الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأما حَدِيث خلق الْأَرْوَاح قبل الأجساد بألفي عَام فَلَا يَصح إِسْنَاده فَفِيهِ عتبَة بن السكن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك وأرطأة بن الْمُنْذر قَالَ ابْن عدي بعض أَحَادِيثه غلط
فصل وَأما الدَّلِيل على أَن خلق الْأَرْوَاح مُتَأَخّر عَن خلق أبدانها فَمن وُجُوه
أَحدهَا أَن خلق أَبى الْبشر وأصلهم كَانَ هَكَذَا فَإِن الله سُبْحَانَهُ أرسل جِبْرِيل فَقبض قَبْضَة من الأَرْض ثمَّ خمرها حَتَّى صَارَت طينا ثمَّ صوره ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح بعد أَن صوره فَلَمَّا دخلت الرّوح فِيهِ صَار لَحْمًا ودما حَيا ناطقا فَفِي تَفْسِير أَبى مَالك وأبى صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود وَعَن أنَاس من أَصْحَاب النَّبِي لما فرغ عز وجل من خلق مَا أحب اسْتَوَى على الْعَرْش فَجعل إِبْلِيس ملكا على سَمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ من الْخزَّان قلبه من مَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ وَإِنَّمَا سموا الْجِنّ لأَنهم خزان خزان أهل الْجنَّة وَكَانَ إِبْلِيس مَعَ ملكه خَازِنًا فَوَقع فِي صَدره وَقَالَ مَا أَعْطَانِي الله هَذَا إِلَّا لمزيد لي وَفِي لفظ لمزية لي على الْمَلَائِكَة فَلَمَّا وَقع ذَلِك الْكبر فِي نَفسه اطلع الله على ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ الله للْمَلَائكَة {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} قَالُوا رَبنَا وَمَا يكون حَال الْخَلِيفَة وَمَا يصنعون فِي الأَرْض قَالَ الله تكون لَهُ ذُرِّيَّة يفسدونه فِي الأَرْض ويتحاسدون وَيقتل بَعضهم بَعْضًا قَالُوا رَبنَا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} يَعْنِي من شَأْن إِبْلِيس فَبعث جِبْرِيل إِلَى الأَرْض ليَأْتِيه بطين مِنْهَا فَقَالَت الأَرْض إِنِّي أعوذ بِاللَّه مِنْك أَن تقبض مني فَرجع وَلم يَأْخُذ وَقَالَ رب إِنَّهَا عاذت بك فأعذتها فَبعث مِيكَائِيل فعاذت مِنْهُ فأعاذها فَبعث ملك الْمَوْت فعاذت مِنْهُ فَقَالَ وَأَنا أعوذ بِاللَّه أَن أرجع وَلم أنفذ أمره فَأخذ من وَجه الأَرْض وخلط فَلم يَأْخُذ من مَكَان وَاحِد فَأخذ من تربة حَمْرَاء وبيضاء وسوداء وَلذَلِك خرج بَنو آدم مُخْتَلفين فَصَعدَ بِهِ قبل الرب عز وجل حَتَّى عَاد طينا لازبا واللازب هُوَ الَّذِي يلزق بعضه بِبَعْض ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة {إِنِّي خَالق بشرا من طين فَإِذا سويته ونفخت فِيهِ من روحي فقعوا لَهُ ساجدين} فخلقه الله بِيَدِهِ لكيلا يتكبر إِبْلِيس عَنهُ ليقول لَهُ تتكبر عَمَّا عملت بيَدي وَلم أتكبر أَنا عَنهُ فخلقه بشرا فَكَانَ جسدا من طين أَرْبَعِينَ سنة فمرت بِهِ الْمَلَائِكَة ففزعوا مِنْهُ لما رَأَوْهُ وَكَانَ أَشَّدهم مِنْهُ فَزعًا إِبْلِيس فَكَانَ يمر بِهِ فيضربه فيصوت الْجَسَد كَمَا يصوت الفخار تكون لَهُ صلصة فَذَلِك حِين يَقُول {من صلصال كالفخار} وَيَقُول لأمر مَا خلقت وَدخل من فِيهِ فَخرج من دبره فَقَالَ للْمَلَائكَة لَا ترهبوا من هَذَا فَإِن ربكُم صَمد وَهَذَا أجوف لَئِن سلطت عَلَيْهِ لأهلكنه فَلَمَّا بلغ الْحِين الَّذِي يُرِيد الله جلّ ثَنَاؤُهُ أَن ينْفخ فِيهِ الرّوح قَالَ للْمَلَائكَة
إِذا نفخت فِيهِ من روحي فأسجدوا لَهُ فَلَمَّا نفخ فِيهِ الرّوح فَدخل الرّوح فِي رَأسه عطس فَقَالَت الْمَلَائِكَة قل الْحَمد لله فَقَالَ الْحَمد لله فَقَالَ لَهُ الله يَرْحَمك رَبك فَلَمَّا دخل الرّوح فِي عَيْنَيْهِ نظر إِلَى ثمار الْجنَّة فَلَمَّا دخل فِي جَوْفه اشتهي الطَّعَام قبل أَن يبلغ الرّوح رجلَيْهِ فَنَهَضَ عجلَان إِلَى ثمار الْجنَّة فَذَلِك حِين يَقُول {خلق الْإِنْسَان من عجل} وَذكر بَاقِي الحَدِيث
وَقَالَ يُونُس بن عبد الْأَعْلَى أخبرنَا ابْن وهب حَدثنَا ابْن زيد قَالَ لما خلق الله النَّار ذعرت مِنْهَا الْمَلَائِكَة ذعرا شَدِيدا وَقَالُوا رَبنَا لم خلقت هَذِه النَّار ولأي شَيْء خلقتها قَالَ لمن عَصَانِي من خلقي
وَلم يكن لله يَوْمئِذٍ خلق إِلَّا الْمَلَائِكَة وَالْأَرْض لَيْسَ فِيهَا خلق إِنَّمَا خلق آدم بعد ذَلِك وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} قَالَ عمر بن الْخطاب يَا رَسُول الله لَيْت ذَلِك الْحِين ثمَّ قَالَ وَقَالَت الْمَلَائِكَة وَيَأْتِي علينا دهر نَعْصِيك فِيهِ لَا يرَوْنَ لَهُ خلقا غَيرهم قَالَ لَا إِنِّي أُرِيد أَن أخلق فِي الأَرْض خلقا وَأَجْعَل فِيهَا خَليفَة وَذكر الحَدِيث قَالَ ابْن إِسْحَاق فَيُقَال وَالله أعلم خلق الله آدم ثمَّ وَضعه ينظر إِلَيْهِ أَرْبَعِينَ عَاما قبل أَن ينْفخ فِيهِ الرّوح حَتَّى عَاد صلصالا كالفخار وَلم تمسسه نَار فَيُقَال وَالله أعلم لما انتهي الرّوح إِلَى رَأسه عطس فَقَالَ الْحَمد لله وَذكر الحَدِيث
وَالْقُرْآن والْحَدِيث والْآثَار تدل على أَنه سُبْحَانَهُ نفخ فِيهِ من روحه بعد خلق جسده فَمن تِلْكَ النفخة حدثت فِيهِ الرّوح وَلَو كَانَت روحه مخلوقة قبل بدنه مَعَ جملَة أَرْوَاح ذُريَّته لما عجبت الْمَلَائِكَة من خلقه وَلما تعجبت من خلق النَّار وَقَالَت لأي شَيْء خلقتها وَهِي ترى أَرْوَاح بني آدم فيهم الْمُؤمن وَالْكَافِر وَالطّيب والخبيث
وَلما كَانَت أَرْوَاح الْكفَّار كلهَا تبعا لإبليس بل كَانَت الْأَرْوَاح الْكَافِرَة مخلوقة قبل كفره فَإِن الله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا حكم عَلَيْهِ بالْكفْر بعد خلق بدن آدم وروحه وَلم يكن قبل ذَلِك كَافِرًا فَكيف تكون الْأَرْوَاح قبله كَافِرَة ومؤمنة وَهُوَ لم يكن كَافِرًا إِذْ ذَاك وَهل حصل الْكفْر للأرواح إِلَّا بتزيينه وإغوائه فالأرواح الْكَافِرَة إِنَّمَا حدثت بعد كفره إِلَّا أَن يُقَال كَانَت كلهَا مُؤمنَة ثمَّ ارْتَدَّت بِسَبَبِهِ وَالَّذِي احْتَجُّوا بِهِ على تَقْدِيم خلق الْأَرْوَاح يُخَالف ذَلِك
وَفِي حَدِيث أَبى هُرَيْرَة فِي تخليق الْعَالم الْأَخْبَار عَن خلق أَجنَاس الْعَالم تَأَخّر خلق آدم إِلَى يَوْم الْجُمُعَة وَلَو كَانَت الْأَرْوَاح مخلوقة قبل الأجساد لكَانَتْ من جملَة الْعَالم الْمَخْلُوق فِي سِتَّة أَيَّام فَلَمَّا لم يخبر عَن خلقهَا فِي هَذِه الْأَيَّام علم أَن خلقهَا تَابع لخلق الذُّرِّيَّة وَأَن خلق آدم وَحده هُوَ الَّذِي وَقع فِي تِلْكَ الْأَيَّام السِّتَّة وَأما خلق ذُريَّته فعلى الْوَجْه الْمشَاهد المعاين
وَلَو كَانَ للروح وجود قبل الْبدن وَهِي حَيَّة عَالِمَة ناطقة لكَانَتْ ذاكرة لذَلِك فِي هَذَا الْعَالم شاعرة بِهِ وَلَو بِوَجْه مَا
وَمن الْمُمْتَنع أَن تكون حَيَّة عَالِمَة ناطقة عارفة بربها وَهِي بَين مَلأ من الْأَرْوَاح ثمَّ تنْتَقل إِلَى هَذَا الْبدن وَلَا تشعر بِحَالِهَا قبل ذَلِك بِوَجْه مَا
وَإِذا كَانَت بعد الْمُفَارقَة تشعر بِحَالِهَا وَهِي فِي الْبدن على التَّفْصِيل وَتعلم مَا كَانَت عَلَيْهِ هَا هُنَا مَعَ أَنَّهَا اكْتسبت بِالْبدنِ أمورا عاقتها عَن كثير من كمالها فلَان تشعر بِحَالِهَا الأول وَهِي غير معوقة هُنَاكَ بطرِيق الأولى إِلَّا أَن يُقَال تعلقهَا بِالْبدنِ واشتغالها بتدبيره منعهَا من شعورها بِحَالِهَا الأول فَيُقَال هَب أَنه منعهَا من شعورها بِهِ على التَّفْصِيل والكمال فَهَل يمْنَعهَا عَن أدنى شُعُور بِوَجْه مَا مِمَّا كَانَت عَلَيْهِ قبل تعلقهَا بِالْبدنِ وَمَعْلُوم أَن تعلقهَا بِالْبدنِ لم يمْنَعهَا عَن الشُّعُور بِأول أحوالها وَهِي فِي الْبدن فَكيف يمْنَعهَا من الشُّعُور بِمَا كَانَ قبل ذَلِك
وَأَيْضًا فَإِنَّهَا لَو كَانَت مَوْجُودَة قبل الْبدن لكَانَتْ عَالِمَة حَيَّة ناطقة عَاقِلَة فَلَمَّا تعلّقت بِالْبدنِ سلبت ذَلِك كُله ثمَّ حدث لَهَا الشُّعُور وَالْعلم وَالْعقل شَيْئا فَشَيْئًا وَهَذَا لَو كَانَ لَكَانَ أعجب الْأُمُور أَن تكون الرّوح كَامِلَة عَاقِلَة ثمَّ تعود نَاقِصَة ضَعِيفَة جاهلة ثمَّ تعود بعد ذَلِك إِلَى عقلهَا وقوتها فَأَيْنَ فِي الْعقل وَالنَّقْل والفطرة مَا بدل على هَذَا وَقد قَالَ تَعَالَى {وَالله أخرجكم من بطُون أُمَّهَاتكُم لَا تعلمُونَ شَيْئا وَجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تشكرون} فَهَذِهِ الْحَال الَّتِي أخرجنَا عَلَيْهَا هِيَ حَالنَا الْأَصْلِيَّة وَالْعلم وَالْعقل والمعرفة وَالْقُوَّة طارىء علينا حَادث فِينَا بعد أَن لم يكن وَلم نَكُنْ نعلم قبل ذَلِك شَيْئا الْبَتَّةَ إِذْ لم يكن لنا وجود نعلم ونعقل بِهِ
وَأَيْضًا فَلَو كَانَت مخلوقة قبل الأجساد وَهِي على مَا هِيَ الْآن من طيب وخبث وَكفر وإيمان وَخير وَشر لَكَانَ ذَلِك ثَابتا لَهَا قبل الْأَعْمَال وَهِي إِنَّمَا اكْتسبت هَذِه الصِّفَات والهيئات من أَعمالهَا الَّتِي سعت فِي طلبَهَا واستعانت عَلَيْهَا بِالْبدنِ فَلم تكن لتصف بِتِلْكَ الهيئات وَالصِّفَات قبل قِيَامهَا بالأبدان الَّتِي بهَا عملت تِلْكَ الْأَعْمَال
وَإِن كَانَ قدر لَهَا قبل إيجادها ذَلِك ثمَّ خرجت إِلَى هَذِه الدَّار على مَا قدر لَهَا فَنحْن لَا ننكر الْكتاب وَالْقدر السَّابِق لَهَا من الله وَلَو دلّ دَلِيل على أَنَّهَا خلقت جملَة ثمَّ أودعت فِي مَكَان حَيَّة عَالِمَة ناطقة ثمَّ كل وَقت تبرز إِلَى أبدانها شَيْئا فَشَيْئًا لَكنا أول قَائِل بِهِ فَالله سُبْحَانَهُ على كل شَيْء قدير وَلَكِن لَا نخبر عَنهُ خلقا وأمرا إِلَّا بِمَا أخبر بِهِ عَن نَفسه على لِسَان رَسُوله وَمَعْلُوم أَن الرَّسُول لم يخبر عَنهُ بذلك وَإِنَّمَا أخبر بِمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن خلق ابْن آدم يجمع فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ يكون علقه مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يُرْسل إِلَيْهِ الْملك فينفخ فِيهِ الرّوح فالملك وَحده يُرْسل إِلَيْهِ