الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس في فِعْلِه في أَعْضَاءِ الغِذَاء
لما كان هذا النبات عَطِراً، والعطريةُ ملائمةٌ للروح والأحشاء، وذلك لأجل كثرة الأرواح فى الأحشاء. فلذلك، إذا طُبِخَ بِزْر هذا النبات، أو زهره أو قِشْر ثمرته (1) ؛ فى خَلٍّ أو فى شَرابٍ أو فى ماء العنب أو ماء الورد ونحو ذلك وشُرِبَ؛ كان ذلك موافقاً للأحشاء كلها، مقوِّياً لها (2) ، خاصةً للمعدة.
وكذلك، إذا نُقِعَ ذلك فى هذه الرطوبات ونحوها. وذلك إذا عُملت بالعسل أو بالسُّكَّر، مثل المعاجين؛ نفعت المعدة وقوَّتها. ولذلك، كان جوارش الأُتْرُجِّ (3) ، وهو المتخذ من قشر ثمرته الموضوع فى العسل، إذا أُكِلَ قوَّى المعدة، وأعان على الهضم وعلى الاستمراء (4) ، لما فيه من الحِدَّة المسرعة لخروج الغذاء.
(1) ن: ثمره.
(2)
العبارة مكررة في هامش هـ، بالقلم المغربي، ومسبوقة بكلمة: انظر.
(3)
الجوارش (الجوارشن) هي أدوية المعدة والأمعاء. وقد وصف الشيخ الرئيس جوارشن الأُتْرُجِّ بقوله: يطرد الرياح، ويهضم الطعام، ويطيِّب النكهة. أخلاطه: يؤخذ قشور الأترج الأصفر اليابس، وزن ثلاثين درهماً، قرنفل وجوزبوا ودار فلفل وفلفل وخيربوا ودار صيني وخولنجان وزنجبيل، من كل واحد وزن درهم، ومن المسك زنة دانق ونصف. يعجن بعسل، ويستعمل (ابن سينا: القانون في الطب 358/3) .
(4)
يقصد: الالتذاذ بالطعام.
وقِشر الأُتْرُجِّ يشهِّى (1) الطعام، ويعطِّش؛ ولكنه يسكِّن العطش البلغمى. وكذلك زهر هذا النبات، إذا عُمل منه دهنٌ بزيت الإنفاق (2) ونحوه، كان ذلك الدهن مقوِّياً للمعدة. وكذلك إذا وُضع قشر ثمر هذا النبات فى الأطعمة - كالأباريز (3) - كان موافقاً للمعدة.
ولما كان جوهر هذا القشر مركَّباً من أرضية ونارية، لا جَرَمَ كان مع تسخينه للمعدة، وإعانته لها على الهضم، ليس ينهضم سريعاً، بل هو عسر الهضم جداً، وإذا انهضم لم يكن غذاؤه (4) كثيراً، لأن جوهره يابسٌ أرضىٌّ نارىٌّ فهو لذلك: يهضم ولا ينهضم.
والمربَّى منه أسرعُ انهضاماً، لأجل لينه وامتزاجه بالعسل، وإذا أُخذ (فى)(5) مضغه جيدا (6) ، سهل بذلك انهضامه فى المعدة، لأجل زيادة تصغُّر أجزائه (7) ، فإن المنفعل كلما كانت أجزاؤه (8) أصغر، كان قبوله للانفعال أكثر.
وأما لحم هذه الثمرة، فهو شديد الغلظ، لأجل تركيبه من أرضية مائية
(1) ن: شهى.
(2)
هو زيت الزيتون يُسمَّى الإنفاق (الأنفاق) لأنه ينتفق من الزيتون الغض الذي لم ينضج (المعتمد ص 215) كما يسمىَّ الزيت الركابي لأنه يأتي محمولاً على الركائب والجمال. وكانوا يسمُّونه في مصر، قديماً، الزيت الفلسطيني. وقد خصَّص علاء الدين (ابن النفيس) مقالةً له في حرف الزاي، فليُنظر هناك.
(3)
يقصد: بمقدار يسير، كما توضع التوابل في الأطعمة.
(4)
:. غذاء.
(5)
-:. .
(6)
:. جداً.
(7)
:. اجزاه.
(8)
:. اجزاه.
جامدة، فلذلك كان هضمه عسراً أيضاً، ولكنه أقبل للانهضام من القشر، لأن جوهر القشر شديد اليبوسة، وهذا اللحم كثير المائية. وكذلك تغذيةُ هذا اللحم بعد انهضامه، أكثر من تغذية القشر، لأن جوهر هذا اللحم أنسب إلى الغذائية من جوهر القشر، لأجل نارية القشر ومائية هذا.
وإذا انهضم لحمُ الأُتْرُجِّ ولَّد خِلْطاً غليظاً، ولذلك هو من المسمِّنات. وهو ردئ الغذاء، عَسِرُ الخروج، مولِّدٌ للقولنج (1) . وإذا طُبخ هذا اللحم، أو أُجيد مضغه، أو رُبِّىَ بالعسل ونحوه؛ كان أسرع هضماً مما ليس كذلك، كما قلنا (2) فى القشر المربَّى (3) بالعسل (أنه)(4) أسلمٌ وأقلُّ ضرراً، لأجل تلطيفه بالعسل.
ويفارق هذا اللحمُ القشْرَ، بأن هذا إذا لم ينهضم سريعاً، وَلَّدَ الرياحَ والنَّفْخَ كثيراً، ولا كذلك القشر. وذلك لأن تولُّد الرياح النفخ، إنما يكون من الدخانية، وهى إنما تحدث كثيراً، إذا خالط الأرضية مائيةٌ تصعِّدها - كما قلناه مراراً - وأرضية القشر، ليس يخالطها مائيةٌ كثيرة، بل نارية. ولا كذلك، أرضية اللحم.
وإذا أُكل هذا اللحم بالأبزار (5) الحارة الكثيرة، كان أقبل للهضم، وقلَّت
(1) القولنج مرضٌ معوىٌّ مؤلم، يتعسَّر معه خروج ما يخرج بالطبع. والقولنج كما يقول ابن سينا الذي عانى منه في حياته، وتوفي به: هو اسمٌ لما كان السبب فيه - في الأمعاء الغلاظ - قولون فما يليها، وهو وجعٌ يكثر فيها لبردها.. فإن كان في الأمعاء الدقاق فالاسم المخصوص به بحسب التعارف الصحيح، هو إيلاوس ولكن ربما سُمى إيلاوس في بعض المواضع قولنجاً لشدة مشابهته له (القانون في الطب 453/2) .
(2)
ن: قلناه.
(3)
:. والمربى.
(4)
-:. .
(5)
جمع بزر، وهو: كل حَبٍّ يبرز للنبات (لسان العرب 207/1) أما البذر فهو أول ما يخرج من الزرع والبقل والنبات (لسان العرب 180/1) .
نُفَخُهُ ورياحُهُ. وينبغى ألا يؤكل مع هذا اللحم طعامٌ آخر - وكذلك القشر - وذلك لأجل غلظ هذين، وعُسْر انهضامهما.فإذا كان معهما طعامٌ آخر، لم تُقبل الطبيعة على هضم هذين، لأجل عُسرهما (1) ، وأقبلت بكُلِّيتها على هضم الطعام الآخر، فكان ذلك سبباً لفساد هذين.
وأما حمض الأُتْرُجِّ فهو دابغٌ للمعدة، لأجل يبوسته، مع تقطيعه لما يكون فى المعدة من الرطوبات، فتتهيَّأ (2) للانزلاق والخروج. ومع ذلك، فإنه يقوِّى المعدى بما فيه من العطرية - وإن قلَّت جداً - ويشهِّى الطعام جداً، لأجل قوَّة حموضته. ولكنه يلذع (3) المعدة القليلة الرطوبات. ويضرُّ جداً أصحاب (4) الفواق اليبوسى، ويمنع القئ، خاصةً رُبُّه وشرابُه، خاصةً إذا كان معه شئ من الطباشير (5) أو أوراق النعنع. ومنعه للقئ الصفراوى أكثر (6) .
وهو يسكِّن العطش، ويزيل الغَمَّ الحادث عن حرارة المعدة وكثرة الصفراء فيها. وهو يقاوم حرارة المعدة. وإذا طُبخ رُبُّ الأُترُجِّ بالخلِّ، وسُقى نصف مقدار سكرجة، قتل العَلَق (7) المبلوعة وأخرجها، لأجل شدة تقطيع هذا المشروب، وإفراط جلائه (7) ولذعه (9) .
(1) :. عسره.
(2)
ن: لتتهيا.
(3)
ن: يلدع.
(4)
:. لأصحاب.
(5)
الطباشير ما يكون في جوف القنا الهندي محترقاً، لاحتكاك أطرافها عند عصف الرياح بها وهذا يكون ببلاد الهند (القانون 326/1 - المعتمد ص 301) .
(6)
العبارة في هامش هـ، بالقلم المغربي، مسبوقة بكلمة: انظر.
(7)
دودة تعلق بجدار المعدة.
(7)
دودة تعلق بجدار المعدة.
(9)
:. لدعه.