الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مد بَصَره أَو يضيق عَلَيْهِ وَنحن ونجده بِحَالهِ ونجد مساحته على حد مَا حفرناها لم يزدْ وَلم ينقص وَكَيف يسع ذَلِك اللَّحْد الضّيق لَهُ وللملائكة وللصورة الَّتِي تؤنسه أَو توحشه قَالَ إخْوَانهمْ من أهل الْبدع والضلال وكل حَدِيث يُخَالف مُقْتَضى الْعُقُول والحس يقطع بتخطئة قَائِله قَالُوا وَنحن نرى المصلوب على خَشَبَة مُدَّة طَوِيلَة لَا يسْأَل وَلَا يُجيب وَلَا يَتَحَرَّك وَلَا يتوقد جِسْمه نَارا وَمن افترسته السبَاع ونهشته الطُّيُور وَتَفَرَّقَتْ أجزاؤه وَفِي أَجْوَاف السبَاع وحواصل الطُّيُور وبطون الْحيتَان ومدارج الرِّيَاح كَيفَ تسْأَل أجزاؤه مَعَ تفرقها وَكَيف يتَصَوَّر مَسْأَلَة الْملكَيْنِ لمن هَذَا وَصفه وَكَيف يصير الْقَبْر على هَذَا رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَو حُفْرَة من حفر النَّار وَكَيف يضيق عَلَيْهِ حَتَّى تلتئمه أضلاعه وَنحن نذْكر أمورا يعلم بهَا الْجَواب
فصل الْأَمر الأول أَن يعلم أَن الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم لم يخبروا
بِمَا تحيله الْعُقُول وتقطع باستحالته بل اخبارهم قِسْمَانِ
أَحدهمَا مَا تشهد بِهِ الْعُقُول وَالْفطر
الثَّانِي مَالا تُدْرِكهُ الْعُقُول بمجردها كالغيوب الَّتِي أخبروا بهَا عَن تفاصيل البرزخ وَالْيَوْم الآخر وتفاصيل الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَلَا يكون خبرهم محالا فِي الْعُقُول أصلا وكل خبر يظنّ أَن الْعقل يحيله فَلَا يَخْلُو من أحد أَمريْن أما يكون الْخَبَر كذبا عَلَيْهِم أَو يكون ذَلِك الْعقل فَاسِدا وَهُوَ شُبْهَة خيالية يظنّ صَاحبهَا أَنَّهَا مَعْقُول صَرِيح قَالَ تَعَالَى {وَيرى الَّذين أُوتُوا الْعلم الَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك هُوَ الْحق وَيهْدِي إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد} وَقَالَ تَعَالَى {أَفَمَن يعلم أَنما أنزل إِلَيْك من رَبك الْحق كمن هُوَ أعمى} وَقَالَ تَعَالَى الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يفرحون بِمَا أنزل اليك وَمن الْأَحْزَاب من يُنكر بعضه والنفوس لَا تفرح بالمحال وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس قد جاءتكم موعظة من ربكُم وشفاء لما فِي الصُّدُور وَهدى وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين قل بِفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} والمحال لَا يشفي وَلَا يحصل بِهِ هدى وَلَا رَحْمَة وَلَا يفرح بِهِ فَهَذَا أَمر من لم يسْتَقرّ فِي قلبه خير وَلم يثبت لَهُ على الْإِسْلَام قدم وَكَانَ أحسن أَحْوَاله الْحيرَة وَالشَّكّ
فصل الْأَمر الثانى أَن يفهم عَن الرَّسُول مُرَاد من غير غلو وَلَا
تَقْصِير فَلَا يحمل كَلَامه مَالا يحْتَملهُ وَلَا يقصر بِهِ عَن مُرَاده وَمَا قَصده من الْهدى وَالْبَيَان
وَقد حصل باهمال ذَلِك والعدول عَنهُ من الضلال والعدول عَن الصَّوَاب وَمَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله بل سوء الْفَهم عَن الله وَرَسُوله أصل كل بِدعَة وضلالة نشأت فِي الْإِسْلَام بل هُوَ أصل كل خطأ فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَلَا سِيمَا إِن أضيف إِلَيْهِ سوء الْقَصْد فيتفق سوء الْفَهم فِي بعض الْأَشْيَاء من الْمَتْبُوع مَعَ حسن قَصده وَسُوء الْقَصْد من التَّابِع فيا محنة الدّين وَأَهله وَالله الْمُسْتَعَان
وَهل أوقع الْقَدَرِيَّة والمرجئة والخوارج والمعتزلة والجهمية والرافضة وَسَائِر الطوائف أهل الْبدع إِلَّا سوء الْفَهم عَن الله وَرَسُوله حَتَّى صَار الدّين بأيدى أَكثر النَّاس هُوَ مُوجب هَذِه الإفهام والذى فهمه الصَّحَابَة وَمن تَبِعَهُمْ عَن الله وَرَسُوله فمهجور لَا يلْتَفت اليه وَلَا يرفع هَؤُلَاءِ بِهِ رَأْسا ولكثرة أَمْثِلَة هَذِه الْقَاعِدَة تركناها فانا لَو ذَكرنَاهَا لزادت على عشرَة الوف حَتَّى أَنَّك لتمر على الْكتاب من أَوله إِلَى آخِره فَلَا تَجِد صَاحبه فهم عَن الله وَرَسُوله وَمرَاده كَمَا ينبغى فِي مَوضِع وَاحِد
وَهَذَا إِنَّمَا يعرفهُ من عرف مَا عِنْد النَّاس وَعرضه على مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول وَأما من عكس الْأَمر بِعرْض مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول على مَا اعتقده وانتحله وقلد فِيهِ من أحسن بِهِ الظَّن فَلَيْسَ يجدى الْكَلَام مَعَه شَيْئا فَدَعْهُ وَمَا اخْتَارَهُ لنَفسِهِ وَوَلِهَ مَا تولى وَاحْمَدْ الذى عافاك مِمَّا ابتلاه بِهِ فصل
الْأَمر الثَّالِث أَن الله سُبْحَانَهُ جعل الدّور ثَلَاثًا دَار الدُّنْيَا وَدَار البرزخ وَدَار الْقَرار وَجعل لكم دَار أحكاما تخْتَص بهَا وَركب هَذَا الانسان من بدن وَنَفس وَجعل أَحْكَام دَار الدُّنْيَا على الْأَبدَان والأرواح تبعا لَهَا وَلِهَذَا جعل أَحْكَامه الشَّرْعِيَّة مرتبَة على مَا يظْهر من حركات اللِّسَان والجوارح وان أضمرت النُّفُوس خِلَافه وَجعل أَحْكَام البرزخ على الْأَرْوَاح والأبدان تبعا لَهَا فَكَمَا تبِعت الْأَرْوَاح الْأَبدَان فِي أَحْكَام الدُّنْيَا فتألمت بألمها والتذت براحتها وَكَانَت هى الَّتِي باشرت أَسبَاب النَّعيم وَالْعَذَاب تبِعت الْأَبدَان الْأَرْوَاح فِي نعيمها وعذابها والأرواح حِينَئِذٍ هى الَّتِي تباشر الْعَذَاب وَالنَّعِيم فالأبدان هُنَا ظَاهِرَة والأرواح خُفْيَة والأبدان كالقبور لَهَا والأرواح هُنَاكَ ظَاهِرَة والأبدان خُفْيَة فِي قبورها تجرى أَحْكَام البرزخ على الْأَرْوَاح فتسرى إِلَى أبدانها نعيما أَو عذَابا كَمَا تجرى أَحْكَام الدُّنْيَا على الْأَبدَان فتسرى إِلَى أرواحها نعيما أَو عذَابا فأخط بِهَذَا الْموضع علما واعرفه كَمَا ينبغى يزِيل عَنْك كل اشكال يُورد عَلَيْك من دَاخل وخارج
وَقد أرانا الله سُبْحَانَهُ بِلُطْفِهِ وَرَحمته وهدايته من ذَلِك أنموذجا فِي الدُّنْيَا من حَال النَّائِم فَإِن مَا ينعم بِهِ أَو يعذب فِي نَومه يجرى عل ى روحه أصلا وَالْبدن تبع لَهُ وَقد يقوى حَتَّى يُؤثر