الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا وَارِثَةً، وَلَمْ تُكَذِّبِ الْأَجْنَبِيِّةَ، فَكَذَلِكَ.
وَإنْ قَالَتْ: مَا أَعْتَقَ سَالِمًا، إنَّمَا أَعْتَقَ غَانِمًا. عَتَقَ غَانِمٌ كُلُّهُ. وَحُكْمُ سَالِمٍ كَحُكْمِهِ لَوْ لَمْ يُطْعَنْ فِى بَيِّنَتِهِ، فِى أَنَّهُ يَعْتِقُ إِنْ تَقَدَّمَ تَارِيخُ عِتْقِهِ، أَوْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَإلَّا فَلَا. وَإِنْ كَانَتِ الوَارِثَةُ فَاسِقَةً، وَلَمْ تَطْعَنْ فِى بَيِّنَةِ سَالِمٍ، عَتَقَ سَالِمٌ كُلُّهُ، وَيُنظَرُ فِى غَانِمٍ، فَإِنْ
ــ
لأنَّه لا يَخلُو من شُبْهَةٍ بإحْدَى الصُّورَتَيْن اللَّتَيْن ذَكَرْناهما، والقُرْعَةُ ثَابتَةٌ في كلِّ واحدةٍ (1) منهما. وقولُهم: إنَّ في القُرْعَةِ احْتِمَالَ إرْقَاقِ الحُرِّ.
قلْنا: وفى القِسْمَةِ إرْقاقُ نِصْفِ الحُرِّ يَقِينًا، وتَحْرِير نِصْفِ الرَّقِيقِ يَقِينًا، وهو أعْظَمُ ضَرَرًا.
5006 - مسألة: (فإن كانَتْ بَيِّنَةُ أحَدِهما وارِثَةً، ولم تُكَذِّبِ الأجْنَبِيِّةَ، فكذلك. وإن قالَت: ما أعْتَقَ سالمًا، إنَّما أعْتَقَ غانمًا. عَتَق غانمٌ كلُّه. وحُكْمُ سالِمٍ كحُكْمِه لو لم يَطْعَنْ في بَيِّنَتِه، في أنَّه يَعْتِق إن تَقَدَّمَ تارِيخُ عِتْقِه، أو خرَجَت له القرْعَةُ، وإلَّا فلا. وإن كانَتِ الوارِثَةُ فاسِقَةً، ولم تَطْعَنْ في بَيِّنَةِ سالمٍ، عَتَق سالمٌ كلُّه، ويُنْظَرُ في)
بَيِّنَةِ
(1) في الأصل: «واحد» .
كَانَ تَارِيخُ عِتْقِهِ سَابِقًا، أَوْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لَهُ، عَتَقَ كُلُّهُ. وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا، أَوْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِسَالِمٍ، لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَىْءٌ. وَقَالَ
القَاضِى: يَعْتِقُ مِنْ غَانِمٍ نِصْفُهُ. وَإِنْ كَذَّبَتْ بَيِّنَةَ [344 و] سَالِمٍ، عَتَقَ العَبْدَانِ.
ــ
(غانمٍ، فإن كان تارِيِخُ عِتْقِه سابقًا، أو خَرَجَتِ القُرْعَةُ له، عَتَق كلُّه.
وإن كان مُتَأَخِّرًا، أو خرَجَتِ القُرْعَةُ لسالِمٍ، لم يَعْتِقْ منه شَئٌ. وقال القاضِى: يَعْتِقُ مِن غانِمٍ نِصْفُه. وإن كَذَّبَت بَيِّنَةَ سَالِمٍ، عَتَقَ العَبْدانِ) وجملةُ ذلك، أنَّ المَرِيضَ إذا خَلَّفَ ابْنَيْن، لا وارِثَ له سِواهما، فشهِدا أنَّه أعْتَقَ سالمًا في مَرَضِ مَوْتِه، وشهدَ أجْنَبِيَّان أنَّه أعْتَقَ غانمًا في مَرَضِ مَوْتِه، وكلُّ واحِدٍ ثُلُثُ مَالِه، ولم يَطْعَنْ الابْنان (1) في شَهادَتِهما، وكانتِ البَيِّنتَان عادِلَتَيْن، فالحُكْمُ فيه كالحُكْمِ فيما إذا كانَتا أجْنَبِيَّتيْن سَواءً؛ لأنَّه قد ثَبَت أنَّ المَيِّتَ أعْتَقَ العَبْدَيْن. وإن طَعَن الابْنان (1) في
(1) في ق، م:«الاثنان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شهادَةِ الأجْنَبِيَّيْن، وقالا: ما أعْتَقَ غانِمًا، إنَّما أعْتَقَ سالِمًا. لم يُقْبَلْ قَوْلُهما في رَدٍّ شهادَةِ الأجْنَبِيَّةِ؛ لأنَّها بَيِّنَةٌ عادِلَةٌ مُثْبِتةٌ، والأُخْرَى نافِيَةٌ، وقَوْلُ المُثْبِتِ يُقَدَّمُ على قَوْلِ النَّافِى، ويكون حُكْمُ ما شَهِدَت به إذا لم [يَطْعَنِ الوَرَثَةُ](1) في شهادَتِها، أنَّه يَعْتِقُ إن تَقَدَّمَ تارِيخُ عِتْقِه، أو خَرَجَت له القُرْعَةُ، ويَرِقُّ إذا تَأَخَّرَ [تارِيخُ عِتْقِه](2)، أو خَرَجَتِ القُرْعَةُ لغيرِه. وأمَّا الذى شَهِدَ به الابْنان، فيَعْتِق كلُّه؛ لإِقْرارِهما بإعْتاقِه وَحْدَه، واسْتِحْقاقِه الحُرِّيَّةَ. وهذا قولُ القاضى. وقِيل: يَعْتِقُ ثُلُثاه إن حُكِم بعِتْقِ سالمٍ، وهو ثُلُثُ الباقِى؛ لأنَّ العبْدَ الذى شَهِدَ به الأجْنَبِيَّان كالمَغْصُوبِ مِن التَّرِكَةِ، والذَّاهِب مِن التَّرِكَةِ بمَوْتٍ أو تَلَفٍ، فيَعْتِقُ ثُلُث الباقِى، وهو ثُلُثا غانمٍ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ المُعْتَبَرَ خُروجُه مِن الثُّلُثِ حالَ المَوْتِ، وحالَ الموتِ (3) في قَوْلِ الابْنَيْن لم يَعْتِقْ سَالمٌ، إنَّما عَتَقَ بالشَّهادةِ بعد المَوْتِ، فيكونُ ذلك بمنْزِلَةِ مَوْتِه بعدَ مَوْتِ سَيِّدِه، فلا يَمْنَعُ من عِتْقِ مَنْ خَرَجَ مِن الثُّلُثِ قبلَ مَوْتِه. فإن كان الابْنان (4) فاسِقَيْن ولم
(1) في م: «تطعن الوارثة» .
(2)
في ق، م:«تاريخه» .
(3)
في م: «الميت» .
(4)
في ق، م:«الاثنان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَرُدَّا شهادَةَ الأَجْنَبِيَّةِ، ثَبَت العِتْقُ لسالمٍ، ولم يُزاحِمْه مَن شَهِد له الابْنان (1)، لفسْقِهِما (2)، فلا يُقْبَلُ قَوْلُهما في إسْقاطِ حَقٍّ ثَبَت ببَيِّنَةٍ عادِلَةٍ، وقد أقَرَّ الابْنان بعِتْقِ غانمٍ، فيُنْظرُ؛ فإن تَقَدَّمَ تارِيخُ عِتْقِه، أو أُقْرِعَ بينَهما، فمَنْ خَرَجَتْ له القُرْعَةُ، عَتَقَ كُلُّه، كما قُلْنا في التى قبلَها.
وإنْ تأَخَّرَ تارِيخُ عِتْقِه، أو خَرَجَتِ القُرْعَةُ لغيْرِه، لم يَعْتِقْ منه شئٌ؛ لأنَّ الابْنَين (3) لو كانا عَدْلَيْن، لم يَعْتِقْ منه شئٌ، فإذا كانا فاسِقَيْن أوْلَى.
وقال القاضى، وبعضُ أصْحابِ الشافعىِّ: يَعْتِقُ نِصْفُه في الأحْوالِ كلِّها؛ لأنَّه اسْتَحَقَّ العِتْقَ بإقْرارِ الوَرَثَةِ، مع ثُبُوتِ [العِتْقِ للآخَرِ](4) بالبَيِّنَةِ العادِلَةِ، فصار بالنِّسبةِ (5) كأنَّه أعْتَقَ العَبْدَيْن، فيَعْتِقُ منه نِصْفُه. قال شيْخُنا (6): وهذا لا يَصِحُّح فإنَّه لو أعْتَقَ العَبْدَيْن، لأعْتَقْنَا أحَدَهما
(1) في ق، م:«الاثنان» .
(2)
بعده في المغنى: «لأن شهادة الفاسق كعدمها» .
(3)
في ق، م:«الاثنين» .
(4)
في م: «عتق الآخر» .
(5)
في ق، م:«بالبينة» .
(6)
في: المغنى 14/ 307.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالقُرْعَةِ، ولأنَّه في حالِ تقْدِيمِ تارِيخِ عِتْقِ (1) مَنْ شَهِدَتْ له البَيِّنَةُ، لا يَعْتِقُ منه شئٌ ولو (2) كانتْ بَيِّنَةً عادِلَةٌ، فمع فُسُوقِها أوْلَى. وإن كَذَّبَتِ الوارثَةَ الأجْنَبِيَّةُ، فقالتْ: ما أعْتَقَ سالِمًا، إنَّما أعْتَقَ غانِمًا، عَتَقَ العَبْدان.
وقِيل: يعْتِقُ مِن غانمٍ ثُلُثاه. والأوَّلُ أَوْلَى.
فصل: إذا شَهد عَدْلان أجْنَبِيَّان، أنَّه وَصَّى بعِتْقِ سالمٍ، وشَهِد عَدْلان وارِثان، أنَّه رَجَع عن الوَصِيَّةِ بعِتْقِ سالمٍ (3)، ووَصَّى بعِتْقِ
غَانمٍ، وقِيمَتُهما سَواءٌ، أو كانت قِيمَةُ غانمٍ أكثرَ، قُبِلَتْ شهادَتُهما، وبَطَلَتْ وَصِيَّةُ عِتْقِ سالمٍ، وقد ذَكَرْناه. فإن كان الوارِثان فاسِقَيْن، لم تُقْبَلْ شهادَتُهما في الرُّجُوعِ، ويَلْزَمُهما إقْرارُهما لغانمٍ، فيَعْتِقُ سالمٌ بالبَيِّنَةَ العادِلةِ، ويَعْتِقُ غانِمٌ بإقْرَار الوَرَثَةِ بالوَصِيَّةِ بإعْتاقِه وَحْدَه. وذَكَر القاضى، وأصحابُ الشافعىِّ، أنَّه إنَّما يَعْتِقُ ثُلُثاه؛ لأنَّه لمَّا أُعْتِقَ سالم بشَهادةِ الأجْنَبِيَّيْن، صار كالمَغْصُوبِ، فصار غانمٌ نِصْفَ التَّرِكَةِ، فيَعْتِقُ ثُلُثاه، وهو ثُلُثُ التَّرِكَةِ. ولَنا، أنَّ الوارِثَةَ (4) تُقِرُّ بأنَّه حينَ المَوْتِ ثُلُثُ
(1) سقط من: ق، م.
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
في الأصل: «الورثة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّرِكَةِ، وأنَّ عِتْقَ سالمٍ إنَّما كان بشهادَتِهما بعدَ المَوْتِ، فصار كالمَغْصُوبِ بعدَ المَوْتِ، ولو غُصِبَ بعدَ الموْتِ، لم يَمْنَعْ عِتْقَ غانمٍ كلِّه، فكذلك الشَّهادَةُ بعِتْقِه. وقد ذكَرَ القاضى، فيما إذا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عادِلَةُ بإعْتَاقِ سَالمٍ في مَرَضِه، ووارِثَةٌ فاسِقَةٌ بإعْتاقِ غانمٍ في مَرَضِه، وأنَّه لِم يُعْتِقْ سالمًا، أنَّ غانِمًا يَعْتِقُ كلُّه. وهذا مثلُه. فأمَّا إن كانتْ قِيمَةُ غانمٍ أقَلَّ مِن قِيمَةِ سالمٍ، فالوارِثَةُ (1) مُتَّهَمَةٌ؛ لكَوْنِها تَرُدُّ إلى الرِّقِّ مَنْ كَثُرَتْ قِيمَتُه، فتُرَدُّ شَهادَتُها (2) في الرُّجُوعِ، كما تُرَدُّ شهادَتُها (2) بالرُّجُوعِ عن الوَصِيَّةِ بعِتْقِ سالمٍ. ويَعْتِقُ غانِمٌ كلُّه، أو ثُلُثُ الباقى، على ما ذَكَرْنا مِن الاخْتِلافِ فيما إذا كانتْ فاسِقَةً. فإن لم تَشْهَدِ الوارِثَةُ (3) بالرُّجُوعِ عن عِتْقِ سالمٍ، لكن شَهِدتْ بالوَصِيَّةِ بعِتْقِ غانمٍ، وهى بَيِّنَةٌ عادِلَةٌ، ثَبَتتِ الوَصِيَّتان، سَواءٌ كانَتْ قِيمَتُهما سَواءً أو
مُخْتَلِفَةً، إن خَرَجا من الثُّلُثِ، وإن لم يَخْرُجا مِن الثُّلُثِ، أُقْرِعَ بينَهما، فيَعْتِقُ مَن خَرَجَتْ له القُرْعَةُ، ويَعْتِقُ تَمامُ الثُّلُثِ مِن الآخَرِ، سَواءٌ تقَدَّمَتْ إحْدَى الوَصِيتَّيْن عن الأُخْرَى أو اسْتَوَتَا؛ لأنَّ المُتَقَدِّمَ والمُتَأَخِّرَ مِن الوَصايا سَواءٌ.
(1) في الأصل: «فالورثة» .
(2)
في ق، م:«شهادتهما» .
(3)
في الأصل: «الورثة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولو شَهِدَت بَيِّنَةٌ عادِلَةٌ، أنَّه وَصَّى لزيدٍ بثُلُثِ مالِه، وشَهِدَت بَيِّنَةٌ أُخْرَى أنَّه رَجَع عن الوَصِيَّةِ لزيدٍ، ووَصَّى لعمرٍو بثُلُثِ مالِه، وشَهِدَت بَيِّنَةٌ ثالِثَةٌ أنَّه رَجَع عن الوَصِيَّةِ لعَمْرٍو، ووَصَّى لبكرٍ بثُلُثِ مالِه، صَحَّتِ الشَّهاداتُ (1) كلُّها، وكانتِ الوَصِيَّةُ لبكرٍ، سَواءٌ كانتِ البَيِّنَاتُ مِن الورَثَةِ أو لم تكُنْ؛ لأنَّه لا تُهْمَةَ في حَقِّهم. وإن كانَتْ شَهادَةُ البَيِّنَةِ الثالِثَةِ أنَّه رَجَع عن إحْدَى الوَصِيِّتيْن، لم تُفِدْ هذه الشَّهادَةُ؛ لأنَّه قد ثَبَت بالبَيِّنَةِ الثانيةِ أنَّه رَجَع عن الوَصِيَّةِ لزيدٍ، وهى إحْدَى الوَصِيتَّيْن. فعلى هذا، تَثْبُتُ الوَصِيَّةُ لعَمْرٍو. وإن كانَتِ البَيِّنَةُ شَهِدَت بالوَصِيَّةِ لعَمْرٍو، ولم تَشْهَدْ بالرُّجُوعِ عن وَصِيَّةِ زيدٍ، فشَهِدَتِ الثالِثةُ برُجوعِه عن إحْدَى الوَصِيَّتيْن لا بعَيْنِها، فقال القاضى: لا تَصِحُّ الشَّهادةُ. وهو مذْهَبُ الشافعىِّ؛ لأنَّهما لم يُعَيِّنا المَشْهُودَ عليه، وتصيرُ كما لو قالا: نَشْهَدُ أنَّ لهذا على هذين ألْفًا. أو: أنَّ لأحَدِ هذين على هذا ألْفًا. فيكونُ الثُّلُثُ بينَ الجميعِ أثْلاًثا.
وقال أبو بكرٍ: قياسُ قَوْلِ أبى عبدِ اللهِ، أنَّه يَصِحُّ الرُّجُوعُ عن إحْدَى الوَصِيَتَّيْن، ويُقْرَعُ بينَهما، فمَن خَرَجَتْ له [قُرْعَةُ الرُّجُوعِ](2) عن وَصِيَّتِه، بَطَلَتْ. وهذا قَوْلُ ابنِ (3) أبى موسى. وإذا صَحَّ الرُّجُوعُ عن أحَدِهما بغيرِ تَعْيِينٍ، صَحَّتِ الشَّهادَةُ به لذلك. ووَجْهُ ذلك، أنَّ الوَصِيَّةَ
(1) في ق: «كالشهادة» . وفى م: «الشهادة» .
(2)
في الأصل: «القرعة بالرجوع» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَصِحُّ بالمَجْهولِ، وتصِحُّ الشهادَةُ فيها بالمَجْهُولِ، فجازَت في الرُّجُوعِ مِن غيرِ تَعْيِينِ المَرْجُوعِ (1) عن وَصِيَّتِه.
فصل: إذا شهِد شاهِدان أنَّه وَصَّى لزيدٍ بثُلُثِ ماله، وشهِد واحِدٌ أنَّه وَصَّى لعمرٍو بثُلُثِ مالِه، انْبَنَى هذا على أنَّ (2) الشاهِدَ واليَمِينَ هل يُعارِضُ الشَّاهِدَيْن؟ فيه (3) وَجْهان؛ أحدُهما، يتَعارَضان، فيَحْلِفُ عمرٌو (4) مع شاهِدِه، ويُقْسَمُ الثُّلُثُ (5) بينَهما؛ لأنَّ الشاهِدَ واليمِينَ حُجَّةٌ في المالِ، فأشْبَهَ الشاهِدَيْن. والثانى، لا يُعارِضُهما؛ لأنَّ الشاهِدَيْن أقْوَى. فعلى هذا، يَنْفَرِدُ زيدٌ بالثُّلُثِ، وتَقِفُ وَصِيَّةُ عَمْرٍو على إجازَةِ الوَرَثةِ. فأمَّا إن شهِد واحِدٌ أنَّه رَجَع عن وَصِيَّةِ زيدٍ، ووَصَّى لعمرٍو بثُلُثِه، فلا تَعارُضَ بينَهما، ويَحْلِفُ عَمْرٌو مع شاهِدِه، وتَثْبُتُ الوَصِيَّةُ له.
والفَرْقُ بينَ المسْألَتَيْن، أنَّ في الأُولَى، تَقابَلَتِ البَيِّنَتَان، فقَدَّمْنا أقْواهما (6)، وفى الثَّانِيَةِ، لم يَتَقابَلا، وإنَّما يثْبُتُ بالرُّجُوعِ، وهو يثْبُتُ بالشَّاهِدِ واليَمِينِ؛ لأنَّ المقْصُودَ به المالُ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ.
(1) في النسخ: «الرجوع» ، والمثبت كما في المغنى 14/ 309.
(2)
سقط من: ق، م.
(3)
في الأصل: «وفيه» .
(4)
في م: «عمر» .
(5)
في ق، م:«الثالث» .
(6)
في ق، م:«إقرارها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا اخْتَلَفا في دارٍ في يَدِ أحَدِهما، فأقامَ المُدَّعِى بَيِّنَةً، أنَّ هذه الدَّارَ كانَتْ أمسِ مِلْكَه، أو منذُ شَهْرٍ، فهل تُسْمَعُ هذه البَيِّنَةُ، ويُقْضَى بها؟ على وَجْهَيْن؛ أحدُهما، تُسْمَعُ، ويُحْكَمُ بها؛ لأنَّها تُثْبِتُ المِلْكَ في الماضِى، وإذا ثَبَث اسْتُدِيمَ حتى يُعْلَمَ زَوالُه. والثانى، لا يُحْكَمُ بها.
قال القاضى: وهو الصَّحِيحُ؛ لأنَّ الدَّعْوى لا تُسْمَعُ ما لم يَدَّعِ المُدَّعِى المِلْكَ في الحالِ، فلا تُسْمَعُ بَيِّنَتُه على ما لم يَدَّعِهِ، لكن إنِ انْضَمَّ إلى شهادتِهما (1) بَيانُ سَبَبِ يَدِ الثَّانِى، وتَعْرِيفُ تَعدِّيها (2)، فقالا: نَشْهَدُ أنَّها كانتْ مِلْكَه أمسِ، فغَصَبَها هذا منه. أو: سَرَقَها. أو: ضَلَّتْ منه، فالتَقَطَها هذا. ونحوَ ذلك، سُمِعَتْ، وقضِىَ بها؛ لأنَّها إذا لم تُبَيِّنِ السَّبَبَ، فاليَدُ دَلِيلُ المِلْكِ، ولا تَنافِىَ بينَ ما شَهِدَتْ به البَيِّنَةُ، وبينَ دَلالَةِ اليَدِ، لجَوَازِ (3) أن تكونَ مِلْكَه أمسِ، ثم تَنْتَقِلُ إلى صاحِبِ اليَدِ، فإذا ثَبَت أنَّ سَبَبَ اليَدِ عُدْوانٌ، خَرَجَتْ عن كوْنِها دَلِيلًا، فوَجَب القَضاءُ باسْتِدامَةِ المِلْكِ السَّابقِ. وإن أقَرَّ المُدَّعَى عليه أنَّها كانَتْ مِلْكًا للمُدَّعِى
أمسِ، أو فيما مَضَى، سُمِع إقْرارُه، وحُكِمَ به، في الصَّحِيحِ؛ لأنَّه
(1) في الأصل: «شهادتها» .
(2)
ق م: «تعديهما» .
(3)
في الأصل: «يجوز» .
فَصْلٌ: إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ؛ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ، فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ، فَالْمِيرَاثُ لِلْكَافِرِ؛ لِأَنَّ المُسْلِمَ لَا يُقِرُّ وَلَدَهُ عَلَى الكُفْرِ فِى دَارِ الإِسْلَامِ.
ــ
حينَئذٍ يحْتاجُ إلى بَيانِ سَبَبِ انْتِقالها إليه، فيَصيرُ هو المُدَّعِىَ، فيَحْتاجُ إلى البَيِّنَةِ. ويُفارِقُ البَيِّنَةَ مِن وَجْهَيْن؛ أحدُهما، أنَّه أقْوَى مِن البَيِّنَةِ، لكَوْنِه (1) شهادةً مِن الإِنْسانِ على نَفْسِه، ويزولُ به النِّزَاعُ، بخِلافِ البَيِّنَةِ، ولهذا يُسْمَعُ في المجْهُولِ، ويُقْضَى به، بخِلافِ البَيِّنَةِ. والثَّانى، أنَّ البَيِّنَةَ لا تُسْمَعُ إلَّا على ما ادَّعاه، والدَّعْوى يجبُ أن تَكونَ مُعَلَّقَةً بالحالِ، والإِقْرارُ يُسْمَعُ ابْتِداءً. وإن شَهِدَتِ البَيِّنَةُ أنَّها كانَتْ في يَدِه أمسِ، ففى سَماعِها الوَجهان. وإن أقَرَّ المُدَّعَى عليه بذلك، فالصَّحِيحُ أنَّه يُسْمَعُ، ويُقْضَى به؛ لِما ذَكَرْنا.
فصل: قال الشيخُ، رحمه الله:(إذا مات رجلٌ وخَلَّفَ وَلَدَيْن؛ مُسلِمًا وكافِرًا، فادَّعَى كلُّ واحِدٍ منهما أنَّه مات على دينِه، فإن عُرِف أصْلُ دِينِه، فالقولُ قولُ مَن يَدَّعِيه، وإن لم يُعْرَفْ، فالمِيراثُ للكافِرِ؛ لأنَّ المسلمَ لا يُقِرُّ ولَدَه على الكُفْرِ في دارِ الإِسلامِ) إذا مات رجلٌ لا يُعْرَفُ
(1) في ق، م:«لكونها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دِينُه، وخَلَّفَ تَرِكَةً وابْنَيْن، [يعْتَرفان أنَّه أبوهما](1)، أحَدُهما مُسْلِمٌ، والآخَرُ كافِرٌ، فادَّعَى كلُّ واحِدٍ منهما أنَّه مات على دِينِه، وأنَّ المِيرَاثَ له دُونَ أخِيهِ، فالميرَاثُ للكافِرِ. ذَكَرَه الخِرَقِىُّ؛ لأنَّ دَعْوَى المُسْلِمِ لا تخْلُو مِن أن يَدَّعِىَ كَوْنَ المَيِّتِ مُسْلِمًا أصْلِيًّا، فيجبَ كونُ أوْلادِه مُسْلِمِين، ويَكونَ أخُوهُ الكافِرُ مُرْتَدًّا، وهذا خِلافُ الظَّاهِرِ، فإنَّ المُرْتَدَّ لا يُقَرُّ على رِدَّتِه في دارِ الإِسْلامِ. أو يقولَ: إنَّ أباه كان كافِرًا، فأسْلَمَ قبلَ مَوْتِه. فهو مُعْتَرِفٌ بأنَّ الأصْلَ ما قالَه أخُوهُ، مُدَّعٍ زَوالَه وانْتِقالَه، والأصْلُ بَقاءُ ما كان على ما كان، حتى يَثْبُتَ زَوالُه. وذَكَر ابنُ أبى موسى عن أحمدَ رِوايَةً أُخْرَى، أنَّهما في الدَّعْوَى سَواءٌ، فالمِيرَاثُ بينَهما نِصْفَيْن، كما لو تَنازَعَ اثْنان عَيْنًا في يَدَيْهما. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ المِيراثُ للمسلمِ منهما. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ الدَّارَ دارُ الإِسلامِ، يُحْكَمُ بإسْلامِ لَقِيطِها، ويثْبُتُ للمَيِّتِ فيها إذا لم يُعْرَفْ أصْلُ دِينِه، حُكْمُ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإسْلامِ؛ في الصَّلاةِ عليه، ودفْنِه، وتَكْفِينِه مِن الوَقْفِ المَوْقُوفِ على تَكْفِينِ أمْواتِ المُسْلِمِين، ولأنَّه يُدْفَنُ في مَقابِرِ المُسلمين، ويُغَسَّلُ، فيَثْبُتُ فهه سائِرُ أحْكام المسْلمين، فكذلك في مِيراثِه، ولأنَّ الإِسْلامَ يَعْلُو ولا يُعْلَى، ويجوزُ أن يَكونَ أخُوه الكافِرُ مُرْتَدًّا، لم تَثْبُتْ عندَ الحاكِمِ رِدَّتُه، ولم يَنْتَهِ إلى الإِمام خبرُه، وظُهورُ الإسلام بناءً على هذا أظْهَرُ مِن ثُبُوتِ الكُفْرِ بِناءً على كُفْرِ أبِيه، ولهذا جَعَل الشَّرْعُ أحكًامَه أحْكامَ المسلمين، فيما عَدَا المُتَنَازَعَ فيه. وقال القاضى: قياسُ المذهبِ أنَّنا نَنْظُرُ؛ فإن كانتِ التَّرِكَةُ في أيْدِيهما، [قُسِمَت بينَهما نِصْفين، وإن لم تَكُنْ في أيديهما](1)، أُقْرِعَ بينَهما، فمَن قَرَع صاحِبَه، حَلَف، واسْتَحَقَّ، كما قُلْنا فيما إذا تَداعَيا عَيْنًا. ويَقْتَضِى كَلامُه، أنَّها إذا كانَتْ في يَدِ أحدِهما، فهى له مع يَمينِه. وهذا قَوْلٌ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يُقِرُّ بأنَّ هذه التَّرِكَةَ تَرِكَةُ هذا المَيِّتِ، وأنَّه إنَّما يَسْتَحِقُّها بالمِيراثِ، فلا حُكمَ ليَدِه. وقال أبو الخَطَّابِ: يَحْتَمِلُ أن يَقِفَ الأمْرُ حتى يُعْرَفَ أصْلُ دِينِه أو يَصْطَلِحا. وهذا قولُ الشافعىِّ. وقد ذَكَرْنا الدَّلِيلَ على ظُهورِ كُفْرِه، فأمَّا ظُهورُ حُكْمِ الإِسْلامِ في الصَّلاةِ عليه، وغَسْلِه، وغيرِ ذلك، فإنَّ هذا لا ضَرَرَ فيه على أحَدٍ. وأمَّا قَوْلُه: إنَّ الإِسْلامَ يَعْلُو ولا
(1) سقط من: ق، م.
وَإنْ لَمْ يَعْتَرِفِ المُسْلِمُ أَنَّهُ أَخُوهُ، وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ؛
ــ
يُعْلَى. فإنَّما يَعْلُو إذا ثَبَت، والنِّزاعُ في ثُبُوتِه. وهذا إذا لم يَثْبُتْ أصْلُ دِينِه، فإن ثَبَت أصْلُ دِينِه، فالقولُ قولُ مَن يَنْفِيه عليه (1) مع يَمِينِه. وهذا قولُ الشافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال أبو حنيفةَ: القَوْلُ قولُ المُسْلِمِ على كلِّ حالٍ؛ لِما ذَكَرْنا في التى قبلَها. ولَنا، أنَّ الأصْلَ بَقاءُ ما كان عليه، فكان القوْلُ قولَ مَن يَدَّعِيه، كسائِرِ المَواضِعِ. (و) أمَّا (إن لم يَعْتَرِفِ المُسْلِمُ أنَّه أخُوه) وادَّعَى كلُّ واحدٍ منهما أنَّ المَيِّتَ أبُوه دُونَ الآخَرِ، فهما سَواءٌ في الدَّعْوَى؛ لتَساوِى أيْدِيِهما (2) عليه ودَعاوِيهما،
(1) سقط من: ق، م.
(2)
سقط من: الأصل.
لِأنَّ حُكْمَ المَيِّتِ حُكْمُ المُسْلِمِينَ، فِى غَسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَقَالَ القَاضِى: القِيَاسُ أَن يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَظْهَرَ أَصْلُ دِينِهِ.
ــ
فإنَّ المسلمَ والكافِرَ في الدَّعْوى سَواءٌ، ويُقْسَمُ المالُ بينَهما نِصْفَيْن، كما لو كان في أيْدِيهما دارٌ، فادَّعى كلُّ واحدٍ منهما أنَّها له، ولا بَيِّنَةَ لهما. ويَحْتَمِلُ أنْ يُقدَّمَ قَوْلُ المسلمِ (لأنَّ حُكْمَ الميِّتِ حُكْمُ المسلمين، في غَسْلِه، والصَّلاةِ عليه) وسائِرِ أحْكامِه (وقال القاضى: يُقْرَعُ بينَهما) كما إذا تَداعيا عَيْنًا في يَدِ غيرِهما، ولم يَدَّعِها لنَفْسِه (ويَحْتَمِلُ أن يَقِفَ الأمْرُ حتَّى يُعْرَفَ أصْلُ دِينِه) وهو قَوْلُ الشافعىِّ. إلَّا أن يَصْطَلِحا.