الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطْوَة وَلَا يبإلى بِمَا حصل من المَال من حَلَال أَو حرَام وَلَا يصل رَحمَه وَلَا يرحم الْمِسْكِين وَلَا الأرملة وَلَا الْيَتِيم وَلَا الْحَيَوَان البهيم بل يدع الْيَتِيم وَلَا يحض على طَعَام الْمِسْكِين ويرائى للْعَالمين وَيمْنَع الماعون ويشتغل بعيوب النَّاس عَن عَيبه وبذنوبهم عَن ذَنبه فَكل هَؤُلَاءِ وأمثالهم يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم بِهَذِهِ الجرائم بِحَسب كثرتها وقلتها وصغيرها وكبيرها
وَلما كَانَ أَكثر النَّاس كَذَلِك كَانَ أَكثر أَصْحَاب الْقُبُور معذبين والفائز مِنْهُم قَلِيل فظواهر الْقُبُور تُرَاب وبواطنها حسرات وَعَذَاب ظواهرها بِالتُّرَابِ وَالْحِجَارَة المنقوشة مبنيات وَفِي بَاطِنهَا الدواهى والبليات تغلى بالحسرات كَمَا تغلى الْقُدُور بِمَا فِيهَا ويحق لَهَا وَقد حيل بَينهَا وَبَين شهواتها وأمانيها تالله لقد وعظت فَمَا تركت لواعظ مقَالا وَنَادَتْ يَا عمار الدُّنْيَا لقد عمرتم دَارا موشكة بكم زوالا وخربتم دَارا أَنْتُم مسرعونى إِلَيْهَا انتقالا عمرتم بُيُوتًا لغيركم مَنَافِعهَا وسكناها وخربتم بُيُوتًا لَيْسَ لكم مسَاكِن سواهَا هَذِه دَار الاستباق ومستودع الاعمال وبذر الزَّرْع وَهَذِه مَحل للعبر رياض من رياض الْجنَّة أَو حفر من حفر النَّار
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة الْأَسْبَاب المنجية من عَذَاب الْقَبْر جوابها أَيْضا من وَجْهَيْن
مُجمل ومفصل
أما الْمُجْمل فَهُوَ تجنب تِلْكَ الْأَسْبَاب الَّتِي تقتضى عَذَاب الْقَبْر وَمن انفعها ان يجلس الرجل عِنْدَمَا يُرِيد النّوم لله سَاعَة يُحَاسب نَفسه فِيهَا على مَا خسره وَربحه فِي يَوْمه ثمَّ يجدد لَهُ تَوْبَة نصُوحًا بَينه وَبَين الله فينام على تِلْكَ التَّوْبَة ويعزم على أَن لَا يعاود الذَّنب إِذا اسْتَيْقَظَ وَيفْعل هَذَا كل لَيْلَة فَإِن مَاتَ من ليلته مَاتَ على تَوْبَة وَإِن اسْتَيْقَظَ اسْتَيْقَظَ مُسْتَقْبلا للْعَمَل مَسْرُورا بِتَأْخِير أَجله حَتَّى يسْتَقْبل ربه ويستدرك مَا فَاتَهُ وَلَيْسَ للْعَبد انفع من هَذِه النومة وَلَا سِيمَا إِذا عقب ذَلِك بِذكر الله وَاسْتِعْمَال السّنَن الَّتِي وَردت عَن رَسُول الله عِنْد النّوم حَتَّى يغله النّوم فَمن أَرَادَ الله بِهِ خيرا وَفقه لذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأما الْجَواب الْمفصل فَنَذْكُر أَحَادِيث عَن رَسُول الله فِيمَا يُنجى من عَذَاب الْقَبْر
فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن سلمَان رضى الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول رِبَاط يَوْم وَلَيْلَة خير من صِيَام شهر وقيامه وان مَاتَ اجرى عَلَيْهِ عمله الذى كَانَ يعمله واجرى عَلَيْهِ رزقه وَأمن الفتان
وَفِي جَامع الترمذى من حَدِيث فضَالة بن عبيد عَن رَسُول الله قَالَ كل ميت يخْتم على عمله إِلَّا الذى مَاتَ مرابطا فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ ينمى لَهُ عمله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ويأمن من فتْنَة الْقَبْر قَالَ الترمذى هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح
وَفِي سنَن النسائى عَن رشدين بن سعد عَن رجل من اصحاب النَّبِي صلى الله أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله مَا بَال الْمُؤمنِينَ يفتنون فِي قُبُورهم إِلَّا الشَّهِيد قَالَ كفي ببارقة السيوف على رَأسه فتْنَة
وَعَن الْمِقْدَام بن معد يكرب قَالَ قَالَ رَسُول الله للشهيد عِنْد الله سِتّ خِصَال يغْفر لَهُ فِي أول دفْعَة من دَمه وبرى مَقْعَده من الْجنَّة ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويأمن من الْفَزع الْأَكْبَر وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار الياقوتة مِنْهُ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ويزوج اثْنَتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة من الْحور الْعين ويشفع فِي سبعين من اقاربه رَوَاهُ ابْن مَاجَه والترمذى وَهَذَا لَفظه وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح
وَعَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا قَالَ ضرب رجل من أَصْحَاب رَسُول الله خباءه على قبر وَهُوَ لَا يحْسب أَنه قبر فَإِذا قبر قبر إِنْسَان يقْرَأ سُورَة الْملك حَتَّى خَتمهَا فاتى النَّبِي فَقَالَ يَا رَسُول الله ضربت خبائى على قبر وَأَنا لَا أَحسب أَنه قبر فَإِذا قبر إِنْسَان يقْرَأ سُورَة الْملك حَتَّى خَتمهَا فَقَالَ النَّبِي هى الْمَانِعَة هِيَ المنجية تنجيه من عَذَاب الْقَبْر قَالَ الترمذى هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب
وروينا فِي مُسْند بن حميد عَن إِبْرَاهِيم بن الحكم عَن ابيه عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لرجل أَلا أتحفك بِحَدِيث تفرح بِهِ قَالَ الرجل بلَى قَالَ اقْرَأ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك وَهُوَ على كل شَيْء قدير} احفظها وعلما أهلك وولدك وصبيان بَيْتك وَجِيرَانك فَإِنَّهَا المنجية والمجادلة تجَادل أَو تخاصم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبهَا لِقَارِئِهَا وتطلب لَهُ إِلَى رَبهَا أَن ينجيه من عَذَاب النَّار إِذا كَانَت فِي جَوْفه وينجى الله بهَا صَاحبهَا من عَذَاب الْقَبْر قَالَ رَسُول الله لودت أَنَّهَا فِي قلب كل إِنْسَان من أمتى
قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر وَصَحَّ عَن رَسُول الله أَنه قَالَ إِن سُورَة ثَلَاثِينَ آيَة شفعت فِي صَاحبهَا حَتَّى غفر لَهُ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَفِي سِنِين ابْن مَاجَه من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ بِرَفْعِهِ من مَاتَ مبطونا مَاتَ شَهِيدا وَوُقِيَ فتْنَة الْقَبْر وغدى وريح عَلَيْهِ برزق من الْجنَّة
وَفِي سنَن النسائى عَن جَامع بن شَدَّاد قَالَ سَمِعت عبد الله بن يشْكر يَقُول كنت جَالِسا مَعَ سُلَيْمَان بن صره وخَالِد بن عرفطة فَذكرُوا أَن رجلا مَاتَ ببطنه فَإِذا هما يشتهيان أَن
يَكُونَا شَهدا جنَازَته فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر ألم يقل رَسُول الله من قَتله بَطْنه لم يعذب فِي قَبره
وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطيالسى فِي مُسْنده حَدثنَا شُعْبَة حَدَّثَنى أَحْمد بن جَامع بن شَدَّاد قَالَ أَبى فَذكره وَزَاد فَقَالَ الآخر بلَى
وَفِي الترمذى من حَدِيث ربيعَة بن سيف عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله مَا من مُسلم يَمُوت يَوْم الْجُمُعَة أَو لَيْلَة الْجُمُعَة إِلَّا وَقَاه الله فتْنَة الْقَبْر قَالَ الترمذى هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب وَلَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل ربيعَة بن سيف إِنَّمَا يرْوى عَن أَبى عبد الرَّحْمَن الحبلى عَن عبد الله بن عَمْرو وَلَا يعرف لِرَبِيعَة بن سيف سَماع من عبد الله ابْن عَمْرو انْتهى
وَقد روى الترمذى الْحَكِيم من حَدِيث ربيعَة بن سيف هَذَا عَن عِيَاض بن عقبَة الفهرى عَن عبد الله بن عَمْرو
وَقد رَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر مَرْفُوعا وَلَفظه من مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة أَو يَوْم الْجُمُعَة أجِير من عَذَاب الْقَبْر وَجَاء يَوْم الْقِيَامَة وَعَلِيهِ طَابع الشُّهَدَاء تفرد بِهِ عمر بن مُوسَى الوجيهى وَهُوَ مدنى ضَعِيف
وَقَوله كفي ببارقة السيوف على رَأسه فتْنَة مَعْنَاهُ وَالله أعلم قد امتحن نفَاقه من إيمَانه ببارقة السَّيْف على رَأسه فَلم يفر فَلَو كَانَ منافقا لما صَبر ببارقة السَّيْف على رَأسه فَدلَّ على أَن إيمَانه هُوَ الذى حمله على بذل نَفسه لله وتسليمها لَهُ وهاج من قلبه حمية الْغَضَب لله وَرَسُوله واظهار دينه وإعزاز كَلمته فَهَذَا قد أظهر صدق مَا فِي ضَمِيره حَيْثُ برز للْقَتْل فاستغنى بذلك عَن الامتحان فِي قَبره
قَالَ أَبُو عبد الله القرطبى إِذا كَانَ الشَّهِيد لَا يفتن فالصديق أجل خطرا وَأعظم أجرا أَن لَا يفتن لِأَنَّهُ مقدم ذكره فِي التَّنْزِيل على الشُّهَدَاء وَقد صَحَّ فِي المرابط الذى هُوَ دون الشَّهِيد أَنه لَا يفتن فَكيف بِمن هُوَ أَعلَى رُتْبَة مِنْهُ وَمن الشَّهِيد
وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ترد هَذَا القَوْل وَتبين أَن الصّديق يسْأَل فِي قَبره كَمَا يسْأَل غَيره وَهَذَا عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ رَأس الصديقين وَقد قَالَ النبيى لما أخبرهُ عَن سُؤال الْملك فِي قَبره فَقَالَ وَأَنا على مثل حالتي هَذِه فَقَالَ نعم وَذكر الحَدِيث
وَقد اخْتلف فِي الْأَنْبِيَاء هَل يسْأَلُون فِي قُبُورهم على قَوْلَيْنِ وهما وَجْهَان فِي مَذْهَب أَحْمد
وَغَيره وَلَا يلْزم من هَذِه الخاصية الَّتِي اخْتصَّ بهَا الشَّهِيد أَن يُشَارِكهُ الصّديق فِي حكمهَا وَإِن كَانَ أَعلَى مِنْهُ فخواص الشُّهَدَاء وَقد تَنْتفِي عَمَّن هُوَ أفضل مِنْهُم وَإِن كَانَ أَعلَى مِنْهُم دَرَجَة
وَأما حَدِيث ابْن مَاجَه من مَاتَ مَرِيضا مَاتَ شَهِيدا وَوقى فتْنَة الْقَبْر فَمن إِفْرَاد ابْن مَاجَه وَفِي إِفْرَاده غرائب ومنكرات وَمثل هَذَا الحَدِيث مِمَّا يتَوَقَّف فِيهِ وَلَا يشْهد بِهِ على رَسُول الله فان صَحَّ فَهُوَ مُقَيّد بِالْحَدِيثِ الآخر وَهُوَ الذى يقْتله بَطْنه فان صَحَّ عَنهُ أَنه قَالَ المبطون شَهِيد فَيحمل هَذَا الْمُطلق على ذَلِك الْمُقَيد وَالله أعلم
وَقد جَاءَ فِيمَا يُنجى من عَذَاب الْقَبْر حَدِيث فِيهِ الشِّفَاء رَوَاهُ أَبُو مُوسَى المدينى وَبَين علته فِي كِتَابه فِي التَّرْغِيب والترهيب وَجعله شرحا لَهُ رَوَاهُ من حَدِيث الْفرج بن فضَالة حَدثنَا هِلَال أَبُو جبلة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ خرج علينا رَسُول الله وَنحن فِي صفة بِالْمَدِينَةِ فَقَامَ علينا فَقَالَ إنى رَأَيْت البارحة عجبا رَأَيْت رجلا من أمتى أَتَاهُ ملك الْمَوْت ليقْبض روحه فَجَاءَهُ بره بِوَالِديهِ فَرد ملك الْمَوْت عَنهُ وَرَأَيْت رجلا من أمتى قد احتوشته الشَّيَاطِين فجَاء ذكر الله فطير الشَّيَاطِين عَنهُ وَرَأَيْت رجلا من أمتى قد احتوشته مَلَائِكَة الْعَذَاب فَجَاءَتْهُ صلَاته فاستنقذته من أَيْديهم وَرَأَيْت رجلا من أمتى يَلْهَث عطشا كلما دنا من حَوْض منع وطرد فَجَاءَهُ صِيَام شهر رَمَضَان فاسقاه وأرواه وَرَأَيْت رجلا من أمتى وَرَأَيْت النَّبِيين جُلُوسًا حلقا حلقا كلما دنا إِلَى حَلقَة طرد وَمنع فَجَاءَهُ غسله من الْجَنَابَة فَأخذ بِيَدِهِ فأقعده إِلَى جَنْبي وَرَأَيْت رجلا من أمتى من بَين يَدَيْهِ ظلمَة وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه ظلمَة وَعَن يسَاره ظلمَة وَمن فَوْقه ظلمَة وَهُوَ متحير فِيهِ فَجَاءَهُ حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمَة وأدخلاه فِي النُّور وَرَأَيْت رجلا من أمتى يتقى وهج النَّار وشررها فَجَاءَتْهُ صدقته فَصَارَت سترا بَينه وَبَين النَّار وظلا على رَأسه وَرَأَيْت رجلا من أمتى يكلم الْمُؤمنِينَ وَلَا يكلمونه فَجَاءَتْهُ صلته لرحمه فَقَالَت يَا معشر الْمُؤمنِينَ انه كَانَ وصُولا لرحمه فكلموه الْمُؤْمِنُونَ وصافحوه وصافحهم وَرَأَيْت رجلا من أمتى قد احتوشته الزَّبَانِيَة فَجَاءَهُ أمره بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيه عَن الْمُنكر فاستنقذه من أَيْديهم وَأدْخلهُ فِي مَلَائِكَة الرَّحْمَة وَرَأَيْت رجلا من أمتى جاثيا على رُكْبَتَيْهِ وَبَينه وَبَين الله حجاب فَجَاءَهُ حسن خلقه فَأخذ بِيَدِهِ فَأدْخلهُ على الله عز وجل وَرَأَيْت رجلا من أمتى قد ذهبت صَحِيفَته من قبل شِمَاله فَجَاءَهُ خَوفه من الله عز وجل فَأخذ صَحِيفَته فوضعها فِي يَمِينه فوضعها فِي يَمِينه ورايت رجلا من أمتى خف مِيزَانه فَجَاءَهُ أفراطه فثقلوا مِيزَانه وَرَأَيْت رجلا من أمتى قَائِما على شَفير جَهَنَّم فَجَاءَهُ رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه من ذَلِك وَمضى وَرَأَيْت رجلا من أمتى قد هوى