المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الرابعة عشرة وهي قوله عذاب القبر دائم أم منقطع جوابها أنه - الروح - ابن القيم - ط العلمية

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى وَهِي هَل تعرف الْأَمْوَات زِيَارَة الْأَحْيَاء وسلامهم أم لَا قَالَ

- ‌فصل وَيدل على هَذَا أَيْضا مَا جرى عَلَيْهِ عمل النَّاس قَدِيما وَإِلَى الْآن

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وهى أَن ارواح الْمَوْتَى هَل تتلاقي وتتزاور وتتذاكر أم لَا

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وهى هَل تتلاقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء وأرواح الْأَمْوَات أم لَا

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَهِي أَن الرّوح هَل تَمُوت أم الْمَوْت للبدن وَحده اخْتلف

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَهِي أَن الْأَرْوَاح بعد مُفَارقَة الْأَبدَان إِذا تجردت بأى شَيْء

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَهِي أَن الرّوح هَل تُعَاد إِلَى الْمَيِّت فِي قَبره وَقت السُّؤَال أم

- ‌فصل فَإِذا عرفت هَذِه الْأَقْوَال الْبَاطِلَة فلتعلم أَن مَذْهَب سلف الْأمة وأئمتها

- ‌فصل وَنحن نثبت مَا ذَكرْنَاهُ فَأَما أَحَادِيث عَذَاب الْقَبْر ومساءلة مُنكر وَنَكِير

- ‌فصل وَهَذَا كَمَا انه مُقْتَضى السّنة الصَّحِيحَة فَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ بَين أهل السّنة

- ‌فصل وَمِمَّا ينبغى أَن يعلم أَن عَذَاب الْقَبْر هُوَ عَذَاب البرزح فَكل من

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وهى قَول للسَّائِل مَا جَوَابنَا للملاحدة والزنادقة المنكرين

- ‌فصل الْأَمر الأول أَن يعلم أَن الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم لم يخبروا

- ‌فصل الْأَمر الثانى أَن يفهم عَن الرَّسُول مُرَاد من غير غلو وَلَا

- ‌الْفَصْل الْأَمر الرَّابِع أَن الله سُبْحَانَهُ جعل أَمر الْآخِرَة وَمَا كَانَ مُتَّصِلا بهَا

- ‌فصل الْأَمر الْخَامِس أَن النَّار الَّتِي فِي الْقَبْر والخضرة لَيست من نَار الدُّنْيَا

- ‌فصل الْأَمر السَّابِع أَن الله سبحانه وتعالى يحدث فِي هَذِه الدَّار مَا هُوَ أعجب

- ‌فصل الْأَمر الثَّامِن أَنه غير مُمْتَنع أَن ترد الرّوح إِلَى المصلوب والغريق

- ‌فصل الْأَمر التَّاسِع أَنه ينبغى أَن يعلم أَن عَذَاب الْقَبْر ونعيمه اسْم لعذاب

- ‌فصل الْأَمر الْعَاشِر أَن الْمَوْت معاد وَبعث أول فَإِن الله سبحانه وتعالى جعل

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَهِي قَول السَّائِل مَا الْحِكْمَة فَيكون عَذَاب الْقَبْر لم يذكر

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَهِي قَول السَّائِل مَا الْأَسْبَاب الَّتِي يعذب بهَا أَصْحَاب الْقُبُور

- ‌الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة الْأَسْبَاب المنجية من عَذَاب الْقَبْر جوابها أَيْضا من وَجْهَيْن

- ‌الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشر

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة وهى أَن سُؤال مُنكر وَنَكِير هَل هُوَ مُخْتَصّ بِهَذِهِ الْأمة أَو

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة وَهِي أَن الْأَطْفَال هَل يمْتَحنُونَ فِي قُبُورهم اخْتلف

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة وَهِي قَوْله عَذَاب الْقَبْر دَائِم أم مُنْقَطع جوابها أَنه

- ‌فصل وَأما قَول مُجَاهِد لَيْسَ هِيَ فِي الْجنَّة وَلَكِن يَأْكُلُون من ثمارها ويجدون

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ الْأَرْوَاح على أفنية قبورها فان أَرَادَ أَن هَذَا

- ‌فصل وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم أَن مَا ذكرنَا من شَأْن الرّوح يخْتَلف بِحَسب

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عِنْد الله تَعَالَى وَلم يزدْ على

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ بالجابية وأرواح الْكفَّار

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِنَّهَا تَجْتَمِع فِي الأَرْض الَّتِي قَالَ الله فِيهَا

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي عليين فِي السَّمَاء السَّابِعَة

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تَجْتَمِع ببئر زَمْزَم فَلَا دَلِيل

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي برزخ من الأَرْض تذْهب

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عَن يَمِين آدم وأرواح الْكفَّار

- ‌فصل وَأما قَول أَبى مُحَمَّد بن حزم أَن مستقرها حَيْثُ كَانَت قبل خلق

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ مستقرها الْعَدَم الْمَحْض فَهَذَا قَول من قَالَ إِنَّهَا

- ‌فصل وَأما قَول من قَالَ إِن مستقرها بعد الْمَوْت أبدان أخر غير هَذِه

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌فصل وَالدَّلِيل على انتفاعه بِغَيْر مَا تسبب فِيهِ الْقُرْآن وَالسّنة وَالْإِجْمَاع

- ‌فصل وَأما وُصُول ثَوَاب الصَّدَقَة فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا أَن

- ‌فصل وَأما وُصُول ثَوَاب الصَّوْم فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا أَن

- ‌فصل وَأما وُصُول ثَوَاب الْحَج فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضى الله

- ‌فصل وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى

- ‌فصل وَأما استدلالكم بقوله إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله فاستدلال سَاقِط

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم الإهداء حِوَالَة وَالْحوالَة إِنَّمَا تكون بِحَق لَازم فَهَذِهِ حِوَالَة

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم الإيثار بِسَبَب الثَّوَاب مَكْرُوه وَهُوَ مسالة الإيثار بِالْقربِ

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم لَو سَاغَ الإهداء إِلَى الْمَيِّت لساغ إِلَى الْحَيّ فَجَوَابه من وَجْهَيْن

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم لَو سَاغَ إهداء نصف الثَّوَاب وربعه إِلَى الْمَيِّت فَالْجَوَاب من

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم لَو سَاغَ ذَلِك لساغ إهداؤه بعد أَن يعمله لنَفسِهِ وَقد

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم لَو سَاغَ الإهداء لساغ إهداء ثَوَاب الْوَاجِبَات الَّتِي تجب على

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم إِن التكاليف امتحان وابتلاء لَا تقبل الْبَدَل إِذْ الْمَقْصُود

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم انه لَو نَفعه عمل غَيره لنفعه تَوْبَته عَنهُ وإسلامه عَنهُ

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم الْعِبَادَات نَوْعَانِ نوع تدخله النِّيَابَة فيصل ثَوَاب إهدائه

- ‌فصل وَأما رد حَدِيث رَسُول الله وَهُوَ قَوْله من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام

- ‌فصل أما قَوْلكُم ابْن عَبَّاس هُوَ رَاوِي حَدِيث الصَّوْم عَن الْمَيِّت وَقد قَالَ

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم انه حَدِيث اخْتلف فِي إِسْنَاده فَكَلَام مجازف لَا يقبل قَوْله

- ‌فصل وَأما كَلَام الشَّافِعِي رحمه الله فِي تغليط رَاوِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى

- ‌فصل وَنحن نذْكر أَقْوَال أهل الْعلم فِي الصَّوْم عَن الْمَيِّت لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن

- ‌فصل وَأما قَوْلكُم أَنه يصل إِلَيْهِ فِي الْحَج ثَوَاب النَّفَقَة دون أَفعَال الْمَنَاسِك

- ‌فصل فَإِن قيل فَهَل تشترطون فِي وُصُول الثَّوَاب ان يهديه بِلَفْظِهِ أم يَكْفِي

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌فصل وَالَّذِي يدل على خلقهَا وُجُوه الْوَجْه الأول قَول الله تَعَالَى

- ‌فصل وَأما مَا احتجت بِهِ هَذِه الطَّائِفَة فَأَما مَا أَتَوا بِهِ من اتِّبَاع

- ‌فصل وَأما استدلالهم بإضافتها إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بقوله تَعَالَى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌فصل وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه اُخْبُرْنَا مُحَمَّد بن

- ‌فصل وَنَازع هَؤُلَاءِ غَيرهم فِي كَون هَذَا معنى الْآيَة وَقَالُوا معنى قَوْله

- ‌فصل فَهَذَا بعض كَلَام السّلف وَالْخلف فِي هَذِه الْآيَة وعَلى كل تَقْدِير فَلَا

- ‌فصل وَأما الدَّلِيل على أَن خلق الْأَرْوَاح مُتَأَخّر عَن خلق أبدانها فَمن وُجُوه

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌فصل الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ حَدِيث أبي مُوسَى تخرج نفس الْمُؤمن أطيب من ريح الْمسك

- ‌فصل الرَّابِع وَالسِّتُّونَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِذا خرجت روح الْمُؤمن تَلقاهُ ملكان

- ‌فصل الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن الْمُؤمن تحضره

- ‌فصل الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ قَوْله الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف

- ‌فصل الْمِائَة مَا قد اشْترك فِي الْعلم بِهِ عَامَّة أهل الأَرْض من لِقَاء

- ‌فصل الْوَجْه الثَّانِي بعد الْمِائَة قَوْله تَعَالَى

- ‌فصل الْوَجْه الثَّالِث بعد الْمِائَة قَول النَّبِي يَا بِلَال مَا دخلت الْجنَّة

- ‌فصل فَإِن قيل قد ذكرْتُمْ الْأَدِلَّة الدَّالَّة على جسميتها وتحيزها فَمَا جوابكم

- ‌فصل فَأَما قَوْلهم أَن الْعُقَلَاء متفقون على قَوْلهم الرّوح والجسم وَالنَّفس

- ‌فصل وَأما الشُّبْهَة الثَّانِيَة فَهِيَ أقوى شبههم الَّتِي بهَا يصلونَ وَعَلَيْهَا يعولون

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْوَجْه الثَّالِث أَن الصُّور الْعَقْلِيَّة الْكُلية مُجَرّدَة وتجردها

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الرَّابِع أَن الْعَقْلِيَّة تقوى على أَفعاله غير متناهية وَلَا شَيْء

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْخَامِس لَو كَانَت الْقُوَّة الْعَاقِلَة حَالَة فِي آلَة جسمانية لوَجَبَ

- ‌فصل قَوْلكُم فِي السَّادِس ان كل أحد يدْرك نَفسه والإدراك عبارَة عَن حُصُول

- ‌فصل قَوْلكُم فِي السَّابِع الْوَاحِد منا يتخيل بحرا من زئبق وجبلا من ياقوت

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الثَّامِن لَو كَانَت الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة جسدانية لضعفت فِي زمن

- ‌فصل قَوْلكُم فِي التَّاسِع أَن الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة غنية فِي أفعالها عَن الْجِسْم وَمَا

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْعَاشِر أَن الْقُوَّة الجسمانية تكل بِكَثْرَة الْأَفْعَال وَلَا تقوى

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْحَادِي عشر إِنَّا إِذا حكمنَا بِأَن السوَاد مضاد للبياض وَجب

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الثَّانِي عشر أَنه لَو كَانَ مَحل الإدراكات جسما وكل جسم

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الثَّالِث عشر أَن الْمَادَّة الجسمانية إِذا حصلت فِيهَا نقوش

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الرَّابِع عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لَكَانَ بَين تَحْرِيك المحرك

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْخَامِس عشر لَو كَانَت جسما لكَانَتْ منقسمة ولصح عَلَيْهَا أَن

- ‌فصل قَوْلكُم فِي السَّادِس عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لوَجَبَ ثقل الْبدن بِدُخُولِهَا

- ‌فصل قَوْلكُم فِي السَّابِع عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لكَانَتْ على صِفَات سَائِر

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الثَّامِن عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لوَجَبَ أَن تقع تَحت

- ‌فصل قَوْلكُم فِي التَّاسِع عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لكَانَتْ ذَات طول وَعرض

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْوَجْه الْعشْرين أَن خَاصَّة الْجِسْم أَن يقبل التجزيء وَأَن الْجُزْء

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الْوَجْه الْحَادِي وَالْعِشْرين أَن الْجِسْم يحْتَاج فِي قوامه وبقائه

- ‌فصل قَوْلكُم فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين لَو كَانَت جسما لَكَانَ اتصالها بِالْبدنِ إِن

- ‌الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ وَهِي هَل النَّفس وَالروح شَيْء وَاحِد أَو شَيْئَانِ متغايران

- ‌فصل وَقَالَت فرقة أُخْرَى من أهل الحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف الرّوح غير النَّفس

- ‌الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ وَهِي هَل النَّفس وَاحِدَة أم ثَلَاث فقد وَقع فِي

- ‌فصل والطمأنينة إِلَى أَسمَاء الرب تَعَالَى وَصِفَاته نَوْعَانِ طمأنينة إِلَى

- ‌فصل وَهَا هُنَا سر لطيف يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ والتنبه لَهُ والتوفيق لَهُ بيد

- ‌فصل فَإِذا اطمأنت من الشَّك إِلَى الْيَقِين وَمن الْجَهْل إِلَى الْعلم وَمن الْغَفْلَة

- ‌فصل ثمَّ يلحظ فِي ضوء تِلْكَ البارقة مَا تَقْتَضِيه يقظته من سنة غفلته

- ‌فصل وَأما النَّفس اللوامة وَهِي الَّتِي أقسم بهَا سُبْحَانَهُ فِي قَوْله

- ‌فصل وَأما النَّفس الأمارة فَهِيَ المذمومة فَإِنَّهَا الَّتِي تَأمر بِكُل سوء وَهَذَا من

- ‌فصل فَالنَّفْس المطمئنة وَالْملك وجنده من الْإِيمَان يقتضيان من النَّفس

- ‌فصل وَقد انتصبت الأمارة فِي مُقَابلَة المطمئنة فَكلما جَاءَت بِهِ تِلْكَ من خير

- ‌فصل وتربة صُورَة الْإِخْلَاص فِي صُورَة ينفر مِنْهَا وَهِي الْخُرُوج عَن حكم الْعقل

- ‌فصل وتربة صُورَة للصدق مَعَ الله وَجِهَاد من خرج عَن دينه وَأمره فِي

- ‌فصل وَالْفرق بَين خشوع الْإِيمَان وخشوع النِّفَاق أَن خشوع الْإِيمَان هُوَ خشوع

- ‌فصل وَأما شرف النَّفس فَهُوَ صيانتها عَن الدنايا والرذائل والمطامع الَّتِي

- ‌فصل وَكَذَلِكَ الْفرق بَين الحمية والجفاء فالحمية فطام النَّفس عَن رضَاع اللوم

- ‌فصل وَالْفرق بَين التَّوَاضُع والمهانة أَن التَّوَاضُع يتَوَلَّد من بَين الْعلم بِاللَّه

- ‌فصل وَكَذَلِكَ الْقُوَّة فِي أَمر الله هِيَ من تَعْظِيمه وتعظيم أوامره وحقوقه حَتَّى

- ‌فصل وَالْفرق بَين الْجُود والسرف أَن الْجواد حَكِيم يضع الْعَطاء موَاضعه

- ‌فصل وَالْفرق بَين المهابة وَالْكبر أَن المهابة أثر من آثَار امتلاء الْقلب

- ‌فصل وَالْفرق بَين الصيانة والتكبر أَن الصائن لنَفسِهِ بِمَنْزِلَة رجل قد لبس

- ‌فصل وَالْفرق بَين الشجَاعَة والجرأة أَن الشجَاعَة من الْقلب وَهِي ثباته

- ‌فصل وَأما الْفرق بَين الحزم والجبن فالحازم هُوَ الَّذِي قد جمع عَلَيْهِ همه

- ‌فصل وَأما الْفرق بَين الاقتصاد وَالشح أَن الاقتصاد خلق مَحْمُود يتَوَلَّد من

- ‌فصل وَالْفرق بَين الِاحْتِرَاز وَسُوء الظَّن أَن المحترز بِمَنْزِلَة رجل قد خرج

- ‌فصل وَالْفرق بَين الفراسة وَالظَّن أَن الظَّن يخطىء ويصيب وَهُوَ يكون مَعَ ظلمَة

- ‌فصل وَالْفرق بَين النَّصِيحَة والغيبة أَن النَّصِيحَة يكون الْقَصْد فِيهَا تحذير

- ‌فصل وَالْفرق بَين الْهَدِيَّة والرشوة وَإِن اشتبها فِي الصُّورَة الْقَصْد فَإِن الراشي

- ‌فصل وَالْفرق بَين الصَّبْر وَالْقَسْوَة أَن الصَّبْر خلق كسبى يتخلق بِهِ العَبْد وَهُوَ

- ‌فصل وَالْفرق بَين الْعَفو والذل أَن الْعَفو إِسْقَاط حَقك جودا وكرما وإحسانا مَعَ

- ‌فصل وَالْفرق بَين سَلامَة الْقلب والبله والتغفل أَن سَلامَة الْقلب تكون من

- ‌فصل وَالْفرق بَين الثِّقَة والغرة أَن الثِّقَة سُكُون يسْتَند إِلَى أَدِلَّة وإمارات

- ‌فصل وَالْفرق بَين الرَّجَاء وَالتَّمَنِّي أَن الرَّجَاء يكون مَعَ بذل الْجهد واستفراغ

- ‌فصل وَالْفرق بَين التحدث بنعم الله وَالْفَخْر بهَا أَن المتحدث بِالنعْمَةِ مخبر

- ‌فصل وَالْفرق بَين فَرح الْقلب وَفَرح النَّفس ظَاهر فَإِن الْفَرح بِاللَّه ومعرفته

- ‌فصل وَهَا هُنَا فرحة أعظم من هَذَا كُله وَهِي فرحته عِنْد مُفَارقَته الدُّنْيَا

- ‌فصل وَالْفرق بَين رقة الْقلب والجزع أَن الْجزع ضعف فِي النَّفس وَخَوف فِي

- ‌فصل وَالْفرق بَين الموجدة والحقد أَن الوجد الإحساس بالمؤلم وَالْعلم بِهِ

- ‌فصل وَالْفرق بَين المنافسة والحسد أَن المنافسة الْمُبَادرَة إِلَى الْكَمَال الَّذِي

- ‌فصل وَالْفرق بَين حب الرياسة وَحب الْإِمَارَة للدعوة إِلَى الله هُوَ الْفرق بَين

- ‌فصل وَالْفرق بَين الْحبّ فِي الله وَالْحب مَعَ الله وَهَذَا من أهم الفروق

- ‌فصل وَالْفرق بَين التَّوَكُّل وَالْعجز أَن التَّوَكُّل عمل الْقلب وعبوديته اعْتِمَادًا

- ‌فصل وَالْفرق بَين الِاحْتِيَاط والوسوسة ان الِاحْتِيَاط الِاسْتِقْصَاء وَالْمُبَالغَة فِي

- ‌فصل وَالْفرق بَين إلهام الْملك وإلقاء الشَّيْطَان من وُجُوه مِنْهَا أَن مَا كَانَ

- ‌فصل وَالْفرق بَين الاقتصاد وَالتَّقْصِير أَن الاقتصاد هُوَ التَّوَسُّط بَين طرفِي

- ‌فصل وَالْفرق بَين النَّصِيحَة والتأنيب أَن النَّصِيحَة إِحْسَان إِلَى من تنصحه بِصُورَة

- ‌فصل وَالْفرق بَين بالمبادرة والعجلة أَن الْمُبَادرَة انتهاز الفرصة فِي وَقتهَا

- ‌فصل وَالْفرق بَين الْأَخْبَار بِالْحَال وَبَين الشكوى وَإِن اشتبهت صورتهما ان

- ‌فصل وَهَذَا بَاب من الفروق مطول وَلَعَلَّ إِن ساعد الْقدر أَن نفرد فِيهِ

- ‌فصل وَنحن نختم الْكتاب بِإِشَارَة لَطِيفَة إِلَى الفروق بَين هَذِه الْأُمُور إِذْ كل

- ‌فصل وَالْفرق بَين تَنْزِيه الرُّسُل وتنزيه المعطلة أَن الرُّسُل نزهوه سُبْحَانَهُ عَن

- ‌فصل الْفرق بَين إِثْبَات حقائق الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَبَين التَّشْبِيه والتمثيل يما

- ‌فصل وَالْفرق بَين تَجْرِيد التَّوْحِيد وَبَين هضم أَرْبَاب الْمَرَاتِب أَن تَجْرِيد

- ‌فصل وَالْفرق بَين تَجْرِيد مُتَابعَة الْمَعْصُوم وإهدار أَقْوَال الْعلمَاء وإلغائها

- ‌فصل وَالْفرق بَين أَوْلِيَاء الرَّحْمَن وأولياء الشَّيْطَان أَن أَوْلِيَاء الرَّحْمَن

- ‌فصل وَبِهَذَا يعلم الْفرق بَين الْحَال الإيماني وَالْحَال الشيطاني فَإِن الْحَال

- ‌فصل وَالْفرق بَين الحكم الْمنزل الْوَاجِب الِاتِّبَاع وَالْحكم المؤول الَّذِي غَايَته

الفصل: ‌المسألة الرابعة عشرة وهي قوله عذاب القبر دائم أم منقطع جوابها أنه

‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة وَهِي قَوْله عَذَاب الْقَبْر دَائِم أم مُنْقَطع جوابها أَنه

نَوْعَانِ نوع دَائِم سوى مَا ورد فِي بعض الْأَحَادِيث أَنه يُخَفف عَنْهُم مَا بَين النفختين فَإِذا قَامُوا من قُبُورهم قَالُوا {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} وَيدل على دَوَامه قَوْله تَعَالَى {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا} وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا مَا تقدم فِي حَدِيث سَمُرَة الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي رُؤْيا النَّبِي وَفِيه فَهُوَ يفعل بِهِ ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قصَّة الجريدتين لَعَلَّه يُخَفف عَنْهُمَا مَا لم تيبسا فَجعل التَّخْفِيف مُقَيّدا برطوبتهما فَقَط

وَفِي حَدِيث الرّبيع بن أنس عَن أبي الْعَالِيَة عَن أبي هُرَيْرَة ثمَّ أَتَى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عَادَتْ لَا يفتر عَنْهُم من ذَلِك شَيْء وَقد تقدم وَفِي الصَّحِيح فِي قصَّة الَّذِي لبس بردين وَجعل يمشي يتبختر فَخسفَ الله بِهِ الأَرْض فَهُوَ يتجلجل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَفِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب فِي قصَّة الْكَافِر ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار فَينْظر إِلَى مَقْعَده فِيهَا حَتَّى تقوم السَّاعَة رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَفِي بعض طرقه ثمَّ يخرق لَهُ خرقا إِلَى النَّار فيأتيه من غمها ودخانها إِلَى الْقِيَامَة

النَّوْع الثَّانِي إِلَى مُدَّة ثمَّ يَنْقَطِع وَهُوَ عَذَاب بعض العصاة الَّذين خفت جرائمهم فيعذب بِحَسب جرمه ثمَّ يُخَفف عَنهُ كَمَا يعذب فِي النَّار مُدَّة ثمَّ يَزُول عَنهُ الْعَذَاب

وَقد يَنْقَطِع عَنهُ الْعَذَاب بِدُعَاء أَو صَدَقَة أَو اسْتِغْفَار أَو ثَوَاب حج أَو قِرَاءَة تصل إِلَيْهِ من بعض أَقَاربه أَو غَيرهم وَهَذَا كَمَا يشفع الشافع فِي المعذب فِي الدُّنْيَا فيخلص من الْعَذَاب بِشَفَاعَتِهِ لَكِن هَذِه شَفَاعَة قد لَا تكون باذن الْمَشْفُوع عِنْده وَالله سبحانه وتعالى لَا يتَقَدَّم أحد بالشفاعة بَين يَدَيْهِ إِلَّا من بعد إِذْنه فَهُوَ الَّذِي يَأْذَن للشافع أَن يشفع إِذا أَرَادَ أَن يرحم الْمَشْفُوع لَهُ وَلَا تغتر بِغَيْر هَذَا فَإِنَّهُ شرك وباطل يتعالى الله عَنهُ من ذَا الذى يشفع عِنْده إِلَّا باذنه وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى مَا من شَفِيع إِلَّا من بعد إِذْنه وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده إِلَّا لمن أذن لَهُ قَالَ لله الشَّفَاعَة جَمِيعًا لَهُ ملك السَّمَوَات والارض

وَقد ذكر ابْن أَبى الدُّنْيَا حَدَّثَنى مُحَمَّد بن مُوسَى الصَّائِغ حَدثنَا عبد الله بن نَافِع قَالَ مَاتَ رجل من أهل الْمَدِينَة فَرَآهُ رجل كَأَنَّهُ من أهل النَّار فاغتنم لذَلِك ثمَّ أَنه بعد سَاعَة أَو

ص: 89

ثَانِيه رَآهُ كَأَنَّهُ من أهل الْجنَّة فَقَالَ ألم تكن قلت انك من أهل النَّار قَالَ قد كَانَ ذَلِك إِلَّا أَنه دفن مَعنا رجل من الصَّالِحين فشفع فِي اربعين من جِيرَانه فَكنت أَنا مِنْهُم

قَالَ ابْن أَبى الدُّنْيَا وَحدثنَا أَحْمد بن يحيى قَالَ حَدَّثَنى بعض أَصْحَابنَا قَالَ مَاتَ أخى فرأيته فِي النّوم فَقلت مَا كَانَ حالك حِين وضعت فِي قبرك قَالَ أتانى آتٍ بشهاب من نَار فلولا أَن دَاعيا دَعَا لى لرأيت أَنه سيضربنى بِهِ

وَقَالَ عَمْرو بن جرير إِذا دَعَا العَبْد لِأَخِيهِ الْمَيِّت أَتَاهُ بهَا ملك إِلَى قَبره فَقَالَ يَا صَاحب الْقَبْر الْغَرِيب هَدِيَّة من أَخ عَلَيْك شفيق

وَقَالَ بشار بن غَالب رَأَيْت رَابِعَة فِي منامى وَكنت كثير الدُّعَاء لَهَا فَقَالَت لى يَا بشار بن غَالب هداياك تَأْتِينَا على أطباق من نور مخمرة بمناديل الْحَرِير قلت كَيفَ ذَلِك قَالَت هَكَذَا دُعَاء الْمُؤمنِينَ الاحياء إِذا دعوا للموتى اسْتُجِيبَ لَهُم وَاجعَل ذَلِك الدُّعَاء على أطباق النُّور وخمر بمناديل الْحَرِير ثمَّ أَتَى بهَا الذى دعى لَهُ من الْمَوْتَى فَقيل هَذِه هَدِيَّة فلَان إِلَيْك

قَالَ ابْن أَبى الدُّنْيَا وحدثنى أَبُو عبيد بن بحير قَالَ حَدَّثَنى بعض أَصْحَابنَا قَالَ رَأَيْت أَخا لى فِي النّوم بعد مَوته فَقلت أيصل إِلَيْكُم دُعَاء الْأَحْيَاء قَالَ أى وَالله يترفرف مثل النُّور ثمَّ يلْبسهُ

وسيأتى إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَمام لهَذِهِ فِي جَوَاب السُّؤَال عَن انْتِفَاع الْأَمْوَات بِمَا تهديه إِلَيْهِم الْأَحْيَاء المسالة الْخَامِسَة عشرَة

وهى أَيْن مُسْتَقر الْأَرْوَاح مَا بَين الْمَوْت إِلَى الْقِيَامَة هَل هى فِي السَّمَاء أم فِي الأَرْض وَهل هِيَ فِي الْجنَّة أم لَا وَهل تودع فِي أجساد غير أجسادها الَّتِي كَانَت فِيهَا فتنعم وتعذب فِيهَا أم تكون مُجَرّدَة

هَذِه مسالة عَظِيمَة تكلم فِيهَا للنَّاس وَاخْتلفُوا فِيهَا وهى إِنَّمَا تتلقى من السّمع فَقَط وَاخْتلف فِي ذَلِك فَقَالَ قَائِلُونَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عِنْد الله فِي الْجنَّة شُهَدَاء كَانُوا أم غير شُهَدَاء إِذا لم يحبسهم عَن الْجنَّة كَبِيرَة وَلَا دين وتلقاهم رَبهم بِالْعَفو عَنْهُم وَالرَّحْمَة لَهُم وَهَذَا مَذْهَب أَبى هُرَيْرَة وَعبد الله بن عمر رضى الله عَنْهُم

وَقَالَت طَائِفَة هم بِفنَاء الْجنَّة على بَابهَا يَأْتِيهم من روحها وَنَعِيمهَا وَرِزْقهَا

وَقَالَت طَائِفَة الْأَرْوَاح على افنية قبورها

ص: 90

وَقَالَ مَالك بلغنى أَن الرّوح مُرْسلَة تذْهب حَيْثُ شَاءَت

وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْنه عبد الله أَرْوَاح للْكفَّار فِي النَّار وأرواح الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة

وَقَالَ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه وَقَالَ طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عِنْد الله عز وجل وَلم يزِيدُوا على ذَلِك قَالَ روى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ بالجابية وأرواح الْكفَّار ببرهوت بِئْر بحضرموت

وَقَالَ صَفْوَان بن عَمْرو سَأَلت عَامر بن عبد الله أَبَا الْيَمَان هَل لأنفس الْمُؤمنِينَ مُجْتَمع فَقَالَ إِن الأَرْض الَّتِي يَقُول الله تَعَالَى {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} قَالَ هى الأَرْض الَّتِي يجْتَمع إِلَيْهَا أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ حَتَّى يكون الْبَعْث وَقَالُوا هى الأَرْض الَّتِي يُورثهَا الله الْمُؤمنِينَ فِي الدُّنْيَا وَقَالَ كَعْب أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عليين فِي السَّمَاء السَّابِعَة وأرواح الْكفَّار فِي سِجِّين فِي الأَرْض السَّابِعَة تَحت جند إِبْلِيس

وَقَالَت طَائِفَة أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ ببئر زَمْزَم وأرواح الْكفَّار ببئر برهوت

وَقَالَ سلمَان الفارسى أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي برزخ من الأَرْض تذْهب حَيْثُ شَاءَت وأرواح الْكفَّار فِي سِجِّين وَفِي لفظ عَنهُ نسمَة الْمُؤمن تذْهب فِي الأَرْض حَيْثُ شَاءَت

وَقَالَت طَائِفَة أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عَن يَمِين آدم وأرواح الْكفَّار عَن شِمَاله

وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى مِنْهُم ابْن حزم مستقرها حَيْثُ كَانَت قبل خلق أجسادها

وَقَالَ والذى نقُول بِهِ فِي مُسْتَقر الْأَرْوَاح هُوَ مَا قَالَه الله عز وجل وَنبيه لَا نتعداه فَهُوَ الْبُرْهَان الْوَاضِح وَهُوَ أَن الله عز وجل قَالَ وَإِذا أَخذ رَبك من بنى آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم ثمَّ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم} فصح أَن الله تَعَالَى خلق الْأَرْوَاح جملَة وَكَذَلِكَ أخبر أَن الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف وَأخذ الله عهدها وشهادتها لَهُ بالربوبية وهى مخلوقة مصورة عَاقِلَة قبل أَن يَأْمر الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم وَقبل أَن يدخلهَا فِي الأجساد والأجساد يَوْمئِذٍ تُرَاب وَمَاء ثمَّ أقرها حَيْثُ شَاءَ وَهُوَ البرزخ الذى ترجع إِلَيْهِ عِنْد الْمَوْت ثمَّ لَا يزَال يبْعَث مِنْهَا الْجُمْلَة بعد الْجُمْلَة فينفخها فِي الأجساد المتولدة من المنى إِلَى أَن قَالَ فصح أَن الْأَرْوَاح أجساد حاملة لأغراضها من التعارف والتناكر وَأَنَّهَا عارفة مُمَيزَة فيبلوهم الله فِي الدُّنْيَا كَمَا يَشَاء ثمَّ يتوفاها فَيرجع إِلَى

ص: 91

البرزخ الذى رَآهَا فِيهِ رَسُول الله لَيْلَة أسرى بِهِ عِنْد سَمَاء الدُّنْيَا أَرْوَاح أهل السَّعَادَة عَن يَمِين آدم وأرواح أهل الشقاوة عَن يسَاره وَذَلِكَ عِنْد مُنْقَطع العناصر ويعجل أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء إِلَى الْجنَّة

قَالَ وَقد ذكر مُحَمَّد بن نصر المروزى عَن اسحاق بن رَاهَوَيْه أَنه ذكر هَذَا الذى قُلْنَا بِعَيْنِه قَالَ وعَلى هَذَا أجمع أهل الْعلم

قَالَ ابْن حزم وَهُوَ قَول جَمِيع أهل الْإِسْلَام قَالَ وَهَذَا هُوَ قَول الله تَعَالَى فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة وَأَصْحَاب المشئمة مَا أَصْحَاب المشئمة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون فِي جنَّات النَّعيم ثلة من الْأَوَّلين وَقَلِيل من الآخرين وَقَوله تَعَالَى {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم} إِلَى خرها فَلَا تزَال الْأَرْوَاح هُنَالك حَتَّى يتم عدد الْأَرْوَاح إِلَى أجسادها ثَانِيَة وهى الْحَيَاة الثَّانِيَة يُحَاسب الْخلق فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير مخلدين ابدا انْتهى

وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وأرواح عَامَّة الْمُؤمنِينَ على أفنية قُبُورهم وَنحن نذْكر كَلَامه وَمَا احْتج بِهِ ونبين مَا فِيهِ

وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جريج فِيمَا قرىء عَلَيْهِ من مُجَاهِد لَيْسَ هى فِي الْجنَّة وَلَكِن يَأْكُلُون من ثمارها ويجدون رِيحهَا

وَذكر مُعَاوِيَة بن صَالح عَن سعيد بن سُوَيْد أَنه سَأَلَ ابْن شهَاب عَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَقَالَ بلغنى أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء كطير خضر معلقَة بالعرش تَغْدُو وَتَروح إِلَى رياض الْجنَّة تأتى رَبهَا فِي كل يَوْم تسلم عَلَيْهِ

وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي شرح حَدِيث ابْن عمر أَن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشى إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار يُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ وَقد اسْتدلَّ بِهِ من ذهب إِلَى أَن الْأَرْوَاح على أفنية الْقُبُور وَهُوَ أصح مَا ذهب اليه فِي ذَلِك وَالله أعلم لِأَن الْأَحَادِيث بذلك أحسن مجيئا وَأثبت نقلا من غَيرهَا

قَالَ وَالْمعْنَى أَنَّهَا قد تكون على أفنية قبورها لَا على أَنَّهَا تلْزم وَلَا تفارق أفنية الْقُبُور كَمَا قَالَ مَالك رحمه الله أَنه بلغنَا أَن الْأَرْوَاح تسرح حَيْثُ شَاءَت

قَالَ وَعَن مُجَاهِد أَنه قَالَ الْأَرْوَاح على أفنية الْقُبُور سَبْعَة أَيَّام من يَوْم دفن الْمَيِّت لَا تفارق ذَلِك وَالله أعلم

ص: 92

وَقَالَت فرقة مستقرها الْعَدَم الْمَحْض وَهَذَا قَول من يَقُول ان النَّفس عرض من أَعْرَاض الْبدن كحياته وإدراكه فتعدم بِمَوْت الْبدن كَمَا تعدم سَائِر الْأَعْرَاض الْمَشْرُوطَة بحياته وَهَذَا قَول مُخَالف لنصوص الْقُرْآن وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كَمَا سنذكر ذَلِك إِن شَاءَ الله وَالْمَقْصُود أَن عِنْد هَذِه الْفرْقَة المبطلة ان مُسْتَقر الْأَرْوَاح بعد الْمَوْت الْعَدَم الْمَحْض

وَقَالَت فرقة مستقرها بعد الْمَوْت أَرْوَاح أخر تناسب أخلاقها وصفاتها الَّتِي اكتسبتها فِي حَال حَيَاتهَا فَتَصِير كل روح إِلَى بدن حَيَوَان يشاكل تِلْكَ الْأَرْوَاح فَتَصِير النَّفس السبعية إِلَى ابدان السبَاع والكلبية إِلَى أبدان الْبَهَائِم والدنية والسفلية إِلَى أبدان الحشرات وَهَذَا قَول المتناسخة منكرى الْمعَاد وَهُوَ قَول خَارج عَن أَقْوَال أهل الْإِسْلَام كلهم

فَهَذَا مَا تلخص لى من جمع أَقْوَال النَّاس فِي مصير أَرْوَاحهم بعد الْمَوْت وَلَا تظفر بِهِ مجموعا فِي كتاب وَاحِد غير هَذَا الْبَتَّةَ وَنحن نذْكر مَأْخَذ هَذِه الْأَقْوَال وَمَا لكل قَول وَمَا عَلَيْهِ وَمَا هُوَ الصَّوَاب من ذَلِك الذى دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة على طريقتنا الَّتِي من الله بهَا وَهُوَ مرجو الْإِعَانَة والتوفيق فصل

فَأَما من قَالَ هى فِي الْجنَّة فاحتج بقوله تَعَالَى {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم} قَالَ وَهَذَا ذكره سُبْحَانَهُ عقيب ذكر خُرُوجهَا من الْبدن بِالْمَوْتِ وَقسم الْأَرْوَاح إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام مقربين وَأخْبر أَنَّهَا فِي جنَّة النَّعيم وَأَصْحَاب يَمِين حكم لَهَا بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يتَضَمَّن سلامتها من الْعَذَاب ومكذبة ضَالَّة وَأخْبر أَن لَهَا نزلا من حميم وتصلية جحيم قَالُوا وَهَذَا بعد مفارقتها للبدن قطعا وَقد ذكر سُبْحَانَهُ حَالهَا يَوْم الْقِيَامَة فِي أول السُّورَة فَذكر حَالهَا بعد الْمَوْت وَبعد الْبَعْث وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي} وَقد قَالَ غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ان هَذَا يُقَال لَهَا عِنْد خُرُوجهَا من الدُّنْيَا يبشرها الْملك بذلك وَلَا يُنَافِي ذَلِك قَول من قَالَ ان هَذَا يُقَال لَهَا فِي الْآخِرَة فانه يُقَال لَهَا عِنْد الْمَوْت وَعند الْبَعْث وَهَذِه من الْبُشْرَى الَّتِي قَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة أَلا تخافوا وَلَا تحزنوا وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنْتُم توعدون} وَهَذَا التنزل يكون عِنْد الْمَوْت وَيكون فِي الْقَبْر وَيكون عِنْد الْبَعْث وَأول بِشَارَة الْآخِرَة عِنْد الْمَوْت

وَقد تقدم فِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أَن الْملك يَقُول لَهَا عِنْد قبضهَا أبشرى بِروح وَرَيْحَان وَهَذَا من ريحَان الْجنَّة

ص: 93

وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك أخبرهُ أَن أَبَاهُ كَعْب بن مَالك كَانَ يحدث أَن رَسُول الله قَالَ إِنَّمَا نسمَة الْمُؤمن طَائِر تعلق فِي شجر الْجنَّة حَتَّى يرجعه الله إِلَى حَيَاة يَوْم يَبْعَثهُ قَالَ أَبُو عمر وَفِي رِوَايَة مَالك هَذِه بَيَان سَماع الزهرى لهَذَا الحَدِيث من عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُس عَن الزهرى قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك يحدث عَن أَبِيه وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الأوزاعى عَن الزهرى حَدَّثَنى عبد الرَّحْمَن بن كَعْب وَقد أعل مُحَمَّد بن يحيى الذهلى هَذَا الحَدِيث بِأَن شُعَيْب بن أَبى حَمْزَة وَمُحَمّد بن أخى الزهرى وَصَالح بن كيسَان رَوَوْهُ عَن الزهرى عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَن جده كَعْب فَيكون مُنْقَطِعًا وَقَالَ صَالح بن كيسَان عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن انه بلغه أَن كَعْبًا بن مَالك كَانَ يحدث قَالَ الذهلى وَهَذَا الْمَحْفُوظ عندنَا وَهُوَ الذى يُشبههُ حَدِيث صَالح وَشُعَيْب وَابْن أخى الزهرى وَخَالفهُ فِي هَذَا غَيره من الْحفاظ فحكموا لمَالِك والأوزاعى قَالَ أَبُو عمر فاتفق مَالك وَيُونُس بن يزِيد والأوزاعى والْحَارث بن فُضَيْل على رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن الزهرى عَن عبد الرَّحْمَن ابْن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره

قَالَ أَبُو عمر وَلَا وَجه عندى لما قَالَه مُحَمَّد بن يحيى من ذَلِك وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ واتفاق مَالك وَيُونُس بن زيد والأوزاعى وَمُحَمّد بن إِسْحَاق أولى بِالصَّوَابِ وَالنَّفس إِلَى قَوْلهم وروايتهم أسكن وهم من الْحِفْظ والاتقان بِحَيْثُ لَا يُقَاس بهم من خالفهم فِي هَذَا الحَدِيث انْتهى وَقد قَالَ مُحَمَّد الذهلى سَمِعت على بن المدينى يَقُول ولد كَعْب خَمْسَة عبد الله وَعبيد الله ومعبد وَعبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد قَالَ الذهلى فَسمع الزهرى من عبد الله بن كَعْب وَكَانَ قَائِد أَبِيه حِين عمى وَسمع من عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب وروى عَن بشير بن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب وَلَا أرَاهُ سمع مِنْهُ انْتهى فَالْحَدِيث ان كَانَ لعبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه كَعْب كَمَا قَالَ مَالك وَمن مَعَه فَظَاهر وَإِن كَانَ لعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب عَن جده كَمَا قَالَ شُعَيْب وَمن مَعَه فنهايته أَن يكون مُرْسلا من هَذَا الطَّرِيق وموصولا من الْأُخْرَى وَالَّذين وصلوه لَيْسُوا بِدُونِ الَّذين أَرْسلُوهُ قدرا وَلَا عددا فَالْحَدِيث من صِحَاح الْأَحَادِيث وَإِنَّمَا لم يُخرجهُ صاحبا الصَّحِيح لهَذِهِ الْعلَّة وَالله أعلم

قَالَ أَبُو عَمْرو أما قَوْله نسمَة الْمُؤمن فالنسمة هَا هُنَا الرّوح يدل على ذَلِك قَوْله فِي الحَدِيث نَفسه حَتَّى يرجعه الله إِلَى جسده يَوْم يَبْعَثهُ وَقيل النَّسمَة الرّوح وَالنَّفس وَالْبدن وأصل هَذِه اللَّفْظَة اعنى النَّسمَة الانسان بِعَيْنِه وَإِنَّمَا قيل للروح نسمَة وَالله أعلم لِأَن حَيَاة الانسان بِرُوحِهِ وَإِذا فَارقه عدم أَو صَار كَالْمَعْدُومِ وَالدَّلِيل على أَن النَّسمَة الانسان قَوْله من أعتق نسمَة مُؤمنَة وَقَول على رضى الله عَنهُ والذى فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة وَقَالَ الشَّاعِر

فأعظم مِنْك تقى فِي الْحساب

إِذا النسمات نفضن الغبارا

ص: 94

يعْنى إِذا بعث النَّاس من قُبُورهم يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد النَّسمَة الْإِنْسَان قَالَ والنسمة الرّوح والنسيم هبوب الرّيح وَقَوله تَعَالَى فِي شجر الْجنَّة يرْوى بِفَتْح اللَّام وَهُوَ الْأَكْثَر ويروى بِضَم اللَّام وَالْمعْنَى وَاحِد وَهُوَ الْأكل والرعى يَقُول تَأْكُل من ثمار الْجنَّة وتسرح بَين أشجارها والعلوقة والعلوق الْأكل والرعى تَقول الْعَرَب مَا ذاق الْيَوْم علوقا أى طَعَاما قَالَ الرّبيع بن زِيَاد يصف الْخَيل

ومجنبات مَا يذقن علوقة

يمصعن بالمهرات والأمهار

وَقَالَ الْأَعْشَى

وفلاة كَأَنَّهَا ظهر ترس

لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الرجيع علاق

قلت وَمِنْه قَول عَائِشَة وَالنِّسَاء إِذْ ذَاك خفاف لم يغشهن اللَّحْم إِنَّمَا يأكلن الْعلقَة من الطَّعَام وأصل اللَّفْظَة من التَّعَلُّق وَهُوَ مَا يعلق الْقلب وَالنَّفس من الْغذَاء

قَالَ وَاخْتلف الْعلمَاء فِي معنى هَذَا الحَدِيث فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُم أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عِنْد الله فِي الْجنَّة شُهَدَاء كَانُوا أم غير شُهَدَاء إِذا لم يحبسهم عَن الْجنَّة كَبِيرَة وَلَا دين وتلقاهم رَبهم بِالْعَفو عَنْهُم وَالرَّحْمَة لَهُم

قَالَ وَاحْتَجُّوا بِأَن هَذَا الحَدِيث لم يخص فِيهِ شَهِيدا من غير شَهِيد

وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا روى عَن أَبى هُرَيْرَة أَن أَرْوَاح الْأَبْرَار فِي عليين وأرواح الْفجار فِي سِجِّين وَعَن عبد الله بن عَمْرو مثل ذَلِك قَالَ أَبُو عمر وَهَذَا قَول يُعَارضهُ من السّنة مَا لَا مدفع فِي صِحَة نَقله وَهُوَ قَوْله إِذا مَاتَ أحدكُم عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشى إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار يُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة

وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا معنى هَذَا الحَدِيث فِي الشُّهَدَاء دون غَيرهم لِأَن الْقُرْآن وَالسّنة إِنَّمَا يدلان على ذَلِك أما الْقُرْآن فَقَوله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله} الْآيَة

وَأما الْآثَار فَذكر حَدِيث أَبى سعيد الخدرى رضى الله عَنهُ من طَرِيق بقى بن مخلد مَرْفُوعا الشُّهَدَاء يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ ثمَّ يكون مأواهم إِلَى قناديل معلقَة بالعرش فَيَقُول لَهُم الرب تبارك وتعالى هَل تعلمُونَ كَرَامَة أفضل من كَرَامَة أكرمتكموها فَيَقُولُونَ لَا غير

ص: 95

أَنا وَدِدْنَا أَنَّك أعدت أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نُقَاتِل مرّة أُخْرَى فنقتل فِي سَبِيلك رَوَاهُ عَن هناد عَن اسماعيل بن الْمُخْتَار عَن عَطِيَّة عَنهُ

ثمَّ سَاق حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله لما أُصِيب إخْوَانكُمْ يعْنى يَوْم أحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها وتأوى إِلَى قناديل من ذهب مدلاة فِي ظلّ الْعَرْش فَلَمَّا وجدوا طيب مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ وَمَقِيلهمْ قَالُوا من يبلغ إِخْوَاننَا أَنا أَحيَاء فِي الْجنَّة نرْزق لِئَلَّا ينكلُوا عَن الْحَرْب وَلَا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد قَالَ فَقَالَ الله عز وجل أَنا أبلغهم عَنْكُم فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} والْحَدِيث فِي مُسْند أَحْمد وَسنَن أَبى دَاوُد

ثمَّ ذكر حَدِيث الْأَعْمَش عَن عبد الله بن مرّة عَن مَسْرُوق قَالَ سَأَلَ عِنْد الله بن مسود رضى الله عَنهُ عَن هَذِه الْآيَة {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} فَقَالَ أما أَنا قد سَأَلنَا عَن ذَلِك فَقَالَ أَرْوَاحهم فِي جَوف طير خضر تسرح فِي الْجنَّة فِي ايها شَاءَت ثمَّ تأوى إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل فَاطلع اليهم رَبك إطلاعه فَقَالَ هَل تشتهون شَيْئا قَالُوا وأى شَيْء نشتهى وَنحن نَسْرَح من الْجنَّة حَيْثُ شِئْنَا فَفعل بهم ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا رَأَوْا أَنهم لم يتْركُوا من أَن يسْأَلُوا قَالُوا يَا رب نُرِيد أَن ترد أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نقْتل فِي سَبِيلك مرّة أُخْرَى فَلَمَّا رأى أَن لَيْسَ لَهُم حَاجَة تركُوا والْحَدِيث فِي صَحِيح مُسلم

قلت وَفِي صَحِيح البخارى عَن أنس أَن أم الرّبيع بنت الْبَراء وهى أم حَارِثَة بن سراقَة أَتَت النَّبِي فَقَالَت يَا نَبِي الله أَلا تحدثنى عَن حَارِثَة وَكَانَ قتل يود بدر أَصَابَهُ سهم غرب قان كَانَ فِي الْجنَّة صبرت وَإِن كَانَ فِي غير ذَلِك اجتهدت عَلَيْهِ فِي الْبكاء قَالَ يَا أم حَارِثَة إِنَّهَا جنان وَإِن ابْنك أصَاب الفردوس الْأَعْلَى

ثمَّ سَاق من طَرِيق بقى بن مخلد حَدثنَا يحيى بن عبد الحميد حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عبيد الله ابْن أَبى يزِيد سمع ابْن عَبَّاس يَقُول أَرْوَاح الشُّهَدَاء تجول فِي أَجْوَاف طير خضر تعلق فِي تتمر الْجنَّة

ثمَّ ذكر عَن معمر عَن قَتَادَة قَالَ بلغنَا أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي صور طير بيض تَأْكُل من ثمار الْجنَّة

وَمن طَرِيق أَبى عَاصِم النَّبِيل عَن ثَوْر بن يزِيد عَن خَالِد بن معدان عَن عبد الله بن عَمْرو أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي طير كالزرازير يَتَعَارَفُونَ وَيُرْزَقُونَ من ثَمَر الْجنَّة

ص: 96

قَالَ أَبُو عمر هَذِه الْآثَار كلهَا تدل على أَنهم الشُّهَدَاء دون غَيرهم وَفِي بَعْضهَا فِي صور طير وَفِي بَعْضهَا فِي أَجْوَاف طير وَفِي بَعْضهَا كطير خضر قَالَ والذى يشبه عندى وَالله أعلم أَن يكون القَوْل قَول من قَالَ كطير أَو صور طير لمطابقته لحديثنا الْمَذْكُور يُرِيد حَدِيث كَعْب ابْن مَالك وَقَوله فِيهِ نسمَة الْمُؤمن كطائر وَلم يقل فِي جَوف طَائِر

قَالَ وروى عِيسَى بن يُونُس حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن الْأَعْمَش عبد الله بن مرّة عَن مَسْرُوق عَن عبد الله كطير خضر

قلت والذى فِي صَحِيح مُسلم فِي أَجْوَاف طير خضر

قَالَ أَبُو عمر فعلى هَذَا التَّأْوِيل كَأَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا نسمَة الْمُؤمن من الشُّهَدَاء طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة

قلت لَا تنَافِي بَين قَوْله نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة وَبَين قَوْله إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشى إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار وَهَذَا الْخطاب يتَنَاوَل الْمَيِّت على فرَاشه والشهيد كَمَا أَن قَوْله نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة يتَنَاوَل الشَّهِيد وَغَيره وَمَعَ كَونه يعرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشى ترد روحه أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها

وَأما المقعد الْخَاص بِهِ وَالْبَيْت الذى أعد لَهُ فانه إِنَّمَا يدْخلهُ يَوْم الْقِيَامَة وَيدل عَلَيْهِ أَن منَازِل الشُّهَدَاء ودورهم وقصورهم الَّتِي أعد الله لَهُم لَيست هِيَ تِلْكَ الْقَنَادِيل الَّتِي تأوى اليها أَرْوَاحهم فِي البرزخ قطعا فهم يرَوْنَ مَنَازِلهمْ ومقاعدهم من الْجنَّة وَيكون مستقرهم فِي تِلْكَ الْقَنَادِيل الْمُعَلقَة بالعرش فان الدُّخُول التَّام الْكَامِل إِنَّمَا يكون يَوْم الْقِيَامَة وَدخُول الْأَرْوَاح الْجنَّة فِي البرزخ أَمر دون ذَلِك

وَنَظِير هَذَا أهل الشَّقَاء تعرض أَرْوَاحهم على النَّار غدوا وعشيا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دخلُوا مَنَازِلهمْ ومقاعدهم الَّتِي كَانُوا يعرضون عَلَيْهَا فِي البرزخ فتنعم الْأَرْوَاح بِالْجنَّةِ فِي البرزخ شَيْء وتنعمها مَعَ الْأَبدَان يَوْم الْقِيَامَة بهَا شَيْء آخر فغذاه الرّوح من الْجنَّة فِي البرزخ دون غذائها مَعَ بدنهَا يَوْم الْبَعْث وَلِهَذَا قَالَ تعلق فِي شجر الْجنَّة أى تَأْكُل الْعلقَة وَقَامَ الْأكل وَالشرب واللبس والتمتع فَإِنَّمَا يكون إِذا ردَّتْ إِلَى أجسادها يَوْم الْقِيَامَة فَظهر أَنه لَا يُعَارض هَذَا القَوْل من السّنَن شَيْء وَإِنَّمَا تعاضده السّنة وتوافقه

وَأما قَول من قَالَ إِن حَدِيث كَعْب فِي الشُّهَدَاء دون غَيرهم فتخصيص لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ حمل اللَّفْظ الْعَام على أقل مسمياته فَإِن الشُّهَدَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمُوم الْمُؤمنِينَ

ص: 97

قَلِيل جدا وَالنَّبِيّ علق هَذَا الْجَزَاء بِوَصْف الْإِيمَان فَهُوَ الْمُقْتَضى لَهُ وَلم يعلقه بِوَصْف الشَّهَادَة أَلا ترى أَن الحكم الذى اخْتصَّ بِالشُّهَدَاءِ علق بِوَصْف الشَّهَادَة كَقَوْلِه فِي حَدِيث الْمِقْدَام بن معد يكرب للشهيد عِنْد الله سِتّ خِصَال يغْفر لَهُ فِي أول دفقة من دَمه وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة ويحلى حلَّة الْإِيمَان ويزوج من الْحور الْعين ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويأمن من الْفَزع الْأَكْبَر وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار الياقوتة مِنْهُ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ويزوج اثْنَتَيْنِ وَسبعين من الْحور الْعين ويشفع فِي سبعين إنْسَانا من أَقَاربه فَلَمَّا كَانَ هَذَا يخْتَص بالشهيد قَالَ إِن للشهيد وَلم يقل إِن لِلْمُؤمنِ وَكَذَلِكَ قَوْله فِي حَدِيث قيس الجذامى يعْطى الشَّهِيد سِتّ خِصَال وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَحَادِيث والنصوص الَّتِي علق فِيهَا الْجَزَاء بِالشَّهَادَةِ

وَأما مَا علق فِيهِ الْجَزَاء بِالْإِيمَان فَإِنَّهُ يتَنَاوَل كل مُؤمن شَهِيدا كَانَ أَو غير شَهِيد

واما النُّصُوص والْآثَار الَّتِي ذكر فِي رزق الشُّهَدَاء وَكَون أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة فَكلهَا حق وَهِي لَا تدل على انْتِفَاء دُخُول أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ الْجنَّة وَلَا سِيمَا الصديقين الَّذين هم أفضل من الشُّهَدَاء بِلَا نزاع بَين النَّاس فَيُقَال لهَؤُلَاء مَا تَقولُونَ فِي أَرْوَاح الصديقين هَل هى فِي الْجنَّة أم لَا

فَإِن قَالُوا أَنَّهَا فِي الْجنَّة وَلَا يسوغ لَهُم غير هَذَا القَوْل فَثَبت أَن هَذِه النُّصُوص لَا تدل على اخْتِصَاص أَرْوَاح الشُّهَدَاء بذلك وَإِن قَالُوا لَيست فِي الْجنَّة لَزِمَهُم من ذَلِك أَن تكون أَرْوَاح سَادَات الصَّحَابَة كابى بكر الصّديق وأبى بن كَعْب وَعبد الله بن مَسْعُود وأبى الدَّرْدَاء وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وأشباههم رضى الله عَنْهُم لَيست فِي الْجنَّة وأرواح شُهَدَاء زَمَاننَا فِي الْجنَّة وَهَذَا مَعْلُوم الْبطلَان ضَرُورَة

فَإِن قيل فَإِن كَانَ هَذَا حكم يخْتَص بِالشُّهَدَاءِ فَمَا الْمُوجب لتخصيصهم بِالذكر فِي هَذِه النُّصُوص قلت التَّنْبِيه على فضل الشَّهَادَة وعلو درجتها وَأَن هَذَا مَضْمُون لأَهْلهَا وَلَا بُد وَأَن لَهُم مِنْهَا أوفر نصيب فَنصِيبهُمْ من هَذَا النَّعيم فِي البرزخ أكمل من نصيب غَيرهم من الْأَمْوَات على فراشهم وَإِن كَانَ الْمَيِّت على فرَاشه أَعلَى دَرَجَة مِنْهُم فَلهُ نعيم يخْتَص بِهِ لَا يُشَارِكهُ فِيهِ من هُوَ دونه

وَيدل على هَذَا أَن الله سُبْحَانَهُ جعل أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف اطير خضر فَإِنَّهُم لما بذلوا أنفسهم لله حَتَّى أتلفهَا أعداؤه فِيهِ أعاضهم مِنْهَا فِي البرزخ أبدانا خيرا مِنْهَا تكون فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيكون نعيمها بِوَاسِطَة تِلْكَ الْأَبدَان أكمل من نعيم الْأَرْوَاح الْمُجَرَّدَة عَنْهَا وَلِهَذَا كَانَت نسمَة الْمُؤمن فِي صُورَة طير أَو كطير ونسمة الشَّهِيد فِي جَوف طير وَتَأمل لفظ الْحَدِيثين فانه قَالَ نسمَة الْمُؤمن طير فَهَذَا يعم الشَّهِيد وَغَيره ثمَّ خص للشهيد بِأَن قَالَ

ص: 98