المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثالثة وهى هل تتلاقي أرواح الأحياء وأرواح الأموات أم لا - الروح - ابن القيم - ط العلمية

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى وَهِي هَل تعرف الْأَمْوَات زِيَارَة الْأَحْيَاء وسلامهم أم لَا قَالَ

- ‌فصل وَيدل على هَذَا أَيْضا مَا جرى عَلَيْهِ عمل النَّاس قَدِيما وَإِلَى الْآن

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وهى أَن ارواح الْمَوْتَى هَل تتلاقي وتتزاور وتتذاكر أم لَا

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وهى هَل تتلاقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء وأرواح الْأَمْوَات أم لَا

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَهِي أَن الرّوح هَل تَمُوت أم الْمَوْت للبدن وَحده اخْتلف

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَهِي أَن الْأَرْوَاح بعد مُفَارقَة الْأَبدَان إِذا تجردت بأى شَيْء

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَهِي أَن الرّوح هَل تُعَاد إِلَى الْمَيِّت فِي قَبره وَقت السُّؤَال أم

- ‌فصل فَإِذا عرفت هَذِه الْأَقْوَال الْبَاطِلَة فلتعلم أَن مَذْهَب سلف الْأمة وأئمتها

- ‌فصل وَنحن نثبت مَا ذَكرْنَاهُ فَأَما أَحَادِيث عَذَاب الْقَبْر ومساءلة مُنكر وَنَكِير

- ‌فصل وَهَذَا كَمَا انه مُقْتَضى السّنة الصَّحِيحَة فَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ بَين أهل السّنة

- ‌فصل وَمِمَّا ينبغى أَن يعلم أَن عَذَاب الْقَبْر هُوَ عَذَاب البرزح فَكل من

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وهى قَول للسَّائِل مَا جَوَابنَا للملاحدة والزنادقة المنكرين

- ‌فصل الْأَمر الأول أَن يعلم أَن الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم لم يخبروا

- ‌فصل الْأَمر الثانى أَن يفهم عَن الرَّسُول مُرَاد من غير غلو وَلَا

- ‌الْفَصْل الْأَمر الرَّابِع أَن الله سُبْحَانَهُ جعل أَمر الْآخِرَة وَمَا كَانَ مُتَّصِلا بهَا

- ‌فصل الْأَمر الْخَامِس أَن النَّار الَّتِي فِي الْقَبْر والخضرة لَيست من نَار الدُّنْيَا

- ‌فصل الْأَمر السَّابِع أَن الله سبحانه وتعالى يحدث فِي هَذِه الدَّار مَا هُوَ أعجب

- ‌فصل الْأَمر الثَّامِن أَنه غير مُمْتَنع أَن ترد الرّوح إِلَى المصلوب والغريق

- ‌فصل الْأَمر التَّاسِع أَنه ينبغى أَن يعلم أَن عَذَاب الْقَبْر ونعيمه اسْم لعذاب

- ‌فصل الْأَمر الْعَاشِر أَن الْمَوْت معاد وَبعث أول فَإِن الله سبحانه وتعالى جعل

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَهِي قَول السَّائِل مَا الْحِكْمَة فَيكون عَذَاب الْقَبْر لم يذكر

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَهِي قَول السَّائِل مَا الْأَسْبَاب الَّتِي يعذب بهَا أَصْحَاب الْقُبُور

- ‌الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة الْأَسْبَاب المنجية من عَذَاب الْقَبْر جوابها أَيْضا من وَجْهَيْن

- ‌الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشر

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة وهى أَن سُؤال مُنكر وَنَكِير هَل هُوَ مُخْتَصّ بِهَذِهِ الْأمة أَو

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة وَهِي أَن الْأَطْفَال هَل يمْتَحنُونَ فِي قُبُورهم اخْتلف

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة وَهِي قَوْله عَذَاب الْقَبْر دَائِم أم مُنْقَطع جوابها أَنه

- ‌فصل وَأما قَول مُجَاهِد لَيْسَ هِيَ فِي الْجنَّة وَلَكِن يَأْكُلُون من ثمارها ويجدون

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ الْأَرْوَاح على أفنية قبورها فان أَرَادَ أَن هَذَا

- ‌فصل وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم أَن مَا ذكرنَا من شَأْن الرّوح يخْتَلف بِحَسب

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عِنْد الله تَعَالَى وَلم يزدْ على

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ بالجابية وأرواح الْكفَّار

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِنَّهَا تَجْتَمِع فِي الأَرْض الَّتِي قَالَ الله فِيهَا

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي عليين فِي السَّمَاء السَّابِعَة

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تَجْتَمِع ببئر زَمْزَم فَلَا دَلِيل

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي برزخ من الأَرْض تذْهب

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عَن يَمِين آدم وأرواح الْكفَّار

- ‌فصل وَأما قَول أَبى مُحَمَّد بن حزم أَن مستقرها حَيْثُ كَانَت قبل خلق

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ مستقرها الْعَدَم الْمَحْض فَهَذَا قَول من قَالَ إِنَّهَا

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن مستقرها بعد الْمَوْت أبدان أخر غير هَذِه

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌فصل وَالدَّلِيل على انتفاعه بِغَيْر مَا تسبب فِيهِ الْقُرْآن وَالسّنة وَالْإِجْمَاع

- ‌فصل وَأما وُصُول ثَوَاب الصَّدَقَة فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا أَن

- ‌فصل وَأما وُصُول ثَوَاب الصَّوْم فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا أَن

- ‌فصل وَأما وُصُول ثَوَاب الْحَج فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضى الله

- ‌فصل وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى

- ‌فصل وَأما استدلالكم بقوله إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله فاستدلال سَاقِط

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم الإهداء حِوَالَة وَالْحوالَة إِنَّمَا تكون بِحَق لَازم فَهَذِهِ حِوَالَة

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم الإيثار بِسَبَب الثَّوَاب مَكْرُوه وَهُوَ مسالة الإيثار بِالْقربِ

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم لَو سَاغَ الإهداء إِلَى الْمَيِّت لساغ إِلَى الْحَيّ فَجَوَابه من وَجْهَيْن

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم لَو سَاغَ إهداء نصف الثَّوَاب وربعه إِلَى الْمَيِّت فَالْجَوَاب من

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم لَو سَاغَ ذَلِك لساغ إهداؤه بعد أَن يعمله لنَفسِهِ وَقد

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم لَو سَاغَ الإهداء لساغ إهداء ثَوَاب الْوَاجِبَات الَّتِي تجب على

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم إِن التكاليف امتحان وابتلاء لَا تقبل الْبَدَل إِذْ الْمَقْصُود

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم انه لَو نَفعه عمل غَيره لنفعه تَوْبَته عَنهُ وإسلامه عَنهُ

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم الْعِبَادَات نَوْعَانِ نوع تدخله النِّيَابَة فيصل ثَوَاب إهدائه

- ‌فصل وَأما رد حَدِيث رَسُول الله وَهُوَ قَوْله من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام

- ‌فصل أما قَوْلكُم ابْن عَبَّاس هُوَ رَاوِي حَدِيث الصَّوْم عَن الْمَيِّت وَقد قَالَ

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم انه حَدِيث اخْتلف فِي إِسْنَاده فَكَلَام مجازف لَا يقبل قَوْله

- ‌فصل وَأما كَلَام الشَّافِعِي رحمه الله فِي تغليط رَاوِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى

- ‌فصل وَنحن نذْكر أَقْوَال أهل الْعلم فِي الصَّوْم عَن الْمَيِّت لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم أَنه يصل إِلَيْهِ فِي الْحَج ثَوَاب النَّفَقَة دون أَفعَال الْمَنَاسِك

- ‌فصل فَإِن قيل فَهَل تشترطون فِي وُصُول الثَّوَاب ان يهديه بِلَفْظِهِ أم يَكْفِي

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌فصل وَالَّذِي يدل على خلقهَا وُجُوه الْوَجْه الأول قَول الله تَعَالَى

- ‌فصل وَأما مَا احتجت بِهِ هَذِه الطَّائِفَة فَأَما مَا أَتَوا بِهِ من اتِّبَاع

- ‌فصل وَأما استدلالهم بإضافتها إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بقوله تَعَالَى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌فصل وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه اُخْبُرْنَا مُحَمَّد بن

- ‌فصل وَنَازع هَؤُلَاءِ غَيرهم فِي كَون هَذَا معنى الْآيَة وَقَالُوا معنى قَوْله

- ‌فصل فَهَذَا بعض كَلَام السّلف وَالْخلف فِي هَذِه الْآيَة وعَلى كل تَقْدِير فَلَا

- ‌فصل وَأما الدَّلِيل على أَن خلق الْأَرْوَاح مُتَأَخّر عَن خلق أبدانها فَمن وُجُوه

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌فصل الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ حَدِيث أبي مُوسَى تخرج نفس الْمُؤمن أطيب من ريح الْمسك

- ‌فصل الرَّابِع وَالسِّتُّونَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِذا خرجت روح الْمُؤمن تَلقاهُ ملكان

- ‌فصل الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن الْمُؤمن تحضره

- ‌فصل الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ قَوْله الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف

- ‌فصل الْمِائَة مَا قد اشْترك فِي الْعلم بِهِ عَامَّة أهل الأَرْض من لِقَاء

- ‌فصل الْوَجْه الثَّانِي بعد الْمِائَة قَوْله تَعَالَى

- ‌فصل الْوَجْه الثَّالِث بعد الْمِائَة قَول النَّبِي يَا بِلَال مَا دخلت الْجنَّة

- ‌فصل فَإِن قيل قد ذكرْتُمْ الْأَدِلَّة الدَّالَّة على جسميتها وتحيزها فَمَا جوابكم

- ‌فصل فَأَما قَوْلهم أَن الْعُقَلَاء متفقون على قَوْلهم الرّوح والجسم وَالنَّفس

- ‌فصل وَأما الشُّبْهَة الثَّانِيَة فَهِيَ أقوى شبههم الَّتِي بهَا يصلونَ وَعَلَيْهَا يعولون

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْوَجْه الثَّالِث أَن الصُّور الْعَقْلِيَّة الْكُلية مُجَرّدَة وتجردها

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الرَّابِع أَن الْعَقْلِيَّة تقوى على أَفعاله غير متناهية وَلَا شَيْء

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْخَامِس لَو كَانَت الْقُوَّة الْعَاقِلَة حَالَة فِي آلَة جسمانية لوَجَبَ

- ‌فصل قَوْلكُم فِي السَّادِس ان كل أحد يدْرك نَفسه والإدراك عبارَة عَن حُصُول

- ‌فصل قَوْلكُم فِي السَّابِع الْوَاحِد منا يتخيل بحرا من زئبق وجبلا من ياقوت

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الثَّامِن لَو كَانَت الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة جسدانية لضعفت فِي زمن

- ‌فصل قَوْلكُم فِي التَّاسِع أَن الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة غنية فِي أفعالها عَن الْجِسْم وَمَا

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْعَاشِر أَن الْقُوَّة الجسمانية تكل بِكَثْرَة الْأَفْعَال وَلَا تقوى

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْحَادِي عشر إِنَّا إِذا حكمنَا بِأَن السوَاد مضاد للبياض وَجب

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الثَّانِي عشر أَنه لَو كَانَ مَحل الإدراكات جسما وكل جسم

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الثَّالِث عشر أَن الْمَادَّة الجسمانية إِذا حصلت فِيهَا نقوش

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الرَّابِع عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لَكَانَ بَين تَحْرِيك المحرك

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْخَامِس عشر لَو كَانَت جسما لكَانَتْ منقسمة ولصح عَلَيْهَا أَن

- ‌فصل قَوْلكُم فِي السَّادِس عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لوَجَبَ ثقل الْبدن بِدُخُولِهَا

- ‌فصل قَوْلكُم فِي السَّابِع عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لكَانَتْ على صِفَات سَائِر

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الثَّامِن عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لوَجَبَ أَن تقع تَحت

- ‌فصل قَوْلكُم فِي التَّاسِع عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لكَانَتْ ذَات طول وَعرض

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْوَجْه الْعشْرين أَن خَاصَّة الْجِسْم أَن يقبل التجزيء وَأَن الْجُزْء

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْوَجْه الْحَادِي وَالْعِشْرين أَن الْجِسْم يحْتَاج فِي قوامه وبقائه

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين لَو كَانَت جسما لَكَانَ اتصالها بِالْبدنِ إِن

- ‌الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ وَهِي هَل النَّفس وَالروح شَيْء وَاحِد أَو شَيْئَانِ متغايران

- ‌فصل وَقَالَت فرقة أُخْرَى من أهل الحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف الرّوح غير النَّفس

- ‌الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ وَهِي هَل النَّفس وَاحِدَة أم ثَلَاث فقد وَقع فِي

- ‌فصل والطمأنينة إِلَى أَسمَاء الرب تَعَالَى وَصِفَاته نَوْعَانِ طمأنينة إِلَى

- ‌فصل وَهَا هُنَا سر لطيف يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ والتنبه لَهُ والتوفيق لَهُ بيد

- ‌فصل فَإِذا اطمأنت من الشَّك إِلَى الْيَقِين وَمن الْجَهْل إِلَى الْعلم وَمن الْغَفْلَة

- ‌فصل ثمَّ يلحظ فِي ضوء تِلْكَ البارقة مَا تَقْتَضِيه يقظته من سنة غفلته

- ‌فصل وَأما النَّفس اللوامة وَهِي الَّتِي أقسم بهَا سُبْحَانَهُ فِي قَوْله

- ‌فصل وَأما النَّفس الأمارة فَهِيَ المذمومة فَإِنَّهَا الَّتِي تَأمر بِكُل سوء وَهَذَا من

- ‌فصل فَالنَّفْس المطمئنة وَالْملك وجنده من الْإِيمَان يقتضيان من النَّفس

- ‌فصل وَقد انتصبت الأمارة فِي مُقَابلَة المطمئنة فَكلما جَاءَت بِهِ تِلْكَ من خير

- ‌فصل وتربة صُورَة الْإِخْلَاص فِي صُورَة ينفر مِنْهَا وَهِي الْخُرُوج عَن حكم الْعقل

- ‌فصل وتربة صُورَة للصدق مَعَ الله وَجِهَاد من خرج عَن دينه وَأمره فِي

- ‌فصل وَالْفرق بَين خشوع الْإِيمَان وخشوع النِّفَاق أَن خشوع الْإِيمَان هُوَ خشوع

- ‌فصل وَأما شرف النَّفس فَهُوَ صيانتها عَن الدنايا والرذائل والمطامع الَّتِي

- ‌فصل وَكَذَلِكَ الْفرق بَين الحمية والجفاء فالحمية فطام النَّفس عَن رضَاع اللوم

- ‌فصل وَالْفرق بَين التَّوَاضُع والمهانة أَن التَّوَاضُع يتَوَلَّد من بَين الْعلم بِاللَّه

- ‌فصل وَكَذَلِكَ الْقُوَّة فِي أَمر الله هِيَ من تَعْظِيمه وتعظيم أوامره وحقوقه حَتَّى

- ‌فصل وَالْفرق بَين الْجُود والسرف أَن الْجواد حَكِيم يضع الْعَطاء موَاضعه

- ‌فصل وَالْفرق بَين المهابة وَالْكبر أَن المهابة أثر من آثَار امتلاء الْقلب

- ‌فصل وَالْفرق بَين الصيانة والتكبر أَن الصائن لنَفسِهِ بِمَنْزِلَة رجل قد لبس

- ‌فصل وَالْفرق بَين الشجَاعَة والجرأة أَن الشجَاعَة من الْقلب وَهِي ثباته

- ‌فصل وَأما الْفرق بَين الحزم والجبن فالحازم هُوَ الَّذِي قد جمع عَلَيْهِ همه

- ‌فصل وَأما الْفرق بَين الاقتصاد وَالشح أَن الاقتصاد خلق مَحْمُود يتَوَلَّد من

- ‌فصل وَالْفرق بَين الِاحْتِرَاز وَسُوء الظَّن أَن المحترز بِمَنْزِلَة رجل قد خرج

- ‌فصل وَالْفرق بَين الفراسة وَالظَّن أَن الظَّن يخطىء ويصيب وَهُوَ يكون مَعَ ظلمَة

- ‌فصل وَالْفرق بَين النَّصِيحَة والغيبة أَن النَّصِيحَة يكون الْقَصْد فِيهَا تحذير

- ‌فصل وَالْفرق بَين الْهَدِيَّة والرشوة وَإِن اشتبها فِي الصُّورَة الْقَصْد فَإِن الراشي

- ‌فصل وَالْفرق بَين الصَّبْر وَالْقَسْوَة أَن الصَّبْر خلق كسبى يتخلق بِهِ العَبْد وَهُوَ

- ‌فصل وَالْفرق بَين الْعَفو والذل أَن الْعَفو إِسْقَاط حَقك جودا وكرما وإحسانا مَعَ

- ‌فصل وَالْفرق بَين سَلامَة الْقلب والبله والتغفل أَن سَلامَة الْقلب تكون من

- ‌فصل وَالْفرق بَين الثِّقَة والغرة أَن الثِّقَة سُكُون يسْتَند إِلَى أَدِلَّة وإمارات

- ‌فصل وَالْفرق بَين الرَّجَاء وَالتَّمَنِّي أَن الرَّجَاء يكون مَعَ بذل الْجهد واستفراغ

- ‌فصل وَالْفرق بَين التحدث بنعم الله وَالْفَخْر بهَا أَن المتحدث بِالنعْمَةِ مخبر

- ‌فصل وَالْفرق بَين فَرح الْقلب وَفَرح النَّفس ظَاهر فَإِن الْفَرح بِاللَّه ومعرفته

- ‌فصل وَهَا هُنَا فرحة أعظم من هَذَا كُله وَهِي فرحته عِنْد مُفَارقَته الدُّنْيَا

- ‌فصل وَالْفرق بَين رقة الْقلب والجزع أَن الْجزع ضعف فِي النَّفس وَخَوف فِي

- ‌فصل وَالْفرق بَين الموجدة والحقد أَن الوجد الإحساس بالمؤلم وَالْعلم بِهِ

- ‌فصل وَالْفرق بَين المنافسة والحسد أَن المنافسة الْمُبَادرَة إِلَى الْكَمَال الَّذِي

- ‌فصل وَالْفرق بَين حب الرياسة وَحب الْإِمَارَة للدعوة إِلَى الله هُوَ الْفرق بَين

- ‌فصل وَالْفرق بَين الْحبّ فِي الله وَالْحب مَعَ الله وَهَذَا من أهم الفروق

- ‌فصل وَالْفرق بَين التَّوَكُّل وَالْعجز أَن التَّوَكُّل عمل الْقلب وعبوديته اعْتِمَادًا

- ‌فصل وَالْفرق بَين الِاحْتِيَاط والوسوسة ان الِاحْتِيَاط الِاسْتِقْصَاء وَالْمُبَالغَة فِي

- ‌فصل وَالْفرق بَين إلهام الْملك وإلقاء الشَّيْطَان من وُجُوه مِنْهَا أَن مَا كَانَ

- ‌فصل وَالْفرق بَين الاقتصاد وَالتَّقْصِير أَن الاقتصاد هُوَ التَّوَسُّط بَين طرفِي

- ‌فصل وَالْفرق بَين النَّصِيحَة والتأنيب أَن النَّصِيحَة إِحْسَان إِلَى من تنصحه بِصُورَة

- ‌فصل وَالْفرق بَين بالمبادرة والعجلة أَن الْمُبَادرَة انتهاز الفرصة فِي وَقتهَا

- ‌فصل وَالْفرق بَين الْأَخْبَار بِالْحَال وَبَين الشكوى وَإِن اشتبهت صورتهما ان

- ‌فصل وَهَذَا بَاب من الفروق مطول وَلَعَلَّ إِن ساعد الْقدر أَن نفرد فِيهِ

- ‌فصل وَنحن نختم الْكتاب بِإِشَارَة لَطِيفَة إِلَى الفروق بَين هَذِه الْأُمُور إِذْ كل

- ‌فصل وَالْفرق بَين تَنْزِيه الرُّسُل وتنزيه المعطلة أَن الرُّسُل نزهوه سُبْحَانَهُ عَن

- ‌فصل الْفرق بَين إِثْبَات حقائق الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَبَين التَّشْبِيه والتمثيل يما

- ‌فصل وَالْفرق بَين تَجْرِيد التَّوْحِيد وَبَين هضم أَرْبَاب الْمَرَاتِب أَن تَجْرِيد

- ‌فصل وَالْفرق بَين تَجْرِيد مُتَابعَة الْمَعْصُوم وإهدار أَقْوَال الْعلمَاء وإلغائها

- ‌فصل وَالْفرق بَين أَوْلِيَاء الرَّحْمَن وأولياء الشَّيْطَان أَن أَوْلِيَاء الرَّحْمَن

- ‌فصل وَبِهَذَا يعلم الْفرق بَين الْحَال الإيماني وَالْحَال الشيطاني فَإِن الْحَال

- ‌فصل وَالْفرق بَين الحكم الْمنزل الْوَاجِب الِاتِّبَاع وَالْحكم المؤول الَّذِي غَايَته

الفصل: ‌المسألة الثالثة وهى هل تتلاقي أرواح الأحياء وأرواح الأموات أم لا

وَذكر مُعَاوِيَة بن يحيى عَن عبد الله بن سَلمَة أَن أبارهم المسمعى حَدثهُ أَن أَبَا أَيُّوب الأنصارى حَدثهُ أَن رَسُول الله قَالَ إِن نفس الْمُؤمن إِذا قبضت تلقاها أهل الرَّحْمَة من عِنْد الله كَمَا يتلَقَّى البشير فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ انْظُرُوا أَخَاكُم حَتَّى يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي كرب شَدِيد فيسألونه مَاذَا فعل فلَان وماذا فعلت فُلَانَة وَهل تزوجت فُلَانَة فَإِذا سَأَلُوهُ عَن رجل مَاتَ قبله قَالَ إِنَّه قد مَاتَ فبلى قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست المربية

وَقدم تقدم حَدِيث يحيى بن بسطَام حَدثنِي مسمع بن عَاصِم قَالَ رَأَيْت عَاصِمًا الجحدرى فِي منامى بعد مَوته بِسنتَيْنِ فَقلت أَلَيْسَ قد مت قَالَ بلَى قلت وَأَيْنَ أَنْت قَالَ أَنا وَالله فِي رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَنا وَنَفر من أصحابى نَجْتَمِع كل لَيْلَة جمعه وصبيحتها إِلَى بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ فتتلقي أخباركم قلت أجسامكم أم أرواحكم قَالَ هَيْهَات بليت الْأَجْسَام وَإِنَّمَا تتلاقي الْأَرْوَاح

‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وهى هَل تتلاقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء وأرواح الْأَمْوَات أم لَا

شَوَاهِد هَذِه الْمَسْأَلَة وأدلتها كثر من أَن يحصيها إِلَّا الله تَعَالَى والحس وَالْوَاقِع من أعدل الشُّهُود بهَا فتلقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات كَمَا تلاقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء وَقد قَالَ تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون}

قَالَ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا عبد الله بن حُسَيْن الْحَرَّانِي حَدثنَا جدى أَحْمد بن شُعَيْب حَدثنَا مُوسَى بن عين عَن مطرف عَن جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ بَلغنِي أَن أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات تلتقي فِي الْمَنَام فيتسألون بَينهم فَيمسك الله أَرْوَاح الْمَوْتَى وَيُرْسل أَرْوَاح الْأَحْيَاء إِلَى أجسادها

وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره حَدثنَا عبد الله بن سُلَيْمَان حَدثنَا الْحُسَيْن حَدثنَا عَامر حَدثنَا اسباط عَن السدى وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّتِي لم تمت فِي منامها} قَالَ يتوفاها فِي منامها فيلتقي روح الحى وروح الْمَيِّت فيتذاكران ويتعارفان قَالَ فترجع روح الحى إِلَى جسده فِي الدُّنْيَا إِلَى بَقِيَّة أجلهَا وتريد روح الْمَيِّت أَن ترجع إِلَى جسده فتحبس

وَهَذَا أَحْمد الْقَوْلَيْنِ فِي الْآيَة وَهُوَ أَن الممسكة من توفيت وَفَاة الْمَوْت أَولا والمرسلة من

ص: 20

توفيت وَفَاة النّوم وَالْمعْنَى على هَذَا القَوْل أَنه يتوفي نفس الْمَيِّت فيمسكها وَلَا يرسلها إِلَى جَسدهَا قبل يَوْم الْقِيَامَة ويتوفي نفس النَّائِم ثمَّ يرسلها إِلَى جسده إِلَى بَقِيَّة أجلهَا فيتوفاها الْوَفَاة الْأُخْرَى

وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة أَن الممسكة والمرسلة فِي الْآيَة كِلَاهُمَا توفّي وَفَاة النّوم فَمن استكملت أجلهَا أمْسكهَا عِنْده فَلَا يردهَا إِلَى جَسدهَا وَمن لم تستكمل أجلهَا ردهَا إِلَى جَسدهَا لتستكمله وَاخْتَارَ شيخ الْإِسْلَام هَذَا القَوْل وَقَالَ عَلَيْهِ يدل الْقُرْآن وَالسّنة قَالَ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذكر إمْسَاك الَّتِى قضي عَلَيْهَا الْمَوْت من هَذِه الْأَنْفس الَّتِى توفاها وَفَاة النّوم وَأما الَّتِى توفاها حِين مَوتهَا فَتلك لم يصفها بامساك وَلَا بإسال بل هى قسم ثَالِث

وَالَّذِي يتَرَجَّح هُوَ القَوْل الأول لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أخبر بوفاتين وَفَاة كبرى وهى وَفَاة الْمَوْت ووفاة صغرى وهى وَفَاة النّوم وَقسم الْأَرْوَاح قسمَيْنِ قضي عَلَيْهَا بِالْمَوْتِ فَأَمْسكهَا عِنْده وهى الَّتِى توفاها وَفَاة الْمَوْت وقسما لَهَا بَقِيَّة أجل فَردهَا إِلَى جَسدهَا إِلَى استكمال أجلهَا وَجعل سُبْحَانَهُ الامساك والارسال حكمين للوفاتين المذكورتين أَولا فَهَذِهِ ممسكة وَهَذِه مُرْسلَة وَأخْبر أَن الَّتِى لم تمت هى الَّتِى توفاها فِي منامها فَلَو كَانَ قد قسم وَفَاة النّوم إِلَى قسمَيْنِ وَفَاة موت ووفاة نوم لم يقل {وَالَّتِي لم تمت فِي منامها} فَإِنَّهَا من حِين قبضت مَاتَت وَهُوَ سُبْحَانَهُ قد أخبر أَنَّهَا لم تمت فَكيف يَقُول بعد ذَلِك {فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت}

وَلمن نصر هَذَا القَوْل أَن يَقُول قَوْله تَعَالَى {فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت} بعد أَن توفاها وَفَاة النّوم فَهُوَ سُبْحَانَهُ توفاها أَولا وَفَاة نوم ثمَّ قضي عَلَيْهَا الْمَوْت بعد ذَلِك وَالتَّحْقِيق أَن الْآيَة تتَنَاوَل النَّوْعَيْنِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذكر وفاتين وَفَاة نوم ووفاة موت وَذكر إمْسَاك المتوفاة وإرسال الْأُخْرَى وَمَعْلُوم أَنه سُبْحَانَهُ يمسك كل نفس ميت سَوَاء مَاتَ فِي النّوم أَو فِي الْيَقَظَة وَيُرْسل نفس من لم يمت فَقَوله {يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} يتَنَاوَل من مَاتَ فِي الْيَقَظَة وَمن مَاتَ فِي الْمَنَام

وَقد دلّ التقاء أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات أَن الحى يرى الْمَيِّت فِي مَنَامه فيستخبره ويخبره الْمَيِّت بِمَا لَا يعلم الحى فيصادف خَبره كَمَا أخبر فِي الْمَاضِي والمستقبل وَرُبمَا أخبرهُ بِمَال دَفنه الْمَيِّت فِي مَكَان لم يعلم بِهِ سواهُ وَرُبمَا أخبرهُ بدين عَلَيْهِ وَذكر لَهُ شواهده وأدلته

وأبلغ من هَذَا أَنه يخبر بِمَا عمله من عمل لم يطلع عَلَيْهِ أحد من الْعَالمين وأبلغ من هَذَا أَنه يُخبرهُ أَنَّك تَأْتِينَا إِلَى وَقت كَذَا وَكَذَا فَيكون كَمَا أخبر وَرُبمَا أخبرهُ عَن أُمُور يقطع الحى أَنه لم يكن يعرفهَا غَيره وَقد ذكرنَا قصَّة الصعب بن جثامة وَقَوله لعوف بن مَالك مَا قَالَ لَهُ وَذكرنَا قصَّة ثَابت بن قيس بن شماس وأخباره لمن رَآهُ يدرعه وَمَا عَلَيْهِ من الدّين

ص: 21

وقصة صَدَقَة بن سُلَيْمَان الجعفرى وأخبار ابْنه لَهُ بِمَا عمل من بعده وقصة شبيب بن شيبَة وَقَول أمه لَهُ بعد الْمَوْت جَزَاك الله خيرا حَيْثُ لقنها لَا إِلَه إِلَّا الله وقصة الْفضل بن الْمُوفق مَعَ ابْنه وإخباره إِيَّاه بِعِلْمِهِ بزيارته

وَقَالَ سعيد بن الْمسيب التقي عبد الله بن سَلام وسلمان الْفَارِسِي فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر أَن مت قبلى فالقني فاخبرني مَا لقِيت من رَبك وَإِن أَنا مت قبلك لقيتك فأخبرتك فَقَالَ الآخر وَهل تلتقي الْأَمْوَات والأحياء قَالَ نعم أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة تذْهب حَيْثُ تشَاء قَالَ فَمَاتَ فلَان فَلَقِيَهُ فِي الْمَنَام فَقَالَ توكل وأبشر فَلم أر مثل التَّوَكُّل قطّ وَقَالَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب كنت أشتهى أَن ارى عمر فِي الْمَنَام فَمَا رَأَيْته إِلَّا عِنْد قرب الْحول فرأيته يمسح الْعرق عَن جَبينه وَهُوَ يَقُول هَذَا أَوَان فراغي إِن كَاد عَرْشِي ليهد لَوْلَا أَن لقِيت رءوفا رحميا

وَلما حضرت شُرَيْح بن عَابِد الثمالى الْوَفَاة دخل عَلَيْهِ غُضَيْف بن الْحَارِث وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ فَقَالَ يَا أَبَا الْحجَّاج إِن قدرت على أَن تَأْتِينَا بعد الْمَوْت فتخبرنا بِمَا ترى فافعل قَالَ وَكَانَت كلمة مَقْبُولَة فِي أهل الْفِقْه قَالَ فَمَكثَ زَمَانا لَا يرَاهُ ثمَّ رَآهُ فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ أَلَيْسَ قدمت قَالَ بلَى قَالَ فَكيف حالك قَالَ تجَاوز رَبنَا عَنَّا الذُّنُوب فَلم يهْلك منا إِلَّا الاحراض قلت وَمَا الأحراض قَالَ الَّذين يشار إِلَيْهِم بالأصابع فِي الشَّيْء

وَقَالَ عبد الله بن عمر بن عبد الْعَزِيز رَأَيْت أبي فِي النّوم بعد مَوته كَأَنَّهُ فِي حديقة فَدفع إِلَى تفاحات فأولتهن الْوَلَد فَقلت أى الْأَعْمَال وجدت أفضل فَقَالَ الاسْتِغْفَار أى بنى

وَرَأى مسلمة بن عبد الْملك عمر بن عبد الْعَزِيز بعد مَوته فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْت شعرى إِلَى أى الْحَالَات صرت بعد الْمَوْت قَالَ يَا مسلمة هَذَا أَوَان فراغي وَالله مَا استرحت إِلَّا الْآن قَالَ قلت فَأَيْنَ أَنْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مَعَ أَئِمَّة الْهدى فِي جنَّة عدن

قَالَ صَالح البراد رَأَيْت زُرَارَة بن أوفي بعد مَوته فَقلت رَحِمك الله مَاذَا قيل لَك وماذا قلت فَأَعْرض عَنى قلت فَمَا صنع الله بك قَالَ تفضل على بجوده وَكَرمه قلت فَأَبُو الْعَلَاء بن يزِيد أَخُو مطرف قَالَ ذَاك فِي الدَّرَجَات العلى قلت فأى الْأَعْمَال أبلغ فِيمَا عنْدكُمْ قَالَ التَّوَكُّل وَقصر الأمل

وَقَالَ مَالك بن دِينَار رَأَيْت مُسلم بن يسَار بعد مَوته فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد على السَّلَام فَقلت مَا يمنعك أَن ترد السَّلَام قَالَ أَنا ميت فَكيف أرد عَلَيْك السَّلَام فَقلت لَهُ مَاذَا لقِيت بعد الْمَوْت قَالَ لقِيت وَالله أهوالا وزلازل عظاما شدادا قَالَ قلت لَهُ فَمَا كَانَ بعد ذَلِك قَالَ وَمَا ترَاهُ يكون من الْكَرِيم قبل منا الْحَسَنَات وَعَفا لنا عَن السَّيِّئَات وَضمن عَنَّا النبعات قَالَ ثمَّ شهق مَالك شهقة خر مغشيا عَلَيْهِ قَالَ فَلبث بعد ذَلِك أَيَّامًا مَرِيضا ثمَّ انصدع قلبه فَمَاتَ

ص: 22

وَقَالَ سُهَيْل أَخُو حزم رَأَيْت مَالك بن دِينَار بعد مَوته فَقلت يَا أَبَا يحيى لَيْث شعرى مَاذَا قدمت بِهِ على الله قَالَ قدمت بذنوب كَثِيرَة محاها عَنى حسن الظَّن بِاللَّه عز وجل

وَلما مَاتَ رَجَاء بن حَيْوَة رَأَتْهُ امْرَأَة عابدة فَقَالَت يَا أَبَا الْمِقْدَام إلام صرتم قَالَ إِلَى خير وَلَكِن فزعنا بعدكم فزعة ظننا أَن الْقِيَامَة قد قَامَت قَالَت قلت ومم ذَلِك قَالَ دخل الْجراح وَأَصْحَابه الْجنَّة بأثقالهم حَتَّى ازدحموا على بَابهَا

وَقَالَ جميل بن مرّة كَانَ مُورق العجلى لى أَخا وصديقا فَقلت لَهُ ذَات يَوْم أَيّنَا مَاتَ قبل صَاحبه فليأت صَاحبه فليخبره بِالَّذِي صَار الأيه قَالَ فَمَاتَ مُورق فرأت أهلى فِي منامها كَأَنَّهُ أَتَانَا كَمَا كَانَ يَأْتِي فقرع الْبَاب كَمَا كَانَ يقرع قَالَت فَقُمْت ففتحت لَهُ كَمَا كنت أفتح وَقلت أَدخل يَا أَبَا الْمُعْتَمِر إِلَى بَاب أَخِيك فَقَالَ كَيفَ أَدخل وَقد ذقت الْمَوْت إِنَّمَا جِئْت لأعْلم جميلا بِمَا صنع الله بى أعلميه أَنه قد جعلني فِي المقربين

وَلما مَاتَ مُحَمَّد بن سِيرِين حزن عَلَيْهِ بعض أَصْحَابه حزنا شَدِيدا فَرَآهُ فِي الْمَنَام فِي حَال حَسَنَة فَقَالَ يَا أخي قد أَرَاك فِي حَال يسرني فَمَا صنع الْحسن قَالَ رفع فَوقِي بسبعين دَرَجَة قلت وَلم ذَاك وَقد كُنَّا نرى أَنَّك أفضل مِنْهُ قَالَ ذَاك بطول حزنه

وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة رَأَيْت سُفْيَان الثورى فِي النّوم فَقلت أوصنى قَالَ أقل من معرفَة النَّاس

وَقَالَ عمار بن سيف رَأَيْت الْحسن بن صَالح فِي منامى فَقلت قد كنت متمنيا للقائك فَمَاذَا عنْدك فتخبرنا بِهِ فَقَالَ أبشر فَإِنِّي لم أر مثل حسن الظَّن بِاللَّه شَيْئا

وَلما مَاتَ ضيغم العابد رَآهُ بعض أَصْحَابه فِي الْمَنَام فَقَالَ أما صليت عَليّ قَالَ فَذكرت عِلّة كَانَت فَقَالَ أما لَو كنت على نجت رَأسك

وَلما مَاتَت رَابِعَة رأتها امْرَأَة من أَصْحَابهَا وَعَلَيْهَا حلَّة استبرق وخمار من سندس وَكَانَت كفنت فِي جُبَّة وخمار من صوف فَقَالَت لَهَا مَا فعلت الْجُبَّة الَّتِى كفنتك فِيهَا وخمار الصُّوف قَالَت وَالله أَنه نزع عَنى وأبدلت بِهِ هَذَا الَّذِي تَرين على وطويت أكفاني وَختم عَلَيْهَا وَرفعت فِي عليين ليكمل لى ثَوَابهَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَت فَقلت لَهَا هَذَا كنت تعلمين أَيَّام الدُّنْيَا فَقَالَت وَمَا هَذَا عِنْد مَا رَأَيْت من كَرَامَة الله لأوليائه فَقلت لَهَا فَمَا فعلت عَبدة بنت أبي كلاب فَقلت هَيْهَات هَيْهَات سبقتنا وَالله إِلَى الدَّرَجَات العلى قَالَت قلت وَبِمَ وَقد كنت عِنْد النَّاس أعبد مِنْهَا فَقَالَت أَنَّهَا لم تكن تبالى على أى حَال أَصبَحت من الدُّنْيَا أَو أمست فَقلت فَمَا فعل أَبُو مَالك تعنى ضيغما فَقَالَت يزور الله تبارك وتعالى مَتى شَاءَ قَالَت

ص: 23

قلت فَمَا فعل بشر بن مَنْصُور قَالَت بخ بخ أعْطى وَالله فَوق مَا كَانَ يأمل قَالَت قلت مرينى بِأَمْر أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى قَالَت عَلَيْك بِكَثْرَة ذكر الله فيوشك أَن تغتبطى بذلك فِي قبرك

وَلما مَاتَ عبد الْعَزِيز بن سُلَيْمَان العابد رَآهُ بعض أَصْحَابه وَعَلِيهِ ثِيَاب خضر وعَلى رَأسه أكليل من لُؤْلُؤ فَقَالَ كَيفَ كنت بَعدنَا وَكَيف وجدت طعم الْمَوْت وَكَيف رَأَيْت الْأَمر هُنَاكَ قَالَ أما الْمَوْت فَلَا تسْأَل عَن شدَّة كربه وغمه إِلَّا أَن رَحْمَة الله وارت عَنَّا كل عيب وَمَا تلقانا إِلَّا بفضله

وَقَالَ صَالح بن بشر لما مَاتَ عَطاء السلمى رَأَيْته فِي منامى فَقلت يَا أَبَا مُحَمَّد أَلَسْت فِي زمرة الْمَوْتَى قَالَ بلَى قلت فَمَاذَا صرت بعد الْمَوْت قَالَ صرت وَالله إِلَى خير كثير وَرب غَفُور شكور قَالَ قلت أما وَالله لقد كنت طَوِيل الْحزن فِي دَار الدُّنْيَا فَتَبَسَّمَ وَقَالَ وَالله لقد أعقبني ذَلِك رَاحَة طَوِيلَة وفرحا دَائِما قلت فَفِي أى الدَّرَجَات أَنْت قَالَ مَعَ الَّذين انْعمْ الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء الصَّالِحين وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا

وَلما مَاتَ عَاصِم الجحدرى رَآهُ بعض أَهله فِي الْمَنَام فَقَالَ أَلَيْسَ قدمت قَالَ بلَى قَالَ فَأَيْنَ أَنْت قَالَ أَنا وَالله فِي رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَنا وَنَفر من أَصْحَابِي نَجْتَمِع كل لَيْلَة جُمُعَة وصبيحتها إِلَى بكر بن عبد الله المزنى فنتلقى أخباركم قَالَ قلت أجسادكم أم أرواحكم قَالَ هَيْهَات بليت الأجساد وَإِنَّمَا تتلاقى الْأَرْوَاح

ورئى الفضيل بن عِيَاض بعد مَوته فَقَالَ لم أر للْعَبد خيرا من ربه

وَكَانَ مرّة الهمدانى قد سجد حَتَّى أكل التُّرَاب جَبهته فَلَمَّا مَاتَ رَآهُ رجل من أَهله فِي مَنَامه وَكَأن مَوضِع سُجُوده كَهَيئَةِ الْكَوْكَب الدرى فَقَالَ مَا هَذَا الْأَثر الَّذِي أرى بِوَجْهِك قَالَ كسى مَوضِع السُّجُود بِأَكْل التُّرَاب لَهُ نورا قَالَ قلت فَمَا منزلتك فِي الْآخِرَة قَالَ خير منزل دَار لَا ينْتَقل عَنْهَا أَهلهَا وَلَا يموتون

وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب القارى رَأَيْت فِي منامى رجلا آدما طوَالًا وَالنَّاس يتبعونه قلت من هَذَا قَالُوا أَو يس القرنى فاتبعته فَقلت أوصنى يَرْحَمك الله فكلح فِي وجهى فَقلت مسترشد فأرشدنى رَحِمك الله فَأقبل على فَقَالَ ابتغ رَحْمَة الله عِنْد محبته وَاحْذَرْ نقمته عِنْد مَعْصِيَته وَلَا تقطع رجاءك مِنْهُ فِي خلال ذَلِك ثمَّ ولى وتركنى

وَقَالَ ابْن السماك رَأَيْت مسعرا فِي النّوم فَقلت أى الْأَعْمَال وجدت أفضل قَالَ مجَالِس الذّكر وَقَالَ الْأَجْلَح رَأَيْت سَلمَة بن كهيل فِي النّوم فَقلت أى الْأَعْمَال وجدت أفضل قَالَ قيام اللَّيْل وَقَالَ أَبُو بكر بن أَبى مَرْيَم رَأَيْت وَفَاء بن بشر بعد مَوته فَقلت مَا فعلت

ص: 24

يَا وَفَاء قَالَ نجوت بعد كل جهد قلت فأى الْأَعْمَال وجدتموها أفضل قَالَ الْبكاء من خشيَة الله عز وجل

وَقَالَ اللَّيْث بن سعد عَن مُوسَى بن وردان أَنه رأى عبد الله بن أَبى حَبِيبَة بعد مَوته فَقَالَ عرضت على حسناتى وسيئاتى فَرَأَيْت فِي حسناتى حبات رمان التقطتهن فأكلهن وَرَأَيْت فِي سيئاتى خيطى حَرِير كَانَا فِي قلنسوتى

وَقَالَ سنيد بن دَاوُد حَدَّثَنى ابْن أخى جوَيْرِية بن أَسمَاء قَالَ كُنَّا بعبادان فَقدم علينا شَاب من أهل الْكُوفَة متعبد فَمَاتَ بهَا فِي يَوْم شَدِيد الْحر فَقلت نبرد ثمَّ نَأْخُذ فِي جهازه فَنمت فَرَأَيْت كأنى فِي الْمَقَابِر فَإِذا بقبة جَوْهَر تتلألأ حسنا وَأَنا أنظر إِلَيْهَا إِذْ انفلقت فَأَشْرَفت مِنْهَا جَارِيَة مَا رَأَيْت مثل حسنها فَأَقْبَلت على فَقَالَت بِاللَّه لَا تحبسه عَنَّا إِلَى الظّهْر قَالَ فانتبهت فَزعًا وَأخذت فِي جهازه وحفرت لَهُ قبرا فِي الْموضع الَّذِي رَأَيْت فِيهِ الْقبَّة فدفنته فِيهِ

وَقَالَ عبد الْملك بن عتاب الليثى رَأَيْت عَامر بن عبد قيس فِي النّوم فَقلت أى الْأَعْمَال وجدت أفضل قَالَ مَا أُرِيد بِهِ وَجه الله عز وجل

وَقَالَ يزِيد بن هَارُون رَأَيْت أَبَا الْعَلَاء أَيُّوب بن مِسْكين فِي الْمَنَام فَقلت مَا فعل بك رَبك قَالَ غفر لي قلت بِمَاذَا قَالَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة قلت أَرَأَيْت مَنْصُور بن زادان قَالَ هَيْهَات ذَاك نرى قصره من بعيد

وَقَالَ يزِيد بن نعَامَة هَلَكت جَارِيَة فِي طاعون الجارف فلقيها أَبوهَا بعد مَوتهَا فَقَالَ لَهَا يَا بنية أخبرينى عَن الْآخِرَة قَالَت يَا أَبَت قدمنَا على أَمر عَظِيم نعلم وَلَا نعمل وتعملون وَلَا تعلمُونَ وَالله لتسبيحة أَو تسبيحتان أَو رَكْعَة أَو رَكْعَتَانِ فِي صحيفَة عَمَلي أحب إِلَى من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَقَالَ كثير بن مرّة رَأَيْت فِي منامى كأنى دخلت دَرَجَة علياء فِي الْجنَّة فَجعلت أَطُوف بهَا وأتعجب مِنْهَا فَإِذا أَنا بنساء من نسَاء الْمَسْجِد فِي نَاحيَة مِنْهَا فَذَهَبت حَتَّى سلمت عَلَيْهِنَّ ثمَّ قلت بِمَا بلغتن هَذِه الدرجَة قُلْنَ بسجدات وتكبيرات وَقَالَ مُزَاحم مولى عمر بن عبد الْعَزِيز عَن فَاطِمَة بنت عبد الْملك امْرَأَة عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَت انتبه عمر بن عبد الْعَزِيز لَيْلَة فَقَالَ لقد رَأَيْت رُؤْيا معجبة قَالَت فَقلت جعلت فداءك فأخبرنى بهَا فَقَالَ مَا كنت لأخبرك بهَا حَتَّى أصبح فَلَمَّا طلع الْفجْر خرج فصلى ثمَّ عَاد إِلَى مَجْلِسه قَالَت فاغتنمت خلوته فَقلت أخبرنى بالرؤيا الَّتِي رَأَيْت قَالَ رَأَيْت كأنى رفعت إِلَى أَرض خضراء وَاسِعَة كَأَنَّهَا بِسَاط أَخْضَر وَإِذا فِيهَا قصر أَبيض كَأَنَّهُ الْفضة وَإِذا خَارج قد خرج من ذَلِك الْقصر فَهَتَفَ بِأَعْلَى صَوته يَقُول أَيْن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب أَيْن رَسُول الله إِذْ أقبل رَسُول الله حَتَّى دخل ذَلِك الْقصر قَالَ ثمَّ إِن آخر خرج من ذَلِك الْقصر فَنَادَى

ص: 25

أَيْن أَبُو بكر الصّديق أَيْن ابْن أَبى قُحَافَة إِذْ أقبل أَبُو بكر حَتَّى دخل ذَلِك الْقصر ثمَّ خرج آخر فَنَادَى أَيْن عمر بن الْخطاب فَأقبل عمر حَتَّى دخل ذَلِك الْقصر ثمَّ خرج آخر فَنَادَى أَيْن عُثْمَان ابْن عَفَّان فَأقبل حَتَّى دخل ذَلِك الْقصر ثمَّ خرج آخر فَنَادَى أَيْن عَليّ بن أَبى طَالب فَأقبل حَتَّى دخل ذَلِك الْقصر ثمَّ ان آخر خرج فَنَادَى أَيْن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ عمر فَقُمْت حَتَّى دخلت ذَلِك الْقصر قَالَ فَدفعت إِلَى رَسُول الله وَالْقَوْم حوله فَقلت بينى وَبَين نفسى أَيْن أَجْلِس فَجَلَست إِلَى جنب أَبى عمر بن الْخطاب فَنَظَرت فَإِذا أَبُو بكر عَن يَمِين النَّبِي وَإِذا عمر عَن يسَاره فتأملت فَإِذا بَين رَسُول الله وَبَين أَبى بكر رجل فَقلت من هَذَا الرجل الذى بَين رَسُول وَبَين أَبى بكر فَقَالَ هَذَا عِيسَى بن مَرْيَم فَسمِعت هاتفا يَهْتِف وبينى وَبَينه ستر نور يَا عمر بن عبد الْعَزِيز تمسك بِمَا أَنْت عَلَيْهِ وانبت على مَا أَنْت عَلَيْهِ ثمَّ كَأَنَّهُ أذن لى فِي الْخُرُوج فَخرجت من ذَلِك الْقصر فَالْتَفت خَلْفي فَإِذا أَنا بعثمان بن عَفَّان وَهُوَ خَارج من ذَلِك الْقصر يَقُول الْحَمد لله الَّذِي نصرنى وَإِذا عَليّ بن أَبى طَالب فِي أَثَره خَارج من ذَلِك الْقصر وَهُوَ يَقُول الْحَمد لله الَّذِي غفر لى

وَقَالَ سعيد بن أَبى عرُوبَة عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَأَيْت رَسُول الله وَأَبُو بكر وَعمر جالسان عِنْده فَسلمت فَبينا أَنا جَالس إِذْ أَتَى بعلي وَمُعَاوِيَة فأدخلا بَيْتا وأجيف عَلَيْهَا الْبَاب وَأَنا أنظر فَمَا كَانَ بأسرع من أَن خرج على وَهُوَ يَقُول قضى لى وَرب الْكَعْبَة وَمَا كَانَ بأسرع من أَن خرج مُعَاوِيَة على أَثَره وَهُوَ يَقُول غفر لي وَرب الْكَعْبَة

وَقَالَ حَمَّاد بن أَبى هَاشم جَاءَ رجل إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ رَأَيْت رَسُول الله فِي الْمَنَام وَأَبُو بكر عَن يَمِينه وَعمر عَن شِمَاله وَأَقْبل رجلَانِ يختصمان وانت بَين يَدَيْهِ جَالس فَقَالَ لَك يَا عمر إِذا عملت فاعمل بِعَمَل هذَيْن لأبى بكر وَعمر فاستحلفه عمر بِاللَّه أَرَأَيْت هَذِه الرُّؤْيَا فَحلف فَبكى عمر

وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن غنم رَأَيْت معَاذ بن جبل بعد وَفَاته بِثَلَاث على فرس أبلق وَخَلفه رجال بيض عَلَيْهِم ثِيَاب خضر على خيل بلق وَهُوَ قدامهم وَهُوَ يَقُول {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ بِمَا غفر لي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكرمين} ثمَّ الْتفت عَن يَمِينه وشماله يَقُول يَا ابْن رَوَاحَة يَا ابْن مَظْعُون {الْحَمد لله الَّذِي صدقنا وعده وأورثنا الأَرْض نتبوأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء فَنعم أجر العاملين} ثمَّ صافحنى وَسلم على

ص: 26

وَقَالَ قبيصَة بن عقبَة رَأَيْت سُفْيَان الثورى فِي الْمَنَام بعد مَوته فَقلت مَا فعل الله بك فَقَالَ

نظرت إِلَى رَبِّي عيَانًا فَقَالَ لي

هَنِيئًا رضايا عَنْك يَا ابْن سعيد

فقد كنت قواما إِذا اللَّيْل قد دجا

بعبرة محزون وقلب عميد

فدونك فاخترأى قصر تريده

وزرنى فإنى مِنْك غير بعيد

وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَأَيْت سُفْيَان الثورى بعد مَوته يطير فِي الْجنَّة من نَخْلَة إِلَى شَجَرَة وَمن شَجَرَة إِلَى نَخْلَة وَهُوَ يَقُول لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ فَقيل لَهُ بِمَا أدخلت الْجنَّة قَالَ بالورع بالورع قيل لَهُ فَمَا فعل على بن عَاصِم قَالَ مَا نرَاهُ إِلَّا مثل الْكَوْكَب

وَكَانَ شُعْبَة بن الْحجَّاج ومسعر بن كدام حافظين وَكَانَا جليلين قَالَ أَبُو أَحْمد البريدى فرأيتهما بعد مَوْتهمَا فَقلت أَبَا بسطَام مَا فعل الله بك فَقَالَ وفقك الله لحفظ مَا أَقُول

حبانى إلهى فِي الْجنان بَقِيَّة

لَهَا ألف بَاب من لجين وجوهرا

وَقَالَ لى الرَّحْمَن يَا شُعْبَة الَّذِي

تبحر فِي جمع الْعُلُوم فأكثرا

تنعم بقربى إننى عَنْك ذُو رضَا

وَعَن عبدى القوام فِي اللَّيْل مسعرا

كفا مسعرا عزا بِأَن سيزورني

واكشف عَن وجهى الْكَرِيم لينظرا

وَهَذَا فعالى بالذين تنسكوا

وَلم يألفوا فِي سالف الدَّهْر مُنْكرا

قَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد اللبدى رَأَيْت أَحْمد بن حَنْبَل فِي النّوم فَقلت يَا أَبَا عبد الله مَا فعل الله بك قَالَ غفر لى ثمَّ قَالَ يَا أَحْمد ضربت فِي سِتِّينَ سَوْطًا قلت نعم يارب قَالَ هَذَا وجهى قدأبحتك فَأنْظر إِلَيْهِ

وَقَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحجَّاج حَدَّثَنى رجل من أهل طوسوس قَالَ دَعَوْت الله عز وجل أَن يرينى أهل الْقُبُور حَتَّى أسألهم عَن أَحْمد بن حَنْبَل مَا فعل الله بِهِ فَرَأَيْت بعد عشر سِنِين فِي الْمَنَام كَأَن أهل الْقُبُور قد قَامُوا على قُبُورهم فبادرونى بالْكلَام فَقَالُوا يَا هَذَا كم تَدْعُو الله عز وجل أَن يُرِيك ايانا تسألنا عَن رجل لم يزل مُنْذُ فارقكم تحليه الْمَلَائِكَة تَحت شَجَرَة طُوبَى قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق وَهَذَا الْكَلَام من أهل الْقُبُور إِنَّمَا هُوَ اخبار عَن علو دَرَجَة أَحْمد بن حَنْبَل وارتفاع مَكَانَهُ وَعظم مَنْزِلَته فَلم يقدروا أَن يعبروا عَن صفة حَاله وَعَن مَا هُوَ فِيهِ إِلَّا بِهَذَا وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ

ص: 27

وَقَالَ أَو جَعْفَر السقاء صَاحب بشر بن الْحَارِث رَأَيْت بشرا الحافي ومعروف الكرخى وهما جائيان فَقلت من أَيْن فَقَالَا من جنَّة الفردوس زرنا كليم الله مُوسَى

وَقَالَ عَاصِم الجزرى رَأَيْت فِي النّوم كأنى لقِيت بشر بن الْحَارِث فَقلت من أَيْن يَا أَبَا نصر قَالَ من عليين قلت فَمَا فعل أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ تركته السَّاعَة مَعَ عبد الْوَهَّاب الْوراق بَين يدى الله عز وجل يأكلان ويشربان فَقلت لَهُ فَأَنت قَالَ علم قلَّة رغبتى فِي الطَّعَام فأباحنى النّظر إِلَيْهِ

وَقَالَ أَبُو جَعْفَر السقاء رَأَيْت بشر بن الْحَارِث فِي النّوم بعد مَوته فَقلت أَبَا نصر مَا فعل الله بك قَالَ الطفنى ورحمنى وَقَالَ لى يَا بشر لَو سجدت لى فِي الدُّنْيَا على الْجَمْر مَا أدّيت شكر مَا حشوت قُلُوب عبادى مِنْك وأباح لى نصف الْجنَّة فأسرح فِيهَا حَيْثُ شِئْت ووعدنى أَن يغْفر لمن تبع جنازتى فَقلت مَا فعل أَبُو نصر التمار فَقَالَ ذَاك فَوق النَّاس بصبره على بلائه وَفَقره

قَالَ عبد الْحق لَعَلَّه أَرَادَ بقوله نصف الْجنَّة نصف نعيمها لِأَن نعيمها نِصْفَانِ نصف روحانى وَنصف جسمانى فيتنعمون أَولا بالروحانى فَإِذا ردَّتْ الْأَرْوَاح إِلَى الأجساد أضيف لَهُم النَّعيم الجسمانى إِلَى الروحانى وَقَالَ غَيره نعيم الْجنَّة مُرَتّب على الْعلم وَالْعَمَل وحظ بشر من الْعَمَل كَانَ أوفي من حَظه فِي الْعلم وَالله أعلم

وَقَالَ بعض الصَّالِحين رَأَيْت أَبَا بكر الشلبى فِي الْمَنَام وَكَأَنَّهُ قَاعد فِي مجْلِس الرصافة بالموضع الَّذِي كَانَ يقْعد فِيهِ وَإِذا بِهِ قد أقبل وَعَلِيهِ ثِيَاب حسان فَقُمْت إِلَيْهِ وسلمت عَلَيْهِ وَجَلَست بَين يَدَيْهِ فَقلت لَهُ من أقرب أَصْحَابك إِلَيْك قَالَ ألهجهم بِذكر الله وأقومهم بِحَق الله وأسرعهم مبادرة فِي مرضاة الله

وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن الساحلى رَأَيْت ميسرَة بن سليم فِي الْمَنَام بعد مَوته فَقلت لَهُ طَالَتْ غَيْبَتِك فَقَالَ السّفر طَوِيل فَقلت لَهُ فَمَا الَّذِي قدمت عَلَيْهِ فَقَالَ رخص لى لأَنا كُنَّا نفتى بالرخص فَقلت فَمَا تأمرنى بِهِ قَالَ اتِّبَاع الْآثَار وصحبة الأخيار ينجيان من النَّار ويقربان من الْجَبَّار

وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الضَّرِير رَأَيْت عِيسَى بن زَاذَان بعد مَوته فَقلت مَا فعل الله بك فَأَنْشَأَ يَقُول

لَو رَأَيْت الحسان فِي الْخلد حولى

وأكاويب مَعهَا للشراب

يترنمن بِالْكتاب جَمِيعًا

يتمشين مسبلات الثِّيَاب

ص: 28

وَقَالَ بعض أَصْحَاب ابْن جريج رَأَيْت كأنى جِئْت إِلَى هَذِه الْمقْبرَة الَّتِي بِمَكَّة فَرَأَيْت على عامتها سرادقا وَرَأَيْت مِنْهَا قبرا عَلَيْهِ سرادق وقسطاط وسدرة فَجئْت حَتَّى دخلت فَسلمت عَلَيْهِ فَإِذا مُسلم بن خَالِد الزنجى فَسلمت عَلَيْهِ وَقلت يَا أَبَا خَالِد مَا بَال هَذِه الْقُبُور عَلَيْهَا سرادق وقبرك عَلَيْهِ سرادق وفسطاط وَفِيه سِدْرَة فَقَالَ أَنى كنت كثير الصّيام فَقلت فَأَيْنَ قبر ابْن جريج وَأَيْنَ مَحَله فقد كنت أجالسه وَأَنا أحب أَن أسلم عَلَيْهِ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ هَيْهَات وأدار أُصْبُعه السبابَة وَأَيْنَ ابْن جريج رفعت صَحِيفَته فِي عليين

وَرَأى حَمَّاد بن سَلمَة فِي النّوم بعض الْأَصْحَاب فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ قَالَ لى طَال مَا كددت نَفسك فِي الدُّنْيَا فاليوم أطبل راحتك وراحة المتعبين

وَهَذَا بَاب طَوِيل جدا فَإِن لم تسمح نَفسك بتصديقه وَقلت هَذِه منامات وَهِي غير معصومة فَتَأمل من رأى صاحبا لَهُ أَو قَرِيبا أَو غَيره فَأخْبرهُ بِأَمْر لَا يُعلمهُ إِلَّا صَاحب الرُّؤْيَا أَو أخبرهُ بِمَال دَفنه أَو حذره من أَمر يَقع أَو بشره بِأَمْر يُوجد فَوَقع كَمَا قَالَ أَو أخبرهُ بِأَنَّهُ يَمُوت هُوَ أَو بعض أَهله إِلَى كَذَا وَكَذَا فَيَقَع كَمَا أخبر أَو أخبرهُ بخصب أَو جَدب أَو عَدو أَو نازلة أَو مرض أَو بغرض لَهُ فَوَقع كَمَا أخبرهُ وَالْوَاقِع من ذَلِك لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وَالنَّاس مشتركون فِيهِ وَقد رَأينَا نَحن وغيرنا من ذَاك عجائب

وأبطل من قَالَ أَن هَذِه كلهَا عُلُوم وعقائد فِي النَّفس تظهر لصَاحِبهَا عِنْد انْقِطَاع نَفسه عَن الشواغل الْبَدَنِيَّة بِالنَّوْمِ وَهَذَا عين الْبَاطِل والمحال فَإِن النَّفس لم يكن فِيهَا قطّ معرفَة هَذِه الْأُمُور الَّتِي يخبر بهَا الْمَيِّت وَلَا خطرت ببالها وَلَا عِنْدهَا عَلامَة عَلَيْهَا وَلَا أَمارَة بِوَجْه مَا وَنحن لَا ننكر أَن الْأَمر قد يَقع كَذَلِك

وَإِن من الرُّؤْيَا مَا يكون من حَدِيث النَّفس وَصُورَة الِاعْتِقَاد بل كثير من مرائى النَّاس إِنَّمَا هِيَ من مُجَرّد صور اعْتِقَادهم المطابق وَغير المطابق

فَإِن الرُّؤْيَا على ثَلَاثَة أَنْوَاع رُؤْيا من الله ورؤيا من الشَّيْطَان ورؤيا من حَدِيث النَّفس

والرؤيا الصَّحِيحَة أَقسَام مِنْهَا إلهام يلقيه الله سُبْحَانَهُ فِي قلب العَبْد وَهُوَ كَلَام يكلم بِهِ الرب عَبده فِي الْمَنَام كَمَا قَالَ عبَادَة بن الصَّامِت وَغَيره

وَمِنْهَا مثل يضْربهُ لَهُ ملك الرُّؤْيَا الْمُوكل بهَا

وَمِنْهَا التقاء روح النَّائِم بأرواح الْمَوْتَى من أَهله وأقاربه وَأَصْحَابه وَغَيرهم كَمَا ذكرنَا

وَمِنْهَا عروج روحه إِلَى الله سُبْحَانَهُ وخطا بهَا لَهُ

وَمِنْهَا دُخُول روحه إِلَى الْجنَّة ومشاهدتها وَغير ذَلِك فالتقاء أَرْوَاح الْأَحْيَاء والموتى نوع من أَنْوَاع الرُّؤْيَا الصَّحِيحَة الَّتِي هِيَ عِنْد النَّاس من جنس المحسوسات

ص: 29

وَهَذَا مَوضِع اضْطربَ فِيهِ النَّاس فَمن قَائِل إِن الْعُلُوم كلهَا كامنة فِي النَّفس وَإِنَّمَا اشتغالها بعالم الْحس يحجب عَنْهَا مطالعتها فَإِذا تجردت بِالنَّوْمِ رَأَتْ مِنْهَا بِحَسب استعدادها وَلما كَانَ تجردها بِالْمَوْتِ أكمل كَانَت علومها ومعارفها هُنَاكَ أكمل وَهَذَا فِيهِ حق وباطل فَلَا يرد كُله وَلَا يقبل كُله فَإِن تجرد النَّفس يطْلعهَا على عُلُوم ومعارف لَا تحصل بِدُونِ التجرد لَكِن لَو تجردت كل التجرد لم تطلع على علم الله الَّذِي بعث بِهِ رَسُوله وعَلى تفاصيل مَا أخبر بِهِ عَن الرُّسُل الْمَاضِيَة والأمم الخالية وتفاصيل الْمعَاد وأشراط السَّاعَة وتفاصيل الْأَمر والنهى والأسماء وَالصِّفَات وَالْأَفْعَال وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يعلم إِلَّا بالوحى وَلَكِن تجرد النَّفس عون لَهَا على معرفَة ذَلِك وتلقيه من معدنه أسهل وَأقرب وَأكْثر مِمَّا يحصل للنَّفس المنغمسة فِي الشواغل الْبَدَنِيَّة

وَمن قَائِل إِن هَذِه المرائى عُلُوم علقها الله فِي النَّفس ابْتِدَاء بِلَا سَبَب وَهَذَا قَول منكرى الْأَسْبَاب وَالْحكم القوى وَهُوَ قَول مُخَالف للشَّرْع وَالْعقل والفطرة

وَمن قَائِل أَن الرُّؤْيَا أَمْثَال مَضْرُوبَة يضْربهَا الله للْعَبد بِحَسب استعداده الفه على يَد ملك الرُّؤْيَا فَمرَّة يكون مثلا مَضْرُوبا وَمرَّة يكون نفس مَا رَآهُ الرائى فيطابق الْوَاقِع مُطَابقَة الْعلم لمعلومه

وَهَذَا أقرب من الْقَوْلَيْنِ قبله وَلَكِن الرُّؤْيَا لَيست مَقْصُورَة عَلَيْهِ بل لَهَا أَسبَاب أخر كَمَا تقدم من ملاقاة الْأَرْوَاح وأخبار بَعْضهَا بَعْضًا وَمن إِلْقَاء الْملك الَّذِي فِي الْقلب والروع وَمن رُؤْيَة الرّوح للأشياء مكافحة بِلَا وَاسِطَة

وَقد ذكر أَبُو عبد الله بن مَنْدَه الْحَافِظ فِي كتاب النَّفس وَالروح من حَدِيث مُحَمَّد بن حميد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مغراء الدروسى حَدثنَا الْأَزْهَر بن عبد الله الأزدى عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه قَالَ لقى عمر بن الْخطاب على بن أَبى طَالب فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الْحسن رُبمَا شهِدت وغبنا وَشَهِدْنَا وغبت ثَلَاث أَسأَلك عَنْهُن عنْدك مِنْهُنَّ علم فَقَالَ على ابْن أَبى طَالب وَمَا هن فَقَالَ الرجل يحب الرجل وَلم ير مِنْهُ خيرا وَالرجل يبغض الرجل وَلم ير مِنْهُ شرا فَقَالَ على نعم سَمِعت رَسُول الله يَقُول إِن الْأَرْوَاح جنود مجندة تلتقى فِي الْهَوَاء فتشأم فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف فَقَالَ عمر وَاحِدَة قَالَ عمر وَالرجل يحدث الحَدِيث إِذْ نَسيَه فَبينا هُوَ وَمَا نَسيَه إِذْ ذكره فَقَالَ نعم سَمِعت رَسُول الله يَقُول مَا فِي الْقُلُوب قلب إِلَّا وَله سَحَابَة كسحابة الْقَمَر بَينا الْقَمَر مضيء إِذا تجللته سَحَابَة الظُّلم إِذا تجلت فأضاء وَبينا الْقلب يتحدث إِذْ تجللته سَحَابَة فنسى إِذْ تجلت عَنهُ فيذكر قَالَ عمر اثْنَتَانِ قَالَ وَالرجل يرى الرُّؤْيَا فَمِنْهَا مَا يصدق وَمِنْهَا مَا يكذب

ص: 30

فَقَالَ نعم سَمِعت رَسُول الله يَقُول مَا من عبد ينَام يتملىء نوما إِلَّا عرج بِرُوحِهِ إِلَى الْعَرْش فالذى لَا يَسْتَيْقِظ دون الْعَرْش فَتلك الرُّؤْيَا الَّتِي تصدق وَالَّذِي يَسْتَيْقِظ دون الْعَرْش فَهِيَ الَّتِي تكذب فَقَالَ عمر ثَلَاث كنت فِي طلبهن فَالْحَمْد لله الَّذِي أصبتهن قبل الْمَوْت

وَقَالَ بغية بن الْوَلِيد حَدثنَا صَفْوَان بن عَمْرو عَن سليم بن عَامر الحضرمى قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب عجبت لرؤيا الرجل يرى الشَّيْء لم يخْطر لَهُ على بَال فَيكون كآخذ بيد وَيرى الشَّيْء فَلَا يكون شَيْئا فَقَالَ على بن أَبى طَالب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول الله عز وجل {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ والأرواح يعرج بهَا فِي منامها فَمَا رَأَتْ وَهِي فِي السَّمَاء فَهُوَ الْحق فَإِذا ردَّتْ إِلَى أجسادها تلقتها الشَّيَاطِين فِي الْهَوَاء فكذبتها فَمَا رَأَتْ من ذَلِك فَهُوَ الْبَاطِل قَالَ فَجعل عمر يتعجب من قَول عَليّ قَالَ ابْن مَنْدَه هَذَا خبر مَشْهُور عَن صَفْوَان بن عَمْرو وَغَيره وروى عَن أَبى الدَّرْدَاء

وَذكر الطبرانى من حَدِيث على بن أَبى طَلْحَة أَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ لعمر بن الْخطاب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَشْيَاء أَسأَلك عَنْهَا قَالَ سل عَمَّا شِئْت قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مِم يذكر الرجل ومم ينسى ومم تصدق الرُّؤْيَا ومم تكذب فَقَالَ لَهُ عمر إِن على الْقلب طخاوة كطخاوة الْقَمَر فَإِذا تغشت الْقلب نسى ابْن آدم فَإِذا انجلت ذكر مَا كَانَ نسى وَأما مِم تصدق الرُّؤْيَا ومم تكذب فَإِن الله عز وجل يَقُول {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها} فَمن دخل مِنْهَا فِي ملكوت السَّمَاء فهى الَّتِي تصدق وَمَا كَانَ مِنْهَا دون ملكوت السَّمَاء فَهِيَ الَّتِي تكذب

وروى ابْن لَهِيعَة عَن عُثْمَان بن نعيم الرعينى عَن أَبى عُثْمَان الاصبحى عَن أَبى الدَّرْدَاء قَالَ إِذا نَام الْإِنْسَان عرج بِرُوحِهِ حَتَّى يُؤْتى بهَا الْعَرْش فَإِن كَانَ طَاهِرا أذن لَهَا بِالسُّجُود وَإِن كَانَ جنبا لم يُؤذن لَهَا بِالسُّجُود

وروى جَعْفَر بن عون عَن إِبْرَاهِيم الهجرى عَن أَبى الْأَحْوَص عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ إِن الْأَرْوَاح جنود مجندة تتلاقى فتشأم كَمَا تشأم الْخَيل فَمَا تعارف منا ائتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف

وَلم يزل النَّاس قَدِيما وحديثا تعرف هَذَا وتشاهده قَالَ جميل بن معمر العذرى

أظل نهاري مستهاما وتلتقى

مَعَ اللَّيْل روحى فِي الْمَنَام وروحها فَإِن قيل فالنائم يرى غَيره من الْأَحْيَاء يحدثه ويخاطبه وَرُبمَا كَانَ بَينهمَا مَسَافَة بعيدَة وَيكون

ص: 31

المرئى يقظان روحه لم تفارق جسده فَكيف الْتَقت روحاهما قيل هَذَا إِمَّا أَن يكون مثلا مَضْرُوبا ضربه ملك الرُّؤْيَا للنائم أَو يكون حَدِيث نفس من الرائى تجرد لَهُ فِي مَنَامه كَمَا قَالَ حبيب بن أَوْس

سقيا لطيفك من زور أَتَاك بِهِ

حَدِيث نَفسك عَنهُ وَهُوَ مَشْغُول

وَقد تتناسب الروحان وتشتد علاقَة احداهما بِالْأُخْرَى فيشعر كل مِنْهُمَا بِبَعْض مَا يحدث لصَاحبه وَإِن لم يشْعر بِمَا يحدث لغيره لشدَّة العلاقة بَينهمَا وَقد شَاهد النَّاس من ذَلِك عجائب

وَالْمَقْصُود أَن أَرْوَاح الْأَحْيَاء تتلاقى فِي النّوم كَمَا تتلاقى أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات قَالَ بعض السّلف أَن الْأَرْوَاح تتلاقى فِي الْهَوَاء فتتعارف أَو تتذاكر فيأتيها ملك الرُّؤْيَا بِمَا هُوَ لاقيها من خير أَو شَرّ قَالَ وَقد وكل الله بالرؤيا الصادقة ملكا علمه وألهمه معرفَة كل نفس بِعَينهَا وَاسْمهَا ومتقلبها فِي دينهَا ودنياها وطبعها ومعارفها لَا يشْتَبه عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء وَلَا يغلط فِيهَا فَتَأْتِيه نُسْخَة من علم غيب الله من أم الْكتاب بِمَا هُوَ مُصِيب لهَذَا الْإِنْسَان من خير وَشر فِي دينه ودنياه وَيضْرب لَهُ فِيهَا الْأَمْثَال والأشكال على قدر عَادَته فَتَارَة يبشره بِخَير قدمه أَو يقدمهُ وينذره من مَعْصِيّة ارتكبها أَو هم بهَا ويحذره من مَكْرُوه انْعَقَدت أَسبَابه ليعارض تِلْكَ الْأَسْبَاب بِأَسْبَاب تدفعها ولغير ذَلِك من الحكم والمصالح الَّتِي جعلهَا الله فِي الرُّؤْيَا نعْمَة مِنْهُ وَرَحْمَة وإحسانا وتذكيرا وتعريفا وَجعل أحد طرق ذَلِك تلاقى الْأَرْوَاح وتذاكرها وتعارفها وَكم مِمَّن كَانَت تَوْبَته وصلاحه وزهده واقباله على الْآخِرَة عَن مَنَام رَآهُ أَو رئى لَهُ وَكم مِمَّن اسْتغنى وَأصَاب كنزا دَفِينا عَن مَنَام

وَفِي كتاب المجالسة لأبى بكر أَحْمد بن مَرْوَان المالكى عَن ابْن قُتَيْبَة عَن أَبى حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَمَّن حَدثهُ قَالَ خرجنَا مرّة فِي سفر وَكُنَّا ثَلَاثَة نفر فَنَامَ أَحَدنَا فَرَأَيْنَا مثل الْمِصْبَاح خرج من أَنَفَة فَدخل غارا قَرِيبا مِنْهُ ثمَّ رَجَعَ فَدخل أَنفه فأستيقظ يمسح وَجهه وَقَالَ رَأَيْت عجبا رَأَيْت فِي هَذَا الْغَار كَذَا وَكَذَا فدخلناه فَوَجَدنَا فِيهِ بَقِيَّة من كنز كَانَ

وَهَذَا عبد الْمطلب دلّ فِي النّوم على زَمْزَم وَأصَاب الْكَنْز الذى كَانَ هُنَاكَ

وَهَذَا عُمَيْر بن وهب أَتَى فِي مَنَامه فَقيل لَهُ قُم إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا من الْبَيْت فأحفره تَجِد مَال أَبِيك وَكَانَ أَبوهُ قد دفن مَالا وَمَات وَلم يوص بِهِ فَقَامَ عُمَيْر من نَومه فأحتفر حَيْثُ أمره فَأصَاب عشرَة آلَاف دِرْهَم وتبرا كثيرا فَقضى دينه وَحسن حَاله وَحَال أهل بَيته وَكَانَ ذَلِك عقب إِسْلَامه فَقَالَت لَهُ الصُّغْرَى من بَنَاته يَا أَبَت رَبنَا هَذَا الَّذِي حيانا بِدِينِهِ خير من هُبل والعزى وَلَوْلَا أَنه كَذَلِك مَا ورثك هَذَا المَال وَإِنَّمَا عبدته أَيَّامًا قَلَائِل

ص: 32

قَالَ عَليّ بن أبي طَالب القيروانى العابر وَمَا حَدِيث عُمَيْر هَذَا واستخراجه المَال بالمنام بِأَعْجَب مِمَّا كَانَ عندنَا وشاهدناه فِي عصرنا بمدينتنا من أَبى مُحَمَّد عبد الله البغانشى وَكَانَ رجلا صَالحا مَشْهُورا بِرُؤْيَة الْأَمْوَات وسؤالهم عَن الغائبات وَنَقله ذَلِك إِلَى أهلهم وقراباتهم حَتَّى اشْتهر بذلك وَكثر مِنْهُ فَكَانَ الْمَرْء يَأْتِيهِ فيشكو إِلَيْهِ أَن حميمه قد مَاتَ من غير وَصِيَّة وَله مَال لَا يهتدى إِلَى مَكَانَهُ فيعده خيرا وَيَدْعُو الله تَعَالَى فِي ليلته فيترا آلَة الْمَيِّت الْمَوْصُوف فيسأله عَن الْأَمر فيخبره بِهِ

فَمن نوادره ان امْرَأَة عجوزا من الصَّالِحَات توفيت وَلَا مرأة عِنْدهَا سَبْعَة دَنَانِير وَدِيعَة فَجَاءَت إِلَيْهِ صَاحِبَة الْوَدِيعَة وَشَكتْ إِلَيْهِ مَا نزل بهَا وأخبرته بأسمها وَاسم الْميتَة صاحبتها ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ من الْغَد فَقَالَ لَهَا تَقول لَك فُلَانَة عدى من سقف بيتى سبع خشبات تجدى الدَّنَانِير فِي السَّابِعَة فِي خرقَة صوف فَفعلت ذَلِك فَوَجَدتهَا كَمَا وصف لَهَا

وَقَالَ وأخبرنى رجل لَا أَظن بِهِ كدبا استأجرتني امْرَأَة من أهل الدُّنْيَا على هدم دَار لَهَا وبنائها بِمَال مَعْلُوم فَلَمَّا أخذت فِي الْهدم لَزِمت الفعلة هى وَمن مَعهَا فَقلت مَالك قَالَت وَالله مالى إِلَى هدم هَذِه الدَّار من حَاجَة لَكِن أَبى مَاتَ وَكَانَ ذَا يسَار كثير فَلم نجد لَهُ كثير شَيْء فخلت أَن مَاله مدفون فعمدت إِلَى هدم الدَّار لعلى أجد شَيْئا فَقَالَ لَهَا بعض من حضر لقد فاتك مَا هُوَ أَهْون عَلَيْك من هَذَا قَالَت وَمَا هُوَ قَالَ فلَان تمضين إِلَيْهِ وتسألينه أَن يبيت قصتك اللَّيْلَة فَلَعَلَّهُ يرى أَبَاك فيدلك على مَكَان مَاله بِلَا تَعب وَلَا كلفة فَذَهَبت إِلَيْهِ ثمَّ عَادَتْ إِلَيْنَا فَزَعَمت أَنه كتب اسْمهَا وَاسم أَبِيهَا عِنْده فَلَمَّا كَانَ من الْغَد بكرت إِلَى الْعَمَل وَجَاءَت الْمَرْأَة من عِنْد الرجل فَقَالَت ان الرجل قَالَ لى رَأَيْت أَبَاك وَهُوَ يَقُول المَال فِي الحنية قَالَ فَجعلنَا نحفر تَحت الحنية وَفِي جوانبها حَتَّى لَاحَ لي شقّ وَإِذا المَال فِيهِ قَالَ فأخذنا فِي التَّعَجُّب وَالْمَرْأَة تستخف بِمَا وجدت وَتقول مَال أَبى كَانَ أَكثر من هَذَا ولكنى أَعُود إِلَيْهِ فمضت فأعلمته ثمَّ سَأَلته المعاودة فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أَتَت وَقَالَت انه قَالَ لَهَا أَن أَبَاك يَقُول لَك احفرى تَحت الْجَابِيَة المربعة الَّتِي فِي مخزن الزَّيْت قَالَ ففتحت المخزن فَإِذا بجابية مربعة فِي الرُّكْن فأزلناها وحفرنا تحتهَا فَوَجَدنَا كوزا كَبِيرا فَأَخَذته ثمَّ دَامَ بهَا الطمع فِي المعاودة فَفعلت فَرَجَعت من عِنْده وَعَلَيْهَا الكآبة فَقَالَت زعم انه رَآهُ وَهُوَ يَقُول لَهُ قد أخذت مَا قدر لَهَا وَأما مَا بقى فقد جلس عَلَيْهِ عفريت من الْجِنّ يَحْرُسهُ إِلَى من قدر لَهُ والحكايات فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة جدا

ص: 33