الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالْأول كمحبة الْمُشْركين لأوثانهم وأندادهم قَالَ تَعَالَى وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وَهَؤُلَاء الْمُشْركُونَ يحبونَ أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم مَعَ الله كَمَا يحبونَ الله فَهَذِهِ محبَّة تأله وموالاة يتبعهَا الْخَوْف والرجاء وَالْعِبَادَة وَالدُّعَاء وَهَذِه الْمحبَّة هِيَ مَحْض الشّرك الَّذِي لَا يغفره الله وَلَا يتم الْإِيمَان إِلَّا بمعاداة هَذِه الأنداد وَشدَّة بغضها وبغض أَهلهَا ومعاداتهم ومحاربتهم وَبِذَلِك أرسل الله جَمِيع رسله وَأنزل جَمِيع كتبه وَخلق النَّار لأهل هَذِه الْمحبَّة الشركية وَخلق الْجنَّة لمن حَارب أَهلهَا وعاداهم فِيهِ وَفِي مرضاته فَكل من عبد شَيْئا من لدن عَرْشه إِلَى قَرَار أرضه فقد اتخذ من دون الله إِلَهًا ووليا وأشرك بِهِ كَائِنا ذَلِك المعبود مَا كَانَ وَلَا بُد أَن يتبرأ مِنْهُ أحْوج مَا كَانَ إِلَيْهِ
وَالنَّوْع الثَّانِي محبَّة مَا زينه الله للنفوس من النِّسَاء والبنين وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْخَيْل المسومة والأنعام والحرث فيحبها محبَّة شَهْوَة كمحبة الجائع للطعام والظمآن للْمَاء فَهَذِهِ الْمحبَّة ثَلَاثَة أَنْوَاع فَإِن أحبها لله توصلا بهَا إِلَيْهِ واستعانة على مرضاته وطاعته أثيب عَلَيْهَا وَكَانَت من قسم الْحبّ لله توصلا بهَا إِلَيْهِ ويلتذ بالتمتع بهَا وَهَذَا حَاله أكمل الْخلق الَّذِي حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا النِّسَاء وَالطّيب وَكَانَت محبته لَهما عونا لَهُ على محبَّة الله وتبليغ رسَالَته وَالْقِيَام بأَمْره وَإِن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإرادته وَلم يؤثرها على مَا يُحِبهُ الله ويرضاه بل نالها بِحكم الْميل الطبيعي كَانَت من قسم الْمُبَاحَات وَلم يُعَاقب على ذَلِك وَلَكِن ينقص من كَمَال محبته لله والمحبة فِيهِ وَإِن كَانَت هِيَ مَقْصُودَة وَمرَاده وسعيه فِي تَحْصِيلهَا وَالظفر بهَا وقدمها على مَا يُحِبهُ الله ويرضاه مِنْهُ كَانَ ظَالِما لنَفسِهِ مُتبعا لهواه
فَالْأولى محبَّة السَّابِقين
وَالثَّانيَِة محبَّة الْمُقْتَصِدِينَ
وَالثَّالِثَة محبَّة الظَّالِمين
فَتَأمل هَذَا الْموضع وَمَا فِيهِ من الْجمع وَالْفرق فَإِنَّهُ معترك النَّفس الأمارة والمطمئنة وَالْمهْدِي من هداه الله
فصل وَالْفرق بَين التَّوَكُّل وَالْعجز أَن التَّوَكُّل عمل الْقلب وعبوديته اعْتِمَادًا
على الله وثقة بِهِ والتجاء إِلَيْهِ وتفويضا إِلَيْهِ ورضا بِمَا يَقْضِيه لَهُ لعلمه بكفايته سُبْحَانَهُ وَحسن اخْتِيَاره لعَبْدِهِ إِذا فوض إِلَيْهِ مَعَ قِيَامه بالأسباب الْمَأْمُور بهَا واجتهاده فِي تَحْصِيلهَا فقد كَانَ رَسُول الله
أعظم المتوكلين وَكَانَ يلبس لامته وَدِرْعه بل ظَاهر يَوْم أحد بَين درعين واختفى فِي الْغَار ثَلَاثًا فَكَانَ متوكلا فِي السَّبَب لَا على السَّبَب
وَأما الْعَجز فَهُوَ تَعْطِيل الْأَمريْنِ أَو أَحدهمَا فإمَّا أَن يعطل السَّبَب عَجزا مِنْهُ وَيَزْعُم أَن ذَلِك توكل ولعمر الله إِنَّه لعجز وتفريط وَإِمَّا أَن يقوم بِالسَّبَبِ نَاظرا إِلَيْهِ مُعْتَمدًا عَلَيْهِ غافلا عَن الْمُسَبّب معرضًا عَنهُ وَإِن خطر بِبَالِهِ لم يثبت مَعَه ذَلِك الخاطر وَلم يعلق قلبه بِهِ تعلقا تَاما بِحَيْثُ يكون قلبه مَعَ الله وبدنه مَعَ السَّبَب فَهَذَا توكله عجز وعجزه توكل
وَهَذَا مَوضِع انقسم فِيهِ النَّاس طرفين ووسطا فأحد الطَّرفَيْنِ عطل الْأَسْبَاب مُحَافظَة على التَّوَكُّل
وَالثَّانِي عطل التَّوَكُّل مُحَافظَة على السَّبَب وَالْوسط علم أَن حَقِيقَة التَّوَكُّل لَا يتم إِلَّا بِالْقيامِ بِالسَّبَبِ فتوكل على الله فِي نفس السَّبَب وَأما من عطل السَّبَب وَزعم أَنه متوكل فَهُوَ مغرور مخدوع متمن كمن عطل النِّكَاح والتسري وتوكل فِي حُصُول الْوَلَد وعطل الْحَرْث وَالْبذْر وتوكل فِي حُصُول الزَّرْع وعطل الْأكل وَالشرب وتوكل فِي حُصُول الشِّبَع والري فالتوكل نَظِير الرَّجَاء وَالْعجز نَظِير التَّمَنِّي فحقيقة التَّوَكُّل أَن يتَّخذ العَبْد ربه وَكيلا لَهُ قد فوض إِلَيْهِ كَمَا يُفَوض الْمُوكل إِلَى وَكيله للْعَالم بكفايته نهضته ونصحه وأمانته وخبرته وَحسن اخْتِيَاره والرب سُبْحَانَهُ قد أَمر عَبده بالاحتيال وتوكل لَهُ أَن يسْتَخْرج لَهُ من حيلته مَا يصلحه فَأمره أَن يحرث ويبذر وَيسْعَى وَيطْلب رزقه فِي ضَمَان ذَلِك كَمَا قدره سُبْحَانَهُ وَدبره واقتضته حكمته وَأمره أَن لَا يعلق قلبه بِغَيْرِهِ بل يَجْعَل رَجَاءَهُ لَهُ وخوفه مِنْهُ وثقته بِهِ وتوكله عَلَيْهِ واخبره أَنه سُبْحَانَهُ الملي بِالْوكَالَةِ الوفي بِالْكَفَالَةِ فالعاجز من رمي هَذَا كُله وَرَاء ظَهره وَقعد كسلان طَالبا للراحة مؤثرا للدعة يَقُول الرزق يطْلب صَاحبه كَمَا يَطْلُبهُ أَجله وسيأتيني مَا قدر لي على ضعْفي وَلنْ أنال مَا لم يقدر لي مَعَ قوتي وَلَو أَنى هربت من رِزْقِي كَمَا أهرب من الْمَوْت للحقني فَيُقَال لَهُ نعم هَذَا كُله حق وَقد علمت أَن الرزق مُقَدّر فَمَا يدْريك كَيفَ قدر لَك بسعيك أم بسعي غَيْرك وَإِذا كَانَ بسعيك فَبِأَي سَبَب وَمن أَي وَجه وَإِذا خَفِي عَلَيْك هَذَا كُله فَمن أَيْن علمت انه يقدر لَك إِتْيَانه عفوا بِلَا سعي وَلَا كد فكم من شَيْء سعيت فِيهِ فَقدر لغيرك وَكم من شَيْء سعى فِيهِ غَيْرك فَقدر لَك رزقا فَإِذا رَأَيْت هَذَا عيَانًا فَكيف علمت أَن رزقك كُله بسعي غَيْرك وَأَيْضًا فَهَذَا الَّذِي أوردته عَلَيْك النَّفس يجب عَلَيْك طرده فِي جَمِيع الْأَسْبَاب مَعَ مسبباتها حَتَّى فِي أَسبَاب دُخُول الْجنَّة والنجاة من النَّار فَهَل تعطلها اعْتِمَادًا على التَّوَكُّل أم تقوم بهَا مَعَ التَّوَكُّل بل لن تَخْلُو الأَرْض من متوكل صَبر نَفسه لله وملأ قلبه من الثِّقَة بِهِ ورجائه وَحسن الظَّن بِهِ فَضَاقَ قلبه مَعَ ذَلِك عَن مُبَاشرَة بعض الْأَسْبَاب فسكن قلبه إِلَى الله وَاطْمَأَنَّ