الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَايَة الهضم وتنقصوه فَلهم نصيب وافر من قَوْله تَعَالَى وَإِذا ذكر الله وَحده اشمأزت قُلُوب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة وَإِذا ذكر الَّذين من دونه إِذا هم يستبشرون
فصل وَالْفرق بَين تَجْرِيد مُتَابعَة الْمَعْصُوم وإهدار أَقْوَال الْعلمَاء وإلغائها
أَن تَجْرِيد الْمُتَابَعَة أَن لَا تقدم على مَا جَاءَ بِهِ قَول أحد وَلَا رَأْيه كَائِنا من كَانَ بل تنظر فِي صِحَة الحَدِيث أَولا فَإِذا صَحَّ لَك نظرت فِي مَعْنَاهُ ثَانِيًا فَإِذا تبين لَك لم تعدل عَنهُ وَلَو خالفك من بَين الْمشرق الْمغرب ومعاذ الله أَن تتفق الْأمة على مُخَالفَة مَا جَاءَ بِهِ نبيها بل لَا بُد أَن يكون فِي الْأمة من قَالَ بِهِ وَلَو لم تعلمه فَلَا تجْعَل جهلك بالقائل بِهِ حجَّة على الله وَرَسُوله بل أذهب إِلَى النَّص وَلَا تضعف وَاعْلَم أَنه قد قَالَ بِهِ قَائِل قطعا وَلَكِن لم يصل إِلَيْك هَذَا مَعَ حفظ مَرَاتِب الْعلمَاء وموالاتهم واعتقاد حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم فِي حفظ الدّين وَضَبطه فهم دائرون بَين الْأجر والأجرين وَالْمَغْفِرَة وَلَكِن لَا يُوجب هَذَا إهدار النُّصُوص وَتَقْدِيم قَول الْوَاحِد مِنْهُم عَلَيْهَا بِشُبْهَة انه اعْلَم بهَا مِنْك فَإِن كَانَ كَذَلِك فَمن ذهب إِلَى النَّص أعلم بِهِ مِنْك فَهَلا وافقته إِن كنت صَادِقا فَمن عرض أَقْوَال الْعلمَاء على النُّصُوص ووزنها بهَا وَخَالف مِنْهَا مَا خَالف النَّص لم يهدر أَقْوَالهم وَلم يهضم جانبهم بل اقْتدى بهم فَإِنَّهُم كلهم أمروا بذلك فمتبعهم حَقًا من امتثل مَا أوصوا بِهِ لَا من خالفهم فخلافهم فِي القَوْل الَّذِي جَاءَ النَّص بِخِلَافِهِ أسهل من مخالفتهم فِي الْقَاعِدَة الْكُلية الَّتِي أمروا ودعوا إِلَيْهَا من تَقْدِيم النَّص على أَقْوَالهم وَمن هُنَا يتَبَيَّن الْفرق بَين تَقْلِيد الْعَالم فِي كل مَا قَالَ وَبَين الِاسْتِعَانَة بفهمه والاستضاءة بِنور علمه فَالْأول يَأْخُذ قَوْله من غير نظر فِيهِ وَلَا طلب لدليله من الْكتاب وَالسّنة بل يَجْعَل ذَلِك كالحبل الَّذِي يلقيه فِي عُنُقه يقلده بِهِ وَلذَلِك سمى تقليدا بِخِلَاف مَا اسْتَعَانَ بفهمه واستضاء بِنور علمه فِي الْوُصُول إِلَى الرَّسُول صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يجعلهم بِمَنْزِلَة الدَّلِيل إِلَى الدَّلِيل الأول فَإِذا وصل إِلَيْهِ اسْتغنى بدلالته عَن الِاسْتِدْلَال بِغَيْرِهِ فَمن اسْتدلَّ بِالنَّجْمِ على الْقبْلَة فَإِنَّهُ إِذا شَاهدهَا لم يبْق لاستدلاله بِالنَّجْمِ معنى قَالَ الشَّافِعِي اجْمَعْ النَّاس على أَن من استبانت لَهُ سنة رَسُول الله لم يكن لَهُ أَن يَدعهَا لقَوْل أحد
فصل وَالْفرق بَين أَوْلِيَاء الرَّحْمَن وأولياء الشَّيْطَان أَن أَوْلِيَاء الرَّحْمَن
لَا خوف عَلَيْهِم ولاهم يَحْزَنُونَ {هم} الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ وهم المذكورون فِي أول سُورَة الْبَقَرَة إِلَى قَوْله هم المفلحون وَفِي وَسطهَا فِي قَوْله وَلَكِن الْبر من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر إِلَى قَوْله
أُولَئِكَ الَّذين صدقُوا وَأُولَئِكَ هم المتقون وَفِي أول الْأَنْفَال إِلَى قَوْله لَهُم دَرَجَات عِنْد رَبهم ومغفرة ورزق كريم وَفِي أول سُورَة الْمُؤمنِينَ إِلَى قَوْله هم فِيهَا خَالدُونَ وَفِي آخر سُورَة الْفرْقَان وَفِي قَوْله إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات إِلَى آخر الْآيَة وَفِي قَوْله أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ وَفِي قَوْله وَمن يطع الله وَرَسُوله ويخش الله ويتقه فَأُولَئِك هم الفائزون وَفِي قَوْله إِلَّا الْمُصَلِّين الَّذين هم على صلَاتهم دائمون إِلَى قَوْله فِي جنَّات مكرمون وَفِي قَوْله التائبون العابدون الحامدون إِلَى آخر الْآيَة
فأولياء الرَّحْمَن هم المخلصون لرَبهم المحكمون لرَسُوله فِي الْحرم والحل الَّذين يخالفون غَيره لسنته وَلَا يخالفون سنته لغَيْرهَا فَلَا يبتدعون وَلَا يدعونَ إِلَى بِدعَة وَلَا يتحيزون إِلَى فِئَة غير الله وَرَسُوله وَأَصْحَابه وَلَا يتخذون دينهم لهوا وَلَعِبًا وَلَا يستحبون سَماع الشَّيْطَان على سَماع الْقُرْآن وَلَا يؤثرون صُحْبَة الأفتان على مرضاة الرَّحْمَن وَلَا المعازف والمثاني على السَّبع المثاني
بَرِئْنَا إِلَى الله من معشر
…
بهم مرض مورد للضنا
وَكم قلت يَا قوم انتم على
…
شفا جرف من سَماع الْغِنَا
فَلَمَّا استهانوا بتنبيهنا
…
تركنَا غويا وَمَا قد جنا
وَهل يستجيب لداعي الْهدى
…
غوى اصار الْغِنَا ديدنا
فعشنا على مِلَّة الْمُصْطَفى
…
وماتوا على تأتنا تنتنا
وَلَا يشْتَبه أَوْلِيَاء الرَّحْمَن بأولياء الشَّيْطَان إِلَّا على فَاقِد البصيرة وَالْإِيمَان وأنى يكون المعرضون عَن كِتَابه وَهدى وَرَسُوله وسنته المخالفون لَهُ إِلَى غَيره أولياءه وَقد ضربوا لمُخَالفَته جاشا وَعدلُوا عَن هدى نبيه وطريقته وَمَا كَانُوا أولياءه إِن أولياؤه إِلَّا المتقون وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ
فأولياء الرَّحْمَن المتلبسون بِمَا يُحِبهُ وليهم الداعون إِلَيْهِ المحاربون لمن خرج عَنهُ وأولياء الشَّيْطَان المتلبسون بِمَا يُحِبهُ وليهم قولا وَعَملا يدعونَ إِلَيْهِ ويحاربون من نَهَاهُم عَنهُ فَإِذا رَأَيْت الرجل يحب السماع الشيطاني ومؤذن الشَّيْطَان وإخوان الشَّيَاطِين وَيَدْعُو إِلَى مَا يبحه الشَّيْطَان من الشّرك والبدع والفجور علمت أَنه من أولياءه فَإِن اشْتبهَ عَلَيْك فاكشفه فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن فِي صلَاته ومحبته للسّنة وَأَهْلهَا ونفرته عَنْهُم ودعوته إِلَى الله وَرُسُله وَتَجْرِيد التَّوْحِيد والمتابعة وتحكيم السّنة فزنه بذلك لَا تزنه يُحَال وَلَا كشف وَلَا خارق وَلَو مَشى على المَاء وطار فِي الْهَوَاء