الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرَاهُ النَّاس من أَرْوَاح الْمَوْتَى ومجيئهم إِلَيْهِم من الْمَكَان الْبعيد أَمر يُعلمهُ عَامَّة النَّاس وَلَا يَشكونَ فِيهِ وَالله أعلم
وَأما السَّلَام على أهل الْقُبُور وخطابهم فَلَا يدل على أَن أَرْوَاحهم لَيست فِي الْجنَّة وَأَنَّهَا على أفنية الْقُبُور فَهَذَا سيد ولد آدم الَّذِي روحه فِي أَعلَى عليين مَعَ الرفيق الْأَعْلَى عِنْد قَبره وَيرد سَلام الْمُسلم عَلَيْهِ وَقد وَافق أَبُو عمر رحمه الله على أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وَيسلم عَلَيْهِم عِنْد قُبُورهم كَمَا يسلم على غَيرهم كَمَا علمنَا النَّبِي أَن نسلم عَلَيْهِم وكما كَانَ الصَّحَابَة يسلمُونَ على شُهَدَاء أحد وَقد ثَبت أَن أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة تسرح حَيْثُ شَاءَت كَمَا تقدم وَلَا يضيق عقلك عَن كَون الرّوح فِي الْمَلأ الْأَعْلَى تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت وَتسمع سَلام الْمُسلم عَلَيْهَا عِنْد قبرها وتدنو حَتَّى ترد عليه السلام وللروح شَأْن آخر غير شَأْن الْبدن وَهَذَا جِبْرِيل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ رَآهُ النَّبِي وَله سِتّمائَة جنَاح مِنْهَا جَنَاحَانِ قد سد بهما مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَكَانَ من النَّبِي حَتَّى يضع رُكْبَتَيْهِ بَين رُكْبَتَيْهِ وَيَديه على فَخذيهِ وَمَا أَظُنك يَتَّسِع بظنك أَنه كَانَ حِينَئِذٍ فِي الْمَلأ الْأَعْلَى فَوق السَّمَوَات حَيْثُ هُوَ مستقره وَقد دنا من النَّبِي هَذَا الدنو فَإِن التَّصْدِيق بِهَذَا لَهُ قُلُوب خلقت لَهُ وأهلت لمعرفته وَمن لم يَتَّسِع بطانة لهَذَا فَهُوَ أضيق أَن يَتَّسِع للْإيمَان بالنزول الإلهي إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كل لَيْلَة وَهُوَ فَوق سماواته على عَرْشه لَا يكون فَوْقه شَيْء الْبَتَّةَ بل هُوَ العالي على كل شَيْء وعلوه من لَوَازِم ذَاته وَكَذَلِكَ دنوه عَشِيَّة عَرَفَة من أهل الْموقف وَكَذَلِكَ مَجِيئه يَوْم الْقِيَامَة لمحاسبة خلقه وإشراق الأَرْض بنوره وَكَذَلِكَ مَجِيئه إِلَى الأَرْض حِين دحاها وسواها ومدها وبسطها وهيأها لما يُرَاد مِنْهَا وَكَذَلِكَ مَجِيئه يَوْم الْقِيَامَة حِين يقبض من عَلَيْهَا وَلَا يبْقى بهَا أحد كَمَا قَالَ النَّبِي فَأصْبح رَبك يطوف فِي الأَرْض وَقد خلت عَلَيْهِ الْبِلَاد هَذَا وَهُوَ فَوق سماواته على عَرْشه
فصل وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم أَن مَا ذكرنَا من شَأْن الرّوح يخْتَلف بِحَسب
حَال الْأَرْوَاح من الْقُوَّة والضعف وَالْكبر والصغر فللروح الْعَظِيمَة الْكَبِيرَة من ذَلِك مَا لَيْسَ لمن هُوَ دونهَا وَأَنت ترى أَحْكَام الْأَرْوَاح فِي الدُّنْيَا كَيفَ تَتَفَاوَت أعظم تفَاوت بِحَسب تفارق الْأَرْوَاح فِي كيفياتها وقواها وإبطائها وإسراعها والمعاونة لَهَا فللروح الْمُطلقَة من أسر الْبدن وعلائقه وعوائقه من التَّصَرُّف وَالْقُوَّة والنفاذ والهمة وَسُرْعَة الصعُود إِلَى الله والتعلق بِاللَّه مَا لَيْسَ للروح المهينة المحبوسة فِي علائق الْبدن وعوائقه فَذا كَانَ هَذَا وَهِي محبوسة فِي بدنهَا فَكيف إِذا تجردت
وفارقته وَاجْتمعت فِيهَا قواها وَكَانَت فِي أصل شَأْنهَا روحا علية زكيه كَبِيرَة ذَات همة عالية فَهَذِهِ لَهَا بعد مُفَارقَة الْبدن شَأْن آخر وَفعل آخر
وَقد تَوَاتَرَتْ الرُّؤْيَا فِي أَصْنَاف بنى آدم على فعل الْأَرْوَاح بعد مَوتهَا مَا لَا تقدر على مثله حَال اتصالها بِالْبدنِ من هزيمَة الجيوش الْكَثِيرَة بِالْوَاحِدِ والاثنين وَالْعدَد الْقَلِيل وَنَحْو ذَلِك وَكم قد رئى النَّبِي وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر فِي النّوم قد هزمت أَرْوَاحهم عَسَاكِر الْكفْر وَالظُّلم فَإِذا بجيوشهم مغلوبة مَكْسُورَة مَعَ كَثْرَة عَددهمْ وعددهم وَضعف الْمُؤمنِينَ وقلتهم
وَمن الْعجب أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ المتحابين المتعارفين تتلاقى وَبَينهَا أعظم مَسَافَة وأبعدها فتتألم وتتعارف فَيعرف بَعْضهَا بَعْضًا كَأَنَّهُ جليسه وعشيرة فَإِذا رَآهُ طابق ذَلِك مَا كَانَ عَرفته روحه قبل رُؤْيَته
قَالَ عبد الله بن عَمْرو ان أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تتلاقى على مسيرَة يَوْم وَمَا أرى أَحدهمَا صَاحبه قطّ وَرَفعه بَعضهم إِلَى النَّبِي
وَقَالَ عِكْرِمَة وَمُجاهد إِذا نَام الْإِنْسَان فان لَهُ سَببا يجرى فِيهِ الرّوح وَأَصله فِي الْجَسَد فتبلغ حَيْثُ شَاءَ الله مَا دَامَ ذَاهِبًا فالإنسان نَائِم فَإِذا رَجَعَ إِلَى الْبدن انتبه الْإِنْسَان وَكَانَ بِمَنْزِلَة شُعَاع الشَّمْس الَّذِي هُوَ سَاقِط بِالْأَرْضِ فأصله مُتَّصِل بالشمس وَقد ذكر أَبُو عبد الله بن مَنْدَه عَن بعض أهل الْعلم أَنه قَالَ إِن الرّوح يَمْتَد من منخر الْإِنْسَان ومركبه وَأَصله فِي بدنه فَلَو خرج الرّوح بِالْكُلِّيَّةِ لمات كَمَا أَن السراج لَو فرق بَينه وَبَين الفتيلة أَلا ترى أَن مركب النَّار فِي الفتيلة وضؤوها وشعاعها يمْلَأ الْبَيْت فَكَذَلِك الرّوح تمتد من منخر الْإِنْسَان فِي مَنَامه حَتَّى تأتى السَّمَاء وتجول فِي الْبلدَانِ وتلتقي مَعَ أَرْوَاح الْمَوْتَى فَإِذا أرَاهُ الْملك الْمُوكل بأرواح الْعباد مَا أحب أَن يرِيه وَكَانَ المرئي فِي الْيَقَظَة عَاقِلا ذكيا صَدُوقًا لَا يلْتَفت فِي يقظته إِلَى شَيْء من الْبَاطِل رَجَعَ إِلَيْهِ روحه فَأدى إِلَى قلبه الصدْق مِمَّا أرَاهُ الله عز وجل على حسب خلقه وَإِن كَانَ خَفِيفا نزقا يحب الْبَاطِل وَالنَّظَر إِلَيْهِ فَإِذا نَام وَأرَاهُ الله أمرا من خيرا وَشر رجعت روحه إِلَيْهِ فَحَيْثُ مَا رَأْي شَيْئا من مخاريق الشَّيْطَان أَو الْبَاطِل وقفت روحه عَلَيْهِ كَمَا تقف فِي يقظته فَكَذَلِك لَا يُؤدى إِلَى قلبه فَلَا يعقل مَا رَأْي لِأَنَّهُ خلط الْحق بِالْبَاطِلِ فَلَا يُمكن معبر أَن يعبر لَهُ وَقد خلط الْحق بِالْبَاطِلِ