رَوَاهُ أهل السّنَن وَالْإِمَام أَحْمد وَكَذَلِكَ روى عَنهُ وُصُول ثَوَاب بدل الصَّوْم وَهُوَ الاطعام
فَفِي السّنَن عَن ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام شهر فليطعم عَنهُ لكل يَوْم مِسْكين رَوَاهُ الترمذى وَابْن مَاجَه قَالَ الترمذى وَلَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه وَالصَّحِيح عَن ابْن عمر من قَوْله مَوْقُوفا
وَفِي سنَن أَبى دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا قَالَ إِذا مرض الرجل فِي رَمَضَان وَلم يصم أطْعم عَنهُ وَلم يكن عَنهُ قَضَاء وَإِن نذر قضى عَنهُ وليه
فصل وَأما وُصُول ثَوَاب الْحَج فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضى الله
عَنْهُمَا أَن امْرَأَة من جُهَيْنَة جَاءَت إِلَى النَّبِي فَقَالَت إِن أُمِّي نذرت أَن تحج فَلم تحج حَتَّى مَاتَت أفأحج عَنْهَا قَالَ حجى عَنْهَا أَرَأَيْت لَو كَانَ على أمك دين أَكنت قاضيته اقضوا الله فَالله أَحَق بِالْقضَاءِ
وَقد تقدم حَدِيث بُرَيْدَة وَفِيه أَن أُمِّي لم تحج قطّ أفأحج عَنْهَا قَالَ حجى عَنْهَا
وَعَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا قَالَ إِن امْرَأَة سِنَان بن سَلمَة الْجُهَنِيّ سَأَلت رَسُول الله أَن أمهَا مَاتَت وَلم تحج أفيجزىء أَن تحج عَنْهَا قَالَ نعم لَو كَانَ على أمهَا دين فقضته عَنْهَا ألم يكن يجزىء عَنْهَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وروى أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا أَن امْرَأَة سَأَلت النَّبِي عَن ابْنهَا مَاتَ وَلم يحجّ قَالَ حجى عَن ابْنك
وروى أَيْضا عَنهُ قَالَ قَالَ رجل يَا نَبِي الله ان أَبى مَاتَ وَلم يحجّ أفأحج عَنهُ قَالَ أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين أَكنت قاضيه قَالَ نعم قَالَ فدين الله أَحَق وَأجْمع الْمُسلمُونَ على أَن قَضَاء الدّين يسْقطهُ من ذمَّته وَلَو كَانَ من أَجْنَبِي أَو من غير تركته وَقد دلّ عَلَيْهِ حَدِيث أَبى قَتَادَة حَيْثُ ضمن الدينارين عَن الْمَيِّت فَلَمَّا قضاهما قَالَ لَهُ النَّبِي الْآن بردت عَلَيْهِ جلدته
وَأَجْمعُوا على أَن الْحَيّ إِذا كَانَ لَهُ فِي ذمَّة الْمَيِّت حق من الْحُقُوق فأحله مِنْهُ أَنه يَنْفَعهُ وَيبرأ مِنْهُ كَمَا يسْقط من ذمَّة الْحَيّ
فَإِذا سقط من ذمَّة الْحَيّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع مَعَ إِمْكَان أَدَائِهِ لَهُ بِنَفسِهِ وَلَو لم يرض بِهِ بل
رده فسقوطه من ذمَّة الْمَيِّت بالابراء حَيْثُ لَا يتَمَكَّن من أَدَائِهِ أولى وَأَحْرَى وَإِذا انْتفع بِالْإِبْرَاءِ والإسقاط فَكَذَلِك ينْتَفع بِالْهبةِ والإهداء وَلَا فرق بَينهمَا فَإِن ثَوَاب الْعَمَل حق المهدى الْوَاهِب فَإِذا جعله للْمَيت انْتقل إِلَيْهِ كَمَا أَن مَا على الْمَيِّت من الْحُقُوق من الدّين وَغَيره هُوَ مَحْض حق الْحَيّ فَإِذا أَبرَأَهُ وصل الْإِبْرَاء إِلَيْهِ وَسقط من ذمَّته فكلاهما حق للحى فَأَي نَص أَو قِيَاس أَو قَاعِدَة من قَوَاعِد الشَّرْع يُوجب وُصُول أَحدهمَا وَيمْنَع وُصُول الآخر
هَذِه النُّصُوص متظاهرة على وُصُول ثَوَاب الْأَعْمَال إِلَى الْمَيِّت إِذا فعلهَا الْحَيّ عَنهُ وَهَذَا مَحْض للْقِيَاس فَإِن الثَّوَاب حق لِلْعَامِلِ فَإِذا وهبه لِأَخِيهِ الْمُسلم لم يمْنَع من ذَلِك كَمَا لم يمْنَع من هبة مَاله فِي حَيَاته وإبرائه لَهُ من بعد مَوته
وَقد نبه النَّبِي بوصول ثَوَاب الصَّوْم الَّذِي هُوَ مُجَرّد ترك وَنِيَّة تقوم بِالْقَلْبِ لَا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا الله وَلَيْسَ بِعَمَل الْجَوَارِح على وُصُول ثَوَاب الْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ عمل بِاللِّسَانِ تسمعه الْأذن وتراه الْعين بطرِيق الأولى
ويوضحه أَن الصَّوْم نِيَّة مَحْضَة وكف النَّفس عَن المفطرات وَقد أوصل الله ثَوَابه إِلَى الْمَيِّت فَكيف بِالْقِرَاءَةِ الَّتِي هِيَ عمل وَنِيَّة بل لَا تفْتَقر إِلَى النِّيَّة فوصول ثَوَاب الصَّوْم إِلَى الْمَيِّت فِيهِ تَنْبِيه على وُصُول سَائِر الْأَعْمَال
والعبادات قِسْمَانِ مَالِيَّة وبدنية وَقد نبه الشَّارِع بوصول ثَوَاب الصَّدَقَة قَالَ على وُصُول ثَوَاب سَائِر الْعِبَادَات الْمَالِيَّة وَنبهَ بوصول ثَوَاب الصَّوْم على وُصُول ثَوَاب سَائِر الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة وَأخْبر بوصول ثَوَاب الْحَج الْمركب من الْمَالِيَّة والبدنية فالأنواع الثَّلَاثَة ثَابِتَة بِالنَّصِّ وَالِاعْتِبَار وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
قَالَ المانعون من الْوُصُول قَالَ الله تَعَالَى {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} وَقَالَ {وَلَا تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وَقَالَ {لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت} وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة عَلَيْهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ أَو علم ينْتَفع بِهِ من بعد فَأخْبر أَنه إِنَّمَا ينْتَفع بِمَا كَانَ تسبب إِلَيْهِ فِي الْحَيَاة وَمَا لم يكن قد تسبب إِلَيْهِ فَهُوَ مُنْقَطع عَنهُ
وَأَيْضًا فَحَدِيث أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ الْمُتَقَدّم وَهُوَ قَوْله إِن مِمَّا يلْحق الْمَيِّت من عمله وحسناته بعد مَوته علما نشره الحَدِيث يدل على أَنه إِنَّمَا ينْتَفع بِمَا كَانَ قد تسبب فِيهِ
وَأَيْضًا فَحَدِيث أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ الْمُتَقَدّم وَهُوَ قَوْله إِن مِمَّا يلْحق الْمَيِّت من عمله وحسناته بعد مَوته علما نشره الحَدِيث يدل على أَنه إِنَّمَا ينْتَفع بِمَا كَانَ قد تسبب فِيهِ
وَكَذَلِكَ حَدِيث أنس يرفعهُ سبع يجرى على العَبْد أجرهن وَهُوَ فِي قَبره بعد مَوته من علم
علما أَو أكرى نَهرا أَو حفر بِئْرا أَو غرس نخلا أَو بنى مَسْجِدا أَو ورث مُصحفا أَو ترك ولدا صَالحا يسْتَغْفر لَهُ بعد مَوته
وَهَذَا يدل على أَن مَا عدا ذَلِك لَا يحصل لَهُ مِنْهُ ثَوَاب وَإِلَّا لم يكن للحصر معنى
قَالُوا والإهداء حِوَالَة وَالْحوالَة إِنَّمَا تكون بِحَق لَازم والأعمال لَا توجب الثَّوَاب وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد تفضل الله وإحسانه فَكيف يحِيل العَبْد على مُجَرّد الْفضل الَّذِي لَا يجب على الله بل إِن شَاءَ آتَاهُ وَإِن لم يَشَأْ لم يؤته وَهُوَ نَظِير حِوَالَة الْفَقِير على من يَرْجُو أَن يتَصَدَّق عَلَيْهِ وَمثل هَذَا لَا يَصح إهداؤه وهبته كصلة ترجى من ملك لَا لتحَقّق حُصُولهَا
قَالُوا وَأَيْضًا فالإيثار بِأَسْبَاب الثَّوَاب مَكْرُوه وَهُوَ الإيثار بِالْقربِ فَكيف الإيثار بِنَفس الثَّوَاب الَّذِي هُوَ غَايَة إِذا كره الإيثار بالوسيلة فالغاية أولى وَأَحْرَى
وَكَذَلِكَ كره الإِمَام أَحْمد التَّأَخُّر عَن الصَّفّ الأول وإيثار الْغَيْر بِهِ لما فِيهِ من الرَّغْبَة عَن سَبَب الثَّوَاب قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة حَنْبَل وَقد سُئِلَ عَن الرجل يتَأَخَّر عَن الصَّفّ الأول وَيقدم أَبَاهُ فِي مَوْضِعه قَالَ مَا يُعجبنِي هُوَ يقدر أَن يبر أَبَاهُ بِغَيْر هَذَا
قَالُوا أَيْضا لَو سَاغَ الإهداء إِلَى الْمَيِّت لساغ نقل الثَّوَاب والإهداء إِلَى الْحَيّ
وَأَيْضًا لَو سَاغَ ذَلِك لساغ لهَذَا نصف الثَّوَاب وربعه وقيراط مِنْهُ
وَأَيْضًا لَو سَاغَ ذَلِك لساغ إهداؤه بعد أَن يعمله لنَفسِهِ وَقد قُلْتُمْ أَنه لَا بُد أَن ينوى حَال الْفِعْل إهداءه إِلَى الْمَيِّت وَإِلَّا لم يصل إِلَيْهِ فَإِذا سَاغَ لَهُ نقل الثَّوَاب فَأَي فرق بَين أَن ينوى قبل الْفِعْل أَو بعده
وَأَيْضًا لَو سَاغَ الإهداء لساغ إهداء ثَوَاب الْوَاجِبَات على الْحَيّ كَمَا يسوغ إهداء ثَوَاب التطوعات الَّتِي يتَطَوَّع بهَا
قَالُوا وَإِن التكاليف امتحان وابتلاء لَا تقبل الْبَدَل فَإِن الْمَقْصُود مِنْهَا عين الْمُكَلف الْعَامِل الْمَأْمُور الْمنْهِي فَلَا يُبدل الْمُكَلف الممتحن بِغَيْرِهِ وَلَا يَنُوب غَيره عَنهُ فِي ذَلِك أَن الْمَقْصُود طَاعَته هُوَ نَفسه وعبوديته وَلَو كَانَ ينْتَفع بإهداء غَيره لَهُ من غير عمل مِنْهُ لَكَانَ أكْرم الأكرمين أولى بذلك وَقد حكم سُبْحَانَهُ أَنه لَا ينْتَفع إِلَّا بسعيه وَهَذِه سنته تَعَالَى فِي خلقه وقضاؤه كَمَا هِيَ سنته فِي أمره وشرعه فَإِن الْمَرِيض لَا يَنُوب عَنهُ غَيره فِي شرب الدَّوَاء والجائع والظمآن والعاري لَا يَنُوب عَنهُ غَيره فِي الْأكل وَالشرب واللباس قَالُوا وَلَو نَفعه عمل غَيره لنفعه تَوْبَته عَنهُ
قَالُوا وَلِهَذَا لَا يقبل الله إِسْلَام أحد وَلَا صلَاته عَن صلَاته فَإِذا كَانَ رَأس الْعِبَادَات لَا يَصح إهداء ثَوَابه فَكيف فروعها
قَالُوا وَأما الدُّعَاء فَهُوَ سُؤال ورغبة إِلَى الله أَن يتفضل على الْمَيِّت ويسامحه وَيَعْفُو عَنهُ وَهَذَا إهداء ثَوَاب عمل الْحَيّ إِلَيْهِ
قَالَ المقتصرون على وُصُول الْعِبَادَات الَّتِي تدْخلهَا النِّيَابَة كالصدقة وَالْحج والعبادات نَوْعَانِ نوع لَا تدخله النِّيَابَة بِحَال كالإسلام وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالصِّيَام فَهَذَا النَّوْع يخْتَص ثَوَابه بفاعله لَا يتعداه وَلَا ينْقل عَنهُ كَمَا أَنه فِي الْحَيَاة لَا يَفْعَله أحد عَن أحد وَلَا يَنُوب فِيهِ عَن فَاعله غَيره
وَنَوع تدخله النِّيَابَة كرد الودائع وَأَدَاء الدُّيُون وَإِخْرَاج الصَّدَقَة وَالْحج فَهَذَا يصل ثَوَابه إِلَى الْمَيِّت لِأَنَّهُ يقبل النِّيَابَة ويفعله العَبْد عَن غَيره فِي حَيَاته فَبعد مَوته بِالطَّرِيقِ الأولى والأحرى
قَالُوا وَأما حَدِيث من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام صَامَ عَنهُ وليه فَجَوَابه من وُجُوه
أَحدهَا مَا قَالَه مَالك فِي موطئِهِ قَالَ لَا يَصُوم أحد عَن أحد قَالَ وَهُوَ أَمر مجمع عَلَيْهِ عندنَا لَا خلاف فِيهِ الثَّانِي أَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا هُوَ الَّذِي روى حَدِيث الصَّوْم عَن الْمَيِّت وَقد روى عَنهُ النَّسَائِيّ أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا حجاج الْأَحول حَدثنَا أَيُّوب بن مُوسَى عَن عَطاء بن أَبى رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا قَالَ لَا يصلى أحد عَن أحد
الثَّالِث أَنه حَدِيث اخْتلف فِي إِسْنَاده هَكَذَا قَالَ صَاحب الْمُفْهم فِي شرح مُسلم
الرَّابِع أَنه معَارض بِنَصّ الْقُرْآن كَمَا تقدم من قَوْله تَعَالَى {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى}
الْخَامِس أَنه معَارض بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي أَنه قَالَ لَا يصلى أحد عَن أحد وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد وَلَكِن يطعم عَنهُ مَكَان كل يَوْم مدا من حِنْطَة
السَّادِس أَنه معَارض بِحَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبى ليلى عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي من مَاتَ وَعَلِيهِ صَوْم رَمَضَان يطعم عَنهُ
السَّابِع أَنه معَارض بِالْقِيَاسِ الْجَلِيّ على الصَّلَاة وَالْإِسْلَام وَالتَّوْبَة فان أحدا لَا يَفْعَلهَا عَن أحد قَالَ الشَّافِعِي فِيمَا تكلم بِهِ على خبر ابْن عَبَّاس لم يسم ابْن عَبَّاس مَا كَانَ نذر أم سعد فَاحْتمل أَن يكون نذر حج أَو عمْرَة أَو صَدَقَة فَأمره بِقَضَائِهِ عَنْهَا فَأَما من نذر صَلَاة أَو صياما ثمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يكفر عَنهُ فِي الصَّوْم وَلَا يصام عَنهُ وَلَا يصلى عَنهُ وَلَا يكفر عَنهُ فِي الصَّلَاة ثمَّ قَالَ فَإِن قيل أفأروى عَن رَسُول الله أَمر أحد أَن يَصُوم عَن أحد قيل نعم روى ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي فَإِن قيل فَلم لَا تَأْخُذ بِهِ قيل حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي نذرا وَلم يسمعهُ مَعَ حفظ الزُّهْرِيّ وَطول مجالسه عبيد الله لِابْنِ عَبَّاس فَلَمَّا جَاءَ غَيره عَن رجل عَن ابْن عَبَّاس بِغَيْر مَا فِي حَدِيث عبيد الله أشبه أَن لَا يكون مَحْفُوظًا فَإِن قيل فتعرف الرجل الَّذِي جَاءَ بِهَذَا الحَدِيث يغلط عَن ابْن عَبَّاس قيل نعم روى أَصْحَاب ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لِابْنِ الزبير أَن الزبير حل من مُتْعَة الْحَج فروى هَذَا عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا مُتْعَة النِّسَاء وَهَذَا غلط فَاحش
فَهَذَا الْجَواب عَن فعل الصَّوْم وَأما فعل الْحَج فَإِنَّمَا يصل مِنْهُ ثَوَاب الْإِنْفَاق وَأما أَفعَال الْمَنَاسِك فَهِيَ كأفعال الصَّلَاة إِنَّمَا تقع عَن فاعلها
قَالَ أَصْحَاب الْوُصُول لَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا ذكرْتُمْ مَا يُعَارض أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة واتفاق سلف الْأمة وَمُقْتَضى قَوَاعِد الشَّرْع وَنحن نجيب عَن كل مَا ذكرتموه بِالْعَدْلِ والإنصاف
أما قَوْله تَعَالَى {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} فقد اخْتلفت طرق النَّاس فِي المُرَاد بِالْآيَةِ فَقَالَت طَائِفَة المُرَاد بالإنسان هَا هُنَا الْكَافِر وَأما الْمُؤمن فَلهُ مَا سعى وَمَا سعى لَهُ بالأدلة الَّتِي ذَكرنَاهَا قَالُوا وَغَايَة مَا فِي هَذَا التَّخْصِيص وَهُوَ جَائِز إِذا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل
وَهَذَا الْجَواب ضَعِيف جدا وَمثل هَذَا الْعَام لَا يُرَاد بِهِ الْكَافِر وَحده بل هُوَ للْمُسلمِ وَالْكَافِر وَهُوَ كالعام الَّذِي قبله وَهُوَ قَوْله تَعَالَى أَن لَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى
والسياق كُله من أَوله إِلَى آخِره كَالصَّرِيحِ فِي إِرَادَة الْعُمُوم لقَوْله تَعَالَى {وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى} وَهَذَا يعم الشَّرّ وَالْخَيْر قطعا ويتناول الْبر والفاجر وَالْمُؤمن وَالْكَافِر كَقَوْلِه تَعَالَى {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} وَكَقَوْلِه لَهُ فِي الحَدِيث الإلهي يَا عبَادي إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم أحصيها لكم ثمَّ أوفيكم إِيَّاهَا فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا أَيهَا الْإِنْسَان إِنَّك كَادِح إِلَى رَبك كدحا فملاقيه} وَلَا تغتر بقود كثير من الْمُفَسّرين فِي لفظ الْإِنْسَان فِي
الْقُرْآن الْإِنْسَان هَا هُنَا أَبُو جهل وَالْإِنْسَان هَا هُنَا عقبَة ابْن أَبى معيط وَالْإِنْسَان هَاهُنَا الْوَلِيد ابْن الْمُغيرَة فالقرآن أجل من ذَلِك بل الْإِنْسَان هُوَ الْإِنْسَان من حَيْثُ هُوَ من غير اخْتِصَاص بِوَاحِد بِعَيْنِه كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن الْإِنْسَان لفي خسر} و {إِن الْإِنْسَان لرَبه لكنود} و {إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا} و {إِن الْإِنْسَان ليطْغى أَن رَآهُ اسْتغنى} و {إِن الْإِنْسَان لظلوم كفار} و {وَحملهَا الْإِنْسَان إِنَّه كَانَ ظلوما جهولا} فَهَذَا شَأْن الْإِنْسَان من حَيْثُ ذَاته وَنَفسه وَخُرُوجه عَن هَذِه الصِّفَات بِفضل ربه وتوفيقه لَهُ ومنته عَلَيْهِ لَا من ذَاته فَلَيْسَ لَهُ من ذَاته إِلَّا هَذِه الصِّفَات وَمَا بِهِ من نعْمَة فَمن الله وَحده فَهُوَ الذى حبب إِلَى عَبده الْإِيمَان وزينه فِي قلبه وَكره إِلَيْهِ الْكفْر والفسوق والعصيان وَهُوَ الَّذِي كتب فِي قلبه الْإِيمَان وَهُوَ الَّذِي يثبت أنبياءه وَرُسُله وأولياءه على دينه وَهُوَ الَّذِي يصرف عَنْهُم السوء والفحشاء وَكَانَ يرتجز بَين يَدي النَّبِي
وَالله لَوْلَا الله مَا اهتدينا
…
وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا
وَقد قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لنَفس أَن تؤمن إِلَّا بِإِذن الله} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا يذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَمَا تشاءون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين فَهُوَ رب جَمِيع الْعَالم ربوبية شَامِلَة لجَمِيع مَا فِي الْعَالم من ذَوَات وأفعال وأحوال
وَقَالَت طَائِفَة الْآيَة أَخْبَار بشرع من قبلنَا وَقد دلّ شرعنا على أَنه لَهُ مَا سعى وَمَا سعى لَهُ وَهَذَا أَيْضا أَضْعَف من الأول أَو من جنسه فان الله سُبْحَانَهُ أخبر بذلك أَخْبَار مُقَرر لَهُ مُحْتَج بِهِ لَا أَخْبَار مُبْطل لَهُ وَلِهَذَا قَالَ {أم لم ينبأ بِمَا فِي صحف مُوسَى} فَلَو كَانَ هَذَا بَاطِلا فِي هَذِه الشَّرِيعَة لم يخبر بِهِ أَخْبَار مُقَرر لَهُ مُحْتَج بِهِ
وَقَالَت طَائِفَة اللَّام بِمَعْنى على أَي وَلَيْسَ على الْإِنْسَان إِلَّا مَا سعى وَهَذَا أبطل من الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين فَإِنَّهُ قَول مَوْضُوع الْكَلَام إِلَى ضد مَعْنَاهُ الْمَفْهُوم مِنْهُ وَلَا يسوغ مثل هَذَا وَلَا تحتمله اللُّغَة وَأما نَحْو وَلَهُم اللَّعْنَة فَهِيَ على بَابهَا أَي نصِيبهم وحظهم وَأما أَن الْعَرَب تعرف فِي لغاتها لي دِرْهَم بِمَعْنى على دِرْهَم فكلا
وَقَالَت طَائِفَة فِي الْكَلَام حذف تَقْدِيره {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} أَو سعى لَهُ وَهَذَا أَيْضا من النمط الأول فَإِنَّهُ حذف مَالا يدل السِّيَاق عَلَيْهِ بِوَجْه وَقَول على الله وَكتابه بِلَا علم
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ} وَهَذَا مَنْقُول عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا وَهَذَا ضَعِيف أَيْضا
وَلَا يرفع حكم الْآيَة بِمُجَرَّد قَول ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا وَلَا غَيره أَنَّهَا مَنْسُوخَة والجميع بَين الْآيَتَيْنِ غير مُتَعَذر وَلَا مُمْتَنع فَإِن الْأَبْنَاء تبعوا الْآبَاء فِي الْآخِرَة كَمَا كَانُوا تبعا لَهُم فِي الدُّنْيَا وَهَذِه التّبعِيَّة هِيَ من كَرَامَة الْآبَاء وثوابهم الَّذِي نالوه بسعيهم وَأما كَون الْأَبْنَاء لَحِقُوا بهم فِي الدرجَة بِلَا سعى مِنْهُم فَهَذَا لَيْسَ هُوَ لَهُم وَإِنَّمَا هُوَ للآباء أقرّ الله أَعينهم بإلحاق ذُرِّيتهمْ بهم فِي الْجنَّة وتفضل على الْأَبْنَاء بِشَيْء لم يكن لَهُم كَمَا تفضل بذلك على الْوَالِدَان والحور الْعين والخلق ألذين ينشئهم للجنة بِغَيْر أَعمال وَالْقَوْم الَّذين يدخلهم الْجنَّة بِلَا خير قدموه وَلَا عمل عملوه فَقَوله تَعَالَى أَن لَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى وَقَوله {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} آيتان محكمتان يقتضيهما عدل الرب تَعَالَى وحكمته وكما لَهُ الْمُقَدّس وَالْعقل والفطرة شَاهِدَانِ بهما فَالْأول تَقْتَضِي أَنه لَا يُعَاقب بجرم غَيره وَالثَّانيَِة تَقْتَضِي أَنه لَا يفلح إِلَّا بِعَمَلِهِ وسعيه فَالْأولى تؤمن العَبْد من أَخذه بجريرة غَيره كَمَا يَفْعَله مُلُوك الدُّنْيَا وَالثَّانيَِة تقطع طمعه من نجاته بِعَمَل آبَائِهِ وسلفه ومشايخه كَمَا عَلَيْهِ أَصْحَاب الطمع الْكَاذِب فَتَأمل حسن اجْتِمَاع هَاتين الْآيَتَيْنِ
وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {من اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لنَفسِهِ وَمن ضل فَإِنَّمَا يضل عَلَيْهَا وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} فَحكم سُبْحَانَهُ لأعدائه بأَرْبعَة أَحْكَام هِيَ غَايَة الْعدْل وَالْحكمَة
أَحدهَا إِن هدى الْعباد بِالْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح لنَفسِهِ لَا لغيره
الثَّانِي أَن ضلاله بِفَوَات ذَلِك وتخلفه عَنهُ على نَفسه لَا على غَيره
الثَّالِث أَن أحدا لَا يُؤَاخذ بجريرة غَيره
الرَّابِع أَنه لَا يعذب أحدا إِلَّا بعد إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِ يُرْسِلهُ فَتَأمل مَا فِي ضمن هَذِه الْأَحْكَام الْأَرْبَعَة من حكمته تَعَالَى وعدله وفضله وَالرَّدّ على أهل الْغرُور والأطماع الكاذبة وعَلى أهل الْجَهْل بِاللَّه وأسمائه وَصِفَاته
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى المُرَاد بالإنسان هَا هُنَا الْحَيّ دون الْمَيِّت وَهَذَا أَيْضا من النمط الأول فِي الْفساد
وَهَذَا كُله من سوء التَّصَرُّف فِي اللَّفْظ الْعَام وَصَاحب هَذَا التَّصَرُّف لَا ينفذ تصرفه فِي دلالات الْأَلْفَاظ وَحملهَا على خلاف موضوعها وَمَا يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن مِنْهَا وَهُوَ تصرف فَاسد قطعا يُبطلهُ السِّيَاق وَالِاعْتِبَار وقواعد الشَّرْع وأدلته وعرفه وَسبب هَذَا التَّصَرُّف السيىء أَن صَاحبه يعْتَقد قولا ثمَّ يرد كلما دلّ على خِلَافه بِأَيّ طَرِيق اتّفقت لَهُ فالأدلة الْمُخَالفَة لما
اعتقده عِنْده من بَاب الصَّائِل لَا يُبَالِي بِأَيّ شَيْء دَفعه وأدلة الْحق لَا تتعارض وَلَا تتناقض بل يصدق بَعْضهَا بَعْضًا
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى وَهُوَ جَوَاب أَبى الْوَفَاء بن عقيل قَالَ الْجَواب الْجيد عِنْدِي إِن يُقَال الْإِنْسَان بسعيه وَحسن عشرته اكْتسب الأصدقاء وأولد الْأَوْلَاد ونكح الْأزْوَاج وأسدى الْخَيْر وتودد إِلَى النَّاس فترحموا عَلَيْهِ وأهدوا لَهُ الْعِبَادَات وَكَانَ ذَلِك أثر سَعْيه كَمَا قَالَ إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه وان وَلَده من كَسبه وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي الحَدِيث الآخر إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث علم ينْتَفع بِهِ من بعده وَصدقَة جَارِيَة عَلَيْهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَمن هُنَا قَول الشَّافِعِي إِذا بذل لَهُ وَلَده طَاعَة الْحَج كَانَ ذَلِك سَببا لوُجُوب الْحَج عَلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ فِي مَاله زَاد وراحلة بِخِلَاف بذل الْأَجْنَبِيّ
وَهَذَا جَوَاب متوسط يحْتَاج إِلَى تَمام فَإِن العَبْد بإيمانه وطاعته لله وَرَسُوله قد سعى فِي انتفاعه بِعَمَل إخوانه الْمُؤمنِينَ مَعَ عمله كَمَا ينْتَفع بعملهم فِي الْحَيَاة مَعَ عمله فَإِن الْمُؤمنِينَ ينْتَفع بَعضهم بِعَمَل بعض فِي الْأَعْمَال الَّتِي يشتركون فِيهَا كَالصَّلَاةِ فِي جمَاعَة فَإِن كل وَاحِد مِنْهُم تضَاعف صلَاته إِلَى سَبْعَة وَعشْرين ضعفا لمشاركة غَيره لَهُ فِي الصَّلَاة فَعمل غَيره كَانَ سَببا لزِيَادَة أجره كَمَا أَن عمله سَبَب لزِيَادَة أجر الآخر بل قد قيل إِن الصَّلَاة يُضَاعف ثَوَابهَا يعدد الْمُصَلِّين وَكَذَلِكَ اشتراكهم فِي الْجِهَاد وَالْحج وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر والتعاون على الْبر وَالتَّقوى وَقد قَالَ النَّبِي الْمُؤمن لِلْمُؤمنِ كالبنيان يشد بعضه بَعْضًا وَشَبك بَين أَصَابِعه وَمَعْلُوم أَن هَذَا بِأُمُور الدّين أولى مِنْهُ بِأُمُور الدُّنْيَا فدخول الْمُسلم مَعَ جملَة الْمُسلمين فِي عقد الْإِسْلَام من أعظم الْأَسْبَاب فِي وُصُول نفع كل من الْمُسلمين إِلَى صَاحبه فِي حَيَاته وَبعد مماته ودعوة الْمُسلمين تحيط من ورائهم وَقد أخبر الله سُبْحَانَهُ عَن حَملَة الْعَرْش وَمن حوله أَنهم يَسْتَغْفِرُونَ للْمُؤْمِنين وَيدعونَ لَهُم وَاخْبَرْ عَن دُعَاء رسله واستغفارهم للْمُؤْمِنين كنوح وَإِبْرَاهِيم وَمُحَمّد فَالْعَبْد بإيمانه قد تسبب إِلَى وُصُول هَذَا الدُّعَاء إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ من سَعْيه يُوضحهُ أَن الله سُبْحَانَهُ جعل الْإِيمَان سَببا لانتفاع صَاحبه بِدُعَاء إخوانه من الْمُؤمنِينَ وسعيهم فَإِذا أَتَى بِهِ فقد سعى فِي السَّبَب الَّذِي يُوصل إِلَيْهِ وَقد دلّ على ذَلِك قَول النَّبِي لعَمْرو بن الْعَاصِ إِن أَبَاك لَو كَانَ أقرّ بِالتَّوْحِيدِ نَفعه ذَلِك يعْنى الْعتْق الَّذِي فعل عَنهُ بعد مَوته فَلَو أَتَى بِالسَّبَبِ لَكَانَ قد سعى فِي يعْمل يُوصل إِلَيْهِ ثَوَاب الْعتْق وَهَذِه طَريقَة لَطِيفَة حَسَنَة جدا
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى الْقُرْآن لم ينف انْتِفَاع الرجل بسعي غَيره وَإِنَّمَا نفي ملكه لغير سَعْيه