الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِى، اسْتِعْمَالُ المُرُوءَةِ، وَهُوَ فِعْلُ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَافِعِ، وَالْمُتَمَسْخِرِ،
ــ
ذَكَرْنا. وقيل: تُرَدُّ؛ لأَّنه قد رُوِى عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال: لقد هَمَمْتُ أن أنظُرَ في الناسِ، فمَن وَجَدْتُه يَقْدِرُ على الحَجِّ ولا يَحُجُّ، ضَرَبْتُ عليه الجِزْيَةَ. ثم قال: ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين.
5045 - مسألة: (الثانى، استِعْمَالُ المُرُوءَةِ، وهو فِعْلُ ما يُجَمِّلُهُ ويُزَيِّنُهُ، وتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ ويَشِينُهُ، فلا تُقْبَلُ شَهادَةُ المُصَافِعِ
(1)،
(1) المصافع: من يصفع كره ويمكن غيره من قفاه فيصفعه.
وَالمُغَنىِّ، وَالرَّقَّاصِ، واللَّاعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ، وَالنَّرْدِ، والْحَمَامِ، وَالَّذِى يَتَغَدَّى فِى السُّوقِ، وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ فِى مَجْمَعِ النَّاسِ، وَيُحَدِّثُ بِمُبَاضَعَتِهِ أهْلَهُ أوْ أمَتَهُ، وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
ــ
والمُتَمَسْخِرِ، والمُغَنِّى، والرَّقَّاصِ، واللَّاعِبِ بالشِّطْرَنْجِ، والنَّرْدِ، والحَمَامِ، والذى يَتَغَدَّى فِى السُّوقِ، ويَمُدُّ رِجْلَيْهِ فِى مَجْمَعِ الناسِ، ويُحَدِّثُ بمُبَاضَعَةِ أهْلِه وأمَتِه، ويَدْخُلُ الحَمَّامَ بغَيْرِ مِئْزَرٍ، ونَحوِ ذلك) لأنًّ المُرُوءَةَ (1) اجْتِنابُ الأُمورِ الدَّنِيئَةِ المُزْرِيَةِ به، وذلك نَوْعانِ؛ أحدُهما، في الأفْعالِ، كالأكْلِ في السُّوقِ، وهو الذى يَنْصِبُ مائدةً في السُّوقِ، ويأْكُلُ والناسُ يَنْظُرونَ إليه، ولا يَعنى أكْلَ شئٍ يَسِيرٍ، كالكِسْرَةِ ونحوِها. وإنْ كان يَكْشِفُ ما جرَتِ العادةُ بتَغْطِيَته مِن بَدَنِه، أو يَمُدُّ رِجْلَيْه في مَجْمَعِ النَّاسِ (2)، أو يتَمَسْخَرُ بما يُضْحِكُ الناسَ به، أو يُخاطِبُ امْرَأتَه أو أمَتَه أو غيرَهما بحَضرةِ الناسِ بالخِطابِ الفاحِشِ، أو يُحَدِّثُ الناسَ بمُباضَعَتِه أهْلَه، أو نحوِ هذا مِن الأفْعالِ الدَّنِيئَةِ، فلا تُقْبَلُ شَهادَتُه، لأنَّ هذا سُخْفٌ ودَناءَةٌ، فمَن رَضيَه
(1) في ق، م:«المروءات» .
(2)
في الأصل: «الرجال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لنَفْسِه واسْتحسَنَه، فليستْ له مُروءةٌ، ولا تَحْصُلُ الثقَةُ بقَوْلِه. قال أحمدُ في رجلٍ شَتَمَ بَهِيمَةً: قال الصَّالحُونَ: لا تُقْبَلُ شَهادَتُه حتى يَتُوبَ. وقد روَى أبو (1) مسعودٍ البَدْرِىُّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِمَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى، إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَع مَا شِئتَ» (2). يَعنى مَن لمَ يَسْتَحِ (3) صَنَع ما شاءَ. ولأنَّ المُروءةَ تمْنعُ الكَذِبَ، وتَزْجُرُ عنه، ولهذا يَمْتَنِعُ منه ذُو المُروءَةِ وإن لم يكُنْ ذا دِينٍ، فقد رُوِىَ عن أبى سُفيانَ، أنَّه حينَ سَأله قَيْصَرُ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم وصِفَتِه، قال: واللهِ لولا أنِّى كَرِهْتُ أن يُؤْثَرَ عنِّىَ الكَذِبُ، لَكَذَبْتُه (4). ولم يكُنْ
(1) في م: «ابن» .
(2)
أخرجه البخارى، في: باب حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب، من كتاب الأنبياء. صحيح البخارى 4/ 215. وأبو داود، في: باب في الحياء، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 552. وابن ماجه، في: باب الحياء، من كتاب الزهد 2/ 1400. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 121، 122، 5/ 273.
(3)
في الأصل، ق:«يستحى» ، وهما بمعنى.
(4)
انظر ما تقدم في تخريج حديث كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى قيصر، في صفحة 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يومَئذٍ ذا دِينٍ. ولأنَّ الكَذِبَ دَناءةٌ، والمُروءةُ تَمْنَعُ مِن الدَّناءَةِ. وإذا كانتِ المُروءةُ مانعةً مِن الكَذِبِ، اعْتُبِرَتْ في العَدالةِ، كالدِّينِ، ومَن فعلَ شيئًا مِن هذا مُخْتَفِيًا به، لم يَمْنَعْ مِن قَبُولِ شَهادَتِه؛ لأنَّ مُروءَتَه لا تَسْفُطُ به. وكذلك إن فعلَه مَرَّةً، أو شيئًا قليلًا، لم تُرَدَّ شَهادتُه؛ لأنَّ صغيرَ المعاصِى لا يَمْنَعُ الشَّهادةَ إذا قَلَّ، فهذا أوْلَى، ولأنَّ المُروءةَ لا تَخْتَلُّ بقليلِ هذا، ما لم يكُنْ عادةً.
فصلٌ في اللَّعِبِ: كلُّ لَعِبٍ فيه قِمارٌ، فهو مُحَرَّمٌ، أىَّ لَعِبٍ كان، وهو مِن المَيْسِرِ الذى أمرَ الله تعالى باجْتِنَابِه، ومَن تَكَرَّرَ منه ذلك رُدَّتْ شَهادَتُه. وما خَلا مِن (1) الْقِمارِ، وهو اللَّعِبُ الذى لا عِوَضَ فيه مِن
(1) سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجانِبَيْن، ولا مِن أحَدِهما، فمنه ما هو مُحَرَّمٌ، ومنه ما هو مُباحٌ؛ فالمُحَرَّمُ اللَّعِبُ بالنَّرْدِ، وهذا قولُ أبى حنيفةَ، وأكْثَرِ أصْحاب الشافعىِّ. وقال بعْضُهم: هو مَكْرُوهٌ، غيرُ مُحَرَّمٍ. ولَنا، ما رَوَى أبَو موسى، قال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ (1): «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ» . ورَوَى بُرَيْدَةُ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِه» . روَاهما أبو داودَ (2). وكان سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ إذا مَرَّ على أصْحابِ النَّرْدَشِيرِ، لم يُسَلِّمْ عليهم. إذا ثَبَت هذا، فمَن تكَرَّرَ منه اللَّعِبُ به، لم تُقْبَلْ شَهادتُه، سواءٌ لَعِبَ به قِمارًا أو غيرَ قِمارٍ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، ومالكٍ، وظاهِرُ مذهبِ الشافعىِّ. وقال مالكٌ: مَن لَعِبَ بالشِّطْرَنْجِ والنَّرْدِ، فلا أرَى شَهادَتَه إلَّا باطِلَةً (3)؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} (4).
(1) في م: «قال» .
(2)
في: باب في النهى عن اللعب بالنرد، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 582.
كما أخرجهما ابن ماجه، في: باب اللعب بالنرد، من كتاب الأدب. سنن ابن ماجة 2/ 1237، 1238 كما أخرج الأول الإمام مالك، في: باب ما جاء في النرد، من كتاب الرؤيا. الموطأ 2/ 958. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 394، 397، 400. والحاكم، في كتاب الإيمان. المستدرك 1/ 50. والبيهقى، في: السنن الكبرى 10/ 215.
وأخرج الثانى مسلم، في: باب تحريم اللعب بالنردشير، من كتاب الشعر. صحيح مسلم 4/ 1770. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 352، 357، 361.
(3)
في الأصل: «طائلة» .
(4)
سورة يونس 32.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا ليس مِن الحقِّ، فيكونُ مِن الضَّلالِ.
فصل: والشِّطْرَنْجُ كالنَّرْدِ في التَّحْريمِ، إلَّا (1) أنَّ تَحْرِيمَ النَّرْدِ آكَدُ؛ لوُرُودِ النَّصِّ في تَحْرِيمِه، وهذا في مَعْناه، فيَثْبُتُ فيه حُكْمُه قياسًا عليه. وذكَر القاضى أبو الحُسينِ ممَّن ذهبَ إلى تَحْرِيمِه؛ علىَّ بنَ أبى طالِبٍ، وابنَ عمرَ، وابنَ عباسٍ، وسعيدَ بنَ المُسَيَّبِ، والقاسِمَ، وسالِمًا، وعُرْوَةَ، ومحمدَ بنَ علىِّ بنِ الحُسينِ، ومَطرًا الوَرَّاقَ (2)، ومالِكًا. وبه قال أبو (3) حنيفةَ. وذهبَ الشافعىُّ إلى إباحَتِه. وحَكَى ذلك أصْحابُه عن أبى هُرَيْرَةَ، وسعيدِ بنِ المُسَيَّب، وسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ. واحْتَجُّوا بأنَّ الأصْلَ الإباحَةُ، ولم يَرِدْ بتَحْرِيمِه نَصٌّ، ولا هو في مَعْنَى المنْصوصِ عليه، فيَبْقَى على الِإباحَةِ. ويُفارِقُ الشِّطْرَنْجُ النَّرْدَ من وَجْهَيْن؛ أحدُهما، أنَّ في الشِّطْرَنْجِ تَدْبِيرَ الحَرْبِ، فأشْبَهَ اللَّعِبَ بالحِرابِ، والرَّمْىَ بالنُّشَّابِ، والمُسابقَةَ بالخَيْلِ. والثانى، أنَّ المُعَوَّلَ في النَّرْدِ على ما تُخْرِجُه الكَعْبَتانِ (4)، فأشْبَهَ الأزْلَامَ، والمُعَوَّلَ في
(1) سقط من: م.
(2)
مطر بن طهمان الوراق الخراسانى الزاهد، توفى سنة تسع عشرة ومائة. سير أعلام النبلاء 5/ 452، 453.
(3)
في م: «وأبا» .
(4)
الكعبة في النرد: ما يعرف اليوم بالزهرة، وهى قطعة مكعبة يبين على كل وجه منها نقاط تمثل رقما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشِّطْرَنْجِ على حِذْقِه وتَدْبيرِه، فأشْبَهَ المُسابقَةَ بالسِّهام. ولَنا، قولُ اللهِ سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (1). قال علىٌّ، رَضِىَ اللهُ عنه: الشِّطْرَنْجُ مِن المَيْسِرِ. ومَرَّ، رَضِىَ اللهُ عنه، على قومٍ [يلعبون بالشِّطْرَنجِ](2)، فقال:{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (3). قال أحمدُ: أصَحُّ ما في الشطْرَنْجِ، قولُ علىٍّ، رَضِىَ الله عنه. ورَوَى واثِلَةُ بنُ الأسْقَعِ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للهِ عز وجل فِى كُل يَوْمٍ ثَلَاثمائةٍ (4) وسِتِّينَ نَظْرَةً، لَيْسَ لِصاحِبِ الشَّاهِ فِيهَا نصِيبٌ» (5). ولأنَّه لَعِبٌ يَصُدُّ عنِ ذِكْرِ اللهِ تعالى وعن الصَّلاةِ، فأَشْبَهَ اللَّعِبَ بالنَّرْدِ. وقولُهم: لا نَصَّ فيها. قد ذكَرْنا فيها نَصًّا، وهى في مَعْنى النَّرْدِ (6)
(1) سورة المائدة 90.
(2)
سقط من: م.
(3)
أخرج اللفظين البيهقي، في: باب الاختلاف في اللعب بالشطرنج، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى 10/ 212.
وأخرج الأول ابن أبى شيبة، في: باب في اللعب بالنرد وما جاء فيه، كتاب الأدب. المصنف 8/ 548.
وأخرج الثانى أيضا، في: باب في اللعب بالشطرنج، الكتاب نفسه. المصنف 8/ 550. وانظر الكلام على ضعف الأثر في: الإرواء 8/ 288، 289.
وما اقتبسه على رضى الله عنه، هو الآية 52 من سورة الأنبياء.
(4)
في ق، م:«ستمائة» .
(5)
أخرجه ابن حبان، في: المجروحين 2/ 297. وابن الجوزى، في: العلل المتناهية 2/ 297. وانظر حاشيته. وقال في الإرواء: موضوع. الإرواء 8/ 287.
وصاحب الشاه: من يلعب بالشطرنج.
(6)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَنْصوصِ على تَحْرِيمِه. وقولُهم: إنَّ فيها تَدْبِيرَ الحرْبِ. قُلْنا: لا يُقْصَدُ هذا منها، وأكثْرُ اللَّاعِبين بها إنَّما يَقْصِدُونَ منها اللَّعِبَ والقِمارَ. وقولُهم: إنَّ المُعَوَّلَ فيها على تَدْبِيرِه. فهو أبْلَغُ في اشْتِغَالِه (1) بها، وصَدِّها عن ذِكْرِ اللهِ وعن الصَّلاةِ. إذا ثَبَت هذا، فقال أحمدُ: النَّرْدُ أشَدُّ مِن الشِّطْرَنجِ. إنَّما قال ذلك؛ لورُودِ النَّصِّ في النَّرْدِ، بخِلافِ الشِّطرَنْجِ. إذا ثبت هذا، فقال القاضى: هو كالنَّرْدِ في رَدِّ الشَّهادةِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، ومالكٍ؛ لاشْتِراكِهما في التَّحْريمِ. وقال أبو بكرٍ: إن فَعَلَه مَن يَعْتَقِدُ (2) تَحْرِيمَه، فهو كالنَّرْدِ في حَقِّه، وإن فعَلَه مَن يَعْتَقِدُ إباحَتَه، لم تُرَدَّ شَهادَتُه، إلَّا أن يَشْغَلَه عن الصَّلاةِ في أوْقاتِها، أو يُخْرِجَه إلى الحَلِفِ الكاذِبِ، أو نحوِه مِن المُحَرَّماتِ، أو يَلْعَبَ بها على الطرَّيقِ، أو يَفْعَلَ في لَعِبِه ما يُسْتَخَفُّ به مِن أجْلِه، ونحوَ هذا ممَّا يُخْرِجُه عن المُروءَةِ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ؛ وذلك لأنَّه (3) مُخْتَلَفٌ فيه، أشْبَهَ سائِرَ المُخْتَلَفِ فيه.
فصل: فأمَّا اللَّاعِبُ بالحَمامِ يُطَيِّرُها، فلا شَهادَةَ له. وهذا قولُ
(1) في الأصل: «استعماله» ، وفى م:«اشتماله» .
(2)
في الأصل: «يقصد» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصْحابِ الرَّأْىِ. وكان شُرَيْحٌ لا يُجِيزُ شَهادةَ صاحِب (1) حَمامٍ ولا حَمَّامٍ؛ ولأنَّه سَفَهٌ ودَناءَةٌ وقِلَّةُ مُرُوءَةٍ، ويتَضَمَّنُ أَذَى الجيرَانِ، وإشْرَافَه (2) على دُورِهم، ورَمْيَه إيَّاها بالحِجَارَةِ. وقد رُوِىٍ أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَأى رجلًا يَتْبَعُ حَمامًا، فقال:«شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً» (3). فإنِ اتَّخَذَ الحَمامَ لطَلَبِ فِرَاخِها، أو لحَمْلِ الكُتُبِ، أو للأنْسِ بها مِن غيرِ أذًى يَتعدَّى إلى الناسِ، فلا بَأْسَ. وقد رَوَى عُبادَةُ بنُ الصّامِتِ، أنَّ رَجُلًا [جاء إلى](4) النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَشَكا إليه الوَحْشَةَ، فقال:«اتَّخِذْ زَوْجًا مِنْ حَمَامٍ» (5).
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل، ق:«اشترافه» .
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في اللعب بالحمام، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 582. والإمام أحمد، في المسند 2/ 345.
(4)
في م: «أتى» .
(5)
أخرجه الخطيب، في: تاريخ بغداد 5/ 199.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمَّا المُسابَقَةُ المَشْرُوعةُ، بالخَيْلِ وغيرِها مِن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحيواناتِ، أو على الأقْدامِ، فَمُباحٌ (1) ولا دَناءَةَ فيه (2)، ولا تُرَدُّ به (3) الشَّهادةُ، وقد ذكَرْنا مَشْرُوعِيَّةَ ذلك في بابِ المُسابَقَةِ (4). وكذلك ما في مَعْناه من الثِّقَافِ، واللَّعِبِ بالحِرَابِ. وقد لَعِبَ الحَبَشَةُ بينَ يَدَىِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم بالحِرابِ، وقامتْ عائشةُ، رَضِىَ الله عنها، تَنْظُرُ إليهم، وتَسْتَتِرُ به، حتى مَلَّتْ (5). وسائِرُ اللَّعِبِ إذا لم يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا، ولا شَغلًا عن فَرْضٍ، فالأصلُ إباحَتُه، فما كان منه (6) فيه دَناءَةٌ يتَرفَّعُ عنه ذَوُو المُروءاتِ، مَنَعَ الشَّهادةَ إذا فَعلَه ظاهِرًا، وتَكَرَّرَ منه، وما [كان منه](7) لا دَناءَةَ فيه، لم تُرَّ الشَّهادةُ به بحالٍ. والله أعلمُ.
(1) في م: «فمباحة» .
(2)
في م: «فيها» .
(3)
في م: «بها» .
(4)
تقدم في 15/ 5 - 8.
(5)
تقدم تخريجه في 20/ 53.
(6)
سقط من: م.
(7)
سقط من: م.