الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مؤلف، وزادت مؤلفات ابن تيمية على خمسمائة، وابن حجر العسقلاني بلغت مؤلفاته مائة وخمسين كتابًا، وبلغت مؤلفات صلاح الدين الصفدي أكثر من مائتي كتاب، وهكذا أصبح مجال التأليف مجالا فسيحًا للمنافسة بين العلماء، وكان هذا ضمن أسباب انتشار هذا النوع من التأليف في ذلك العصر.
سبب ثالث: يتمثل ذلك السبب في تشجيع السلاطين المماليك على نشر العلم، واهتمامهم باقتناء الكتب، ومنحهم الجوائز السخية لأصحاب تلك الموسوعات، رغم أنهم لم يكونوا عربًا كما ذكرت، لكن الحس الإسلامي دفعهم إلى الحفاظ على ذلك التراث.
السبب الرابع: هو توفر المادة العلمية، الممثلة في المعارف الثقافية والعلوم العربية الإسلامية، على مدى قرون ثمانية مضت، ويمكن القول في تعليل تلك الظاهرة: إن البيئة التي نشأت فيها الموسوعات المملوكية كانت بيئة خصبة مستنيرة، غير جامدة ولا متخلفة، وإن فترة تأليفها كانت فترة ازدهار ثقافي، وتألق حضاري في مختلف فروع الآداب، وجوانب المعرفة الإنسانية، وفنون العمارة الإسلامية، التي لا تزال شامخة في كل المدن الكبرى إلى الآن في مصر والشام.
الصور التي جاءت عليها الموسوعات، ونماذج لها
لو تأملنا هذه الموسوعات التي ألفت في العصر المملوكي لرأينا أنها تأتي على صورتين أو شكلين من أشكال التأليف:
الصورة الأولى: وهي عبارة عن موسوعات عامة، تحتوي على علوم مختلفة ومعارف وفنون شتى؛ كالتاريخ والأدب واللغة والفقه والفلك، وغير ذلك من العلوم والفنون، ويمثل هذا النوع من الموسوعات كتاب (نهاية الأرب في فنون
الأدب) للنويري، ثم كتاب (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) لابن فضل الله العمري، ثم كتاب (التذكرة الصفدية) للصفدي، وغيرها من موسوعات موجودة بين أيدينا.
الصورة الثانية من صور التأليف: موسوعات متخصصة، تتناول علمًا أو فنًا واحدًا تعرضه من جميع جوانبه عرضًا شاملا، يستوعب كل ما يدور حوله من قريب أو بعيد.
مثل: كتب الحديث والفقه والتاريخ والتراجم والطبقات، فقد اهتم أصحاب هذه الكتب بالبحث في كل جوانب تلك العلوم، لم يتركوا جانبًا من جوانبها إلا وأحاطوا به علمًا في بحوثهم، ومن هذا النوع كتاب (النجوم الزاهرة) لابن تغري بردى، وكتاب (البداية والنهاية) لابن كثير، وكتاب (وفيات الأعيان) لابن خلكان، و (لسان العرب) لابن منظور، وغيرها من الكتب، وقد قامت تلك الموسوعات بدور عظيم في تطور النقد العربي، ووضع المقاييس الفنية التي يحتاجها الناقد.
هذه حقيقة لا ينبغي إنكارها أو تجاهلها، هذه الموسوعات أدت خدمة جليلة للأدب والنقد، إذ حشد فيها مؤلفوها مجموعة من الرؤى النقدية لهم، أو لغيرهم من العلماء السابقين، كانت هذه الموسوعات مصدرًا من مصادر التعرف على تلك المقاييس؛ مِن خلال الأحكام النقدية التي يبحث عنها الباحثون، فيجدونها داخل هذه الموسوعات عبارة عن آراء لأصحابها أحيانًا، أو منقولة عن غيرهم أحيانًا أخرى، كما تعد هذه الموسوعات نواة طيبة لنشأة الفن القصصي فيما بعد، كيف ذلك؟ ما علاقة هذه الموسوعات بالفن القصصي الذي ذاع وانتشر في تلك الآونة؟
الفن القصصي يعتمد في جوهره على السرد، والسرد فن من الفنون الأدبية الحديثة، ومؤلفو هذه الموسوعات اختاروا النمط السردي حين تأليفهم لها، فهُم بذلك وضعوا حقيقة نواة طيبة لنشأة هذا اللون من الأساليب، وهو الأسلوب السردي.
والآن سنعرض لبعض هذه الموسوعات عرضًا سريعًا؛ لمعرفة مدى الجهد الذي بذله أسلافنا من ناحية، ثم نتعرف على ما كان يتصف به هؤلاء العلماء من فكر وعلم وموهبة من جهة ثانية، ونتعلم أيضًا كيفية اختيار المنهج العلمي السديد حين نلجأ أو نتوجه إلى كتابة مثل هذه الموسوعات.
أولًا: كتاب (العقد الفريد)، نتحدث عنه كنموذج من نماذج هذه الموسوعات العلمية. مؤلفه الأديب الأريب أبو عمر شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي الأندلسي، وهو أحد علماء وأدباء الأندلس المشهورين.
ولد في قرطبة سنة مائتين وست وأربعين للهجرة، وكانت قرطبة آنذاك من أعظم المدن الأندلسية حضارة ونهضة علمية، وهي تشبه بغداد حاضرة الدولة العباسية في ذلك الوقت، مِن حيث النهضة العلمية، والحضارة والحركة التأليفية النشطة فيها.
نشأ ابن عبد ربه بين أحضان تلك الطبيعة الساحرة، فبعثت في نفسه حب الشعر فقرضه وبرع فيه، وظهر صداها في شعره، كما تتلمذ في تلك المدينة على طائفة من شيوخ عصره؛ كالخشني وابن وضاح، ويحيى بن الفقيه وجرياب المغني المشهور، وعاصر ابن عبد ربه ثلاثة من ملوك الأندلس المشهورين، ومدحهم بشعره ونال التكريم منهم؛ وهم: المنذر بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط، وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط، وعبد الرحمن الناصر، أشهر ملوك
الأندلس، وأسعدهم حظًا، وأطولهم فترة حكم، كما حكى لسان الدين بن الخطيب.
لزم ابن عبد ربه قرطبة طوال حياته، ونهل من علوم الشرق التي زحفت إلى الأندلس، عن طريق استقدام الأدباء والعلماء إليها، ثم أصيب في أواخر حياته بمرض الفالج، كما أصيب الجاحظ من قبله بهذا المرض.
وتوفي ابن عبد ربه بقرطبة سنة ثلاثمائة وثمان وعشرين للهجرة. يقول عنه الثعالبي صاحب (يتيمة الدهر): "إنه أحد محاسن الأندلس علمًا وفضلا وأدبًا ومثلًا، وشعره في نهاية الجزالة والحلاوة، وعليه رونق البلاغة والطلاوة".
أما محتوى الكتاب ومنهج المؤلف فيه؛ فقد بدأ ابن عبد ربه كتابه بمقدمة وضح فيها مضمون الكتاب، والمنهج الذي سلكه؛ أما عن المحتوى فيقول:"وقد ألفت هذا الكتاب، وتخيرت جواهره من متخير جواهر الآداب، ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجوهر ولباب الألباب، وإنما لي فيه تأليف الأخبار، وفضل الاختيار، وحسن الاختصار، وما سواه -يقصد المعلومات- فمأخوذ من أفواه العلماء، ومأثور عن الحكماء والأدباء، واختيار الكلام أصعب من تأليفه". هذا حق.
ويقول في موضع آخر في بيان المحتوى: "وقد نظرت في بعض الكتب الموضوعة، فوجدتها غير متصرفة في فنون الأخبار، ولا جامعة لجمل الآثار، فجعلت هذا الكتاب كافيًا شافيًا، جامعًا لأكثر المعاني التي تجري على أفواه العامة والخاصة، وتدور على ألسنة الملوك والسوقة، وحليت كل كتاب منها بشواهد من الشعر، تجانس الأخبار في معانيها، وتوافقها في مذاهبها؛ ليعلم الناظر في كتابنا هذا أن لمغربنا على قاصيته، وبلدنا على انقطاعه حظًا من المنظوم والمنثور".
فالكتاب -كما هو واضح من تلك العبارات التي أوردها المؤلف، وتدل على تواضعه أيضًا- يعد من الموسوعات الأدبية التاريخية الاجتماعية، جمع فيه مؤلفه مجموعة من النصوص الأدبية في الشعر والنثر، ما بين حكمة مأثورة أو قول مشهور أو مثل سائر، بالإضافة إلى طائفة من الأخبار التاريخية والاجتماعية وغيرها، وطبائع النفس والنوادر والملح، وغير ذلك، ومن ثم ندرجه ونعده ضمن الموسوعات العلمية المشهورة.
وفي مقدمة الكتاب أشار المؤلف إلى عنوانه، والسبب في اختياره فقال:"وسميته كتاب (العقد الفريد) لما فيه من مختلف جواهر الكلام، مع دقة السلك وحسن النظام، وجزأته على خمسة وعشرين كتابًا، كل كتاب منها جزآن، فتلك خمسون جزءًا، في خمسة وعشرين كتابًا، وقد انفرد كل كتاب منها باسم جوهرة من جواهر العقد".
هذه الفكرة عن التسمية التي ذكرها المؤلف في المقدمة؛ تقطع كل ما دار حول العنوان من أقاويل، وتؤكد أن اسمه (العقد الفريد)، وأنه قائم على التخييل والتشبيه، كما يؤكد ذلك أيضًا تقسيم الكتاب، وتسمية كل قسم منها، فقد تخيل ابن عبد ربه كتابه عقدًا منظومًا، وسمى كل باب باسم من أسماء ذلك العقد، والعقد في حقيقته يتكون من خمسة وعشرين حبة ثمينة، لكل حبة منها اسم معروف، وأنفس حبات العقد هي الحبة الوسطى التي تسمى واسطة العِقد، عن يمينها اثنتا عشرة حبة، وعن يسارها اثنتا عشرة حبة، وأسماء الحبات من جهة اليمين تختلف، نبدؤها كالتالي مما يلي الواسطة مباشرة: المُجَنَّبَة، ثم العسجدة، ثم اليتيمة، ثم الدرة، ثم الزمردة، ثم الجوهرة، ثم الياقوتة، ثم المرجانة، ثم الجمانة، ثم الزبرجدة، ثم الفريدة، ثم اللؤلؤة، تلك هي الأسماء مما يلي الواسطة من جهة اليمين.
أما أسماء الحبات من جهة اليسار، فهي نفس الأسماء، لكن تضاف إليها كلمة الثانية فيقول: المجنبة الثانية، ثم العسجدة الثانية، ثم اليتيمة الثانية، ثم الدرة الثانية، ثم الزمردة الثانية، ثم الجوهرة الثانية، وهكذا حتى آخر الأسماء التي استخدمها ابن عبد ربه أسماء لأبواب مؤلفه، يعني أخذ كل اسم من أسماء العقد، ووضعها عنوانًا لباب من أبواب كتابه، فيقول:"الكتاب الأول -يعني الباب الأول: اللؤلؤة في السلطان، الثاني: الفريدة في الحروب ومدار أمرها، والثالث: الزبرجدة في الأجواد والأصفاد"، وهكذا حتى يصل إلى الواسطة فيقول:"كتاب الواسطة في الخطب".
الواسطة التي هي أرفع حبات العقد يجعلها للخطب. ثم يبدأ من جهة اليسار فيقول: "كتاب المجنبة الثانية في التوقيعات والفصول والصدور، وأخبار الكتب، ثم العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيامهم"، وهكذا حتى يصل إلى اللؤلؤة الثانية، وهي في النتف والهدايا والفكاهات والمُلح.
أما عن المنهج الذي سلكه ابن عبد ربه في كتابه فيقول هو عنه: "فتطلبت نظائر الكلام، وأشكال المعاني، وجواهر الحكم، ودروب الأدب، ونوادر الأمثال، ثم قرنت كل جنس منها إلى جنسه، فجعلته بابًا على حدته؛ ليستدل الطالب للخبر على موضعه من الكتاب، ونظيره في كل باب"، يشير هذا إلى جزء من المنهج الذي اتبعه المؤلف، وهو منهج علمي سديد، يعتمد على الترتيب المنطقي المنظم للأفكار والموضوعات، وجعلها في باب واحد، والحقيقة أن هذا المنهج الذي اتبعه قد جنبه الوقوع في عيب التكرار، الذي رأيناه في بعض المؤلفات، وكان ابن عبد ربه دقيقًا عندما وضع في اعتباره حال المتلقي ساعة تأليف الكتاب، إذ كان من دوافع اختيار ذلك المنهج -كما أشار إلى ذلك- تجنيب القارئ مغبة الجهد في البحث عما يريد، فجاءت أبواب الكتاب بمثابة الفهارس، أو المنارات التي يهتدي بها القارئ، هذه خطوة أولى من خطوات المنهج العلمي، أشار إليها الرجل في كتابه.
ثم نمضي خطوة أخرى في طريق المنهج أيضًا نلمحها في قوله: "وقصدت من جملة الأخبار وفنون الآثار أشرفها جوهرًا، وأظهرها رونقًا، وألطفها معنى، وأجزلها لفظًا، وأحسنها ديباجة، وأكثرها طلاوة وحلاوة".
هذه الفكرة تكشف عن منهجه في اختيار النماذج التي أتى بها، وضمنها كتابه، والأخبار والنوادر التي أوردها، وهو منهج يعتمد على التأثر الذاتي، والتذوق الفردي، ويفصح عن تمتع المؤلف بذوق فني رفيع يعتد به، ومعرفة تامة بمواطن الجودة والرداءة من الكلام، فالرجل لم يسجل في موسوعته إلا أشرف المعاني وأجودها، هذا جزء من المنهج أيضًا يتعلق بمسألة اختيار النماذج، والجزء الأول يتعلق بمسألة الترتيب والتنظيم.
جانب ثالث من جوانب المنهج العلمي الذي استخدمه يشير إليه أيضًا بقوله: "وحذفت الأسانيد من أكثر الأخبار طلبًا للاستخفاف والإيجاز، وهربًا من التثقيل والتطويل؛ لأنها أخبار ممتعة وحكم ونوادر، لا ينفعها الإسناد باتصاله، ولا يضرها ما حذف منها"، فالرجل كما ترى في هذه الفكرة لا يكثر من ذكر الأسانيد عند إيراد الأخبار؛ حتى لا يمل القارئ أو يطول الكتاب، هذا أيضًا ملاحظة نضيفها إلى الملاحظة السابقة، من أنه يراعي حال المتلقي عند تأليفه ذلك الكتاب.
وهذه الطريقة التي أشار إليها -حذف الأسانيد لأنها لا تفيد من وجهة نظره- رغم أنها تفيد القارئ في الحصول على المعلومة من أيسر الطرق؛ لأن الذي ينظر في كتاب من الكتب يود الحصول على المعلومة بسرعة، وفي وقت وجيز، لا يتعلق بذكر الأسانيد، فهو بهذا يقدم المعلومة لمن يطلع على الكتاب في أقل وقت زمني، رغم أنها تفيد القارئ في الحصول على المعلومة من أيسر الطرق، إلا أنها لا تفي بالغرض، أحيانًا الإنسان يقرأ خبرًا من الأخبار، فيرى أنه في حاجة ملحة إلى معرفة أصل ذلك الخبر، وتتبع رجاله، في هذه الحالة لابد من
الرجوع إلى الأصل الذي نقل عنه، لا ينفعه الاعتماد على هذا المصدر وهو كتاب المؤلف، لماذا؟ لأنه حذف الأسانيد.
وهكذا نحس وراء هذا المنهج فكرًا ناضجًا، وشخصية تتصف بالذكاء والخبرة والتحضر، وتجمع بين عدة ثقافات متنوعة، ذكر المنهج كاملا في كتابه حتى لا يترك القارئ في حيرة للبحث عن منهجه، وهو كما رأيت منهج علمي سديد، يتصل بالترتيب، يتصل باختيار النماذج وكيفية توظيفها توظيفًا جيدًا، حتى تتسم وتتسق مع الأفكار، أو الموضوعات التي يعرضها، ثم لم يحرم المتلقي من مراعاة ظروفه من حيث التخفيف، وتقديم المعلومة في وقت وجيز؛ حتى لا يمل أو يجهد نفسه.
أما بالنسبة لقيمة كتاب (العقد) في ميدان الأدب؛ فإن الكتاب يمثل موسوعة ضخمة في الثقافة العربية، ودائرة معارف تكاد تكون مكتملة الحلقات من الأخبار والنصوص الأدبية، ويعد أول كتاب في الأندلس من حيث الإفاضة والشمول والتنوع، وكثرة التمثل عن أدب المشارقة، كما يعد كتاب (العقد الفريد) أيضًا مصدرًا مهمًا لمن يريد التعرف على حياة العرب؛ الأدبية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ففيه حديث طويل عن الأدب، فيه اختيارات متنوعة من النصوص الأدبية الجيدة ما بين قصيدة وخطبة وحكمة ومثل.
وهذه الاختيارات ناتجة عن ذوق فردي، وبالتأمل فيها نجد أنها اختيارات دقيقة تنم عن ذوق فني رفيع، قصائد ذات موضوعات جيدة، ذات أساليب فنية جيدة، حكم سائرة، أمثال جيدة، فهي فعلا زاد أدبي لمن أراد أن يتزود بمثله، كما يحتوي الكتاب أيضًا على دراسة وافية لأوزان الشعر العربي، والعروض والقافية، وما يتصل بهذا الجانب من زحاف وعلل، مع ذكر نماذج عدة لكل ذلك، وفي الكتاب أيضًا حديث عن التاريخ العربي والإسلامي، إذ تحدث عن
أيام العرب وأنسابهم والحروب ومدارها، كما تحدث عن السلطان والخلفاء في المشرق والمغرب، وشيء من أخبارهم.
وتناول ابن عبد ربه في كتابه أيضًا الجانب الاجتماعي، فعقد كتاب الزبرجدة الثانية للحديث عن طبائع الإنسان والحيوان، تحدث عن النفس والدار واللباس والتزين والتطيب، ثم ذكر أنواعًا من الحيوان وصفاتها، وفي كتاب الفريدة الثانية تحدث عن الطعام والشراب، وما يتعلق بهما من آداب، وتحدث عن بعض ألوان التسلية والترفيه؛ حتى لا يمل القارئ كما ذكر.
ورغم أن المؤلف لم يترك جانبًا إلا وأشار إليه في كتابه، نجد أن السمة الأدبية سيطرت عليه من أوله لآخره في عرض المادة العلمية، بأسلوب أدبي جيد، والاستشهاد في كل موقف بما يستجاد من الأدب، فصاحبه أديب بارع، ومما يؤكد أهمية الكتاب أيضًا إشادة العلماء به، ونقلهم عنه حين تأليفهم، كالأبشيهي في (المستطرف)، والبغدادي في (خزانة الأدب)، وابن خلدون في (المقدمة)، والقلقشندي في (صبح الأعشى) وغيرهم.
وفي نهاية الحديث عن كتاب (العقد الفريد) تجدر الإشارة إلى أن ابن عبد ربه قد تأثر بالمشارقة في موسوعته؛ بدليل قول الصاحب بن عباد فيه عندما وصل إليه الكتاب وقرأه، قال الصاحب:"هذه بضاعتنا ردت إلينا"، كما يدل على تأثره أيضًا أخذ كثيرًا من أقسام كتاب (عيون الأخبار) لابن قتيبة، وجعلها أبوابًا عنده. مثل: كتاب السلطان، كتاب الحرب، كتاب السؤدد، كتاب الطبائع، كتاب العلم، وذلك لا يعيب المؤلف ولا الكتاب؛ لأن منافسة الأندلسيين للمشارقة والاعتناء بآدابه وأخباره، ودراستها تعد منهجًا من مناهجهم آنذاك، فهذا التأثر بالمشارقة لا يعيب الكتاب، ولا يعيب صاحبه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.