الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا اقْتَسَمَ الوَرَثَةُ الْعَقَارَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى المَيِّت دَيْنٌ، فَإِنْ قُلْنَا: هِىَ إفْرَازُ حَقٍّ. لَمْ تَبْطُلِ القِسْمَةُ. وَإِنْ قُلْنَا: هِىَ بَيْعٌ.
انْبَنَى عَلَى بَيْعِ التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، هَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى وَجْهَيْنَ.
ــ
4957 - مسألة: (وإذا اقْتَسَمَ الورثةُ العَقارَ، ثم ظَهَر على المَيِّتِ دَيْنٌ، فإن قُلْنا: هى إفْرازُ حَقٍّ. لم تَبْطُلِ القِسْمَةُ. وإن قُلْنا: هى بيعٌ
.
انْبَنَى على بيعِ الترِكَةِ قبلَ قَضاءِ الدَّيْنِ، هل يَجُوزُ؟ على وَجْهَيْن) وجملةُ ذلك، أن ترِكَةَ الميِّتِ يَثْبُتُ فيها المِلْكُ لورثتِه، سواءٌ كان عليه دَيْنٌ أو لم يكنْ. نَصَّ عليه أحمدُ، في مَن أفْلَسَ، ثم مات، فقال: قد انْتَقَلَ المَبيعُ إلى الورثةِ، وحَصَل مِلْكًا لهم. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: إن كان الدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ، مَنَع نَقْلَها إلى الورثةِ، وإن كان لا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَسْتَغْرِقُها، لم يَمْنَعِ انْتِقالَ شئٍ منها. وقال أبو سعيد الإصْطَخْرِيُّ: يَمْنَعُ بقَدْرِه. وقد أوْمَأ إليه أحمدُ، فإنَّه قال في أربعةِ بَنِينَ تَرَك أبوهم دارًا وعليه دَيْن، فقال أحدُ البنينَ: أنا أُعْطِى، ودَعُوا لى الرُّبْعَ. فقال أحمدُ: هذه الدَّارُ للغُرَماءِ، لا يرِثُون شيئًا حتى يُؤَدُّوا الدَّيْنَ. وهذا يَدُلُّ على أنَّها لم تَنْتَقِلْ إليهم عندَه؛ لأنَّه مَنَع الوارِثَ مِن إمْساكِ الرُّبْعِ (1) بدَفعِ قِيمَتِه؛ لأنَّ الدَّيْنَ لم يَثْبُتْ في ذِمَّةِ الورثةِ، فيَجِبُ أن يَتَعَلَّقَ بالترِكَةِ. والمذهبُ الأوَّلُ، ولهذا قُلْنا: إنَّ الغَرِيمَ لا يَحْلِفُ على دَيْنِ الميِّتِ؛ لأنَّ الدَّيْنَ مَحَلُّه الذِّمَّةُ، وإنَّما يَتَعَلَّقُ بالتَّرِكَةِ، فيَتَخَيَّرُ الورثَةُ بينَ قَضاءِ الدَّيْنِ منها، أو مِن غيرِها، كالرَّهْنِ والجانِى، ولهذا لا يَلْزَمُ الغُرَماءَ نفَقَةُ العبيدِ، ولا يكون نَماءُ التَّرِكةِ لهم، ولأنَّه لا [يَخْلُو مِن أن](2) تَنْتَقِلَ إلى الورثةِ، أو إلى الغُرَماءِ، أو تَبْقَى للميِّتِ، أو لا تكونَ لأحَدٍ، لا يجوزُ أنْ تَنْتَقِلَ إلى الغُرَماءِ؛
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّها لو انْتَقَلَتْ إليهم، لَزِمَهم نَفَقَةُ الحيواناتِ، وكان نَماؤُها لهم غيرَ مَحْسوبٍ مِن دَيْنِهم، ولا يجوزُ أن تَبْقَى للمَيِّتِ؛ لأنَّه لم يَبْقَ أهْلًا للملْكِ، ولا يجوزُ أن لا (1) تكونَ لأحدٍ؛ لأنَّها مالٌ مَمْلُوكٌ، فلا بُدَّ مِن مالِكٍ، ولأنَّها لو بَقِيَتْ بغيرِ مالكٍ، لأُبِيحَتْ لمَن (2) يَتَمَلَّكُها، كسائِرِ المُباحاتِ، فثَبَتَ أنّها انْتَقَلَتْ إلى الورثةِ. فعلى هذا، إذا نَمَتِ (3) التَّرِكةُ، مِثْل (4) أنْ غَلَتِ الدّارُ، أو أثْمَرَتِ النَّخِيلُ، أو نُتِجَتِ الماشِيَةُ، فهو للوارِثِ، يَنْفَرِدُ به، لا يَتَعَلَّقُ به حَقُّ الغُرَماءِ؛ لأنَّه نَماءُ مِلْكِه، أشْبَهَ كَسْبَ الجانِى. ويَحْتَمِلُ أن يَتَعَلَّقَ به حَقُّ الغُرَماءِ، كنَماءِ الرَّهْنِ. ومَن اخْتارَ الأوَّلَ، قال: تَعَلُّقُ حَقِّ الغُرَماءِ بالرَّهْنِ آكَدُ؛ [لأنَّه ثَبَت](5) باخْتِيارِ المالِكِ ورِضاه، ولهذا مُنِع التَّصَرُّفَ (6) فيه، وهذا
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «لأن» .
(3)
في م: «تمت» .
(4)
في م: «ثم» .
(5)
في م: «لا يثبت» .
(6)
في م: «المتصرف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثَبَتَ بغيرِ رِضا المالِكِ، فلم يُمْنَعِ التَّصَرُّفَ؛ لأنَّه أشْبَة بالجانِى. وعلى الروايةِ الأُخْرَى، يكون حُكْمُه حُكْمَ التَّرِكَةِ، وما يُحْتاجُ إليه مِن المُؤْنَةِ (1) منها. فعلى هذا، إنْ تَصَرَّفَ الورثةُ في التَّرِكةِ ببيعٍ أو هِبَةٍ، فعلى الرِّوايةِ الأولَى، تَصَرُّفهم صحيحٌ، فإن قَضَوُا الدَّيْنَ وإلَّا نُقِضَتْ تَصَرُّفاتُهم، كما إذا تَصَرَّفَ السَّيِّدُ في العبدِ الجانِى ولم يُؤدِّ (2) دَيْنَ (3) الجِنايَةِ. وعلى الرِّوايةِ الأُخْرَى، تَصَرُّفاتُهم فاسدةٌ؛ لأنَّهم تَصَرَّفُوا فيما لم يَمْلِكوه. والأوَّل أوْلَى، إن شاء اللهُ تعالى.
(1) في الأصل: «الورثة» .
(2)
في م: «يود» .
(3)
تكملة من المغنى 14/ 217.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنِ اقْتَسَمَ الورثةُ تَرِكَةَ المَيِّتِ، ثم ظَهَر عليه دَيْنٌ لا وَفاءَ له إلَّا ما اقْتَسَمُوه، لم تَبْطُلِ القِسْمَةُ، إذا قُلْنا: هى إفْرازُ حَقٍّ. لأن تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بالتَّرِكَةِ لا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الوارثِ فيها، كما لا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ السَّيِّدِ في العَبْدِ الجاني، لكنْ إنِ امْتَنَعُوا مِن وَفاءِ الدَّيْنِ، بِيعَتْ في الدَّيْنِ، وبَطَلَتِ القِسْمَةُ؛ لأن الدَّيْنَ يُقَدَّمُ على المِيراثِ؛ لقولِه تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (1). فإن وَفَّى أحدُهما دُونَ الآخَرِ، صَحَّ في نصيبِه، وبيعَ نَصِيبُ الآخَرِ. فإن قُلْنا: إنَّ القِسْمَةَ بَيْعٌ. انْبَنى على بَيْعِ التَّرِكَةِ، وفيه وَجْهان، ذَكَرْنا دَلِيلَهما في المسْألةِ قبلَ هذا؛ فإنْ قُلْنا: يجوزُ. لم تَبْطُلِ القِسْمَةُ. وإن قُلْنا: لا يجوزُ. فالقِسْمَةُ باطِلَةً؛ لأنَّها بَيْعٌ، فإنْ قَضَوُا الدَّيْنَ أعادُوها، وإلَّا بِيعَ في قَضائِه. والخِلافُ في ذلك مَبْنِىٌّ على الخلافِ في انْتِقالِ التَّرِكَةِ إلى الورثةِ، إذا كان على الميِّتِ دَيْنٌ، وفيه رِوايَتان، ذَكَرْناهما [ودَلِيلَهما](2) والمُخْتارَ منهما. واللهُ تعالى أعلمُ.
(1) سورة النساء 11.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: قال أحمدُ، في قومٍ اقْتَسمُوا دارًا وحَصَلَ لبعضِهم فيها زِيادةُ أذْرُعٍ، ولبعضِهم نُقْصانٌ، ثم باعوا الدَّارَ جُمْلَةً واحدةً (1): قُسِمَتِ الدَّارُ بينَهم على قَدْرِ الأذْرُعِ. يَعْنِى أنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ بينَهم على قَدْرِ مِلْكِهم فيها، وهذا محْمولٌ على أنَّ زيادةَ أحدِهما في الأذْرُعِ كزِيادةِ (2) مِلْكِه فيها، مثلَ أن يكونَ لأحدِهما الخُمْسانِ، فيَحْصُلَ له أرْبَعُون ذِراعًا، وللآخَرِ ثلاثةُ أخْماسٍ، فيَحْصُلَ له سِتُّون ذِراعًا، فإنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ بينَهم أخْماسًا على قَدْرِ مِلْكِهما في الدَّارِ، فأمَّا إن كانت زيادةُ الأذْرعِ لرَداءَةِ (3) ما أخَذَ صاحِبُها، كدارٍ تكونُ بينَهما نِصْفَيْن، فأخَذَ أحدُهما
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «الزيادة» .
(3)
في الأصل: «كزيادة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بنصيبِه مِن جَيِّدِها أرْبَعِين ذِراعًا، وأخَذَ الآخَرُ مِن رَدِيئِها ستِّينَ ذِراعًا (1)، فلا يَنْبَغِى أن يُقْسَمَ الثَّمَنُ على قَدْرِ الأذْرُعِ، بل يُقْسُممُ بينَهما نِصْفَيْن؛ لأنَّ السِّتِّينَ ههُنا مَعْدُولةٌ بالأرْبَعِين، فلذلك تُعْدَلُ بها في الثَّمَنِ.
وقال أحمدُ، رحمه الله، في قوم اقْتَسمُوا دارًا كانت أربعةَ أسْطِحَةٍ يَجْرِى عليها الماءُ مِن أحدِ الأسْطِحَةِ، فلمّا اقْتَسَمُوا أراد أحدُهما مَنْعَ جَرَيانِ [ماءِ الآخرِ](2) عليه، وقال: هذا شئٌ قد صار لى. قال: إن كان بينَهما شَرْطٌ برَدِّ الماءِ، فله ذلك، وإنْ لم يُشْتَرَطْ، فليس له مَنْعُه. ووَجْهُ ذلك، أنَّهم اقْتَسُموا الدَّارَ وأطْلَقُوا، فاقْتَضَى ذلك أن يملِكَ كلُّ واحدٍ حِصَّتَه بحقُوقِها،؛ لو اشْتَراها بحُقُوقِها، ومِن حَقِّها جَريانُ مائِها فيما كان يَجْرِى إليه مُعْتادًا له، وهو على سَطْحِ المانعِ، فلهذا اسْتَحَقَّه حالةَ الإطْلاقِ، فإن تَشارَطا على رَدة، فالشَّرْطُ أمْلَكُ، والمؤمِنونَ على شروطِهم.
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «الآخر» .