الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ القَاذِفِ حَتَّى يَتُوبَ.
ــ
مالِكٌ: لا أعْرِفُ هذا. قال الشافعىُّ: وكيفَ لا يَعْرِفُه، وقد أمرَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بالتَّوْبَةِ، وقالَه عُمرُ لأبى بَكْرَةَ!
5048 - مسألة: (ولا تُقْبَلُ شَهادَةُ القاذِفِ حتى يَتُوبَ)
وجملةُ ذلك، أنَّ القاذِفَ إذا كان زَوْجًا، فحَقَّقَ قَذْفَه ببَيِّنَةٍ أو لِعانٍ، أو كان أجْنَبِيًّا فَحَقَّقَه بالبَيِّنَةِ أو بإقْرارِ المَقْذُوفِ، لم يَتعلَّقْ بقَذْفِه فِسْقٌ، ولا حَدٌّ، ولا رَدُّ شَهادَةٍ، وإن لم يُحَقِّقْ قَذْفَه بشئٍ مِن ذلك، تَعلَّقَ به وُجوبُ الحدِّ عليه، والحُكْمُ بفِسْقِه، ورَدِّ شَهادَتِه؛ لقولِه تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1). فإن تابَ، لم يَسْقُطْ عنه الحَدُّ، وزَالَ الفِسْقُ، بلا خِلافٍ. وتُقْبَلُ شَهادَتُه عندَنا. ورُوِىَ ذلك (2) عن عُمرَ، وأبى الدَّرْداءِ، وابنِ عباسٍ. وبه قال عَطاءٌ، وطاوُسٌ، ومُجاهِدٌ، والشَّعْبِىُّ، والزُّهْرِىُّ، وعبدُ اللهِ بنُ عُتْبَةَ، وجَعفرُ (3) بنُ أبى ثابِتٍ، وأبو الزِّنادِ، ومالِكٌ، والشافعىُّ، والبَتِّىُّ،
(1) سورة النور 4.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
كذا بالنسخ ولعله حبيب بن أبى ثابت. انظر: تهذيب الكمال 5/ 358 - 363، سير أعلام النبلاء 5/ 288 - 291.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وذكرَه ابنُ عبدِ البَرِّ، عن يحيى ابنِ سعيدٍ، ورَبيعةَ. وقال شُرَيْحٌ، والحسنُ، والنَّخَعِىُّ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والثَّوْرِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: لا تُقْبَلُ شَهادتُه إذا جُلِدَ، وإنْ تابَ. وعندَ أبى حنيفةَ، لا تُرَدُّ شَهادتُه قَبْلَ الجَلْدِ، وإن لم يَتُبْ. فالخِلافُ معه في فَصْلَيْن؛ أحدُهما، أنَّه عندَنا تَسْقُطُ شَهادَتُه بالقَذْفِ إذا لم يُحَقِّقْه، وعندَ أبى حنيفةَ ومالكٍ، لا تَسْقُطُ إلَّا بالجَلْدِ. والثانى، أنَّه إذا تابَ، قُبِلَتْ شَهادتُه وإنْ جُلِدَ، وعندَ أبى حنيفةَ، لا تُقْبَلُ، وتُعلَّقُ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} . وبما رَوَى ابنُ ماجَه، بإسْنادِه عن عَمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلَا مَحْدُودٍ فِى الإسْلَامِ» (1).
واحْتَجَّ في الفَصْلِ الآخَرِ بأنَّ القَذْفَ قبلَ حُصولِ الجَلْدِ يجوزُ أَن تقومَ به البَيَّنَةُ، فلا يجبُ به التَّفْسِيقُ. ولَنا، في الفصلِ الثانى، إجْماعُ الصَّحابةِ، رَضِىَ اللهُ عنهم، فإنَّه رُوِىَ عن عُمرَ، رَضِىَ الله عنه، أنَّه كان يقولُ لأبى بَكْرةَ، حينَ شَهِدَ على المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ: تُبْ أقْبَلْ شَهادَتَكَ. ولم يُنْكِرْ ذْلك مُنْكِرٌ، فكان إجْماعًا. قال سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ: شَهِدَ على المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ ثَلاثةُ رِجالٍ؛ أبو بَكْرةَ، وشِبْلُ بنُ مَعْبَدٍ، ونافِعُ بنُ الحارِثِ، ونكَلَ زِيادٌ، فجلَدَ عُمرُ الثَّلاثةَ، وقال لهم عمرُ (2): تُوبوا
(1) تقدم تخريجه في صفحة 339.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تُقْبَلْ شَهادَتُكم. فتَابَ رجُلانِ، وقَبِلَ عمرُ شَهادَتَهما، وأبَى أبو بَكْرَةَ، فلم يَقْبَلْ شَهادَتَه، وكان قد عادَ مثلَ النَّصْلِ مِن العِبادةِ (1). ولأنَّه تابَ مِن ذَنْبِه، فقُبِلَتْ شَهادتُه، كالتَّائِبِ مِن الزِّنى، يُحَقِّقُه أنَّ الزِّنَى أعْظمُ مِن القَذْفِ به، وكذلك قَتْلُ النَّفْسِ التى حَرَّمَ اللهُ، وسائِرُ الذُّنوب، إذا تابَ فاعِلُها، قُبِلَتْ شَهادتُه، فهذا أَوْلَى. وأمَّا الآيةُ، فهى حجَّةٌ لنا؛ لأنَّه اسْتَثْنَى التَّائبين بقولِه تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (2). والاسْتِثْناءُ مِن النَّفْىِ إثْباتٌ، فيكونُ تَقْدِيرُه: إلَّا الذينَ تَابُواْ، فاقْبَلوا شَهادَتَهم، ولَيسوا بفَاسِقِينَ. فإن قالوا: إنَّما يَعودُ الاسْتِثْناءُ إلى الجُملةِ التى تَلِيه، بدَليلِ أنَّه لا يَعودُ إلى الجَلْدِ. قُلْنا: بل يَعودُ إليه أيضًا؛ لأنَّ هذه الجُمَلَ مَعْطُوفٌ بعْضُها على بعضٍ بالواوِ، وهى للجَمْعِ تَجْعَلُ الجُمَلَ كلَّها كالجُملةِ الواحِدَةِ، فيعودُ الاسْتِثْناءُ إلى جَمِيعِها، إلَّا ما مَنَعَ [منه مانِعٌ](3)، ولهذا لمّا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَؤْمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي بَيْتِه، وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإذْنِهِ» (4). عادَ الاسْتِثْناءُ إلى الجُمْلَتَيْن جميعًا، ولأنَّ الاسْتِثْناءَ يُغايِرُ (5) ما قبلَه، فعادَ إلى الجُمَلِ المعْطُوفِ بعْضُها على بعْضٍ بالواوِ، كالشَّرْطِ، فإنَّه لو قال: امرأتُه طالِقٌ، وعبدُه حُرٌّ،
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 8/ 362. والبيهقي مختصرا، في: السنن الكبرى 10/ 152.
(2)
سورة النور 5.
(3)
سقط من: ق، م.
(4)
تقدم تخريجه في 4/ 278.
(5)
في الأصل: «بغير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنْ لم يَقُمْ. عادَ الشَّرْطُ إليهما، كذا الاسْتِثْناءُ، بل عَوْدُ الاسْتِثْناءِ إلى رَدِّ [الشَّهادَةِ أَوْلَى؛ لأنَّ رَدَّ الشَّهادَةِ هو المَأْمُورُ به، فيكونُ هو](1) الحُكْمَ، والتَّفْسِيقُ خَرَجَ مَخْرَجَ الخَبرِ و [التَّعليلِ لردِّ](2) الشَّهادةِ، فعَوْدُ الاسْتِثْناءِ إلى الحُكْمِ المَقْصودِ (3)، أوْلَى مِن رَدِّه إلى التَّعليلِ، وحديثُهم ضَعِيفٌ، يَرْوِيه الحجَّاجُ بن أرْطَاةَ، وهو ضَعيفٌ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: لم يَرْفَعْه مَن (4) في رِوايَتِه حُجَّةٌ، وقد رُوِىَ مِن غيرِ طَرِيقِه، ولم يُذْكَرْ فيه هذه الزِّيادَةُ، فدَلَّ ذلك على أنَّها مِن غَلَطِه، ويَدُلُّ على خَطَئِه قَبولُ شَهادَةِ كُلِّ مَحْدُودٍ في غيرِ القَذْفِ (5) بعدَ توبتِه (6). ثم لو قُدِّرَ صِحَّتُه، فالمُرادُ به مَن لم يَتُبْ، بدليلِ: كُلِّ مَحْدودٍ تاب سِوَى هذا. وأمّا الفصلُ الأوَّلُ فدَلِيلُنا فيه الآيةُ، فإنه رَتَّبَ على رَمْىِ المُحْصَناتِ ثَلاثةَ أشْياءَ؛ إيجابُ الجَلْدِ، ورَدُّ الشَّهادَةِ، والفِسْقُ، فيَجِبُ أن يَثْبُتَ رَدُّ الشَّهادَةِ بوُجودِ الرَّمْىِ الذى لم يُمْكِنْه تَحْقِيقُه، كالجَلْدِ، ولأنَّ الرَّمْىَ هو المَعْصِيَةُ، والذَّنْبُ الذى يَسْتَحِقُّ به العُقوبَةَ، وتثْبُتُ به المعْصِيَةُ المُوجِبَةُ رَدَّ الشَّهادةِ، والحدُّ كَفَّارَةٌ وتَطْهِيرٌ، فلا يجوزُ تَعْلِيقُ رَدِّ الشَّهادةِ به، وإنَّما الجَلْدُ ورَدُّ الشَّهادةِ حُكْمانِ للقَذْفِ، فيَثْبُتان جميعًا به، وتخلُّفُ اسْتِيفاءِ أحَدِهما لا
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «التعديل كرد» .
(3)
في الأصل: «المقود» .
(4)
سقط من: ق، م.
(5)
في م: «المقذوف» .
(6)
في م: «ثبوته» .