الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ أقامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْخَارِجِ، وَأَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالَ القَاضِى: تُقَدُّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ.
وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَينّةَ الْخَارِجِ.
ــ
البَينّةَ بمنْزِلَةِ اليَدِ المُفْرَدَةِ، فتُقَدَّمُ عليها بَيِّنَةُ المُدَّعِى، كما تُقَدَّمُ اليَدُ، كما أنَّ شاهِدَىِ الفَرْعِ لمّا كانا مَبْنِيَّين على شاهِدَىِ الأصلِ، لم تَكُنْ لهما مَزِيَّة عليهما.
فصل: وأىُّ البَينتَينِ قدَّمْنَاها، لم يَحلِفْ صاحِبُها. وقال الشافعيُّ في أحَدِ قَوْلَيْه: يُستَحلفُ صَاحِبُ اليَدِ؛ لأنَّ البَيِّنَتَيْن سَقَطَا بتَعارُضِهِما، فصَارَتَا كمَنْ لا بَيِّنَةَ لهما، فيَحْلِفُ الدَّاخِلُ كما لو لم تكُن لواحِدٍ منهما بَيِّنَةٌ.
ولَنا، أنَّ إحْدَى البَيِّنَتَيْن راجِحةٌ، فيَجبُ الحُكْمُ بها مُنْفرِدَةً، كما لو تَعارَضَ خَبَران، خَاصٌّ وعامٌّ، أو أحَدُهما أرجَحُ بوَجْهٍ مِن الوُجُوهِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ البَيِّنَةَ الرّاجِحَةَ تَسْقُطُ، وإنَّما ترْجُحُ، ويُعْمَلُ بها، وتَسْقُطُ المَرْجُوحَةُ.
4978 - مسألة: (وإن أقامَ الدَّاخِلُ بينةً أنَّهُ اشْتَراها مِن الخارِجِ، وأقام الخارِجُ بَيِّنَةً أنَّه اشْتَرَاهَا مِن الدَّاخِلِ، فقال الْقَاضِى: تُقَدِّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ)
لأنَّه الخارِجُ في المَعْنَى (وقِيل: تُقَامُ بَيِّنَةُ الخَارِجِ) لقَوْلِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنةُ عَلَى المُدَّعِى» (1).
فصل: إذا ادَّعَى الخارِجُ أنَّ العَيْنَ مِلْكُه، وأنَّه أوْدَعَها للدَّاخِلِ، أوْ أعارَه إيَّاها، أو أجَرَها منه، ولم يكُنْ لوَاحِدٍ منهما بَيِّنَةٌ، فالقَوْلُ قوْلُ المُنْكِرِ مع يَمِينِه، لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وإن كان لكلِّ واحدٍ منهما بَيِّنَةٌ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الخارِجِ. وهو قَوْلُ الشافعىِّ. وقال القاضى: بَيِّنةُ الدَّاخِلِ مُقَدَّمَة؛ لأنَّه هو الخارِجُ في المَعْنَى، كالمسْألَةِ قبلَها؛ لأنَّه ثَبَتَ أنَّ المُدَّعِىَ صاحِبُ اليَدِ، فإنَّ يَدَ الدَّاخِلِ نائِبَةٌ عنه. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِى» . [ولأنَّ اليَمِينَ في حَقِّ](2) المُدَّعَى عليه، فتكونُ البَيِّنَةُ للمُدَّعِى، كما لو لم يَدَّعِ الإيداعَ، يُحَقِّقُه أنَّ دَعْواه الإيداعَ زِيَادَة في حُجَّتِه، وشَهادَةَ البَيِّنةِ بها تقْوِيَة لها، فلا يجوزُ أن تكونَ مُبْطِلَةً لبَيِّنَتِه. وإنِ ادَّعَى الخارِجُ أنَّ الدَّاخِلَ غصَبَه إيَّاها، وأقاما بَيِّنَتَيْن، [قُضِىَ للخارِجِ](3). ويَقْتَضِى قولُ القاضِى أنَّها للدَّاخِلِ. والأوْلَى ما ذَكَرْناه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان في يَدِ رَجُلٍ جِلْدُ شاةٍ مَسْلوخَةٍ، ورَأسُها وسوَاقِطُها وبَاقِيها في يَدِ آخَرَ، فادَّعَاها كُل واحدٍ منهما جميعَها (1)، ولا بَيِّنَةَ لَهما ولا لأحَدِهما، فلكلِّ واحدٍ منهما ما في يَدِه مع يَمِينِه. وإن أقاما بَيِّنَتَيْن، وقُلْنا: تقَدَّمُ بَيِّنَةُ [لخارجِ. فلكلِّ واحدٍ منهما ما في يدِ صاحبِه. وإن قُلْنا: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ](2) الدَّاخِلِ. فلكُلِّ واحِدٍ منهما ما في يَدِه مِن غيرِ يَمِينٍ.
فصل: فإن كان في يَدِ كلِّ واحِدٍ منهما شاةٌ، فادَّعَى كلُّ واحِدٍ منهما أنَّ الشَّاةَ التي في يَدِ صاحِبِه له، ولا بَيِّنةَ لهما، حَلَفَ كلُّ واحدٍ منهما لصاحِبِه، وكانتِ الشَّاةُ التي في يَدِه له. وإن أقاما بَيِّنتَيْن، فلكلِّ واحدٍ منهما الشَّاةُ التي في يَدِ صاحِبِه، ولا تَعارُضَ بينَهما. وإن كان كلُّ واحدٍ
(1) في الأصل: «جميعًا» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: هذه الشَّاةُ التي في يَدِكَ لي، مِن نِتاجِ شَاتِى هذه. فالتَّعَارُضُ في النِّتَاجِ، لا في المِلْكِ. وإنِ ادَّعَى كلُّ (1) واحدٍ منهما أنَّ الشاتَيْن له دُونَ صاحِبِه، وأقاما بَيِّنَتَيْن، تَعارَضَتا، وانْبَنَى ذلك على القَوْلِ في بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ والخَارِجِ، فَمَنْ قَدَّمَ بَيِّنَةَ الخَارِجِ، جعلَ لكلِّ واحدٍ منهما ما في يَدِ الآخَرِ، ومَنْ قَدَّمَ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ، أو قَدَّمَها إذا شَهِدَتْ بالنِّتاجِ، جعلَ لكلِّ واحدٍ منهما ما في يَدِه.
فصل: إذا ادَّعَى زَيْدُ شاةً في يَدِ عمرو، وأقامَ بها بَيِّنَةً، فحَكَم له (2) بها حَاكِمٌ، ثم ادَّعاها عمرو على زيدٍ، وأقامَ بها بَيِّنَةً؛ فإن قُلْنا: بَيِّنَةُ الخارِجِ مُقَدَّمَةٌ. لم تُسْمَعْ بَيِّنةُ عمرو؛ لأنَّ بَيِّنَةَ زَيْدٍ مُقَدَّمَة عليها. وإنْ قُلْنا: بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ مُقَدَّمَة. نظَرْنا في الحُكْمِ كيف وقَعَ؛ فإن كان حكمَ بها لزِيدٍ لأنَّ عمْرًا لا بَيِّنةِ له، رُدَّتْ إلى عمرو؛ لأنّه قد قامَتْ له بَيِّنَة، واليدُ كانَت له، وإن كان حَكَم بها لزيدٍ لأنَّه يرى تَقْديمَ بَيِّنَةِ الخَارِجَ، لم يُنْقَضْ حُكْمُه؛ لأنَّه حَكَمَ بما يسُوغُ الاجْتِهادُ فيه. وإن كانت بَيِّنَةُ عمرو قد شَهِدَت له أيضًا، ورَدَّها الحاكِمُ لفِسْقِها، ثم عُدِّلَتْ، لم يُنْقَضِ الحُكْمُ
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أيضًا؛ لأنَّ الفَاسِقَ إذا شَهِدَ عندَ الحاكمِ بشَهادَةٍ فرَدَّها لِفسْقِه، ثم أعادَها بعدُ، لم تُقْبَلْ. وإن لم يُعْلَمِ الحُكْمُ كيف كان، لم يُنْقَضْ؛ لأَّنَّه حُكْمُ حاكمٍ، الأصْلُ جَرَيانُه على العَدلِ والصِّحَّةِ، فلا يُنْقَضُ بالاحْتِمالِ. وإن جاء ثالِثٌ، فادَّعاها، وأقامَ بها بَيِّنةً، فبَيِّنتُه وبَيِّنةُ زيدٍ مُتَعارِضَتَان، ولا يَحْتاجُ زيدٌ إلى إقامَةِ بَيِّنةٍ؛ لأنَّها قد شَهِدَتَ مَرَّةً، وهما سواءٌ في الشَّهادَةِ حالَ التَّنازُعِ، فلم يَحْتَجْ إلى إعادَتِها، كالبَيِّنةِ إذا شَهِدَتْ، ووَقَف الحُكْمُ على البَحْثِ عن حالِها، ثم بانَتْ عَدَالَتُها، فإنَّها تُقْبَلُ، ويُحْكَمُ بها مِن غيرِ إعادَةِ شَهادَتِها (1)، كذا ها هُنا.
فصل: وإذا كان في يَدِ رَجُلٍ شاةٌ، فادَّعاها رَجُل أنَّها له منذ سنَةٍ، وأقامَ بذلك بَيِّنَةً، وادَّعَى الذي هي في يَدِه أنَّها في يَدَيْه منذُ سَنَتَيْن، وأقامَ بذلك بَيِّنَةً، فهي للمُدَّعِى، بغيرٍ خِلافٍ؛ لأنَّ بَيِّنَتَه تَشْهَدُ له بالمِلْكِ، وبَيِّنَةُ الدَّاخِلِ تَشْهَدُ باليَدِ خاصَّةً، فلا تعارُضَ بينَهما؛ لإمْكانِ الجَمْعِ بينَهما، بأن تكونَ اليَدُ عن غيرِ مِلْكٍ، فكانت بَيِّنَةُ المِلْكِ أوْلَى. وإن شَهِدَتْ بَيِّنَتُه بأنَّها مِلْكُه منذ سَنَتَيْن، فقد تَعارَضَ تَرْجِيحَان، تَقْديمُ التَّارِيخِ مِن بَيِّنَةَ الدَّاخلِ، وكَوْنُ الأخْرَى بَيِّنَةَ الخارِجِ، ففيه رِوايَتان؛ إحدَاهما، تُقَدَّمُ بَيِّنةُ الخَارِجِ. وهو قَوْل أبي يوسفَ، ومحمدٍ، وأبي ثَوْرٍ.
(1) في الأصل، م:«شهادتهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَقْتَضِيه عُمومُ كَلامِ الخِرَقِىِّ؛ لقَوْلِه عليه الصلاة والسلام: «الْبَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِى» (1). ولأنَّ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ يجوزُ أن يكونَ مُسْتَنَدُها اليَدَ، فلا تُفِيدُ أكثرَ ممَّا تُفِيدُه اليَدُ، فأشْبَهَتِ الصُّورَةَ الأولَى. والثانيةُ، تُقَدَّمُ بَيِّنةُ الدَّاخِلٍ. [وهو قولُ أبي حنيفةَ، والشافعىِّ؛ لأنَّها تَضَمَّنَتْ زِيادَةً.
وإن كانتْ بالعَكْسِ، فشَهِدَتْ بَيَنَةُ الدَّاخِلِ] (2) أنَّه يَمْلِكُها منْذُ سَنَةٍ، وشَهِدَتْ بَينهُ الخارِجِ أنَّه يَمْلِكُها منذُ سَنَتَيْن، قُدِّمتْ بَيِّنَةُ الخارِجِ، إلُّا على الرِّوايةِ التي تُقَدَّمُ فيها بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ، فيُخَرَّجُ فيها وَجْهان، بِناءً على الرِّوَايَتَيْن في التي قبلَها. وظَاهِرُ مذهبِ الشافعىِّ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ على كلِّ حالٍ. وقال بعضُهم: فيها قَوْلان. فإنِ ادَّعَى الخارِجُ أنَّها مِلْكُه منذُ سَنَةٍ، وادَّعَى الدَّاخِلُ أنَّه اشْتَرَاها منه منذُ سَنَتَيْن، وأقامَ كلُّ واحدٍ منهما بَيِّنَةً، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ. ذكَرَه القاضى. وهو قَوْلُ أبي ثَوْرٍ. فإنِ اتَّفَقَ تارِيخُ البَيِّنتَيْن، إلَّا أنَّ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ تَشْهَدُ بنِتَاجٍ، أو شِراءٍ، أو غَنِيمةٍ، أو إرْثٍ، أو هِبَةٍ مِن مالكٍ، أو قَطِيعَةٍ مِن الِإمامِ، أو سَبَبٍ مِن أسْبابِ المِلْكِ، ففي أيِّهما تُقَدَّمُ رِوَايَتان (3) ذَكَرْناهُما. فإنِ ادَّعَى أحدُهما (4) أنَّه اشْتَراها مِن الآخَرِ، قُضِىَ له بها؛ لأنَّ بَيِّنَةَ الابتِياعِ شَهِدَتْ بأمْرٍ حادِثٍ،
(1) تقدم تخريجه في 16/ 252.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «فيها وجهان» .
(4)
سقط من: ق، م.
فَصْل: الْقِسْمُ الثَّانِي، أنْ تَكُونَ العَيْنُ في يَدَيْهِمَا، فَيَتَحَالَفَانِ، وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا.
ــ
خَفِىَ على البَيِّنةِ الأخْرَى، فقُدِّمَتْ عليها، كما تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الجَرْحِ (1) على التَّعْدِيلَ.
فصل: قال الشيخُ، رحمه الله:(القسمُ الثاني، أن تكونَ العَيْنُ في يَدَيْهِما، فيَتَحالَفان، وتُقْسَمُ بينَهما) وجملةُ ذلك، أنَّه إذا تَنازَعَ نَفْسانِ في عَيْن في أيدِيهما، فادَّعَى كلُّ واحدٍ منهما أنَّها له دُونَ صاحِبِه؛ ولم تكنْ لهما بَيِّنَة، حَلَف كلُّ واحدٍ منهما لصاحِبِه، وجُعِلَتْ بينَهما نِصْفَيْن.
لا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا؛ لأنَّ يَدَ كُلِّ واحدٍ منهما على نِصْفِها، والقَوْلُ قولُ صَاحِبِ اليَدِ مع يَمِينِه. وإن نَكَلا جَمِيعًا عن اليَمِينِ، فكذلك؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَسْتَحِقُّ ما في يَدِ الآخَرِ بنُكُولِه. وإن نَكَل أحَدُهما، وحَلَف الآخَرُ، قُضِىَ له بجَمِيعِها؛ لأَّنَّه يَسْتَحِقُّ ما في يَدِه بيَمِينه، وما في يَدِ الآخَرِ. بنُكُولِه، أو بيَمِينِه التي رُدَّتَ عليه بنُكُولِ صَاحِبِه. [وإن كان لأحَدِهما بَينةٌ دُونَ الآخَرِ، حُكِمَ له بها، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه؛ لأنَّه تَرَجَّحَ بالبَيِّنَةِ](2).
(1) في الأصل: «الخارج» .
(2)
سقط من: الأصل.