الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَت فرقة أُخْرَى هَذَا اللوم يَوْم الْقِيَامَة فَإِن كل أحد يلوم نَفسه إِن كَانَ مسيئا على إساءته وَإِن كَانَ محسنا على تَقْصِيره
وَهَذِه الْأَقْوَال كلهَا حق وَلَا تنَافِي بَينهَا فَإِن النَّفس مَوْصُوفَة بِهَذَا كُله وبإعتباره سميت لوامة وَلَكِن اللوامة نَوْعَانِ
لوامة ملومة وَهِي النَّفس الجاهلة الظالمة الَّتِي يلومها الله وَمَلَائِكَته
ولوامة غير ملومة وَهِي الَّتِي لَا تزَال تلوم صَاحبهَا على تَقْصِيره فِي طَاعَة الله مَعَ بذله جهده فَهَذِهِ غير ملومة وأشرف النُّفُوس من لامت نَفسهَا فِي طَاعَة الله واحتملت ملام اللائمين فِي مرضاته فَلَا تأخذها فِيهِ لومة لائم فَهَذِهِ قد تخلصت من لوم الله وَأما من رضيت بأعمالها وَلم تلم نَفسهَا وَلم تحْتَمل فِي الله ملام اللوام فَهِيَ الَّتِي يلومها الله عز وجل
فصل وَأما النَّفس الأمارة فَهِيَ المذمومة فَإِنَّهَا الَّتِي تَأمر بِكُل سوء وَهَذَا من
طبيعتها إِلَّا مَا وفقها الله وثبتها وأعانها فَمَا تخلص أحد من شَرّ نَفسه إِلَّا بِتَوْفِيق الله لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى حاكيا عَن امْرَأَة الْعَزِيز وَمَا أبرىء نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء إِلَّا مَا رحم رَبِّي إِن رَبِّي غَفُور رَحِيم وَقَالَ تَعَالَى وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكا مِنْكُم من أحد أبدا وَقَالَ تَعَالَى لأكرم خلقه عَلَيْهِ وأحبهم إِلَيْهِ {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك لقد كدت تركن إِلَيْهِم شَيْئا قَلِيلا} وَكَانَ النَّبِي يعلمهُمْ خطْبَة الْحَاجة الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلله فَلَا هادي لَهُ فالشر كامن فِي لنَفس وَهُوَ يُوجب سيئات الْأَعْمَال فَإِن خلى الله بَين العَبْد وَبَين نَفسه هلك بَين شَرها وَمَا تَقْتَضِيه من سيئات الْأَعْمَال وَإِن وَفقه وأعانه نجاه من ذَلِك كُله فنسأل الله الْعَظِيم أَن يعيذنا من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا
وَقد امتحن الله سُبْحَانَهُ الْإِنْسَان بِهَاتَيْنِ النفسين الأمارة واللوامة كَمَا أكْرمه بالمطمئنة فَهِيَ نفس وَاحِدَة تكون أَمارَة ثمَّ لوامة مطمئنة وَهِي غَايَة كمالها وصلاحها وأيد المطمئنة بِجُنُود عديدة فَجعل الْملك قرينها وصاحبها الَّذِي يَليهَا ويسددها ويقذف فِيهَا الْحق ويرغبها فِيهِ ويريها حسن صورته ويزجرها عَن الْبَاطِل ويزهدها فِيهِ ويريها قبح صورته وأمدها بِمَا علمهَا من الْقُرْآن والأذكار وأعمال الْبر وَجعل وُفُود الْخيرَات ومداد التَّوْفِيق تنتابها وَتصل إِلَيْهَا من كل نَاحيَة وَكلما تلقتها بِالْقبُولِ وَالشُّكْر وَالْحَمْد لله ورؤية أوليته فِي ذَلِك كُله ازْدَادَ مددها فتقوى على محاربة الْإِمَارَة فَمن جندها وَهُوَ سُلْطَان عساكرها وملكها الْإِيمَان وَالْيَقِين
فالجيوش الإسلامية كلهَا تَحت لوائه ناظرة إِلَيْهِ إِن ثَبت ثبتَتْ وَإِن انهزم ولت على أدبارها ثمَّ أُمَرَاء هَذَا الْجَيْش ومقدمو عساكره شعب الْإِيمَان الْمُتَعَلّقَة بالجوارح على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَالْجهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ونصيحة الْخلق وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم بأنواع الْإِحْسَان وشعبه الْبَاطِنَة الْمُتَعَلّقَة بِالْقَلْبِ كالإخلاص والتوكل والإنابة وَالتَّوْبَة والمراقبة وَالصَّبْر والحلم والتواضع والمسكنة وامتلاء الْقلب من محبَّة الله وَرَسُوله وتعظيم أوَامِر الله وحقوقه والغيرة لله وَفِي الله والشجاعة والعفة والصدق والشفقة وَالرَّحْمَة وملاك ذَلِك كُله الْإِخْلَاص والصدق فَلَا يتعب الصَّادِق المخلص فقد أقيم على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فيسار بِهِ وَهُوَ رَاقِد وَلَا يتعب من حرم الصدْق وَالْإِخْلَاص فقد قطعت عَلَيْهِ الطَّرِيق واستهوته الشَّيَاطِين فِي الأَرْض حيران فَإِن شَاءَ فليعمل وَإِن شَاءَ فليترك فَلَا يزِيدهُ عمله من الله إِلَّا بعدا وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا كَانَ لله وَبِاللَّهِ فَهُوَ من جند النَّفس المطمئنة
وَأما النَّفس الأمارة فَجعل الشَّيْطَان قرينها وصاحبها الَّذِي يَليهَا فَهُوَ يعدها ويمنيها ويقذف فِيهَا الْبَاطِل ويأمرها بالسوء ويزينه لَهَا ويطيل فِي الأمل ويريها الْبَاطِل فِي صُورَة تقلبها وتستحسنها ويمدها بأنواع الْإِمْدَاد الْبَاطِل من الْأَمَانِي الكاذبة والشهوات الْمهْلكَة ويستعين عَلَيْهَا بهواها وإرادتها فَمِنْهُ يدْخل عَلَيْهَا كل مَكْرُوه فَمَا اسْتَعَانَ على النُّفُوس بِشَيْء هُوَ أبلغ من هَواهَا وإرادتها إِلَيْهِ وَقد علم ذَلِك إخوانه من شياطين الْإِنْس فَلَا يستعينون على الصُّور الممنوعة مِنْهُم بِشَيْء أبلغ من هواهم وإرادتهم فَإِذا أعيتهم صُورَة طلبُوا بجهدهم مَا تحبه وتهواه ثمَّ طلبُوا بجهدهم تَحْصِيله فاصطادوا تِلْكَ الصُّورَة فَإِذا فتحت لَهُم النَّفس بَاب الْهوى دخلُوا مِنْهُ فجلسوا خلال الديار فعاثوا وأفسدوا وفتكوا وَسبوا وفعلوا مَا يَفْعَله الْعَدو بِبِلَاد عدوه إِذا نحكم فِيهَا فهدموا معالم الْإِيمَان وَالْقُرْآن وَالذكر وَالصَّلَاة وخربوا الْمَسَاجِد وعمروا البيع وَالْكَنَائِس والحانات والمواخير وقصدوا إِلَى الْملك فأسروا وسلبوه ملكه ونقلوه من عبَادَة الرَّحْمَن إِلَى عبَادَة البغايا والأوثان وَمن عز الطَّاعَة إِلَى ذل الْمعْصِيَة وَمن السماع الرحماني إِلَى السماع الشيطاني وَمن الاستعداد للقاء رب الْعَالمين إِلَى الاستعداد للقاء إخْوَان الشَّيَاطِين فَبينا هُوَ يُرَاعى حُقُوق الله وَمَا أمره بِهِ إِذْ صَار يرْعَى الْخَنَازِير وَبينا هُوَ منتصب لخدمة الْعَزِيز الرَّحِيم إِذْ صَار منتصبا لخدمة كل شَيْطَان رجيم
وَالْمَقْصُود أَن الْملك قرين النَّفس المطمئنة والشيطان قرين الأمارة وَقد روى أَبُو الْأَحْوَص عَن عَطاء بن السَّائِب عَن مرّة عَن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله