الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُقِرُّ بِحَق، أوْ يُشْهِدُ شَاهِدًا بِحَقٍّ، أوْ سَمِعَ الْحَاكِمَ يَحكُمُ، أوْ يُشْهِدُ عَلَى حُكْمِهِ وَإنْفَاذِهِ، فِى [346 ظ] إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ فِى الأخْرَى حَتَّى يُشهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ.
ــ
الله تعالى قال: {وَلَا تَجَسَّسُوا} (1). ورُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَنْ حَدَّثَ بحَدِيثٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَهِىَ أمَانَةٌ» (2). يَعنِى أنَّه لا يجوزُ لسامِعِه ذِكْرُه عنه؛ لالْتِفاتِه وحَذَرِه. وقال مالكٍ: إن كان المشْهُودُ عليه ضَعِيفًا ينْخَدِعُ، لم يُقْبَلا عليه، وإنْ لم يكُنْ كذلك، قُبِلَتْ. ولَنا، أنَّهما شَهِدَا بما سَمِعَاه يَقِينًا، فقُبِلَتْ شَهادَتهما، كما لو عَلِمَ بهما.
5034 - مسألة: (ومَن سَمِعَ رجلًا يُقِرُّ بحَق، أو يُشْهِدُ شاهِدًا بِحَق، أو سَمِعَ حاكِمًا يحكُمُ، أو يُشهِدُ على حُكمِهِ وإنْفاذِهِ)
جاز أن يَشْهدَ به (في إحدَى الروايَتَيْن. ولا يَجُوزُ في الأخْرَى حتى يُشْهِدَه على ذلك اخْتلفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في مَن سَمِعَ
= وعلق البخارى عنه: السمع شهادة. انظر: باب شهادة المختبئ، من كتاب الشهادات. صحيح البخارى 3/ 220. ووصله ابن أبي شيبة، في: المصنف 6/ 496. وأبو القاسم البغوى، في: الجعديات 2/ 183، 184. وانظر: فتح البارى 5/ 250.
(1)
سورة الحجرات 12.
(2)
أخر جه أبو داود، في: باب في نقل الحديث، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 566. والترمذى، في: باب ما جاء أن المجالس أمانة، من أبواب البر والصلة. عارضة الأحوذى 8/ 138. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 324، 352، 380، 394. وأبو يعلى، في: مسنده 4/ 184.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رجلًا يُقِرُّ بحَق، فالمذهبُ أنَّه يجوزُ أن يَشْهدَ عليه وإن لم يَقلْ للشّاهِدِ: اشْهد علىَّ. وهى التى ذكَرَها الخِرَقِىُّ. وبه قال الشَّعبِى، والشافعيُّ. وعن أحمدَ رِواية ثانية، لا يَشْهدُ حتى يقولَ له المُقِرُّ: اشْهَدْ علىَّ. كما لا يجوزُ أن يَشْهدَ على شَهادَةِ (1) رجل حتى يَسْتَرعِيَه إيَّاها، ويقولَ له: اشْهد على شَهادَتِى. وعنه رواية ثالثَة، إذا سَمِعَه يُقِرُّ بقرضٍ، لا يَشْهدُ، وإذا سَمِعَه يُقِرُّ بدَيْنٍ، شَهِدَ؛ لأنَّ المُقِر بالدَّيْنِ مُعتَرِفٌ أنَّه عليه، والمُقِرَّ بالقَرضِ لا يَعتَرِفُ بذلك، لجَوازِ أنْ يكونَ قد وَفّاه. وعنه رِواية رابعة: إذا سَمِعَ شيئًا، فَدُعِىَ إلى الشَّهادَةِ به، فهو (1) بالخِيارِ؛ إن شاء شَهِدَ، وإن شاء لم يَشْهد. قال: ولكنْ يَجِبُ عليه إذا اشْهِدَ (2) أن يَشْهدَ، [إذا دُعِىَ](3)، {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (4). قال: إذا أُشْهِدُوا (5).
(1) سقط من: الأص.
(2)
في ق، م:«شْهد» .
(3)
سقط من: ق، م.
(4)
سورة البقرة 282.
(5)
في ق، م:«شهدوا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال ابنُ أبى موسى: إذا سَمِعَ رجلًا يُقِرُّ لرَجل بحَق، ولم يَقُلْ: اشْهد علىَّ بذلك. وَسِعَ (1) الشَّاهِدَ أنْ يَشْهدَ عليه، فيقولَ: أشْهدُ أنِّى حَضَرتُ إقْرارَ فُلانٍ بكذا. [وإنْ سَمِعَه](2) يقولُ: اقْتَرَضْتُ مِن فُلانٍ. أو: قَبَضْتُ مِن فُلانٍ. لم يَجُزْ أنْ يَشْهدَ به. والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ الشّاهِدَ يَشْهدُ بما عَلِمَه، وقد حصَلَ له العلمُ بسَماعِه، فجازَأن يَشْهدَ به، كما يجوزُ أن يَشْهدَ بما رآهُ مِن الأفْعالِ. فأمَّا الشهادةُ على الشَّهادةِ، فهى ضَعِيفَةٌ، فاعتُبِرَتْ تَقْوِيَتُها بالاسْترعاءِ. وذَكَرَ القاضى أنَّ في الأفْعالِ رِوايَتَيْن؛ إحداهما، لا يَشْهدُ به حتى يقولَ له المشْهودُ عليه: اشْهد. قال شيْخُنا (3): وهذا إن أرادَ به العُمومَ في جميعِ الأفْعالِ، فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ ذلك يُؤدِّى إلى مَنْعِ الشَّهادةِ عليها (4) بالكُلِّيَّةِ، فإنَّ الغاصِبَ لا يقولُ لأحَدٍ: اشْهد أنِّى غَصَبْتُ. ولا السّارِقُ، ولا الزَّانِى، ولا القاتِلُ (5)،
(1) في الأصل: «سمع» .
(2)
في الأصل: «وأنى سمعته» .
(3)
في: المغنى 14/ 208.
(4)
في ق، م:«عليه» .
(5)
سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأشْباهُ هؤلاءِ، وقد شَهِدَ أبو بَكْرةَ وأصحابُه على المُغِيرةِ [بنِ شُعبَةَ](1) بالزِّنَى (2)، فلم يَقُلْ عمرُ: هل أشْهدكم أوْ لا؟ ولا قالَه للدَّين (3) شَهِدُوا على قُدامَةَ بشُربِ الخَمرِ (4). ولا قالَه عثمانُ للدَّين شَهِدُوا على الوَليدِ بن عُقْبَةَ بشُربِ الخَمْرِ (4). ولم يَقُلْ هذا أحدٌ مِن الصَّحابةِ، ولا غيرُهم، ولا بَلَغَنا عن حاكم مِن حُكَّامِ المسْلمين في قَدِيمِ الدَّهْرِ وحَديثه، أنَّه رَدَّ شهادةً على فِعْلٍ بكونِ الشَّاهدِ لم يَحمِلْها، فحصَلَ ذلك إجْماعًا، ولأن الشّاهِدَ مُخْبِر صادِقٌ، وهذا يحصُلُ مِن غيرِ أن يقالَ له: اشْهَدْ. وكذلك إن سَمِعَ الحاكمَ يَحكُمُ، أو يُشْهِدُ (5) على حُكْمِه وإنْفاذِه، جازَ أن يَشْهدَ على ذلك، في أظْهَرِ الرِّوايَتَيْن. والأخْرَى، لا يجوزُ حتى
(1) سقط من: ق، م.
(2)
تقدم تخرجه في 26/ 318.
(3)
في الأصل: «الذين»
(4)
تقدم تخريجه في 26/ 186.
(5)
في م: «شهد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رُشْهِدَه. ووَجْهُها (1) ما ذكَرنا. واللهُ أعلمُ. وإن أرادَ به الأفْعالَ التى تكونُ بالتَّراضِى؛ كالقرضِ، والقَبْضِ فيه، وفى الرَّهْنِ والبَيْعِ، والافْتِراقِ، ونحوِ ذلك، جاز (2).
فصل: ولو حضرَ شاهِدان حِسابًا بينَ رَجُلَيْن، شَرَطا عليهما أن لا يَحفَظا عليهما شيئًا، كان للشَّاهِدَيْن أن يَشْهدَا بما سَمِعَاه منهما، ولم يَسْقُطْ ذلك بشَرطِهِما؛ لأنَّ للشَّاهِدِ أن يَشْهدَ بما سَمِعَه أو عَلِمَه، وقد حصَلَ ذلك، سَواءٌ أشْهدَه أو مَنَعَه، وكذلك يَشْهدانِ على العُقودِ بحُضُورِهما،
(1) في م: «ووجههما» .
(2)
سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعلى الجِناياتِ بمُشاهدَتِهِما، ولا يَحتاجان إلى إشْهادٍ. وبه قال ابنُ سِيرِينَ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ.
فصل: والحُقوقُ على ضَربَيْن؛ أحدُهما، حقٌّ لآدَمِىٍّ مُعَيَّنٍ، كالحقوقِ المالِيَّةِ، والنِّكاحِ وغيرِه مِن العُقودِ، والعُقوباتِ، كالقِصاصِ، وحدِّ القَذْفِ، والوَقْفِ على آدَمِىٍّ مُعَيَّن (1)، فلا تُسْمَعُ الشَّهادةُ فيه إلَّا بعدَ الدَّعوَى؛ لأنَّ الشَّهادةَ فيه حق لآدَمِىٍّ، فلا تُسْتَوْفَى إلَّا بعدَ مُطالَبَتِه وإذْنِه، ولأنَّها حُجَّة على الدّعوَى (2)، ودَليلٌ لها، فلا يجوزُ تَقدِيمُها عليها. الضَّربُ الثاني، ما كان حقُّا لآدَمِىٌّ غيرِ مُعَيَّنٍ، كالوقْفِ (3) على الفُقَراء والمساكينِ، أو جيعِ المسلمين (4)، أو على مَسْجدٍ، أو سِقايَةٍ، أَو مَقْبَرةٍ مُسَبَّلَةٍ، أو (5) الوَصِيَّةِ لشئٍ مِن ذلك، أو نحوِ هذا، أو ما كان حَقًّا للهِ تعالى، كالحُدودِ الخالِصَةِ للهِ تعالى، أو الزّكاةِ، أو الكَفَّارَةِ، فلا تَفتَقِرُ الشَّهادةُ به (6) إلى تَقَدُّمِ الدّعوَى؛ لأنَّ ذلك ليس له مُسْتَحِق مُعَيَّن مِن الآدَمِيِّين يَدَّعِيه، ويُطالِبُ به، ولذلك شَهِدَ
(1) في الأصل: «آدميين معينين» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في م: «كالوقوف» .
(4)
سقط من: م.
(5)
في م: «و» .
(6)
سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبو بَكْرةَ وأصحابُه على المُغِيرَةِ، وشَهِدَ الْجَارودُ وأبو هُرَيْرَةَ على قُدامَةَ ابنِ مَظْعُونٍ بشُربِ الخَمرِ، مِن غيرِ تَقَدُّمِ دَعوَى، فأجِيزَتْ شَهادَتهم، ولذلك لم (1) يُعتَبر في ابْتِداءِ الوَقْفِ قَبول مِن أحَدٍ، ولا رِضًا منه. وكذلك (2) ما لا يتعَلَّقُ به حقُّ أحَدٍ، كتَحرِيمِ الزَّوْجَةِ بالطَّلاقِ أو الظِّهارِ، أو إعتاقِ الرَّقيقِ، تجوزُ الحسْبَةُ به، ولا تُعتَبَرُ فيه الدَّعوَى. فلو شَهِدَ شاهِدان بعِتْقِ عَبْدٍ أو أمَةٍ ابْتِداءً، ثبَتَ ذلك، سَواءً صدَّقَهما المشْهودُ بِعِتْقِه (3)، أو لم يُصَدِّقْهما. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال به أبو حنيفةَ في الأمَةِ. وقال في العَبْدِ: لا يَثْبُتُ، ما لم يُصَدِّقِ العَبْدُ به، ويَدَّعِيه؛ لأنَّ العِتْقَ حَقُّه، فأشْبَهَ سائِرَ حُقوقِه. ولَنا، أنَّها شَهادة بعِتْقٍ، فلا تَفْتَقِرُ إلى تقَدُّمِ الدعوى، كعِتْقِ الأمَةِ، ويُخالِفُ سائِرَ حُقوقِ الآدَمِيين؛ لأنَّه حَقُّ لله تعالى، ولهذا لا يَفْتَقِرُ إلى قَبولِ العِتْقِ، ودَليلُ ذلك الأمَةُ. وبه يَبْطُلُ ما ذَكَرُوه. فإنْ قال: الأمَةُ يتعَلَّقُ بإعتاقِها تَحريمُ الوَطْءِ. قُلْنا: هذا لا أثرَ له، فإنَّ البَيْعَ يُوجِبُ تَحريمَها عليه، ولا تُسْمَعُ الشَّهادةُ به (4) إلا بعدَ الدَّعوَى.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
بعده في الأصل: «حق» .
(3)
في م: «عليه» .
(4)
سقط من: م.
فَصْلٌ: وإذَا شَهدَ أحَدُهُمَا أنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أحْمَرَ، وَشَهِدَ آخَرُ أنَّهُ غصَبَهُ ثَوْبًا أَبْيَضَ، أوْ شَهدَ أحَدُهُمَا أنَّهُ غَصَبَهُ الْيَوْمَ، وَشهِدَ آخرُ أنَّهُ غصَبَهُ أمسِ، لَمْ تَكمُلِ الْبَيِّنَةُ. وَكذلِكَ كُلُّ شَهادَةٍ عَلَى الْفعلِ، إِذَا اخْتَلَفَا فِى الْوَقْتِ، لَمْ تَكْمُل الْبَيِّنَةُ.
ــ
فصل: قال الشَّيْخُ، رحمه الله:(إذا شَهِدَ أحدُهما أنَّه غَصَبَه ثَوْبًا أحْمَرَ، وشَهِد آخَرُ أنَّه غَصَبَه ثَوْبًا أْبيضَ، أو شَهِدَ أحدُهما أنه غَصَبَه اليومَ، وشَهِدَ الآخَرُ أنَّه غَصَبَه أمْسِ، لم تَكْمُلِ البَيِّنَةُ. وكذلك كلُّ شَهادَةٍ على الفِعلِ، إذا اخْتَلَفا في الوَقْتِ) متى كانتِ الشَّهادةُ على فعلٍ، فاخْتلفَ الشاهِدان في زَمَنِه، أو مَكانِه، أو صِفَةٍ له تَدُلُّ على تَغايُر الفِعلَيْن، لم تَكْمُلْ شَهادَتُهما، مثلَ أن يَشْهدَ أحدُهما [أنَّه غَصَبَه](1) دِينارًا يومَ السَّبتِ، و [يشْهدَ الآخَرُ أنَّه غصَبَه دينارًا يومَ الجمعةِ، أو يَشْهدَ أحدُهما أنَّه غَصَبَه بدمشقَ، ويَشْهدَ الآخرُ أنَّه غَصَبَه](2) بمصرَ، أو يَشْهدَ أحدُهما أنَّه غَصَبَه دِينارًا، ويَشْهدَ الآخَرُ (1) أنَّه غَصَبَه ثوبًا، فلا تَكْمُلُ الشَّهادةُ؛ لأنَّ كُل فِعل لم يَشْهد به شاهِدَان. وهكذا إنِ اخْتَلفَا في زَمَنِ القَتْلِ، ومكانِه، أو صِفَتِه، أو في شُربِ الخمرِ، أو القَذْفِ، لم تَكْملِ الشَّهادةُ؛ لأنَّ ما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شَهِدَ به أحدُ الشَّاهِدَيْن غير الذى شَهِدَ به الآخَرُ، فلم يَشْهد بكُلِّ واحدٍ مِن الفعلَيْن إلَّا شاهدٌ واحدٌ، فلم يُقْبَلْ، إلَّا على قولِ أبى بكر، فإنَّ هذه الشَّهادةَ تَكْمُلُ. ويَثْبُتُ المشْهودُ به إذا اخْتلَفا في الزَّمانِ أو المكانِ. فأمَّا إنِ اخْتلَفا في صِفَةِ الفِعلِ، فشَهِدَ أحدُهما أنَّه سرَقَ مع الزَّوالِ كِيسًا (1) أبيَضَ، وشَهِدَ الآخَرُ أنَّه سرَقَ مع الزَّوالِ كِيسًا (1) أسودَ، أو شَهِدَ أحدُهما أنَّه سرَقَ هذا الكِيسَ (2) غُدوَةً، وشَهِدَ الآخَرُ أنَّه سرَقَه عَشِيًّا، لم تَكْمُلِ الشَّهادةُ. ذكَرَه ابنُ حامدٍ. وقال أبو بكرٍ: تَكْمُلُ
(1) في الأصل: «كبشا» .
(2)
في الأصل: «الكبش» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشَّهادةُ (1). والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ كُلَّ فِعل لم [يَشْهد به](2) إلَّا واحدٌ، على ما قَدَّمنا. فإنِ اخْتلَفا في صِفَةِ المشْهودِ به اخْتِلافًا يُوجِبُ تَغايُرَهما، مثلَ أن يَشهدَ أحدُهما بثَوْبٍ والآخَرُ بدينارٍ، فلا خِلافَ في أنَّ الشَّهادةَ لا تَكْمُلُ؛ لأنَّه لا يُمكِنُ إيجابُهما (3) جميعًا؛ لأنَّه يكونُ إيجابَ حَقٍّ عليه بشَهادةِ واحدٍ، ولا إِيجابُ أحَدِهما بعَيْيه؛ لأنَّ الآخَرَ لم يَشْهَدْ به، وليس أحدُهما أوْلَى مِن الآخرِ. فأمَّا إن شَهِدَ بكُلِّ فِعلٍ شاهِدان، واخْتلَفا في المَكانِ أو الزَّمانِ أو الصِّفَةِ، ثَبَتَا جَمِيعا؛ لأنَّ كلُّا منهما قد شَهِدَ به بَيِّنَةٌ عادِلَةٌ، لو انْفَرَدَتْ أثْبَتَتِ الحَقَّ، وشَهادةُ الأخْرَى لا (1) تُعارِضُها؛ لإمكانِ الجَمعِ بينَهما، إلَّا أن يكونَ الفِعلُ ممَّا لا يُمكنُ تَكَرُّرُه، كقَتْلِ رَجُل بعَيْنِه، فتَتعارَضُ البَينتانِ؛ لعِلْمِنا أنَّ إحْداهما كاذِبَةٌ، ولا نعلمُ أيَّتُهما هى، بخلافِ ما يتَكَرَّرُ ويُمكِنُ صدقُ البَمنتَيْنِ فيه، فإنَّهما يَثْبُتان جميعًا إِنِ ادَّعاهُما، وإن لم يَدَّعِ إلَّا أحدَهما، ثَبَت له ما ادَّعاه دونَ ما لم يَدَّعِه.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «يشهده» .
(3)
في الأصل: «إيجابها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن شهِدَ اثْنانِ أنَّه سَرَق مع الزَّوالِ كِيسًا (1) أسْوَدَ، وشهِدَ آخَرَان أنَّه سرَقَ مع الزَّوالِ كِيسًا (1) أْييَضَ، أو شهِدَ اثْنانِ أنَّه سرَقَ هذا الكِيسَ (2) غُدوةً، وشهِدَ آخَران أنَّه سَرَقَه عَشِيًّا، فقال القاضى: يتَعارَضان. وهو مذهبُ الشافعىِّ. كما لو كان المشْهودُ به قَتْلًا. قال شيْخُنا (3): والصَّحِيحُ أنَّ هذا لا تَعارُضَ فيه؛ لأنَّه يُمكِنُ صدقُ البَينتَيْن، بأن يسْرِقَ عندَ الزَّوالِ كِيسَيْنِ أبيضَ وأسودَ، وتشْهدُ كُلُّ بَينةٍ بأحَدِهما، ويُمكِنُ أن يسْرقَ كِيسًا (1) غُدوةً، ثم يعودَ إلى صاحِبِه أو غيرِه، فيَسْرِقَه عَشِيًّا، ومع إمكانِ الجَمعِ لا تَعارُضَ. فعلى هذا، إن ادَّعاهُما المشْهودُ له، ثَبَتا له في الصُّورَةِ الأولَى، وأمَّا في الصُّورَةِ الثانية، فيَثْبُتُ له الكِيسُ (2) المشْهودُ به حَسْبُ؛ فإنَّ المشْهودَ به وإن كان فِعلَيْنِ، لكنَّهما في مَحَلٍّ واحدٍ، فلا يَجِبُ أكثرُ مِن ضَمانِه. ،وإن لم يَدَّعِ المشْهودُ له إلَّا أحدَ الكِيسَيْنِ (4)،
(1) في الأصل: «كبشا» .
(2)
في الأصل: «الكبش» .
(3)
في: المغنى 14/ 240.
(4)
في الأصل: «الكبشين» .