الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأتى هذه الدراسة الممهِّدة لتحقيق موسوعة الشامل فى الصناعة الطبية بعد شهرين من صدور كتابنا: علاء الدين (ابن النفيس) القرشى، إعادة اكتشاف. وهو الكتاب الذى اعتبرناه فاتحةً واختتاماً، فهو ختامٌ لسنوات طوال قضيتها فى دَرْس العلاء، ساعياً لاستكشاف صورة هذا الرجل / العلَاّمة، والتجوال فى مفاوز إبداعاته العلمية، دون النزوع الإختزالى الذى يلخِّصه - ويبتسره - فى عبارة: مكتشف الدورة الدموية الصغرى.. واعتبرتُ الكتاب فاتحةً لتحقيق موسوعة الشامل التى تعد، بعد اكتمال صدورها خلال عامين: أضخم كتاب فى التراث العلمى العربى، تخرجه مطابعنا منذ بدء عصر الطباعة.
ومع ذلك، فلابد لنا هنا، قبل الخوض فى بحار الشامل.. من إلقاء بعض الضوء على هذه الموسوعة، ومؤلِّفها، ومخطوطاتها، وما يتعلَّق بها من التباسٍ فى أذهان الدراسين، وما اتَّبعناه من منهجٍ للتحقيق؛ وغير ذلك من التمهيدات الضرورية.. فنقول، وعلى الله قصد السبيل:
الكِتَابُ ومُؤَلِّفُهُ
الشامل بلا منازع، هو أكبر موسوعة علمية فى التاريخ الإنسانى، يكتبها شخصٌ واحد. فالكتابةُ العلمية اتَّجهت منذ بداياتها الأولى، إلى شكل الرسائل القصار، والفوائد الموجزة؛ وهو ما ظهر مع فجر التاريخ العلمى فى نصوصٍ أوَّلية كما هو الحال فى البرديات المصرية القديمة، التى بقيت منها إلى يومنا هذا بضعة برديات، تُعرف بأسماء مكتشفيها أو أماكن حفظها، مثل: بردية هيرست
بردية كاهون بردية برلين.. إلخ، وكلها عبارة عن معلومات طبية مجتزأة ووصْفاتٍ علاجية متتالية، ومعارف من علم التشريح.
وفى الأزمنة الغابرة، كتبت الفرسُ والهندُ والصينُ كتابةً علمية، موجزة عرفناها لما قام بنقلها من أصولها إلى اللغة العربية جماعةٌ من المترجمين، فنقل من الهندية إلى العربية: منكه الهندى، ابن دهن الهندى. ونَقَلَ من الفارسية: ابنُ المقفع، آل نوبخت، البلاذرى. ونَقَلَ من النبطية إلى العربية: ابنُ وحشية النبطى (1) .. فعرف العالم العربىُّ الإسلامى، ومن بعده بقيةُ الدنيا، من كتب الحضارات القديمة، أعمالاً مثل كتاب السموم لشاناق الهندى، وكتاب الفلاحة النبطية لابن وحشية، والأزياج الفلكية الهندية والفارسية.. وغير ذلك كثيرٌ من النصوص العلمية.
ولما تسلَّمت اليونان مشعل الحضارة الإنسانية من مصر القديمة وبلاد الشرق كتب علماءُ اليونان وأطباؤهم نصوصاً على شكل الرسائل، تم جمعها فى عصورٍ لاحقة، فى كتبٍ مثل أصول الهندسة لأُقليدس، الذى كان فى الأصل مجموعة مقالات كتبها أُبولونيوس ثم حرَّرها أُقليدس وأضاف إليها مقالات أخرى، فجُمعت كلها بالإسكندرية القديمة، وتُرجمت فى بغداد، وصارت كتاباً واحداً.. ومثل كتاب المجسطى لبطليموس، الذى كان فى أصله ثلاث عشر مقالة جُمعت معاً ونُقلت إلى العربية بعناية يحيى بن خالد البرمكى. وكذلك الأمر فى كتب أرسطو قبل أُقليدس وبطليموس، فقد وضع هذا المعلم
(1) راجع تفاصيل هذه الحركة العلمية، وجهود المترجمين، في: النديم: الفهرست تحقيق رضا المانذراتي (دار المسيرة، بيروت 1988) ص 304 وما بعدها. يوسف زيدان: المتواليات بحوث ف يالمتصل التراثي المعاصر (الدار المصرية اللبنانية، القاهرة 1998) الفصل الخامس.
الأول علومه على شكل رسائل وكُتبٍ صغار، جُمعت بعد ذلك على صعيدٍ واحد، فصار لدينا - مثلاً - كتاب المنطق الذى هو مجموعةٌ من الرسائل والكتب القصار: قاطيغورياس بارى أرمنياس، أنالوطيقا.. إلخ، ثم وضع لها فرفوريوس الصورى مدخلاً اشتهر بعنوان: إيساغوجى أو المدخل إلى المنطق.
وفى التراث الطبى، اشتهر من أهل اليونان اثنان من الأطباء المؤلِّفين: أبقراط، جالينوس. وكلاهما كتب بإيجازٍ فى مجالات الطب على اختلافها، ثم جُمع المختلف، فأتلف فى المجموعة الأبقراطية (الاثنى عشر كتاباً) .. وفى (الستة عشر كتاباً) لجالينوس، التى جمعها الإسكندرانيون من رسائله، فصارت تُعرف بعنوان: منتخبات الإسكندرانيين لجالينوس. وكلاهما، أعنى أبقراط وجالينوس سوف يُعرف فى حضارتنا من خلال تلك المؤلَّفات، ويُشهد له بالفضل، فلا يُذكر اسمه إلا مسبوقاً بلقب: الفاضل.
وفى حضارتنا، نحن، سوف تكون أول كتابات علمية موسَّعة، وأول موسوعات علمية فى التاريخ الإنسانى.. ربما لأنها حضارة حفظٍ وتدوين، وربما لأن المعارف كانت قد اتسعت، وربما لأن المسلمين تَشكَّل وعْيُهم من خلال الكتاب أعنى القرآن الكريم.. ومن خلال الحديث الشريف الذى دعا إلى التدوين كما فى قوله r: دوِّنوا العلم بالكتاب.
ودوَّن العربُ المسلمون - أول الأمر - الرسائل الطبية والكنانيش (1) ، ثم عكفوا على كتابة المطوَّلات، فزها تراثنا، وازدان، بموسوعاتٍ طبية مثل: الحاوى.. القانون.. الشامل. ولنتكلم عليها تفصيلاً، لنتعرَّف إلى مكانة الشامل وموضعه من تاريخ الطب العربى / الإسلامى، بل الطبِّ الإنسانى بعامة.
(1) الكُنَّاش: كتابٌ يجمع فيه صاحبه جملةً من المعلومات العامة، والمعالجات، والوصايا الطبية والحالات المرضية، ومثل ذلك.
أما الحاوى فهو كتابٌ، كما جاء فى ديباجته: ألَّفه أبو بكر محمد بن زكريا الرازى المتطبِّب، فى طِبِّ جميع الأمراض الكائنة فى بدن الإنسان ومعالجتها، وسمَّاه الحاوى لأنه يحتوى على جميع الكتب وأقاويل القدماء الفضلاء من أهل هذه الصناعة، وقد بدأ بذكر ذلك من رأس الإنسان، وما ينزله من الأمراض (1) .
ولم يكن الحاوى هو الكتاب الوحيد الذى ألَّفه أبو بكر الرازى (المتوفى 313 هجرية) فقد وضع الرجل من الكتب كثيراً، مثل: المنصورى، منافع الأغذية، كتاب الجدرى والحصبة.. وغيرها من المؤلَّفات التى بلغت 141 كتاباً ورسالة بحسب إحصاء الفهرست (2) وزادت فى عيون الأنباء (3) لتصل إلى 232 مؤلَّفاً.
غير أن الحاوى ظلَّ دائماً: أهم أعمال الرازى الطبية.. وقد نُشر الكتابُ فى أربعة وعشرين مجلداً، بتحقيق لابأس به، قام به جماعةٌ من فضلاء الهند المعاصرين، بإشراف الدكتور عبد المعيد خان. ولاشك فى أن تحقيق الحاوى ونشره،لم يكن بالعمل الهيِّن، فالكتابُ عبارة عن قصاصات من الورق، توفى الرازى ولم يفسح له الأجل أن يحرِّرها (4) . فجمعها تلاميذه بعد موته جمعاً غير
(1) الرازي: الحجاوي (دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند 1955) المجلد الأول الصفحة الثانية من النص المحقق.
(2)
النديم: الفهرست، ص 357 وما بعدها. والقائمة التي أوردها النديم، نقلها من فهرست الرازي - نفسه - لأعماله، ولا شك أن هذه الأعمال زادت بعد فهرسة مؤلِّلها، فوصلت إِلى العدد الذي ذكره ابن أبي أصيبعة.
(3)
ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق د. نزار رضا (دار مكتبة الحياة بيروت) ص 414 وما بعدها.
(4)
المرجع السابق، 421.
محكم، وغير منطقى (1) .
وأما القانون فى الطب للشيخ الرئيس أبى على ابن سينا المتوفى 428 هجرية، فهو أول موسوعة طبية كاملة، بالمعنى العلمى الدقيق للكلمة. بدأها مؤلِّفها بقوله، بعد الحمدلة: التمس منى بعضُ خُلَّص إخوانى، ومَنْ يلزمنى إسعافه بما يسمح به وَسَعى، أن أصنِّف فى الطب كتاباً مشتملاً على قوانينه الكلية والجزئية، اشتمالاً يجمع إلى الشرح الاختصارَ، وإلى إيفاء الأكثر حقه من البيان الإيجازَ، فأسعفته بذلك، ورأيتُ أن أتكلَّم أولاً فى الأمور العامة الكلية فى كلا قسمى الطب، أعنى القسم النظرى والقسم العملى، ثم أتكلَّمُ فى كليات أحكام قوى الأدوية.. فإنى أجمع هذا الكتاب، وأقسِّمه إلى كتبٍ خمسة؛ الكتاب الأول: فى الأمور الكلية فى علم الطِّبِّ. الكتاب الثانى: فى الأدوية المفردة. الكتاب الثالث: فى الأمراض الجزئية الواقعة بأعضاء الإنسان عضوٍ عضو، من الفَرْقِ إلى القَدَم، ظاهرها وباطنها. الكتاب الرابع: فى الأمراض التى إذا وقعت، لم تختص بعضو، وفى الزينة. الكتاب الخامس: فى تركيب الأدوية، وهو الأقراباذين (2) .
وطُبع القانون فى مصر بدون تحقيق، وتوالى تصوير، وتزوير، هذه الطبعة غير المحقَّقة - وإن كانت جيدة - ولم يفكر محقِّقٌ واحد فى إخراجه ونشره محقَّقاً حتى الآن! والمحقِّقون معذورون فى إحجامهم عن تحقيق كتاب مثل القانون فهو علاوة على ضخامته، جامعٌ لشتات المعارف الطبية فى عصره، مما يجعل ملاحقة نصوصه بالضبط والتحرير، عملاً شاقاً فى الجهد، قليلاً فى المجد.. خاصةً فى
(1) د. محمد عبد الرحمن مرحبا: الجامع في تاريخ العلوم عند العرب (منشورات عويدات، بيروت 1988) ص 255.
(2)
ابن سينا: القانون في الطب 1 / 2، 3.
wm Hov زمننا هذا الذى يشهد تراجعاً عن إنجاز المشروعات الكبرى؛ وتلك قصةٌ أخرى،لها تفصيلٌ يطول، وليس هذا موضعه.ضعه.
وأما الشامل فى الصناعة الطبية فهو ثالث الموسوعات الكبرى فى تاريخ الطب العربى / الإسلامى، بل الطِّبِّ الإنسانى بعامة. تحدَّى بها العلاء القرشى (ابن النفيس) قِصَر الزمان الإنسانى، ومحدودية القدرة الإنسانية! وقد كان العلاءُ امتداداً للتقاليد الطبية التى أرساها مِن قبله أعلامٌ من نوع الرازى وابن سينا وكانت صلته بالأخير أقوى، وشروحه على مؤلَّفاته أكثر (1) . غير أنَّ إقدامه على تأليف موسوعةٍ بحجم الشامل لا يفسِّره - فقط - كونه امتداداً لهؤلاء الأطباء العظام، وإنما لابد من النظر فى السياق التاريخى الذى انتمى إليه العلاء ولابد من تفحُّص اللحظة التاريخية التى عاشها. وفى هذا الإطار نقول:
لما اهتزَّ كرسى الخلافة العباسية تحت وطأة الشيخوخة العباسية، ومؤامرات القصور، وتهديدات المغول.. بدأت المجالسُ العلمية تنسرب من بغداد إلى الشام ومصر. كان ذلك منذ مطلع القرن السابع الهجرى، الذى وُلد العلاءُ فى السنة السابعة منه - بقرية القَرَشِ القريبة من دمشق - ولما كان العام المشئوم فى منتصف هذا القرن، أعنى سنة 656 هجرية.. دخل هولاكو بغداد، فطمس وجهها على نحوٍ،لم يسمح لها باستعادة دورها من بعد ذلك: أبداً.
وازدهر العلمُ فى الشام ومصر، غير أن الشام ابتُليت آنذاك بالوقوع بين شِقَّى الرحى: المغول.. والصليبيين. ولم يكن الحالُ فى مغرب العالم الإسلامى
(1) يقول ابن فضل الله العمري، إن العلاء (ابن النفيس) شرح القانون في عشرين مجلداً، وكان يحفظ كليات القانون، وأنه: هو الذي جسَّر الناس على هذا الكتاب.. (ابن فضل العمري: مسالك الأبصار مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 99/ م تاريخ - مخطوطة أحمد الثالث رقم 2797/ج) وقد نشرنا هذا النَّصّ - محقَّقاً - في كتابنا: علاء الدين.. ص 38 وما بعدها.
بأفضل منه فى الشام، فقد آذنت شمسُ الأندلس بالمغيب، وتهدَّدت بلاد المغرب ووَهَنَ منها عَظْمُ المجد والسلطان، فصارت نهباً لأطماع - وحملات - الإسبان وأحقادهم التاريخية، مما دفع ببلاد المغرب إلى ناحية الانزواء الحضارى.
وفى العقود الأخيرة من القرن السابع الهجرى، وجدت القاهرة نفسها وحيدةً، وسط عالمٍ يرتجُّ؛ فالمشرقُ الإسلامى - بلاد فارس وما بعدها - لايزال يترنَّح من عنف الضربات المغولية، التى توالت طيلة خمسين سنة، ابتدأت بخروج جنكيز خان للثأر من محمد خوارزمشاه، وانتهت بتأسيس الدولة الإسلامية المغولية على يد بركة خان حفيد جنكيز خان، زعيم القبيلة الذهبية، بعد انكسار ابن عمه هولاكو على يديه.. والمغربُ الإسلامى كان قد انزوى، وصار منطقة طردٍ حضارىٍّ واجتماعى، وفزع منه الناسُ إلى مصر والشام، مثلما التجأ العلماءُ والصوفية؛ أمثال: ابن عربى، التلمسانى، الششترى، الشاذلى، المرسى. ومِن قبلهم: موسى بن ميمون الطبيب الفيلسوف، ابن البيطار العَشَّاب المعروف وغيرهما. جاء هؤلاء من المغرب إلى مصر، من الشام جاءها - فى حدود سنة ثلاثين وستمائة - علاءُ الدين القرشى.
وكان على مصر وهى الحاضرة الإسلامية الوحيدة التى ظلت مزدهرة، أن تقوم بدور كبير لإنقاذ الكيان الحضارى العربى / الإسلامى، فتعيَّن عليها عسكرياً صَدَّ فلول المغول وجحافل الصليبيين. كما تعيَّن عليها سياسياً إحياء الخلافة الإسلامية، ولو كان إحياءً رمزياً. كما تعيَّن عليها اجتماعياً واقتصادياً أن تستوعب الهجرات الوافدة عليها من المغرب، ومن العراق والشام.
وأدَّت مصرُ ما عليها فى ذلك كله، حتى دخل القرن الثامن الهجرى، وقد استتبَّ الحال فى مصر، وصارت القاهرة - آنذاك - أهم مركز حضارى فى العالم الإسلامى، وأكثر العواصم العربية أمناً وازدهاراً.. حتى أن ابن خلدون، كتب
- فى أواخر القرن الثامن الهجرى - قائلاً إن مَنْ أراد أن يرى عِزَّ الإسلام فلْيذهب إلى القاهرة.
وكانت ذاكرةُ الأمة قد هدَّدها الاندثار، فقد ضاعت ألوف المخطوطات التى هى كتاب الحضارة ودُمِّرت المكتباتُ فى المشرق والمغرب. وكان المغولُ والصليبيون يحرصون على طمس التراث العربى / الإسلامى، بالتخريب وإفناء المخطوطات.. وقد اشتهرت فى التاريخ، واقعةُ إفراغ هولاكو لمخطوطات بغداد فى نهر دجلة، لغسل مادوَّنته الأمة، ومحو ما خلَّفته القرون.
من هنا، كان على مصر أن تقوم بدورٍ هائل لحفظ ذاكرة الأمة، وإنقاذ هويتها من الانطماس. فبدأ علماءُ مصر، من بعد سقوط بغداد، فى تدوين المطوَّلات والكتب الضخمة والموسوعات - فى شتى مجالات العلم - مع أنَّ الملاحظ فى كتابات المصريين طيلة القرون السابقة على القرن السابع الهجرى أنها كانت تأتى دوماً، على هيئة كتب صغار، ورسائل، ومساجلات علمية. لكن الحال تغيَّر مع جهود علماء من أمثال علاء الدين القرشى (ابن النفيس) الذى وضع ما يقرب من عشرة شروح على موسوعة ابن سينا (القانون فى الطب) بغية إعادة بعثها مرةً أخرى إلى أذهان المشتغلين بالطب، ومن هنا قال ابن فضل الله العمرى، إن العلاء: هو الذى جَسَّر الناس على قانون ابن سينا.
ومن بعد بعثه للقانون، يعكف العلاء (ابن النفيس) على تدوين موسوعة الشامل فى الصناعة الطبية فيضع المسودات بحيث تأتى فى ثلاثمائة مجلد، بيَّض منها ثمانين ثم وافته المنية - عن ثمانين سنة - سنة 687 هجرية بالقاهرة، وأهدى المجلدات الثمانين، بل كل مكتبته وداره وأمواله، إلى البيمارستان المنصورى بالقاهرة - مستشفى قلاوون حالياً - الذى كان مشرفاً عليه، باعتباره أكبر
مستشفيات القاهرة آنذاك، ومحل عمل رئيس أطباء مصر وهو المنصب الذى شغله العلاء (ابن النفيس) حتى وفاته فى السنة المذكورة.
وقريبٌ من هذا (النمط) من الكتابة الموسوعية الحافظة للذاكرة، وفى مجالٍ آخر غير الطب؛ سوف يضع ابن فضل الله العمرى - المتوفى 749 هجرية - موسوعته التاريخية (مسالك الأبصار) فيؤرِّخ لكل شئ: الملوك، العلماء، الوقائع ويتحدَّث عن كل شئ: الأقاليم، النبات، الحيوان.. إلخ. وقد كان ابن فضل الله - مثل العلاء القرشى - من أصلٍ شامىٍّ، ثم توطَّن فى مصر وارتبط بها بقية عمره، حتى أن الناصر محمد بن قلاوون لما أراد أن يعاقبه، نفاه إلى الشام.. ولما رضى عنه، بعد حين؛ أعاده إلى القاهرة!
وفى القرن الثامن الهجرى، فى القاهرة؛ سوف يكتب شهاب الدين النويرى المتوفى 732 هجرية، موسوعته الأدبية الهائلة: نهاية الأَرَب فى فنون الأدب. فيقع كتابه فى ثلاثين مجلداً تشتمل على خمسة فنون، الأول: فى السماء والآثار العلوية والأرض والمعالم السفلية. الثانى: فى الإنسان وما يتعلَّق به. الثالث: فى الحيوان الصامت. الرابع: فى النبات. الخامس: فى التاريخ.. وقد لخص النويرى فى كتابه، كتباً متوناً من التراث السابق عليه، منها: إحياء علوم الدين، اللمعة النورانية، الملل والنِّحَل، فقه اللغة، نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق، القصيدة العبدونية (قصيدة ابن عبدون فى التاريخ) وشَرْحها لابن بدرون، مباهج العبر.. بالإضافة إلى ديوان الحماسة لأبى تمام ودواوين الشعراء: المتنبى، البحترى، البستى؛ وغيرهم.. وكأنه بذلك، يبعث هذه المتون للحياة مرةً أخرى، مثلما بعث العلاءُ قانون ابن سينا، وجسَّر الناس عليه.
وفى القرن الثامن نفسه، عَاشَ فى القاهرة، وكَتَبَ، واحدٌ من أغزر
المؤلِّفين فى تاريخ الإسلام: ابن حجر العسقلانى. وكلنا نعرف ضخامة وأهمية، مؤلَّفاته فى التاريخ وعلوم الدين، وقد كانت لأعماله أصداءً واسعة فى أرجاء الأرض. وقد حكى لنا المقريزى أنه حين انتهى ابن حجر من (فتح البارى بشرح صحيح البخارى) عُمل حفلٌ خارج سور القاهرة، أُنفقت فيه على الذبائح وحدها: خمسمائة دينار! ويوم الحفل وصلت وفودٌ من ملوك الأرض تطلب نسخاً من الكتاب.. وهكذا صارت القاهرة هى المركز الثقافى الأول فى المنطقة الإسلامية الممتدَّة الأرجاء، تلبيةً لحاجة حضارية مُلحَّة، شارك بالاستجابة لها علماءٌ من كل فن.. كان منهم العلاء القرشى، الذى اشتهر بين معاصرينا بلقب: ابن النفيس (1) .
وأخيراً.. فلابد من إشارةٍ إلى عدم توقف هذا الدور المصرى، التدوينى الحافظ للذاكرة؛ عند حدود القرن الثامن الهجرى، فقد تعدَّاه إلى القرن التاسع الهجرى، الذى عاش فيه بمصر مؤلِّفٌ من أغزر المؤلفين مادةً - فى التاريخ الإنسانىكله - أعنى به: جلال الدين السيوطى المتوفى 911 هجرية. ذلك الرجل كتب فى علوم اللغة المزهر وفى علوم الدين جمع الجوامع وفى التاريخ حُسن المحاضرة.. وكلها مجلدات كبار، وله بجانب ذلك مؤلَّفاتٌ صغار الحجم جاءت على شكل رسائل حافظة للملامح الثقافية فى تفصيلاتها، وفى طرافتها فكتب: منهل اللطائف فى الكنافة والقطائف، در الغمامة فى الطيلسان والعمامة، الدوران الفلكى على ابن الكركى.. ولم يتحرَّج، وهو العالم الجليل عن كتابة أعمالٍ عنوانها: الوشاح فى فوائد النكاح، الجواهر الثمينة فى فضائل السمينة، نواضر الأيك فى نوادر ال (..) !
(1) راجع شكوكنا على صحة هذا اللقب، في الفصل الأول من كتابنا: علاء الدين.. إعادة اكتشاف (المجمع الثقافي - أبوظبي 1999) .
وهكذا كان السيوطى حلقةً من حلقات المشروع المصرى لحفظ ذاكرة الأمة وتدوين ثقافتها - فى أَجَلِّ الصفات وأدق التفصيلات - وهو ما نجح علماءُ مصر فى تحقيقه، بجهودٍ تأليفية جبارة.. لولاها، لكان تراثنا قد انطمس.
جاء الشاملُ إذن، كحلقة كبرى من حلقات مشروع حضارىٍّ كبير تبنَّته مصر منذ أواسط القرن السابع الهجرى، سعياً لحفظ ذاكرة الأمة وتدوين علومها.. ومن هنا، كان على العلاء - رئيس الأطباء - أن يصوغ المعرفة الطبية فى عصره، صياغتها الأخيرة، المكتملة، بعد خمسة قرون من تطور الطب العربى / الإسلامى، وعلى نحوٍ لم يتم تجاوزه، ولو بعد قرونٍ من حياة العلاء.
مَخْطُوَطاتُ الشَّامِلِ
بدأتُ قبل عشر سنوات، فى جمع مخطوطات الشامل من مكتبات العالم وكان ظَنِّى المتفاءل، يرجِّح أن تكون أغلب النسخ الخطية من الكتاب محفوظةً بمصر، خاصةً مع ما ذكره ابن فضل الله العمرى من أنه: شاهد المجلدات الثمانين فى البيمارستان المنصورى بالقاهرة. غير أنها لم تكن سوى أُمنية والأمانى كما يقولون: خوادع! إذ لم يكن بمصر غير جزئين فقط من الكتاب كلاهما محفوظ بدار الكتب المصرية، التى ذكر فهرسها البدائى المعمول به حالياً خمس مخطوطات من الشامل ثم اتضح لى أن ثلاثة منها، مصورات. فكان رصيد دار الكتب المصرية من مخطوطات موسوعتنا، هو الآتى:
1 -
مخطوطة رقم 6057/ل، ناقصة من أولها وآخرها، ومنسوبة فى الفهرس لغياث الغيث - وسوف نعود للكلام عنه بعد قليل - وتضم مقدمة الشامل، والكتب الثلاثة الأولى من الفن الأول.
2 -
مخطوطة رقم 681/طب، بدون تاريخ. وهى تحتوى على الكتاب الثالث والعشرين من الجزء الثانى من الفن الثالث من الشامل وهو كتاب اللام من كتاب الأغذية والأدوية. والمخطوطة أوراقها 138 ورقة، الورقة صفحتان.
3 -
مخطوطة رقم 3/4، طب
4 -
مخطوطة رقم 423/طب تيمور.
5 -
مخطوطة رقم 620/طب طلعت.
والنسخ الثلاث الأخيرة، ليست سوى مصورات من كتاب اللام الذى احتوت عليه المخطوطة المحفوظة بالدار تحت رقم 681/ طب.
ومع أننى قمت بفهرسة عدد كبير من المكتبات الخطية فى مصر، حتى بلغ عدد ما فهرسته حوالى 18.000 مخطوطة، موزَّعة على تسع مكتبات؛ غير أننى لم أجد مخطوطةً واحدة من الشامل، بين هذه الألوف من المخطوطات! وفى غير مصر، وجدتُ من مخطوطات الشامل ما يلى:
1 -
نسخة مخطوطة بمتحف الآثار العامة (بغداد) برقم 1271، تقع فى 1045 ورقة (الورقة صفحتان) وتضم هذه المجموعة ما يلى:
* الكتاب السابع من الجزء الثانى من الفن الثالث فى الأدوية والأغذية المفردتين التى تبدأ بحرف الخاء وهو يقع فى 10 مقالات وخاتمة.
* الكتاب الثامن فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الدال يقع فى 6 مقالات وخاتمة.
* الكتاب التاسع فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الذال يقع فى 3 مقالات.
* الكتاب العاشر فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الراء يقع فى 10 مقالات وخاتمة.
* الكتاب الحادى عشر فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الزاى يقع فى 19 مقالة وخاتمة.
* الكتاب الثانى عشر فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف السين يقع فى 13 مقالة وخاتمة (ناقص من أوله) .
* الكتاب الحادى والعشرون فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف القاف يقع فى 25 مقالة.
* الكتاب الثانى والعشرون فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الكاف يقع فى 30 مقالة.
وفى نهاية الكتاب الأخير، كتب ناسخ المخطوطة عمر بن أبى بكر البدراوى الشافعى ما نصُّه: وكان الفراغ منه يوم الإثنين السابع من شهر رجب سنة ثمان وستين وتسعمائة.. ثم تتوالى بعد ذلك بقية الكتبُ التالية:
* الكتاب الثالث والعشرون: حرف اللام يقع فى 11 مقالة.
* الكتاب الرابع والعشرون: حرف الميم يقع فى 22 مقالة.
* الكتاب الخامس والعشرون: حرف النون يقع فى 11 مقالة.
* الكتاب السادس والعشرون: حرف الهاء يقع فى 3 مقالات.
* الكتاب السابع والعشرون: حرف الواو يقع فى 5 مقالات.
* الكتاب الثامن والعشرون: حرف الياء يقع فى مقالتين وخاتمة
وبانتهاء كتاب الياء ينتهى: الجزءُ الثانى من الفن الثالث من كتاب الشامل فى الصناعة الطبية
2 -
نسخة مخطوطة بمكتبة ليدن (هولندا) برقم Mcccxv III God 81 Col وتضم كتب الأدوية المفردة من الضاد إلى العين على المنوال الذى ذكرناه فى مخطوطة بغداد السابقة.
3 -
نسخة مخطوطة بمكتبة الظاهرية بدمشق، حالياً: مكتبة الأسد محفوظة تحت رقم 8547. تقع فى 319 من القطع الكبير، وهى مشكولة بالكامل، وتضم الكتب: من الهمزة إلى الزاى على المنوال السابق ذكره. أى أنها جزءٌ من الجزء الثانى من الفن الثالث من كتاب الشامل.
ومع أن هذه المخطوطة ناقصة من أولها بمقدار عدة أوراق، إلا أنها عالية الأهمية نظراً لدقتها.. وسوف نَصِفُها بعد قليل، عند الكلام عن النسخ التى استخرجنا منها هذا الجزء (الأول) من الشامل.
4 -
مجموعة مخطوطة بمكتبة بودليان بأكسفورد تحت أرقام Pococke 290 - 291 - 292 مجموع أوراقها 1659 ورقة، مؤرَّخة بسنة 983 هجرية. وتضم المجموعة: من الكتاب الأول إلى الكتاب الثامن والعشرين من الجزء الثانى من الفن الثالث من الشامل.. وقد اعتمدنا عليها فى التحقيق، وسوف نصفها بعد قليل.
5 -
مجموعة أخرى بالمكتبة نفسها، محفوظة تحت أرقام Pococke 248 - 356 - 539 وتشتمل على ثلاثة كتب من الجزء الرابع من الفن الأول وهى على الترتيب: كتاب أسباب الوجع كتاب النبض كتاب البول. والمجموعة مؤرَّخة بسنة 687 هجرية، وهى سنة وفاة علاء الدين (ابن النفيس) .
6 -
مجموعة مخطوطة بمكتبة لاين Lean الطبية، بجامعة ستانفورد، تحت رقم Z،276 مؤرَّخة بسنة 641 هجرية، جاء فيها أنها كُتبت على المؤلِّف.. بعد فحص المجموعة، تبين أنها تحتوى على ثلاثة مجلدات، كالتالى:
* المجلد الأول يحمل العنوان مقالة فى النبات، المجلد الثانى بعد الأربعين من كتاب الشامل وهذه المخطوطة تبدأ بالمقالة الثانية والعشرين فى أحكام البقلة الحمقاء تليها مقالة فى البلسان مما يعنى أنه الجزء الخاص بالأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف الباء وبذلك يكون هذا الجزء هو: الكتاب الثانى من الجزء الثانى من الفن الثالث من كتاب الشامل.. وهو كما بدا من العنوان الذى يحمله، يمثل المجلد 42 من الشامل بحسب هذه النسخة التى كُتبت فى حياة مؤلفها.
* المجلد الثانى يحتوى على الكتاب الثالث من الجزء الثانى من الفن الثالث فى الأدوية والأغذية التى تبدأ بحرف التاء؛ يليه كتاب الثاء ثم كتاب الحاء.
* المجلد الثالث يبدأ بالنمط الأول من الجزء الثانى من الفن الثانى من كتاب الشامل.. ويتناول هذا النمط: الأصول الكلية فى صناعة الطب.
ونظراً لسوء حالة المجموعة، فهناك العديد من آثار الترميم والإصلاح بها ويُلاحظ أن أحدهم أعاد كتابة الكلمات الباهتة، والتى كادت تختفى بفعل الزمن.
7 -
نسخة مخطوطة بجامعة كامبردج (إنجلترا) برقم 1546 Or؟ 10؟ ، تبدأ بالباب التاسع فى علامات البول وهى بدون تاريخ، ويرجِّح فهرس المكتبة أن تكون قد كُتبت فى القرن الثامن الهجرى.. ونرجِّح، نحن، أنها بخط المؤلِّف.
وكانت رحلة جمع هذه المخطوطات رحلةً شاقة، وشائقة! وقد حكيتُ طرفاً منها فى مقالةٍ نشرتها بمناسبة مرور 727 سنة على وفاة العلاء (ابن النفيس) منها قولى:
لم أجد فى كافة مكتبات مصر العريقة إلا قطعة من الكتاب تقع فى 194 ورقة مخطوطة بدار الكتب المصرية. أما مكتبة بودليان بأُكسفورد (إنجلترا) فهى تحتوى على مجموعتين من الكتاب المجموعة الأولى مخطوطة تضم 1659 ورقة من الشامل والمجموعة الأخرى تضم عدداً أقل من الأوراق. ولقد أرسلت للمكتبة خطاباً فى منتهى التلطُّف والتزلُّف، أطلب فيه تصوير المجموعتين وإبلاغى بالمصروفات المطلوبة. فطلبوا مبلغاً عظيماً بالجنيهات الإسترلينية، فعاودت الكتابة لمديرة المكتبة (آن نيكلسون) وقلت لها فى خطابى أن الجنيهات الإسترلينية التى طلبتها تساوى رقما كبيراً بالجنيهات المصرية، وأن احتياجى لهذه المخطوطات هو لعملٍ علمى وليس لعمل تجارى، وأن هذا التراث فى الحقيقة ملك لنا فى الأصل! ولقد كانت السيدة غاية فى الظرف، فردَّت على خطابى، قائلةً ما ترجمته: بخصوص الفاتورة الأولى، فيمكنك أن تدمرها! ولقد وجدت لك حلاً فنحن نصنع كل بضعة أعوام نسخة ميكروفيلمية احتياطية لجميع المخطوطات التى نحتفظ بها ولسوف أرسل لك هذه النسخة القديمة، ونقوم بعمل غيرها وفى هذه الحالة سيكون المطلوب دفعه، مبلغاً قليلاً.. وبالفعل دفعتُ هذا المبلغ القليل (حوالى ثلاثة آلاف جنيه) وحصلت على هذه الأجزاء المهمة من الشامل.
وفى مكتبة لاين الطبية بجامعة ستانفورد الأمريكية، ثلاثة مجلدات من الكتاب مؤرَّخة بسنة 641 هجرية، فأرسلت فى طلبها وإعلامى بالمصروفات، فجاء خطابٌ لطيف يشكرنى على اهتمامى بهذا التراث! ويدلنى على بعض البحوث فى هذا الموضوع، ومع الخطاب صورة من مقال نشرته الصحافة الأمريكية فى الثلاثينيات عن هذه المخطوطات الثلاث بالذات عنوانه: كنوز المخطوطات الطبية هنا. وطلبت المكتبة مبلغاً معقولاً بالدولارات، ولم تكن السوق المصرفية المصرية قد افتتحت بعد، ورفضت البنوك تحويل المبلغ (حفاظاً على اقتصاد الوطن) فرحت أتسكع فى ميدان المنشية بالإسكندرية، حتى صادفنى تاجرُ عملة، حصلت منه على المبلغ المطلوب، وأرسلته نقداً فى خطابٍ مسجل، وأنا أرتجف، فوصل المبلغ ووصلنى طردٌ صغير به صورة ميكروفيلمية من المخطوطات، فى نفس الوقت الذى وصلتنى فيه ميكروفيلمات البودليان.. فكانت الواقعة.
أرسلت لى هيئة البريد خطاباً مستعجلا فذهبت أدور على المكاتب وأُواجه تحقيقا إدارياً غبياً من الموظفين: ما هذه الأشرطة؟ وما هى صلتك بانجلترا وأمريكا؟ وهل حصلت على تصريح خاص من المخابرات؟ وإلى ماذا تهدف من الحصول على هذه الميكروفيلمات؟ .. وظللت أشرح وأشرح، حتى بدأ لى أنهم اقتنعوا. لكنهم طلبوا تصريحاً من جهاز المراقبة على المصنفات الفنية، كى يسلِّموها لى! ثم كان الزمان كريماً، فوقعت على
موظَّفٍ متفهِّم، اقتنع بأن الأشرطة (الميكروفيلمات) تحتوى على صور كتاب، ولا علاقة لها بالفن ولا الرقابة! لكنه عاد وأفهمنى أن هناك مشكلة فى تحديد الرسوم المطلوبة جمركياً على تلك البضائع المستوردة. وبعدما أظلمت الدنيا فى وجهى، استطاع الموظَّفُ العبقرىُّ أن يجد حلا للمشكلة، إذ أفرج عن الميكروفيلمات، وسلَّمها لى، باعتبارها (عينات) وبالتالى فلا رسوم جمركية عليها!
وفى مكتبة المتحف العراقى ببغداد توجد مجموعة خطية من الشامل تقع فى 1034 ورقة فسعيتُ للحصول على صورة منها كان الأوان أوان حرب الخليج (الأولى) بين العراق وإيران فأردت السفر إلى بغداد - ولم أكن قد خرجت قبل ذلك من مصر - فحذَّرنى بعض الإخوان من رداءة أحوال بغداد، ومن صواريخ إيران بعيدة المدى، ومن احتمال أن يكون المتحف العراقى قد أغلق أبوابه وانتقلت مخطوطاته خشية القصف.. وأسقط فى يدى ثم هدأت الأحوال، وأوصيت صديقاً يعمل فى العراق، بأن يحصل لى على صورة من المخطوطة، ولقد حصل عليها بالفعل وأرسل لى ليبلغنى بذلك، ففرحت ثم حزنت حين صودرت منه فى مطار بغداد!
وفى أحد المؤتمرات تعرَّفت إلى أستاذٍ جامعى من العراق كانت زوجته تعمل فى المتحف العراقى، فوعد بتصوير المخطوطة وإرسالها فى أقرب فرصة، ورجع من مصر إلى العراق. وبعد
رجوعه إلى هناك بأيام سبعة اجتاح صدَّامُ الكويت.. وقامت حربُ الخليج الثانية.
وكان معهد المخطوطات العربية بالقاهرة يمتلك صورة مخطوطة بغداد، لكنه كان مغلقاً. فلما انفتحت أبوابه، فتح الله علينا بتصوير المخطوطة، ثم سمح الزمان أيضاً بالحصول على مخطوطة كامبردج (انجلترا) التى تضم أجزاءاً أُخرى من الكتاب وعلى المخطوطة إشارات تدل على أنها بخط مؤلِّفها.. وهكذا اكتملت العدة، واجتمعت صور المخطوطات الباقية من هذه الموسوعة الهائلة.
وفى اللحظة التى وضعت فيها هذا الكم من المخطوطات معا (حوالى عشرة آلاف صفحة من كتابٍ واحدٍ مخطوط) شعرت بعظمة (ابن النفيس) وشعرت أيضاً بأن: العمر قصير والعلم طويل!
وها أنا أشرع اليوم فى تحقيق هذا الكتاب، أو بالأحرى تحقيق الأربعين مجلداً التى بقيت منه، ولأننى لا أضمن امتداد العمر حتى الانتهاء من التحقيق، فقد جمعت الميكروفيلمات كلها - بعد تصويرها على الورق - فاحتفظت بالصورة الورقية وأهديت النسخ الميكروفيلمية إلى معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، وأوصيتهم أن يصوروها لمن يأتى من بعدى، فى حالة موتى أو عدم إنجازى لتحقيق الكتاب، حتى يتمكَّن باحثٌ آخر
من إتمام المهمة، دون المرور بهذه الرحلة الشاقة التى قطعتها بحثاً عن: كتاب واحد مخطوط (1) .
الشامل للشيرازي
أثناء الرحلة الطويلة التى قطعتها باحثاً عن مخطوطات الشامل هنا وهناك ظل يخايلنى كتابٌ آخر بالعنوان نفسه، لمؤلفٍ آخر غير العلاء. وبلغت المخايلة غايتها فى دار الكتب المصرية، حيث تحتفظ الدار بمخطوطةٍ من الشامل الذى أبحثُ عنه، منسوبةً فى فهرس الدار - وهو فهرسٌ بدائىٌّ أقرب إلى القائمة الحصرية منه إلى الفهرس بمعناه العلمى - إلى مؤلِّفٍ اسمه: أبو سعيد بن أبى مسلم بن أبى الخير، الملقَّب بغيات الغيث.
وقبل الدخول فى تفاصيل هذا الإشكال الذى ألمحتُ إليه فى كتابى السابق دون الوصول إلى رأىٍّ حاسمٍ حوله (2) . أقول، قبل الدخول إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المفهرس التراثى العظيم: حاجى خليفة (مصطفى بن عبد الله القسطنطينى، المعروف بملا كاتب جلبى، المتوفى 1067 هجرية) كان قد ذكر فى كتابه الرائد: كشف الظنون (3) .. أربعةَ عشر كتاباً بعنوان الشامل منها كتابان فى الطب! والكتب الأربعة عشر، هى:
* شَامِلُ التفاسير (4) .
(1) يوسف زيدان: البحث عن كتاب مخطوط (جريدة الأهرام، يوم 25/3/1994) .
(2)
يوسف زيدان: علاء الدين (ابن النفيس) القرشي، إعادة اكتشاف ص 77،.
(3)
حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (دار الفكر ببيروت - طبعة مصورة) ص 1023 وما بعدها.
(4)
لم يذكر حاجي خليفة مؤلِّف هذا الكتاب.
* الشَّامِلُ فى الأصول (1) .
* الشَّامِلُ فى أصول الدين، للجوينى.
* الشَّامِلُ من البحر الكامل (2) ، للطبسى.
* الشَّامِلُ فى تهذيب الذوات الإنسانية (فى التصوف) لعبد الخالق ابن أبى قاسم المصرى.
* الشَّامِلُ فى الجبر والمقابلة، لابن أسلم
* الشَّامِلُ فى علم الحرف، للسكَّاكى.
* الشَّامِلُ فى فروع الحنفية، للبيهقى.
* الشَّامِلُ فى فروع الشافعية، لابن الصباغ.
* الشَّامِلُ فى فروع المالكية، لبهرام الدميرى.
* الشَّامِلُ فى القراءات، للنيسابورى.
* الشَّامِلُ، لأبى الفضل محمد بن أبى جعفر المنذرى (3) .
* الشَّامِلُ فى الطِّبِّ، لأبى سعيد بن أبى مسلم بن أبى الخير الملقب بغيات الطبيب.
(1) وهو - كسابقه - لمؤلف مجهول، جمع فيه كتابين من متون أصول الدين هما: منتخب المنار، المغنى.. ثم شرحهما بطريقة:(قال، أقول) .
(2)
وهو كتاب في التنجيم، عنوانه كاملاً: الشامل من البحر الكامل في دور التأمل في أصول التعزيم وقواعد التنجيم.
(3)
لم يذكر حاجي خليفة موضوع هذا الكتاب، ولا عنوانه الكامل.. ويبدو أنه عرف به، لكنه لم يطالعه.
* الشَّامِلُ فى الطِّبِّ، للشيخ علاء الدين (على بن أبى الحزم القرشى ابن النفيس، الطبيب، المصرى، صاحب الموجز)
وفى تذييله على كشف الظنون أورد إسماعيل باشا البغدادى مزيداً من الكتب التى حملت عنوان الشامل.. بحيث صار لدينا عشرون كتاباً بهذا العنوان. وما أورده البغدادى، هو العناوين التالية:
* الشَّامِلُ فى علم القرآن، لأبى بكر الصولى.
* الشَّامِلُ فى فضائل الكامل، لابن خلف المصرى.
* الشَّامِلُ فى فقه الزيدية، ليحيى بن حمزة.
* الشَّامِلُ فى اللغة، لأبى منصور الأصبهانى.
* شَامِلُ اللغة، لعماد الدين القرَّه حصارى.
* الشَّامِلُ للعوامل، لمحمد البرزنجى (1) .
ومع وجود هذا العدد الكبير من الكتب التى تحمل عنوان الشامل ومع هذا (التداخل) الذى أحدثه مفهرس دار الكتب المصرية، حينما نسب المخطوطة إلى أبى سعيد مسلم بن أبى الخير.. وهو لم يكن يتوهَّم - فى واقع الأمر - وَهْماً كبيراً، فقد أورد المفهرسُ الكبير حاجى خليفة ما يدعم مفهرس الدار.. المهم أن الأمر اقتضى مزيداً من البحث، والحسم، لهذا الموضوع المتعلِّق تعلُّقا مباشراً بالموسوعة التى نحن بصدد نشرها محققةً. وقد انتهى بحثنا، إلى الآتى:
(1) البغدادي: إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون (دار الفكر ببيروت) 39/2. وقد أورد البغدادي كتاباً لم يحدِّده بدقه، هو: شرح الشامل في بحر الكامل في الجبر والمقابلة للسوبيني المتوفي 858 هجرية.. وقد مَرَّ علينا أن الشامل من بحر الكامل هو كتابٌ في التعزيم والتنجيم، للطبسي؛ وليس في الجبر والمقابلة. فتنبَّه.
أولاً: بصدد مخطوطة دار الكتب المنسوبة إلى أبى سعيد مسلم بن أبى الخير وهى المحفوظة بالدار تحت رقم 6057/ ل؛ ظهر أنها تضم الثلاثة أجزاء الأولى من موسوعة العلاء (ابن النفيس) وأنها تطابق طريقة الشامل فى الصناعة الطبية من حيث الأسلوب ونظام التقسيم الداخلى.. إلخ.
كما وجدنا مخطوطة أخرى منها، محفوظة بالظاهرية تحت رقم 7170/طب، ومنسوبةً هناك صراحةً للعلاء (ابن النفيس) .. وقد قدَّمتُ نماذج متطابقة من المخطوطتين، فى ملحق كتابى الأخير، حيث أوردتُ مجموعةً من المخطوطات النادرة التى ألَّفها العلاءُ، أو ارتبطت به (1) .
ثانياً: بالتنقيب وراء الكتاب (الآخر) الذى بعنوان الشامل تبيَّن أن هناك مخطوطتين منه. الأولى محفوظة بدار الكتب المصرية، ذاتها، تحت رقم 602/طب طلعت. والأخرى محفوظة بمكتبة أحمد الثالث باسطنبول، تحت رقم 2108 وقد جاء بأولها أنها: كتاب الشامل لابن الصورى! وجاء على بطاقة فهرستها: الشامل فى الطب، لأبى سعيد بن أبى الإمام أبى مسلم الشيرازى.
ثالثاً: بخصوص اسم المؤلِّف، ليس هناك طبيبٌ يكنَّى غياث الغيث وإنما وجدنا: غياث الدين أبا المعالى، العز بن أبى الفضل بن أبى العباس الأبرقوهى الشيرازى. ووجدنا: ابن الصورى رشيد الدين أبا المنصور بن أبى الفضل بن على الصورى. والأخير منهما، طبيبٌ عَشَّابٌ من أهل الشام، ولد سنة 573 بمدينة صور، ونشأ بها، ثم انتقل عنها، واشتغل بصناعة الطب ووضع من الكتب: الأدوية المفردة، الرد على كتاب التاج فى الأدوية المفردة. وكانت وفاته، وفق ما ذكره مواطنه ومعاصره ابن أبى أصيبعة: يوم الأحد، أول شهر
(1) يوسف زيدان: علاء الدين.. ص 203، 204.
رجب، سنة 639 هجرية، بدمشق (1) .
رابعاً: بعد الحصول على مخطوطتىْ الكتاب المشار إليهما سابقاً، وجدنا هذا الشامل فى النسختين، يبدأ بما يلى: الحمد لله الفاطر، البديع، العلام المؤمن، المهيمن، السلام، المنزه ذاته عن مطارح الأبصار ومعارج الأوهام المقدَّس صفاته عن هواجس الأفكار ووساوس الأوهام.
ثم يرد اسم المؤلِّف على النحو التالى: قال (الشيخ) الإمام الأعظم الأفضل (الأعلم) مالك مملكة الفضائل والحكم، جامع الفروع والأصول، حاوى أصناف المنقول والمعقول: غياث الملة والدين، جلال الإسلام والمسلمين، أبو سعيد بن الإمام أبى مسلم بن أبى الخير الطبيب (الشيرازى) أدام الله تعالى مبانى الفضل عليه، وكثَّر فى الإسلام أمثاله.. إلخ.
وبعد هذه الديباجة، التى من الواضح أنها من وضع الناسخ الأصلى للكتاب، وهو الناسخ الذى كان معاصراً للمؤلِّف (2) ؛ تبدأ ديباجةُ المؤلِّف التى يقول فيها: لما ظهر نورُ الحقِّ من أفق العدم، فاستضاءت (3) بشعاعه بوادى الظُلَمِ، واقتضت (4) عنايته إيجاد آدم من القِدَمِ، ثم (5) اصطفاه واجتباه وشرَّفه بخطاب {وفضلناهم على العالمين} (6) وجعلناه خليفةً فى الأرضين.. فإذن
(1) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص 700. وقد أورد ابن أبي أصيبعة ترجمةً مطوَّلةً عنه، وللمزيد من أخباره يمكن الرجوع إلى: معجم المؤلِّفين 161/4، هدية العارفين 368/1، إيضاح المكنون 554/1.
(2)
بدليل قوله: أدام الله مباني الفضل عليه.
(3)
في مخطوطة أحمد الثالث: فاستقا، وفي مخطوطة دار الكتب المصرية: فاستضا.
(4)
في النسختين: اقتصى.
(5)
ساقطة من نسخة أحمد الثالث.
(6)
في النسختين: فضلناه على العالمين! والآية من سورة الجاثية / آية 16.
كان أولى ما تتولَّى (1) عليه الهممُ العوالى.. تعلُّم حفظ صحة صاحب هذه المناقب والمعالى (2) .. وهو علم الأبدان الذى هدانا إليه الخالق الدَّيَّان. ثم يصرِّح المؤلِّف بعنوان كتابه، وبالسبب الذى دعاه لاختيار هذا العنوان؛ فيقول: ورتَّبته ترتيب الإيجاز والإقلال، محترزاً من السآمة والإملال، وسميته: الشامل لاشتماله على المطلوب واحتوائه على المقصود، معتصماً بالله الودود.
ويذكر المؤلِّف أنه جعل كتابه على قسمين: الأول: فى حفظ الصحة وبنيانه على أربع مقالات. الأولى: فى الوصايا.. الثانية: فى إصلاح الأمور الطبيعية.. الثالثة: فى حفظ الصحة فى الفصول الأربعة.. الرابعة: فى حفظ صحة الأعضاء الرئيسية والمرؤسة.. القسم الثانى، فيه مقدمة وست مقالات (3) . وفى كل مقالة عددٌ من الفصول، ذكر المؤلِّف عناونيها فى المقدمة ثم شرع فى الكتاب الذى جاء فى 273 ورقة مقاس (20× 13سم) فى مخطوطة أحمد الثالث، التى تنتهى بقوله: يُعالج بعلاج القروح الأُخرى، والله أعلم، تمت المقالة الأولى بتوفيق الله جل وعلا.
أما مخطوطة القاهرة، التى تقع فى 265 ورقة من القطع الكبير (مقاس 22×15سم) فهى تنتهى بقول المؤلِّف: الباب الرابع عشر، فى طرد الهوام.. وما يطرد الهوام والحيَّات خاصةً، التبخير بأظلاف الماعز وقرون الأبل (4) .
ويظهر مما سبق، أن الكتاب ليس لابن الصورى، وليس لغياث الغيث! فكلاهما انتحالٌ من عمل المتأخِّرين، أما المؤلِّف الحقيقى - على الأرجح - فهو
(1) .. يتولى.
(2)
يقصد: ابن آدم (الإنسان) .
(3)
الشامل، للشيرازي (الورقة الثانية) .
(4)
وضعنا ضمن نماذج المخطوطات بآخر هذه الدراسة، صوراً من هاتين المخطوطتين.
المذكور فى ديباجة الكتاب، أعنى: غياث الدين الشيرازى.. وبالبحث عنه وجدنا له ترجمةً عند السخاوى فى ضوئه اللامع، نصُّها:
محمد بن إسحق بن أحمد بن إسحق بن أبى بكر، غياث الدين أبو المعالى، العز بن أبى الفضل بن أبى العباس الأبرقوهى الشيرازى، وكان أبوه قاضيها المكى، ويعرف بالكتبى. ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة بأبرقوه، ودخل دمشق فسمع بها على ست العرب حفيدة الفخر (1) الشمائل النبوية (2) للترمذى. وقدم مكة فقطنها نحو ثلاثين سنة، على طريقةٍ حسنة من كَفِّ الأذى والإقبال على الخير والعبادة. وجرت على يديه، من قبل (شاه شجاع، صاحب فارس) لكونه كان من جماعته، صدقاتٌ لأهلها ومآثرٌ بها. وكان بارعاً فى الطبِّ، انتفع به أهل مكة فيه كثيراً سيما وهو يحسن إليهم بما يحتاجونه من أدوية وغيرها. وصنَّف فيه كتاباً حسناً. مات بعد انقطاعه فى بيته لضعفه وعجزه عن الحركة فى جمادى الأولى سنة خمس (3) ، ودفن بالمعلاة ذكره الفاسى فى (أخبار) مكة، ثم التقى بن فهد فى معجمه، وشيخنا فى إنبائه (4) والمقريزى فى عقوده، وآخرون (5) .
(1) إذا أُطلقت كنية (الفخر) فالمراد بها: فخر الدين الرازي، المتوفي سنة 606 هجرية.. وهو أحد أهم المفكرين والمتكلمين في تاريخ الإسلام.
(2)
هو كتاب: الشمائل النبوية والخصائث (الخصال) المصطفوية، للإمام الترمذي المحدِّث.. وهو احدٌ من أهم كتب الحديث والسيرة.
(3)
يقصد: سنة خمس وثمانمائة (805 هجرية) .
(4)
يقصد: شيخه ابن حجر في كتابه إنباء الغمر بأبناء العمر.
(5)
السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (منشورات مطبعة الحياة، بيروت - طبعة مصورة) 132/4.
والفقرة السابقة نقلها د. أحمد عيسى بتمامها، فى معجمه الذى استكمل به عيون الأنباء فى طبقات الأطباء وختمها بإشارة إلى ترجمة الشيرازى فى الطبقات لابن قاضى شهبة، حوادث سنة 805 هجرية (1)(وهى سنة وفاة الشيرازى)
وتبقى، مع ذلك؛ جملةُ إشكالات. الأول: أن مولد غياث الدين الشيرازى وفقاً لما ذكره السخاوى، كان سنة 725 هجرية. وقد ذكر حاجى خليفة، أن (غياث الطبيب) انتهى من الكتاب سنة 736 هجرية (2) .. فكيف يتفق أنه كتب كتابه فى الحادية عشر من عمره؟! والإشكال الآخر: أن أول الكتاب فى المخطوطتين، يطابق أوله عند حاجى خليفة، وكذلك وَصْف الكتاب وأقسامه بيد أن المؤلِّف فى المخطوطة: غياث الملة والدين.. أبو سعيد بن أبى مسلم بن أبى الخير الشيرازى. وهو فى كشف الظنون: أبو سعيد بن أبى مسلم بن أبى الخير الملقب بغيَّاث. وهو فى كليهما، عبارة عن كُنى لا أسماء، بل لايوجد فيه اسمٌ واحد! بينما الاسم عند السخاوى: محمد بن إسحاق بن أحمد غياث الدين الشيرازى فذكر اسم أبيه وجده، من غير كنى.. وقد أشار السخاوى إلى كتابه، من غير ذِكْر العنوان بقوله: وكان بارعاً فى الطب.. وصنَّف فيه كتاباً حسناً. فهل كان السخاوى يقصد كتابه: الشامل؟!
والإشكال الأخير هنا: أن الشيرازى إذ يختار عنواناً لكتابه؛ هل ضاقت عليه العناوين، فاختار عنواناً مطابقاً لعنوان موسوعة العلاء - الذى سبقه بأكثر من مائة عام - أم تراه لم يسمع أصلاً بموسوعة الشامل فى الصناعة الطبية؟!
(1) د. أحمد عيسى: معجم الأطباء، ذيل عيون الأنباء في طبقات الاطباء (دار الرائد العربي بيروت 1982) ص 370.
(2)
حاجي خليفة: كشف الطنون عن أسامي الكتب والفنون، ص 1024.
وعلى أية حال، وعلى الرغم من هذه الإشكالات؛ فقد عرفنا أن هناك كتابين فى تراثنا الطبى، بعنوانٍ واحد.. وإن اختلفا فى المؤلِّف، وفى طريقة التأليف، وفى حجم الكتاب! فالشامل للشيرازى، لايزيد فى حجمه عن بعض أجزاء الشامل للعلاء القَرَشى (ابن النفيس) .
منهجُ التَّحْقِيقِ
كان أول ما صنعناه عند البدء فى تحقيق الشامل فى الصناعة الطبية هو رسم شجرة لأقسام الكتاب، بحسب المخطوطات التى بين أيدينا، وبحسب ما أشار إليه العلاءُ فى ثنايا الأجزاء الموجودة.. فظهر أمامنا ما يلى:
الفن الأول من الشامل
.
وهو يشتمل على: قواعد الجزء النظرى من الطب. ويقع فى أربعة أجزاء على النحو التالى:
1 -
الجزء الأول: فى علم الأمور الطبيعية. ويشتمل على مقدمةٍ وسبعة كتب وهى: كتاب الأركان، كتاب الأمزجة، كتاب الرطوبات، كتاب الأعضاء، كتاب الأرواح، كتاب القوى، كتاب الأفعال.
2 -
الجزء الثانى: فى علم الأمراض.
3 -
الجزء الثالث: فى علم الأسباب.
4 -
الجزء الرابع: فى علم الدلائل. ويشتمل على ثلاثة كتب: الكتاب الأول فى الوجع. الكتاب الثانى فى النبض؛ ويضم ثلاثة تعاليم: التعليم الأول فى ماهية النبض، التعليم الثانى فى أجناس النبض، التعليم الثالث فى أسباب النبض. الكتاب الثالث فى البول.
الفن الثاني من الشامل
وهو يشتمل على أربعة أجزاء، الجزء الثانى منها يشتمل على نمطين، النمط الأول منها يضم ثلاثة كتب، الكتاب الثالث منها موضوعه (الجراحة) أو: عمل اليد، ويقع فى ثلاثة تعاليم:
1 -
التعليم الأول، فى الأصول الكلية.
2 -
التعليم الثانى، فى الآلات.
3 -
التعليم الثالث، فى أجناس العمل باليد.
وأغلب أجزاء هذا الفن (الثانى) مفقودة، وإن كانت هناك إشارات فى ثنايا كلام العلاء، تفيد أنه كتبها بالفعل.
الفن الثالث من الشامل
وهو يشتمل على جزئين، الأول منها مفقودٌ بالكامل، والجزء الثانى موجودٌ كاملاً! وهو الجزء الذى يقع فى ثمانية وعشرين كتاباً، فى الأدوية المفردة.
* * *
وهكذا تعَّين علينا البدء بالكتب الثمانية والعشرين، الكاملة، التى تمثل الجزء الثانى من الفن الثالث.. وتأجيل الأجزاء الأخرى من الشامل على أمل ظهور المزيد من مخطوطاتها أثناء الفترة التى سيستغرقها نشرُ الكتب الثمانية والعشرين، ومن بعدها الكتب المتفرِّقة من الفن الأول والثانى؛ وهى الفترة التى قد تمتد لعامين كاملين.
وعلى هذا، فإن الكتاب الذى بين أيدينا، هو الجزء الأول من أول كتب الأغذية والأدوية المفردة؛ كتاب الهمزة. وقد استخرجنا نصَّه بعد المقابلة بين مخطوطتين لابأس بهما، هما: مخطوطة الظاهرية ومخطوطة بودليان.
(أ) وَصْفُ النُّسَخِ الخِّطَّيةِ
مخطوطة المكتبة الظاهرية كما سبق أن أشرنا، هى نسخةٌ جيدة، كُتبت بقلم نسخى دقيق، فى القرن التاسع الهجرى تقديراً، وهى تشتمل على الأحد عشر كتاباً الأولى من كتب الأدوية والأغذية.. وهى محفوظة تحت رقم 8547 بالظاهرية، التى توجد حالياً بمكتبة الأسد بدمشق. أوراقها 319 ورقة من القطع الكبير، ومسطرتها 33 سطراً، يحتوى السطر الواحد على قرابة 15 كلمة.. وهى على هذا النحو، تعدُّ من المخطوطات المزدحمة بالكلمات!
والمخطوطة كتبها ناسخٌ محترف، وإن كان غير متخصِّص فى الطِّبِّ. وهو يضبط الكلمات فى أغلب الأحيان، وإن كان ضبطه لايُعتمد عليه - فى أغلب الأحيان - لأنه ينقل من مخطوطة غير مضبوطة، لعلها نسخة المؤلف؛ ولأنه يضبط وفق ما يبدو له، من غير معرفة بالمفردات والمصطلحات الطبية.
ومع أهمية هذه المخطوطة، التى رمزنا لها فى هوامش التحقيق بحرف هـ.. فإن بها ثلاثة عيوب خطيرة: الأول أنها ناقصة من أولها بمقدار ورقتين. والثانى أن عديداً من أوراقها، سقطت أثناء التجليد. والثالث أن الناسخ حين يعجز عن فهم كلمة من الأصل الذى نقل عنه، فإنه يسقطها من الكلام، ويمر عليها مرور الكرام! دون تنبيه إلى ما تركه من كلمات.. ولولا مخطوطة بودليان لما كان من الممكن استخراج النص المحقَّق بالاعتماد على مخطوطة الظاهرية وحدها، نظراً لهذه العيوب الخطيرة.
ومخطوطة بودليان أو المكتبة البودلية بأكسفورد، المحفوظة تحت رقم 290/ بوكوك. نسخةٌ خطية جيدة، كُتبت سنة 983 هجرية، نقلاً من مخطوطة الظاهرية، أو نقلاً من المخطوطة التى نقل عنها ناسخ مخطوطة الظاهرية. وهى نسخة كاملة، ضخمة من حيث عدد الأوراق (1659 ورقة) ومن حيث مقاس الورقة الواحدة (30×18سم) ومسطرتها 23 سطراً فى الصفحة، يشتمل على كل سطر على قرابة 14 كلمة. وخطُّها معتادٌ، وقلمُ النسخ سميكٌ وناسخُها لم يذكر اسمه فى آخرها، أو بين ثناياها.
وعيبُ هذه النسخة، أن ناسخها يرسم الكلمات دون تدبُّر لمعناها. ويبدو أنه كان مكلَّفا بنسخها فى وقت محدَّد، فكان يُسرع بالنسخ دونما تدقيق فى معانى النص. وقد ظهرت فى هذه النسخة، كل الهنات والأخطاء الموجودة فى مخطوطة الظاهرية، حتى أن هناك سطرٌ (مكرر) فى المخطوطتين! بيد أن الأوراق الساقطة من مخطوطة الظاهرية هـ موجودة فى مخطوطة بودليان..، فكان لا غنى لنا عن هذه المخطوطة، التى رمزنا إليها فى هوامش التحقيق بحرف ن.
ويعلم الله كم لاقيتُ الأمرين، عند مقابلة المخطوطتين، لاستخراج النصِّ المحقق من هاتين المخطوطتين، اللتين سأستخرج منهما عديداً من الأجزاء التالية من الشامل. ومع ذلك، فهما المخطوطتان الوحيدتان فى العالم - فيما نعرف - اللتان يضمان الأجزاء الأولى من كتب الأغذية والأدوية. ولولا الصبر أمام الكلمات ولولا مراجعة مالا حصر له من مصادر ضابطة تعرضت للموضوعات نفسها، ولولا الاستعانة بمعرفتى السابقة بأسلوب العلاء (ابن النفيس) ومفرداته.. لولا ذلك كله، لعسر استخراج هذا النص المحقق.
(ب) الَهَوَامِشُ
اشتملت هوامش التحقيق على نتاج المقابلة بين المخطوطتين، حيث تم استبعاد الكلمات غير الصائبة إلى هامش الصفحات. كما وضعنا بالهوامش بعض التعليقات التى وجدناها ضرورية، وشروحاً للمفردات والاصطلاحات الواردة فى النص المحقَّق.
وقد رجعنا فى شرح المفردات والمصطلحات، إلى كثير من المصادر والمراجع بعضها فى اللغة، وبعضها الآخر فى الطب والصيدلة. وقد ذكرنا هذه المصادر والمراجع فى مواضعها، ونكتفى هنا بالإشارة إلى أهمها، مما كثر رجوعنا إليه:
* لسان العرب، لابن منظور.
* الحاوى فى الطب، للرازى.
* القانون فى الطب، لابن سينا.
* الجامع لمفردات الأغذية والأدوية، لابن البيطار.
* تفسير كتاب دياسقوريدس، لابن البيطار.
* المعتمد فى الأدوية المفردة، للملك المظفر.
* تذكرة أولى الألباب، لداود الأنطاكى.
* معجم الألفاظ الفارسية المعربة، للسيد أدى شير.
ملَاحَظَاتُ التَّحْقِيقِ
ظهرت لنا أثناء تحقيق النص، بعض الملاحظات التى تجدر الإشارة إليها قبل الخوض فى بحار الشامل.. وهو ما يمكن إجماله فى الآتى:
أولاً: تمثل الكتب الثمانية والعشرين المخصَّصة للأغذية والأدوية المفردة أضخم عمل صيدلانى فى تاريخ الإسلام والحضارات القديمة. فهى تفوق من حيث استيفائها الكلام على كل غذاءٍ ودواء، كافة الكتابات السابقة على العلاء فى هذا الموضوع؛ بما فى ذلك الأعمال المشهورة، مثل: كتاب الحشائش لديسقوريدس، كتاب الجامع لابن البيطار، وهما أهم مرجعين فى الصيدلة قبل العلاء.. كما تفوق: المعتمد للملك المظفر التذكرة لداود الأنطاكى، وهما أهم مرجعين كُتبا بعد العلاء. ناهيك عن التفوق الكمى والنوعى للكتب الثمانية والعشرين، على الفصول التى خصَّصها الرازى وابن سينا للأغذية والأدوية، فى كتابيهما: الحاوى، القانون.
ثانياً: انطلق العلاءُ (ابن النفيس) فى تناوله التفصيلى للأغذية والأدوية، من النظريات التى انطلقت منها بحوثه وكتاباته الطبية الأخرى، كنظرية الطبائع والأُستقصات، والعلاج بالضد، والقوة الشافية الكامنة فى الجسم، وحركة الدم بالطاقة - أو: الأرواح - داخل الشرايين والأوردة.
كما انطلق العلاءُ من قاعدةٍ منهجية مفادها أن الطبيب يهتم من النباتات بأفعالها فى بدن الإنسان، لا بخواصها من حيث هى نباتات - فهذا عملُ الطبيعيين - وهو ما كان أبو بكر الرازى قد حدَّده بوضوح فى الحاوى حين قال تحت عنوان (كتاب صيدلة الطب) ما نصُّه:
المعرفةُ بالأدوية، وتمييزُ جيدها ورديئها (1)، وخالصها ومغشوشها؛ وإن كان ليس بلازمٍ للطبيب ضرورة - كما يحسبه جُهَّالُ الناس - فهو أحرى وأزين به (2) .. ولايجوز أن يسمَّى أعرف الناس بأنواع الأدوية وأشكالها وألوانها وخالصها: طبيباً، بل إنما يسمى الطبيب، مَنْ عرف أفاعيل هذه فى أبدان الناس.. لأن للأدوية أفاعيل باطنة، وهى التى تسمَّى الخواص، لا يبلغ الطبيب استخراجها (3) .
وعلى هذا النهج سار العلاءُ، وأشار إليه غير مرة بعباراتٍ مثل قوله فى الفصل الثانى من المقالة الثانية والعشرين من كتاب الهمزة عند تناوله لطبيعة الأسل:
ولما فى هذا النبات من الهوائية، فإنها وإن كانت فى نفسها بالغة الرطوبة، إلا أن هذه الرطوبة لا مدخل لها فى التأثير فى بدن الإنسان. وكلامنا ها هنا فى أمزجة الأدوية، إنما هو باعتبار فعلها فى بدن الإنسان.
وهو ما أكّده في الفصل الثاني من المقالة التالية - الثالثة والعشرين - بقوله أثناء في طبيعة الآس:
إن كلامنا ها هنا في أمزجة الأدوية، إنما هو في أمزجتها المعتبرة، بحسب فعلها في بدن الإنسان، لا التي هي في
(1) في النَّصَّ المنشور: تمييزها جيدها ورديها.
(2)
في الَّنصِّ المنشور: بها.
(3)
الرازي: الحاوي في الطب (دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن، الهند 1971) 2/22.
أنفسها والهوائية التى فى الآس، وإن كانت تفيد الآس نفسه رطوبةً فإنها ليست بعللٍ تثبته لبدن الإنسان.
ويستفاد مما سبق، أن العلاءَ (ابن النفيس) مع أنه وضع أوسع موسوعة صيدلانية بكتبه الثمانية والعشرين، إلا أنه لم يقصد الصيدلة بذاتها، وإنما كان يستكمل كافة التخصُّصات الداخلة فى الصناعة الطبية.. ليكون كتابه شاملاً.
ثالثاً: مع ضخامة الموسوعة التى نحن بصدد الدخول إلى نصها المحقَّق وبلوغ صفحاتها المئات،بل الألوف؛ إلا أن مؤلِّفها ظل دوماً حيوىَّ الأسلوب.. دافقه.. ولم يغب عن باله القارئ! ولذا، فهو لايفتأ يتوجَّه لقارئه بالخطاب بعبارات مثل: إنك قد علمت.. وستعرف كيفية ذلك كله، فيما بعد.. على ما تعرفه فى موضعه.. إلخ.
ومع تدفُّق قلم العلاء، إلا أنه كان حريصاً كل الحرص على الوضوح والإبانة، واستعمال الألفاظ السهلة، والعبارات المنسابة، والخروج من المزالق التى لاطائل تحتها، متخلِّصاً منها بعبارات مثل: ولستُ بالذى يخوض فى ذلك.. ولا مشاحة فى الألفاظ.. ومن أراد تحقيق هذا الأمر فعليه بالمراجعة.. ولانريد التطويل.. إلخ.
غير أن اندفاق عبارات العلاء، وكون كتابته غير منقوطة فى أغلب المواضع - وقد كان يكتب بيده - جعل النُّسَّاخ من بعده يخطئون فى رسم الكلمات وفى كتابه الضمائر والمفردات. وقد اجتهدنا فى تصويب تلك الأخطاء، عند التحقيق.
رابعاً: كان الشامل مرجعاً لكثير من الأطباء الذين جاءوا بعد العلاء، وقد أشار إليه واقتبس منه كثيرون، مثل الملك المظفر فى كتابه: المعتمد والقوصونى
فى قاموس الأطباء. وداود فى التذكرة. والعبدلى فى رسالته: فيما ورد فى الثلج والجمد والبرد.
ومع ذلك، فالشامل لم يلق ما يستحقه من عنايةٍ فى العصور اللاحقة على عصر مؤلِّفه. فلم يتوسَّع فى مباحثه الأطباءُ والصيادلة، ولم يعكف عليه واحدٌ منهم بالشرح والتحشية، ولم يحظ بجهود النُّسَّاخ. ومن هنا، خفت صوت الشامل فى القرون السبعة الماضية، وقلَّت نسخُهُ الخطية وندرت. ولاشك فى أن ضخامة الشامل كانت السببُ وراء ذلك الإحجام عن التوسع والشرح والنَّسْخ.
خامساً: لاتزال بعض الطرق العلاجية التى وصفها العلاءُ فى موسوعته مستعملةً فى نواحٍ من بلادنا.. فمن ذلك - على سبيل المثال - الطريقة (الصعبة) لعلاج البهق، بآطريلال! كما سنرى فى المقالة الأولى من هذا الجزء الذى بين أيدينا. وقد رأيتهم يستعملون هذه الطريقة، بأطراف صعيد مصر.
أخيراً: التزم العلاءُ التزاماً صارماً، بالمنهج الذى حدَّده فى مقدمة الجزء الثانى من الفن الثالث، وسار فى الكتب الثمانية والعشرين - التى نحن بصدد الدخول إليها - على النهج الذى رسمه، بدقةٍ متناهية.
.. تلك هى بعضُ النقاط التى لاحظناها أو لفتت أنظارنا، فى بعضِ المواضع من الجزء (الأول) الذى بين أيدينا، وهو بعضُ كتاب الشامل فى الصناعة الطبية. وما من شكٍ فى أن أجزاء الكتاب، كاملةً، بحاجةٍ إلى عكوفٍ طويل يتجاوز تلك الملاحظات السريعة، إلى التفحُّص الهادئ.. والدرس المنهجى.. والمقارنة.. والمقاربة.. والمصاحبة.. والعكوف، من قبل الدارسين والمشتغلين بالطب وتاريخه.
الَّنمَاذِجُ والرُّمُوُز
على الصفحات التالية، نماذج من مخطوطات الشامل التى اعتمدنا عليها فى التحقيق، والتى بحثنا من خلالها إشكال (الشامل للشيرازى) تليها قائمة بالرموز والاختصارات المستعملة فى هوامش التحقيق.
وبعد.. فإن كان من أهل الزمان، مَنْ يتوجَّب علىَّ إهداء جهدى المتواضع فى تحقيق ونشر هذه الموسوعة؛ فإننى أهديه إلى هؤلاء الأحبة:
* صاحبة الرفقة الطويلة، عبر السنوات الماضية / الحافلة؛
زوجتى: هناء عامر.
* صاحب ذِكْراى الآتية، بعد سنوات أرجو أن تتم لى خير فى
هذه الدنيا؛ ابنى: علاء.
* صاحبى على درب الانشغال بالثقافة والمعرفة الذى أتاح
للشامل أن يرى النور، صديقى الشاعر: محمد السويدى.
يوسف زيدان
الإسكندرية فى صفر 1420هـ.
الموافق شهر مايو 1999
الشامل في الصناعة الطبية
نسخة الظاهرية هـ (أول المخطوطة)
الشامل في الصناعة الطلبية
نسخة الظاهرية هـ (آخر المقالة الخامسة والعشرين)
الشامل في الصناعة الطبية
نسخة بودليان ن (أول المخطوطة)
الشامل في الصناعة الطبية
نسخة بودليان ن (أول المقالة الأولى)
الشامل في الصناعة الطبية
نسخة بودليان ن (آخر المقالة الخامسمة والعشرين)
الشامل للشيرازي
مخطوطة دار الكتب المصرية (الغلاف)
الشامل للشيرازي
مخطوطة دار الكتب المصرية (الورقة الأولى)
الشامل للشيرازي
مخطوطة دار الكتب المصرية (الورقة الأخيرة)
الشامل للشيرازي
مخطوطة أحمد الثالث (الورقة الأولى)
الشامل للشيرازي
مخطوطة أحمد الثالث (الورقة الأخيرة)
رموز التحقيق
هـ مخطوطة الظاهرية رقم 8547.
ن مخطوطة بودليان رقم 290 / بوكوك.
:. اتفاق النسختين على خطأ.
هامش المخطوطة.
الشَّامِلُ في الصِّنَاعةِ الطِّبِّيَّةِ
النَّنصُّ المحقَّقُ
المُقَدِّمَةُ
(1)
الجزءُ الثانى من الفَنِّ الثالث من الكتاب الشَّامل فى الصناعة الطبية. وقصدُنا فيه أن نتكلم فى أحكام الأدوية المفردة كلاماً مفصَّلاً بحسب دواءٍ دواء سواءٌ كان ذلك الدواء دواءً مطلقاً أو دواءً غذائياً أو دواء سُمِّياً أو سُمّاً على الإطلاق. حتى يكون كلامنا ها هنا، شاملاً لجميع الأجسام التى يصدق عليها أنها أدوية.
وقد جرت عادةُ مَنْ سبقنا بالكلام فى هذا الفن، ببسط (2) الكتب بأمرين. أحدهما: كثرة أعداد الأدوية، حتى يستقصوا جميع ما وصل إلى معرفتهم من هذه الأدوية، ولو باسمه فقط. وربما ترادفت أسماءٌ، وكان الدواء (3) فى ذاته واحداً فكثَّروه لأجل تكُّثر أسمائه (4) ، ظانِّين أن مسمَّيات تلك الأسماء متغايرة! وربما حكم بعضهم على ذلك بأحكامٍ مختلفة، وكان المحكوم عليه فى نفس الأمر واحداً. وثانيهما: تكثُّر أسماء القائلين فى كل دواء، إن كانت تلك الأقوال متوافقة وكثيراً ممن يُظنُّ فيه - منهم - زيادةُ العلم، يزيد على ذلك، الكتبَ المشتملة على تلك الأقوال، وكذلك أسماء المقالات فى تلك الكتب، ظانِّين أن العلم الكامل ليس إلا هذا! ومع ذلك، فإنهم يحتجُّون على جميع مطالبهم، بأن هذا: قاله فلان. فإن أكَّدوا هذه قالوا: فى كتاب كذا فى المقالة الفلانية. ونحن نرجو
(1) لم ترد الكلمة فى المخطوطة، ولم ترد المقدمة بكاملها فى مخطوطة الظاهرية (هـ) ونحن نعتمد هنا على مخطوطة بودليان (ن) وحدها.لم ترد الكلمة فى المخطوطة، ولم ترد المقدمة بكاملها فى مخطوطة الظاهرية (هـ) ونحن نعتمد هنا على مخطوطة بودليان (ن) وحدها.
(2)
ن: بسط.
(3)
ن: كان!
(4)
ن: اسماه.
من الله تعالى، أن تكون طريقتنا مخالفة لهذه الطريقةً، وأن يكون كلامنا فى هذا الفن، شبيهاً بكلامنا السالف (1) ، وعلى الوجه العملى المحقَّق.
وقد رأينا أن نقتصر على الأدوية المشهورة فقط، فلا نطوِّل كتابنا هذا بذكر ما لا يوجد، وما لا (2) يعرفه الجمهورُ والأطباءُ من الأدوية، فإن العمر يقصر عن ذلك. وما كان من الأدوية المشهورة، وقد تحقَّقنا معرفته، تكلَّمنا فيه على الوجه الذى نرى أنه لائقٌ بالكلام العملىِّ فنحقِّق الكلام فى ماهيَّته وأفعاله على الإطلاق، وفى كُلِّ عضوٍ عضو. كل ذلك ببِّيناتٍ مهذَّبة وحُجَجٍ محقَّقة. وما كان من آراء الذين يُعتدُّ بأرائهم فى هذا الفن، نرى أنه مخالفٌ للحق، بيَّنا وجه غلطه، وبرهنَّا على بطلانه. متوكِّلين فى ذلك كله، على التوفيق من الله تعالى.
وما كان من الأدوية المشهورة لم تتحقَّق عندنا معرفته، رأينا أن لانوليه الإهمال؛ فيكون كتابنا هذا ناقصاً عن الكمال، وقاصراً على المشهور. فلذلك رأينا أن نتكلَّم فى ذلك، على نمط كلام الأولين، فنذكر ما قيل فى أحكامه شرحاً، فمن شاء تحقيق شئ من ذلك، فعليه بالفحص عنه. ونسأل الله العصمة والتوفيق.
وقد رأينا أن نجعل لكل دواءٍ تحقَّقناه، مقالةً على حدة. وأن نرتِّب كل مقالةٍ على فصول، مشتملة على فنون أحكام ذلك الدواء. فيكون كلامنا فى: ماهيته وجوهره والمختار منه كل ذلك فى فصلٍ واحد. والكلام فى أفعاله فى أعضاء الصدر فى فصلٍ واحد. والكلام فى أفعاله فى أعضاء الغذاء فى فصلٍ
(1) الإشارة هنا إلى الأجزاء السابقة من موسوعة الشامل.
(2)
ن: ولا.
واحد. والكلام فى أفعاله فى أعضاء التعفُّن (1) فى فصلٍ واحد. والكلام فى الأحوال التى لا اختصاص لها بعضوٍ عضو (2) فى فصلٍ واحد. والكلام فى أحوال ذلك الدواء فى الترياقية والسُّمِّيَّة ونحو ذلك، وفى بدله وشئٍ من خواصه (3) فى فصلٍ واحد.
فلذلك، قد تشتمل بعض المقالات على ثمانية فصول، وربما اشتمل بعضها على سبعة أو أقل من ذلك؛ وذلك بحسب ما تحقَّقناه من أحكام كل دواء. وربما جمعنا كثيراً من فنون هذه الأحكام، فى فصلٍ واحد، لقِصَرِ الكلام فى تلك الفنون، فلذلك قد يُجعل بعض (4) المقالات فى فصلين فقط، وربما جمعنا أحكام بعض الأدوية، كلها فى فصلٍ واحد.
وقد جمعنا جميع المقالات التى مُبتدأ أسماءُ أدويتها بحرفٍ معيَّن، كالهمزة (5) مثلاً والباء، فى كتابٍ على حدة. فلذلك تعدَّدت هذه الكتب، بعدد الحروف التى تبتدئ بها أسماء الأدوية. وكانت هذه الكتب ثمانية وعشرين كتاباً بعدد الحروف.
بذلك يكون الكتاب الأول فى الأدوية التى أول أسمائها حرف الهمزة. والكتاب الثانى فى الأدوية التى أول أسمائها حرف التاء (6) . والكتاب الثالث فى
(1) سوف يجعلها العلاءُ بعد ذلك: أعضاء النفض (انظر تعليقنا عليها في بداية الفصل الرابع من المقالة الأولى) .
(2)
- ن.
(3)
الخواص، هي الطبائع الأصلية للمركَّبات (راجع ما ذكره الرازي من ذلك، في الدراسة الممهدة للتحقيق) .
(4)
ن: في بعض.
(5)
ن: والهمزة.
(6)
لم يرد هنا حرف الباء مع أن هناك كتاباً مخصصاً لذلك في الشامل.. وربما كان ذلك من سهو القلم.
الأدوية التى أول أسمائها حرف الثاء.. وعلى هذا الترتيب، إلى آخر الحروف.
ثم جعلنا لكل كتابٍ خاتمةً، نذكر فيها أحكام الأدوية المشهورة، التى لم نتحقَّق معرفتها على الوجه العلمى، من الأدوية التى أول أسمائها، الحرفُ الذى لذلك الكتاب.