الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَالِد بن معدان عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي طير خضر كالزرازير تَأْكُل من ثَمَر الْجنَّة وَرَوَاهُ غَيره مَوْقُوفا
وَذكر يزِيد الرقاشِي عَن أنس وَأَبُو عبد الله الشَّامي عَن تَمِيم الدارى عَن النَّبِي إِذا عرج ملك الْمَوْت بِروح الْمُؤمن إِلَى السَّمَاء استقبله جِبْرَائِيل فِي سبعين ألفا من الْمَلَائِكَة كل مِنْهُم يَأْتِيهِ بِبِشَارَة من السَّمَاء سوى بِشَارَة صَاحبه فَإِذا انتهي بِهِ إِلَى الْعَرْش خر سَاجِدا فَيَقُول الله عز وجل لملك الْمَوْت انْطلق بِروح عبدى فضعه فِي سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود وَمَاء مسكوب رَوَاهُ بكر بن خُنَيْس عَن ضرار بن عَمْرو عَن يزِيد وأبى عبد الله
فصل وَأما قَول من قَالَ الْأَرْوَاح على أفنية قبورها فان أَرَادَ أَن هَذَا
أَمر لَازم لَهَا لَا تفارق أفنية الْقُبُور أبدا فَهَذَا خطأ ترده نُصُوص الْكتاب وَالسّنة من وُجُوه كَثِيرَة قد ذكرنَا بَعْضهَا وَسَنذكر مِنْهَا مَا لم نذكرهُ إِن شَاءَ الله
وَإِن أَرَادَ أَنَّهَا تكون على أفنية الْقُبُور وقتا أَولهَا إشراف على قبورها وَهِي فِي مقرها فَهَذَا حق وَلَكِن لَا يُقَال مستقرها أفنية الْقُبُور
وَقد ذهب إِلَى هَذَا الْمَذْهَب جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عمر بن عبد الْبر قَالَ فِي كِتَابه فِي شرح حَدِيث ابْن عمر إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشى وَقد استبدل بِهِ من ذهب إِلَى ان الْأَرْوَاح على أفنية الْقُبُور وَهُوَ أصح مَا ذهب إِلَيْهِ فِي ذَلِك من طَرِيق الْأَثر أَلا ترى أَن الْأَحَادِيث الدَّالَّة على ذَلِك ثَابِتَة متواترة وَكَذَلِكَ أَحَادِيث السَّلَام على الْقُبُور
قلت يُرِيد الْأَحَادِيث المتواترة مثل حَدِيث ابْن عمر هَذَا وَمثل حَدِيث الْبَراء ابْن عَازِب الَّذِي تقدم وَفِيه هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله يَوْم الْقِيَامَة وَمثل حَدِيث أنس أَن للْعَبد إِذا وضع فِي قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه انه ليسمع قرع نعَالهمْ وَفِيه أَنه يرى مَقْعَده من الْجنَّة وَالنَّار وَأَنه يفسح لِلْمُؤمنِ فِي قَبره سبعين ذِرَاعا ويضيق على الْكَافِر وَمثل حَدِيث جَابر إِن هَذِه الْأمة تبلى فِي قبورها فَإِذا دخل الْمُؤمن من قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه أَتَاهُ ملك الحَدِيث وَأَنه يرى مَقْعَده من الْجنَّة فَيَقُول دَعونِي أبشر أَهلِي فَيُقَال لَهُ أسكن فَهَذَا مَقْعَدك أبدا وَمثل سَائِر أَحَادِيث عَذَاب الْقَبْر ونعيمه الَّتِي تقدّمت وَمثل أَحَادِيث السَّلَام على أهل الْقُبُور وخطابهم ومعرفتهم بزيارة الْأَحْيَاء لَهُم وَقد تقدم ذكر ذَلِك كُله
وَهَذَا القَوْل ترده السّنة الصَّحِيحَة والْآثَار الَّتِي لَا مدفع لَهَا وَقد تقدم ذكرهَا وكل مَا ذكره
من الْأَدِلَّة فَهُوَ يتَنَاوَل الْأَرْوَاح الَّتِي هِيَ فِي الْجنَّة بِالنَّصِّ وَفِي الرفيق الْأَعْلَى وَقد بَينا أَن عرض مقْعد الْمَيِّت عَلَيْهِ من الْجنَّة وَالنَّار لَا يدل على أَن الرّوح فِي الْقَبْر وَلَا على فنائه دَائِما من جَمِيع الْوُجُوه بل لَهَا إشراف واتصال بالقبر وفنائه وَذَلِكَ الْقدر مِنْهَا يعرض عَلَيْهِ مَقْعَده فَإِن الرّوح شَأْنًا آخر تكون فِي الرفيق الْأَعْلَى فِي أَعلَى عليين وَلها اتِّصَال بِالْبدنِ بِحَيْثُ إِذا سلم الْمُسلم على الْمَيِّت رد الله عَلَيْهِ روحه فَيرد عليه السلام وَهِي فِي الْمَلأ الْأَعْلَى وَإِنَّمَا يغلط أَكثر النَّاس فِي هَذَا الْموضع حَيْثُ يعْتَقد أَن الرّوح من جنس مَا يعْهَد من الْأَجْسَام الَّتِي إِذا شغلت مَكَانا لم يُمكن أَن تكون فِي غَيره وَهَذَا غلط مَحْض بل الرّوح تكون فَوق السَّمَوَات فِي أَعلَى عليين وَترد إِلَى الْقَبْر فَترد السَّلَام وَتعلم بِالْمُسلمِ وَهِي فِي مَكَانهَا هُنَاكَ وروح رَسُول الله فِي الرفيق الْأَعْلَى دَائِما ويردها الله سُبْحَانَهُ إِلَى الْقَبْر فَترد السَّلَام على من سلم عَلَيْهِ وَتسمع كَلَامه وَقد رأى رَسُول الله مُوسَى قَائِما يصلى فِي قبر وَرَآهُ فِي السَّمَاء السَّادِسَة وَالسَّابِعَة فإمَّا أَن تكون سريعة الْحَرَكَة والانتقال كلمح الْبَصَر وَإِمَّا أَن يكون الْمُتَّصِل مِنْهَا بالقبر وفنائه بِمَنْزِلَة شُعَاع الشَّمْس وجرمها فِي السَّمَاء وَقد ثَبت أَن روح النَّائِم تصعد حَتَّى تخترق السَّبع الطباق وتسجد لله بَين يَدي الْعَرْش ثمَّ ترد إِلَى جسده فِي أيسر زمَان وَكَذَلِكَ روح الْمَيِّت تصعد بهَا الْمَلَائِكَة حَتَّى تجَاوز السَّمَوَات السَّبع وتقف بَين يَدي الله فتسجد لَهُ وَيقْضى فِيهَا قَضَاء ويريها الْملك مَا أعد الله لَهَا فِي الْجنَّة ثمَّ تهبط فَتشهد غسله وَحمله وَدَفنه وَقد تقدم فِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أَن النَّفس يصعد بهَا حَتَّى توقف بَين يَدي الله فَيَقُول تَعَالَى اكتبوا كتاب عبدى فِي عليين ثمَّ أعيدوه إِلَى الأَرْض فيعاد إِلَى الْقَبْر وَذَلِكَ فِي مِقْدَار تَجْهِيزه وتكفينه فقد صرح بِهِ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس حَيْثُ قَالَ فيهبطون على قدر فَرَاغه من غسله وأكفانه فَيدْخلُونَ ذَلِك الرّوح بَين جسده وأكفانه
وَقد ذكر أَبُو عبد الله بن مَنْدَه من حَدِيث عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن حَدثنَا ابْن شهَاب حَدثنَا عَامر بن سعد عَن إِسْمَاعِيل بن طَلْحَة بن عبيد الله عَن أَبِيه قَالَ أردْت مَالِي بِالْغَابَةِ فأدركنى اللَّيْل فأويت إِلَى قبر عبد الله بن عمر بن حرَام فَسمِعت قِرَاءَة من الْقَبْر مَا سَمِعت أحسن مِنْهَا فَجئْت إِلَى رَسُول الله فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ ذَلِك عبد الله ألم تعلم أَن الله قبض أَرْوَاحهم فَجَعلهَا فِي قناديل من زبرجد وَيَاقُوت ثمَّ علقها وسط الْجنَّة فَإِذا كَانَ اللَّيْل ردَّتْ إِلَيْهِم أَرْوَاحهم فَلَا يزَال كَذَلِك حَتَّى إِذا طلع الْفجْر ردَّتْ أَرْوَاحهم إِلَى مكانهم الَّذِي كَانَت بِهِ
فَفِي هَذَا الحَدِيث بَيَان سرعَة انْتِقَال أَرْوَاحهم من الْعَرْش إِلَى الثرى ثمَّ انتقالها من الثرى إِلَى مَكَانهَا وَلِهَذَا قَالَ مَالك وَغَيره من الْأَئِمَّة أَن الرّوح مُرْسلَة تذْهب حَيْثُ شَاءَت وَمَا