الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي تَفْسِير ابْن عُيَيْنَة عَن الرّبيع بن أنس عَن أَبى عالية وَله اسْلَمْ من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها قَالَ يَوْم أَخذه الْمِيثَاق
قَالَ إِسْحَاق فقد كَانُوا فِي ذَلِك الْوَقْت مقرين وَذَلِكَ أَن الله عز وجل أخبر أَنه قَالَ {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} وَالله تَعَالَى لَا يُخَاطب إِلَّا من يفهم عَنهُ المخاطبة وَلَا يُجيب إِلَّا من فهم السُّؤَال فأجابتهم إِيَّاه بقَوْلهمْ دَلِيل على أَنهم قد فَهموا عَن الله وعقلوا عَنهُ استشهاده إيَّاهُم {أَلَسْت بربكم} فَأَجَابُوهُ من بعد عقل مِنْهُم للمخاطبة وَفهم لَهَا بِأَن {قَالُوا بلَى} فأقروا لَهُ بالربوبية
فصل وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه اُخْبُرْنَا مُحَمَّد بن
صابر البُخَارِيّ حَدثنَا مُحَمَّد ابْن الْمُنْذر بن سعد الهروى حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن هَارُون المصيصى حَدثنَا عتبَة بن السكن حَدثنَا أَرْطَأَة بن الْمُنْذر حَدثنَا عَطاء بن عجلَان عَن يُونُس بن حَلبس عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول ان الله خلق أَرْوَاح الْعباد قبل الْعباد بألفي عَام فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف فَهَذَا بعض مَا احْتج بِهِ هَؤُلَاءِ
قَالَ الْآخرُونَ الْكَلَام مَعكُمْ فِي مقامين أَحدهمَا ذكر الدَّلِيل على الْأَرْوَاح إِنَّهَا خلقت بعد خلق الْأَبدَان الثَّانِي الْجَواب عَمَّا استدللتم بِهِ
فَأَما الْمقَام الأول فقد قَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} وَهَذَا خطاب للْإنْسَان الذى هُوَ روح وبدن فَدلَّ على أَن جملَته مخلوقة بعد خلق الْأَبَوَيْنِ واصرح مِنْهُ قَوْله {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء وَاتَّقوا الله} الْآيَة وَهَذَا صَرِيح فِي أَن خلق جملَة النَّوْع الإنساني بعد خلق اصله
فَإِن قيل فَهَذَا لَا يَنْفِي تقدم خلق الْأَرْوَاح على أجسادها وَإِن خلقت بعد خلق أَبى الْبشر كَمَا دلّت عَلَيْهِ الْآثَار الْمُتَقَدّمَة
قيل سنبين إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَن الْآثَار الْمَذْكُورَة لَا تدل على سبق الْأَرْوَاح الأجساد سبقا مُسْتَقرًّا ثَابتا وغايتها أَن تدل بعد صِحَّتهَا وثبوتها على أَن بارئها وفاطرها سُبْحَانَهُ صور النسم وَقدر خلقهَا وآجالها وأعمالها واستخرج تِلْكَ الصُّور من مادتها ثمَّ أَعَادَهَا إِلَيْهَا وَقدر خُرُوج كل فَرد من أفرادها فِي وقته الْمُقدر لَهُ وَلَا تدل على أَنَّهَا خلقت خلقا مُسْتَقرًّا ثمَّ استمرت مَوْجُودَة حَيَّة عَالِمَة ناطقة كلهَا فِي مَوضِع وَاحِد ثمَّ ترسل مِنْهَا إِلَى الْأَبدَان جملَة بعد جملَة كَمَا قَالَه
أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَهَل تحمل الْآثَار مَالا طَاقَة لنا بِهِ نعم الرب سُبْحَانَهُ يخلق مِنْهَا جملَة بعد جملَة على الْوَجْه الذى سبق بِهِ التَّقْدِير أَولا فيجىء الْخلق الْخَارِجِي مطابقا للتقدير السَّابِق كشأنه تَعَالَى فِي جَمِيع مخلوقاته فانه قدر لَهَا أقدارا وآجالا وصفات وهيئات ثمَّ أبرزها إِلَى الْوُجُود مُطَابقَة لذَلِك التَّقْدِير الذى قدره لَهَا لَا تزيد عَلَيْهِ وَلَا تنقص مِنْهُ
فالآثار الْمَذْكُورَة إِنَّمَا تدل على إِثْبَات الْقدر السَّابِق وَبَعضهَا يدل على أَنه سُبْحَانَهُ استخرج أمثالهم وصورهم وميز أهل السَّعَادَة من أهل الشقاوة وَأما مخاطبتهم واستنطاقهم وإقرارهم لَهُ بالربوبية وشهادتهم على أنفسهم بالعبودية فَمن قَالَه من السّلف فَإِنَّمَا هُوَ بِنَاء مِنْهُ على فهم الْآيَة وَالْآيَة لم تدل على هَذَا بل دلّت على خِلَافه
وَأما حَدِيث مَالك فَقَالَ أَبُو عمر هُوَ حَدِيث مُنْقَطع مُسلم بن يسَار لم يلق عمر بن الْخطاب وَبَينهمَا فِي هَذَا الحَدِيث نعيم بن ربيعَة وَهُوَ أَيْضا مَعَ هَذَا الْإِسْنَاد لَا يقوم بِهِ حجَّة وَمُسلم ابْن يسَار هَذَا مَجْهُول قيل أَنه مدنِي وَلَيْسَ بِمُسلم بن يسَار الْبَصْرِيّ قَالَ ابْن أَبى خَيْثَمَة قَرَأت على يحيى بن معِين حَدِيث مَالك هَذَا عَن زيد بن أَبى أنيسَة فَكتب بِيَدِهِ على مُسلم بن يسَار لَا يعرف
ثمَّ سَاقه أَبُو عمر من طَرِيق النَّسَائِيّ أخبرنَا مُحَمَّد بن وهب حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلمَة قَالَ حَدثنِي أَبُو عبد الرَّحِيم قَالَ حَدثنِي زيد بن أنيسَة عَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن عَن مُسلم بن يسَار عَن نعيم بن ربيعَة
ثمَّ سَاقه من طَرِيق سَخْبَرَة حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْملك بن وَاقد حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلمَة عَن أَبى عبد الرَّحِيم عَن زيد بن أَبى أنيسَة عَن عبد الحميد عَن مُسلم عَن نعيم قَالَ أَبُو عَمْرو وَزِيَادَة من زَاد فِي هَذَا الحَدِيث نعيم بن ربيعَة لَيست حجَّة أَن الذى لم يذكرهُ احفظ وَإِنَّمَا الزِّيَادَة من الْحَافِظ المتقن
وَجُمْلَة القَوْل فِي هَذَا الحَدِيث أَنه حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بالقائم لِأَن مُسلم بن يسَار ونعيم بن ربيعَة جَمِيعًا غير معروفين بِحمْل الْعلم وَلَكِن معنى هَذَا الحَدِيث قد صَحَّ عَن النَّبِي من وُجُوه كَثِيرَة ثَابت يطول ذكرهَا من حَدِيث عمر بن الْخطاب وَغَيره وَجَمَاعَة يطول ذكرهم
وَمُرَاد أَبُو عمر الْأَحَادِيث الدَّالَّة على الْقدر السَّابِق فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي سَاقهَا بعد ذَلِك فَذكر حَدِيث عبد الله بن عمر فِي الْقدر وَقَالَ فِي آخِره وَسَأَلَهُ رجل من مزينة أَو جُهَيْنَة فَقَالَ يَا رَسُول
الله فَفِيمَ الْعَمَل فَقَالَ أَن أهل الْجنَّة ييسرون لعمل أهل الْجنَّة وَأهل النَّار ييسرون لعمل أهل النَّار
قَالَ وروى هَذَا الْمَعْنى فِي الْقدر عَن النَّبِي عَن على بن أَبى طَالب وأبى بن كَعْب وَعبد الله بن عَبَّاس وَابْن عمر وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو سعيد وَأَبُو سريحَة الغفارى وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عَمْرو وَعمْرَان بن حُصَيْن وَعَائِشَة وَأنس بن مَالك وسراقة ابْن جعْشم وَأَبُو مُوسَى الأشعرى وَعبادَة بن الصَّامِت وَأكْثر أَحَادِيث هَؤُلَاءِ لَهَا طرق شَتَّى ثمَّ ساقي كثيرا مِنْهَا بِإِسْنَادِهِ
وَأما حَدِيث أَبى صَالح عَن أَبى هُرَيْرَة فَإِنَّمَا يدل على اسْتِخْرَاج الذُّرِّيَّة وتمثلهم فِي صور الذَّر وَكَانَ مِنْهُم حِينَئِذٍ الْمشرق والمظلم وَلَيْسَ فِيهِ أَنه سُبْحَانَهُ خلق أَرْوَاحهم قبل الأجساد وأقرها بِموضع وَاحِد ثمَّ يُرْسل كل روح من تِلْكَ الْأَرْوَاح عِنْد حُدُوث بدنهَا اليه نعم هُوَ سُبْحَانَهُ يخص كل بدن بِالروحِ الَّتِي قدر أَن تكون لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت وَأما أَنه خلق نفس ذَلِك الْبدن فِي ذَلِك الْوَقْت وَفرغ من خلقهَا وأودعها فِي مَكَان معطلة عَن بدنهَا حَتَّى إِذا أحدث بدنهَا أرسلها إِلَيْهِ من ذَلِك الْمَكَان فَلَا يدل شَيْء من الْأَحَادِيث على ذَلِك الْبَتَّةَ لمن تأملها
وَأما حَدِيث أَبى بن كَعْب هُوَ عَن النَّبِي وغايته لَو صَحَّ وَلم يَصح أَن يكون من كَلَام أَبى وَهَذَا الْإِسْنَاد يرْوى بِهِ أَشْيَاء مُنكرَة جدا مَرْفُوعَة وموقوفة وَأَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ وثق وَضعف وَقَالَ على بن المدينى كَانَ ثِقَة وَقَالَ أَيْضا كَانَ يخلط وَقَالَ ابْن معِين هُوَ ثِقَة وَقَالَ أَيْضا يكْتب حَدِيثه إِلَّا أَنه يُخطئ وَقَالَ الإِمَام أَحْمد لَيْسَ بقوى فِي الحَدِيث وَقَالَ أَيْضا صَالح الحَدِيث وَقَالَ الفلاس سيء الْحِفْظ وَقَالَ أَبُو زرْعَة ييهم كثيرا وَقَالَ ابْن حبَان ينْفَرد بِالْمَنَاكِيرِ عَن الْمَشَاهِير
وَمِمَّا يُنكر من هَذَا الحَدِيث قَوْله فَكَانَ روح عِيسَى من تِلْكَ الْأَرْوَاح الَّتِي أَخذ عَلَيْهَا الْمِيثَاق فَأرْسل ذَلِك الرّوح إِلَى مَرْيَم حِين انتبذت من أَهلهَا مَكَانا شرقيا فَدخل فِي فِيهَا وَمَعْلُوم إِن الرّوح الذى أرسل إِلَى مَرْيَم لَيْسَ هُوَ روح الْمَسِيح بل ذَلِك الرّوح نفخ فِيهَا فَحملت بالمسيح قَالَ تَعَالَى {فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا فتمثل لَهَا بشرا سويا قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكيا} فَروح الْمَسِيح لَا يخاطبها عَن نَفسه بِهَذِهِ المخاطبة قطعا وَفِي بعض طرق حَدِيث أَبى جَعْفَر هَذَا أَن روح الْمَسِيح هُوَ الذى خطابها وَهُوَ الذى أرسل إِلَيْهَا
وَهَا هُنَا أَربع مقامات
أَحدهَا أَن الله سُبْحَانَهُ استخرج صورهم وأمثالهم فميز شقيهم وسعيدهم ومعافاهم من مبتلاهم
الثَّانِي أَن الله سُبْحَانَهُ أَقَامَ عَلَيْهِم الْحجَّة حِينَئِذٍ وأشهدهم بربوبيته وَاسْتشْهدَ عَلَيْهِم مَلَائكَته
الثَّالِث أَن هَذَا هُوَ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ}
الرَّابِع أَنه أقرّ تِلْكَ الْأَرْوَاح كلهَا بعد إخْرَاجهَا بمَكَان وَفرغ من خلقهَا وَإِنَّمَا يَتَجَدَّد كل وَقت إرْسَال جملَة مِنْهَا بعد جملَة إِلَى أبدانها فَأَما الْمقَام الأول فالآثار متظاهرة بِهِ مَرْفُوعَة وموقوفة
فَأَما الْمقَام الثَّانِي فَإِنَّمَا أَخذ من أَخذه من الْمُفَسّرين من الْآيَة وظنوا أَنه تَفْسِيرهَا وَهَذَا قَول جُمْهُور الْمُفَسّرين من أهل الْأَثر قَالَ أَبُو إِسْحَاق جَائِز أَن يكون الله سُبْحَانَهُ جعل لأمثال الذَّر الَّتِي أخرجهَا فهما تعقل بِهِ كَمَا قَالَ {قَالَت نملة يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ} وَقد سخر مَعَ دَاوُد الْجبَال تسح مَعَه وَالطير
وَقَالَ ابْن الأنبارى مَذْهَب أهل الحَدِيث وكبراء أهل الْعلم فِي هَذِه الْآيَة أَن الله أخرج ذُرِّيَّة آدم من صلبه وأصلاب أَوْلَاده وهم فِي صور الذَّر فَأخذ عَلَيْهِم الْمِيثَاق أَنه خالقهم وَأَنَّهُمْ مصنوعون فَاعْتَرفُوا بذلك وقبلوا وَذَلِكَ بعد أَن ركب فيهم عقولا عرفُوا بهَا مَا عرض عَلَيْهِم كَمَا جعل للجبل عقلا حِين خُوطِبَ وكما فعل ذَلِك بالبعير لما سجد والنخلة حَتَّى سَمِعت وانقادت حِين دعيت
وَقَالَ الجرجانى لَيْسَ بَين قَول النَّبِي إِن الله مسح ظهر آدم فَأخْرج مِنْهُ ذُريَّته وَبَين الْآيَة اخْتِلَاف بِحَمْد الله لِأَنَّهُ عز وجل إِذا أَخذهم من ظهر آدم فقد أَخذهم من ظُهُور ذُريَّته لِأَن ذُرِّيَّة آدم لذريته بَعضهم من بعض وَقَوله تَعَالَى {أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين} أَي عَن الْمِيثَاق الْمَأْخُوذ عَلَيْهِم فَإِذا قَالُوا ذَلِك كَانَت الْمَلَائِكَة شُهُودًا عَلَيْهِم بِأخذ الْمِيثَاق قَالَ وَفِي هَذَا دَلِيل على التَّفْسِير الذى جَاءَت بِهِ الرِّوَايَة من أَن الله تَعَالَى قَالَ للْمَلَائكَة اشْهَدُوا فَقَالُوا شَهِدنَا قَالَ وَزعم بعض أهل الْعلم أَن الْمِيثَاق إِنَّمَا أَخذ على الْأَرْوَاح دون الأجساد إِن الْأَرْوَاح هِيَ الَّتِي تعقل وتفهم وَلها الثَّوَاب وَعَلَيْهَا الْعقَاب والأجساد أموات لَا تعقل وَلَا تفهم قَالَ وَكَانَ إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ يذهب إِلَى هَذَا الْمَعْنى وَذكر أَنه قَول أَبى هُرَيْرَة قَالَ إِسْحَاق وَأجْمع أهل الْعلم أَنَّهَا الْأَرْوَاح قبل الأجساد