المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم الدرس الثاني عشر (خطوات البحث الأدبي (2)) ‌ ‌رسم الخطة الحمد - أصول البحث الأدبي ومصادره - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 مقدمة في أصول البحث الأدبي ومصادره

- ‌كلمة "بحث": معناها، ودلالتها

- ‌العرب والثروة الأدبية

- ‌الطرق التي ساعدت العرب على حفظ تراثهم

- ‌الدرس: 2 العرب والبحث العلمي - مناهج التأليف عند العرب (1)

- ‌هل كان العرب مجرد مبدعين أم أنهم عرفوا طريق البحث العلمي

- ‌أدوات البحث العلمي عند العرب

- ‌اتجاهات التأليف عند العرب "اتجاه الاختيارات الأدبية المجرد

- ‌الدرس: 3 مناهج التأليف عند العرب (2)

- ‌بعض المصادر التي تمثل اتجاه الاختيارات المجردة

- ‌الاتجاه الثاني "اتجاه أصحاب الطبقات والتراجم

- ‌الدرس: 4 مناهج التأليف عند العرب (3)

- ‌كتاب (الشعر والشعراء) كنموذج على اتجاه الطبقات والتراجم

- ‌الاتجاه الثالث: "اتجاه الدراسة الأدبية والنقدية

- ‌الدرس: 5 مناهج التأليف عند العرب (4)

- ‌الاتجاه الرابع "الموسوعات العلمية

- ‌الصور التي جاءت عليها الموسوعات، ونماذج لها

- ‌الدرس: 6 مناهج البحث الأدبي في العصر الحديث

- ‌حقيقة المنهج وأهميته في مجال البحث العلمي

- ‌نشأة المناهج العلمية وتطورها

- ‌الدرس: 7 المنهج التاريخي

- ‌المنهج التاريخي: مفهومه، ونشأته، ومقياس الجودة عند أصحابه

- ‌قيمة المنهج التاريخي في مجال البحث الأدبي

- ‌الدرس: 8 المنهج النفسي

- ‌صلة الأدب بالنفس

- ‌حقيقة المنهج النفسي، وعلاقة النفس بالأدب

- ‌نشأة المنهج النفسي، وتطوره في العصر الحديث

- ‌مقياس الجودة الفنية عند أصحاب المنهج النفسي، وقيمته

- ‌المآخذ على المنهج النفسي

- ‌الدرس: 9 نظرية الفلسفة الجمالية وعلاقتها بالدراسات الأدبية

- ‌نظرية الفلسفة الجمالية وقيمتها في مجال البحث الأدبي

- ‌رؤية العربي لفكرة الجمال الأدبي

- ‌الدرس: 10 المنهج المتكامل وقيمته في مجال البحث الأدبي الحديث

- ‌أهم المناهج البحثية: المنهج المتكامل

- ‌ملاحظات لمن يريد استخدام المنهج المتكامل، وبيان قيمته

- ‌الدرس: 11 خطوات البحث الأدبي (1)

- ‌مادة البحث الأدبي

- ‌خطوات البحث العلمي: اختيار موضوع البحث

- ‌الدرس: 12 خطوات البحث الأدبي (2)

- ‌رسم الخطة

- ‌تحديد المصادر والمراجع

- ‌الدرس: 13 خطوات البحث الأدبي (3)

- ‌استقراء المصادر والمراجع

- ‌كيفية استخدام القدماء والمحدثين للمصادر

- ‌الدرس: 14 خطوات البحث الأدبي (4)

- ‌صياغة البحث

- ‌مراعاة قواعد الكتابة العربية في صياغة البحث

- ‌الدرس: 15 مفهوم التحقيق والتوثيق وشروط المحقق

- ‌(مفهوم التحقيق والتوثيق

- ‌شروط المحقق

- ‌الدرس: 16 كيف نحقق نصا أو مخطوطا

- ‌جمع النُسخ، وترتيبها

- ‌تحقيق العنوان، واسم المؤلف، ونسبة الكتاب

- ‌الدرس: 17 تحقيق متن المخطوط

- ‌مقدمات الدخول إلى النص

- ‌الخطأ وكيفية علاجه

- ‌الدرس: 18 الخروم والسقط، والتصحيف والتحريف

- ‌(الخروم والسقط

- ‌التصحيف والتحريف

- ‌أسباب انتشار ظاهرة التصحيف والتحريف

- ‌الدرس: 19 تخريج النصوص وإخراج المخطوط

- ‌(تخريج النصوص

- ‌عملية إخراج المخطوط

- ‌الدرس: 20 صنع الفهارس

- ‌التعريف بالفهارس وأنواعها

- ‌كيفية صناعة الفهارس

- ‌فهرسة المخطوطات

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم الدرس الثاني عشر (خطوات البحث الأدبي (2)) ‌ ‌رسم الخطة الحمد

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثاني عشر

(خطوات البحث الأدبي (2))

‌رسم الخطة

الحمد لله، الذي خلق الإنسان وعلمه البيان والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه؛ وبعد:

فقد بدأنا الحديث عن خطوات البحث الأدبي تكلمنا فيه عن مادة البحث الأدبي ثم الخطوة الأولى وهي التي تتمثل في اختيار موضوع البحث.

الخطوة الثانية من خطوات البحث الأدبي: الخطة.

رسم الخطة: هو الخطوة الثانية من خطوات البحث الأدبي بعد اختيار الموضوع، نفس الترتيب كما أشرت سابقًا. فبعد أن يستقر الباحث على موضوع بحثه الذي توفرت فيه الشروط التي أشرنا إليها، يأتي دور التخطيط والتنظيم، ووضع الملامح الرئيسة التي سيسير عليها في بحثه. الخطة شرط أساسي في كل عمل منهجي علمي منظم يراد له النجاح، والبحث الأدبي يشبه البناء التام المتماسك المتناسق الأجزاء، فكل لبنة لها مكانها، وكل خط له دلالته، ويتم هذا وفق تخطيط متقن، وكذا كل معلومة جمعها الباحث، أو رأي اهتدى إليه له مكانه الذي لا يصلح إلا فيه داخل البحث. فالبحث الأدبي ليس مجرد حشو للمعلومات المنقولة، أو الآراء المطروحة دون نظام أو ترتيب، لكنه ضرب من تنظيم المعلومات، والربط بينها بطريقة منهجية صحيحة، ثم التوصل إلى مجموعة من الحقائق، وكل ذلك يأتي بعد تخطيط محكم دقيق، هو ما نسميه برسم الخطة. وخطة البحث تشبه اللوحة الهندسية التي يصممها المهندس عند إنشاء مبنى من المباني، غير أن المهندس حين يصمم تلك اللوحة يتعامل مع مواد جامدة يستطيع أن يتحكم فيها، ويخرجها بمواصفات يعرفها، بل يحددها مسبقًا. أما في البحث العلمي: فإن الباحث يضع خطته، ولا يملك أي يقرر، أو يحكم، أو يعطي حتى مجرد صورة عما سيحدث، وإنما يترك ذلك كله لما ينتهي إليه الباحث من نتائج.

ص: 217

وإذا أردنا أن نضع مفهومًا لخطة البحث فيمكن أن نقول: هي تنسيق البحث، ووضع الخطوط الرئيسة التي سيسير عليها الباحث في دراسته للموضوع الذي اختاره، من خلال تقسيم البحث إلى مجموعة من الأبواب والفصول، تخضع لطبيعة الموضوع، وتشكل الإطار العام له.

والخطة قد تكون موجزة، وقد تكون مفصلة، والخطة المفصلة في مجال البحوث العلمية أفضل؛ لأنها تلم بالموضوع إلمامًا واسعًا، ويتعرف القارئ من خلالها على الموضوع ومصادره وقضاياه ومشكلاته، فهي أقرب إلى البحث نفسه، بل هي بمثابة مشروع البحث.

ويتوقف رسم الخطة على صلة الباحث بموضوعه، ومدى إلمامه بشتى جوانبه، فكلما أحاط الباحث بموضوعه إحاطة شاملة، كلما وضحت الخطوط الرئيسة أمامه، وانكشف الطريق له. كما تختلف الخطة أيضًا باختلاف الباحثين، ومناهجهم التي يسلكونها أثناء بحوثهم، وتختلف أيضًا باختلاف الموضوع الذي اختاره الباحث، والمادة العلمية التي تشكله، والمدة الزمنية المحددة لإتمامه. ومن ثم، لا يمكن وضع ضوابط ثابتة أو قوانين محددة للخطة بحيث يلتزم بها كل باحث، فكل موضوع له ظروفه، وله ملابساته التي تشكل خطته. نعم، ثقافة الباحث، طبيعة الموضوع، طبيعة المادة العلمية، الفترة الزمنية نفسها تتحكم في رسم الخطة. ورغم أن لكل موضوع خطته التي تناسبه، ولكل باحث شخصيته وفكرته ورؤيته، إلا أنه يمكن أن نقول إن هناك إطارًا عامًا يوجد في كل خطة يتكون هذا الإطار العام من أولًا: المقدمة، وفيها يحدد الباحث أهمية البحث، ويشير في المقدمة أيضًا إلى ما يضيفه هذا البحث من جديد في مجال الدراسات الأدبية، ثم يذكر في

ص: 218

المقدمة أيضًا الأسباب التي دفعته لدراسة هذا الموضوع، ويحدد المشكلة المفترضة، والمقترح علاجها خلال هذا البحث، كما يشير في المقدمة أيضًا إلى المنهج الذي سيسلكه في بحثه، ودراسة مشكلته. وفي المقدمة أيضًا يعرض للدراسات الأدبية التي سبقته، وأشارت إلى الموضوع الذي يبحث فيه.

وتتسم المقدمة عمومًا بالإيجاز، والتركيز، وبراعة الاستهلال. وكانت المقدمة تسمى في المؤلفات القديمة بخطبة الكتاب، وموجودة إلى الآن في الكتب المحققة. وقد يضاف تمهيد بعد المقدمة ويسمى: المدخل أحيانًا، ويسميه بعض الباحثين تمهيد أو توطئة، هذا كله جائز. وإذا كانت هناك مقدمة، ثم تليها توطئة، أو يليها مدخل أو تمهيد، يتحدث الباحث في هذه التوطئة أو ذلك المدخل عن العصر، وصلته بموضوع البحث. وفي حال الذكر التمهيدي أيضًا بعد المقدمة يجعل الدراسات التي لها صلة بموضوع بحثه، والتي سبقته ينقلها إلى التمهيد، ويدرسها دراسة مفصلة؛ ليقف على كل ما انتهت إليه تلك الدراسات، ويبدأ من حيث انتهت، هذا أولًا: المقدمة تليها التوطئة، أو التمهيد، أو المدخل.

ثانيًا: النقطة الثانية أو الجزء الثاني الذي يمثل إطارًا من أطر الخطة: صلب البحث، وأعني به: الأجزاء الأساسية التي تشكل البحث من أبواب أو فصول، وإذا اتسعت الفصول قسمت إلى مباحث، يتم تقسيم الموضوع وتجزئته؛ لكي يمكن توزيع المادة العلمية والأفكار المنبثقة عنها على هذه الأقسام، أو الأجزاء، ثم يتألف من مجموعها في النهاية كيان كامل حي يشد بعضه بعضًا. نعم، تقسيم البحث إلى فصول وأبواب، أو مباحث، أو خلاف ذلك متوقف على المادة العلمية، وطبيعة الموضوع. وهذا جيد في مجال البحوث نجزئ الموضوع أو القضية أو الفكرة؛ لكي نتمكن من بحث كل جزئية بحثًا دقيقًا عميقًا، ثم في الآخر يتألف من مجموع هذه الجزئيات كيان كامل حي هو البحث،

ص: 219

وكل هذا يؤدي في النهاية إلى نتيجة صحيحة تتسم بالموضوعية، والمصداقية. فالتجزئة لا تعني التقطيع، وإنما تعني: لم ما تبعثر وتباعد، وتحويله إلى وحدة واحدة. إننا نجزئ العمل من أجل تسهيل الدراسة، ولكن لا نجعل التجزئة غاية؛ هي أجزاء ضمن وحدة واحدة كما سبق، وتختلف الأبواب والفصول -كما قلت-؛ تبعًا لاختلاف موضوع البحث، والمادة العلمية المطروحة للدراسة، والظروف المحيطة بها. إذا كان طول المادة العلمية التي جمعها محدودًا اكتفى الباحث بتقسيم البحث إلى فصول، فيقول: الفصل الأول، الفصل الثاني، الفصل الثالث، وهكذا يعرض كل قضية في فصل، إن كانت هناك قضايا. فإذا تضاعف عدد الصفحات، وكان بالإمكان تقسيم الوحدة الكبيرة داخل البحث إلى وحدتين أو أكثر، وكانت الوحدات المتوسطة يمكن تقسيمها إلى وحدات أصغر، ففي هذه الحالة يتم تقسيم البحث إلى أبواب، يقول: الباب الأول، الباب الثاني، الباب الثالث، ثم يقسم كل باب إلى فصول، يقول: الفصل الأول من الباب الأول، الفصل الثاني من الباب الأول، الفصل الثالث من الباب الأول، ثم الفصل الأول من الباب الثاني، ثم الفصل الثاني من الباب الثاني، وهكذا. ومن الممكن أن يأتي كل هذا في جزء واحد، يعني: ممكن أن يأتي البحث في جزء واحد يقسم إلى باب، إلى بابين، ثلاثة أبواب، وكل باب فصلين، أو فصل على حسب ما تفرضه المادة العلمية.

فمن الممكن أن يقسم أو يأتي كل هذا في جزء واحد إذا طالت الأبواب والفصول، وكانت المادة العلمية من الاتساع بمكان، فمن الممكن أن يقسم الباحث بحثه إلى أجزاء، ويسمي كل جزء، يقول: الجزء الأول، الجزء

ص: 220

الثاني، وهكذا. ويطلق على الجزء مجلد. ويحمل الباب عادة عنوانًا كليًّا شاملًا، إذا قسم البحث إلى أبواب؛ يمثل قضية عامة تندرج تحتها عدة عنواين كل عنوان يمثل قضية جزئية، وليس هناك حد معين للفصول أو الأبواب يلتزم به الباحث، ولكن عند تقسيم البحث إلى فصول أو أبواب نراعي التقارب النسبي في الحجم، أي: عدد الصفحات، فإذا بلغ عدد صفحات الفصل الأول مثلًا عشرين صفحة وجب أن تكون بقية الفصول تتراوح ما بين ثماني عشرة أو عشرين أو ثلاث وعشرين صفحة مثلًا، يعني: يكون التفاوت بين صفحة أو ثلاث صفحات وهكذا. وليس من المقبول أن يكون في البحث فصل صفحاته عشر صفحات، وهناك فصل آخر عدد صفحاته أربعون صفحة، أو ثلاثون صفحة. كما يراعى هذا في الأبواب أيضًا، فإذا كان البحث مقسمًا إلى أبواب، وكان الباب الأول مثلًا مائة صفحة، ينبغي أن يتراوح الباب الثاني ما بين التسعين أو المائة أو المائة وعشر، وهكذا في بقية أبواب البحث وفصوله.

ويخطئ من يظن أن المسألة مسألة حجم فقط؛ فإن هذا الحجم يحمل فكرة ويعالج قضية أو وحدة معينة من وحدات البحث، يكبر الحجم ويصغر باتساع هذه الوحدة أو ضيقها، يترتب عليه كبر الحجم أو صغره، فكلما كبر الحجم كان ذلك دليلًا على اتساع القضية أو الوحدة، فإذا لم يتم التناسب بين الأبواب والفصول داخل البحث فإن ذلك يدل على عدم تناسب الأفكار أو القضايا أو الوحدات. هذه حقيقة، وهذا يعني: سوء التخطيط منذ البداية. الباحث وهو يخطط ينظر هذه قضية فيها اتساع، هذه قضية فيها ضيق، هذه قضية تستحق أن تكون باب، هذه قضية تستحق أن تكون مبحث، وهكذا. ينسق ويرتب وينظم، ويحدث لونًا من التناسب بين فصول بحثه، أو أبوابه.

ص: 221

كما ينبغي أن تترابط أبواب البحث وفصوله فيما بينها ترابطًا منطقيًّا سديدًا بحيث يتمم بعضها بعضًا، فتصير كالجسد الحي، ويشبه بعض الباحثين ترابط الأبواب والفصول داخل البحث بترابط الأحداث داخل المسرحية، فيقول: فكما أن المسرحية تنقسم إلى فصول ومشاهد، كذلك البحث الأدبي ينقسم إلى فصول وأجزاء، وكما أنه ينبغي أن تسود في المسرحية وحدة الحدث، كذلك ينبغي أن تسود في البحث الأدبي وحدة العمل بحيث تتسلسل أجزاؤه تسلسلًا دقيقًا، بل يصبح كالمسرحية تعمها وحدة عضوية، تتولد في أثنائها المشاهد.

كما ينبغي عند تقسيم البحث إلى أبواب أو فصول أن يراعى ما يلي:

أولًا: أن تكون عناوين الأبواب والفصول فيها دقة، وأنت تختار العنوان عنوان الباب أو الفصل كن دقيقًا بحيث يفصح العنوان عما بداخل الباب أو الفصل من معلومات، بالإضافة إلى اتصافها بالطرافة والجاذبية.

ثانيًا: الأمر الثاني الذي ينبغي مراعاته تقسيم مشكلات البحث ومعالجة كل مشكلة في باب أو فصل مستقل بحيث ينتهي القارئ من الباب أو الفصل؛ فيكون قد ألم بالمشكلة وعرف حدودها. بحيث يخرج القارئ من قراءة الباب أو الفصل فيكون قد ألم بهذه المشكلة إلمامًا تامًا، وعرف حدودها.

الأمر الثالث الذي ينبغي مراعاته: إذا اتسعت المشكلة أو القضية فيمكن تقسيمها إلى قضايا جزئية، ويعالج الباحث كل واحدة منها في فصل مستقل.

رابعًا: أن يتم ترتيب الأبواب والفصول على أساس منطقي، وفكري منظم، بحيث لو انتهى القارئ من فصل وجد نفسه في حاجة إلى الفصل الذي يليه. وترتيب أبواب البحث وفصوله يدل على مدى فهم الباحث لقضيته، وحسن استخدامه لعناصر بحثه وتوظيف مادته. وفي هذا القسم من البحث أي: في صلب

ص: 222

البحث الذي يقسم فيه الباحث بحثه إلى أبواب أو فصول تتم مناقشة القضايا، وإبراز الحجج والبراهين، وإبداء الرأي. هذا بالنسبة للقسم الثاني من الأقسام التي تشكل الإطار العام لخطة البحث.

القسم الثالث من هذا الإطار: الخاتمة: يشير الباحث في الخاتمة إلى أهم النتائج التي توصل إليها من خلال بحثه، وإلى الجديد الذي أضافه، وفي ضوء تلك النتائج يمكن أن يعرض لبعض توصياته ومقترحاته التي توصل إليها من خلال البحث، وعادة نجد أن البحث الجيد يثير في النهاية عدة تساؤلات أو مشكلات تحتاج إلى علاج. ولا تقاس أهمية البحوث بما تتوصل إليه من نتائج وتفسيرات فحسب، وإنما بما تثيره من مشكلات، وتكشف عنه من قضايا تصلح أن تكون موضوعات لبحوث أخرى. هذه حقيقة، قيمة البحث ليست في التحليل فقط، ولا في التفسير فقط، ولا في النتائج فقط، وإنما قيمة البحث في أن تشعر وأن تقرأه أنه يثير في فكرك عدة مشكلات. يعني: تقرأ بحثًا فتخرج منه بموضوعين أو أكثر من الموضوعات التي يمكن أن تبحث فيها من جديد. هذه هي الجدة وذاك هو الابتكار.

القسم الرابع من الأقسام التي تشكل الإطار العام للخطة: هو الفهارس: وتعد الفهارس ضمن خطة البحث وتنظيمه، وهي لازمة من لوازمه وضرورية بالنسبة للباحث والقارئ معًا، فهي الأداة التي يمكن من خلالها الوصول إلى مكان المعلومة داخل البحث بسهولة ويسر. والفهارس أنواع، هناك فهرس للآيات القرآنية، هناك فهرس للأحاديث النبوية الشريفة، هناك فهرس للقوافي، وفهرس للأمثال، فهرس للأعلام، فهرس للأمم والقبائل، فهرس للبلدان والمواضع، وفهرس لموضوعات البحث وأبوابه التي توجد بداخله، كل هذه أنواع من الفهارس.

تخضع هذه الأنواع من الفهارس لطبيعة البحث، فهناك بحوث لا بد فيها من جميع هذه الفهارس مجتمعة، كالموضوعات التي تتناول المخطوطات العلمية

ص: 223

بالتحقيق والدراسة مثلًا، فلا بد فيها من كل هذه الفهارس، هناك بحوث أخرى يكتفى فيها بفهارس المصادر والمراجع، ثم الموضوعات، ولا يضيرها ذلك طالما أن طبيعتها تتطلب هذا، ويخضع كل نوع من أنواع الفهارس السابقة لطريقة معينة في ترتيب ما يشتمل عليه، كاتباع الهجائية أو الأبجدية العربية مثلًا.

هذه هي أهم الأجزاء أو الأقسام التي تشكل الإطار العام لكل خطة بحث، مقدمة، ثم تمهيد، وبعد ذلك صلب البحث، ثم خاتمة، وفي النهاية الفهارس. هذا إطار يوجد في كل بحث، حتى في العلوم غير الأدبية، كل بحث له مقدمة، ثم هناك تمهيد، ثم هناك صلب بحث، يعني: أبواب وفصول، ثم خاتمة، ثم فهارس.

وفي سياق حديثنا عن الخطة ينبغي أن نفرق بين الخطة والمنهج، فالخطة: -كما رأيت- هي عبارة عن تقسيم البحث إلى أبواب أو فصول، وهي عملية تنظيمية، تشبه الخطوط المنتظمة التي يضعها المهندس على اللوحة لتنفيذها فوق سطح الأرض المعدة للبناء، كما قلت. ويمكن أن نتعرف على خطة أي بحث من خلال النظر في فهرسه، لو أمسكت بأي كتاب أي بحث، ونظرت في فهرسه لأمكنك تحديد الخطة. أما المنهج: فهو الطريقة التي يسلكها الباحث عند معالجة القضايا المختلفة داخل الأبواب والفصول، يعني: في صلب البحث، بقصد الوصول إلى الحقيقة، يناقش، يحلل، يفسر، يشرح، كل هذا في صلب البحث داخل الأبواب والفصول. هذا هو المنهج، يظهر من خلال هذه المعالجة.

وإذا كانت الخطة تشبه الخطوط التي يضعها المهندس على لوحته، فإن المنهج يشبه مسلك البناء، وطريقته في وضع اللبنات والربط بينها بطريقة ما، المهندس

ص: 224

الذي وضع هذه الخطوط من خلال فكره ورؤيته، يعطي هذه الخطوط إلى بناء ماهر، فينفذ هذه الخطوط، يحولها إلى مبنى.

وظيفة الباحث أو المنهج يتضح من صنع الباحث في صلب البحث، فمثله مثل ذلك البناء، يتضح المنهج من خلال المناقشة، من خلال الشرح، من خلال التفسير، من خلال التحليل لسائر القضايا أو الموضوعات التي وردت في صلب البحث. وكما أشرت سابقًا، لا بد من التخطيط والتنظيم للبحث، وأن نجاح البحث العلمي يتوقف على جودة التخطيط له. ومن ثم، فإن الخطة من الأهمية بمكان.

وتتضح أهمية الخطة في الأمور التي سأذكرها الآن على سبيل الإجمال:

أولًا: عندما يستقر الباحث على موضوع ما لدراسته، فإنه يكون هناك هدف عام يجول في خاطره، يعني: فكرة عامة. عملية التخطيط هذه فيها تفتيت لهذا الهدف بقصد تجميعه مرة أخرى بعد دراسته دراسة جزئية منفصلة، فيها عمق، فيها شمول؛ لأن دراسة الجزئية الصغيرة غير دراسة القضية العامة. عندما يكون عندي جزئية صغيرة، وأنا أدرسها، أتعمق فيها، ألم بها، أحيط بها، على خلاف القضية الواسعة، هذا معروف في مجال البحث، كلما كانت القضية صغيرة ضيقة كلما حصر الباحث فيها فكره، وتوصل إلى نتائج جيدة.

فالباحث عندما يختار الموضوع هذا عبارة عن فكرة كلية عامة، تجول في خاطره، يأتي دور التخطيط، والتخطيط: عبارة عن تجزئة هذه الفكرة إلى جزئيات، الجزئيات مفتتة، لكن تفتيت لكي أجمعها فيما بعد من صالح البحث، هذه التجزئة عملية أقوم بها لصالح البحث؛ حتى أتمكن من دراسة كل وحدة،

ص: 225

أو كل جزئية دراسة متعمقة. خطة البحث هي التي تساعد الباحث على تحقيق ذلك، وتمكنه من تنظيم الأهداف وصياغتها، وإيجاد مناسبة لتحقيقها. بدون التخطيط لا يمكن أن نقوم بهذه العملية.

ثانيًا: من الأشياء التي تؤكد أهمية الخطة: يستطيع الباحث من خلال الخطة التي رسمها يستطيع تحديد أهدافه، ورسم الطريق الصحيح للوصول إليها، وبدون هذا التخطيط لا يستطيع الباحث الربط بين أهدافه. وهذه حقيقة حتى أصل إلى الخاتمة في النهاية، وأربط بين هذه الأهداف التي في الفصل الأول والثاني والثالث وهكذا، تتكون أو تتحقق لدي مجموعة من النتائج أو الأهداف مجتمعة من خلال هذه الخطة، أو من خلال هذا الترتيب أو التنظيم الموجود داخل الخطة.

ثالثًا: يكتسب البحث السمة العلمية من خلال هذا التخطيط: إن أي بحث علمي، أو عمل علمي منهجي لا بد فيه من تحديد الهدف منذ البداية؛ حتى لا يقع الباحث في تيه لا حدود له، وينعكس ذلك على نتائجه، وعلى بحثه. كما أنها تؤكد أن البحث لا يأتي عن طريق الصدفة لكنه تخطيط وتنظيم ووسائل في ضوء أهداف محددة. لا يمكن أن يقبل باحث على بحثه بلا تخطيط، لا يمكن هذا، لا يجوز إطلاقًا، ولا يصح.

رابعًا: الخطة تمد الباحث بنوع من الثقة بالنفس؛ لكونها عملية فيها جانب من الابتكار والابتداع، الباحث يضع الخطة نتيجة فكر، وتبلغ الثقة ذروتها عندما ينجح في تحقيق أهدافه من خلال الخطة التي وضعها، عندما يصل الباحث في نهاية بحثه إلى مجموعة من الأهداف التي كان يود تحقيقها، أو نتائج مرجوة يكون في قمة السعادة، وفي قمة الثقة بالنفس؛ لأنه نجح في تخطيطه، ونجح في درسه، ونجح في الوصول إلى هدفه.

ص: 226

هذه هي أهمية الخطة بالنسبة بالباحث والبحث معًا، ينبغي ألا نغفلها، وعلى الباحث أن يتجنب الخطط الجاهزة، فإنها تضر ولا تنفع، فأحيانًا يأتي باحث يعرض موضوعًا للدراسة، فيطلب منه الأستاذ إعداد خطة لدراسة هذا الموضوع، فيذهب ذلك الباحث إلى مكتبة الرسائل، ويبحث عن موضوع يشبه موضعه الذي اختاره، وينقل خطته، ويضع عناوين للأبواب والفصول من خياله. المهم، أن تتفق هذه العناوين مع موضوع البحث الذي اختاره، ولا يدري أتوجد المادة العلمية الصالحة لوضعها تحت هذه العناوين أم لا؟ حقيقة، هذا يحدث كثيرًا الآن من كثير من الباحثين، مثل هذه الخطة لا تفيد شيئًا، ولا تكشف إلا عن كسل صاحبها وجهله بأسس البحث العلمي. وهي لا تعني شيئًا بالنسبة للباحث، الباحث يظن أنه وقع على كنز أحيانًا، بل ربما ظنها كسبًا وإنجازًا له، يقول: أنا في ربع ساعة استطعت أن أضع خطة لبحثي، هذا خطأ إن كانت لا تعني شيئًا بالنسبة للباحث، فهي تعني الكثير بالنسبة للأستاذ المشرف، تعني: فقدان ثقته في هذا الباحث.

وقد ذكر بعض الباحثين أن مثل من يفعل هذا كمثل حائك للثياب، لا يعرف إلا نمطًا واحدًا يحيك عليه جميع الملابس لكل قادم إليه، دون النظر إلى حجمه، أو عمره، أو نوع قماشه، أو مثله كمثل مهندس معماري، يقدم خريطة واحدة نموذج واحد لكل من يطلب منه رسمًا هندسيًّا، دون النظر إلى مساحة الأرض، وموقعها، أو الأسرة التي ستسكن ذلك البيت، هذا كله لا قيمة له في مجال البحث العلمي؛ فالتقسيم وحده ليس غاية، ولكن الغاية ما يعنيه التقسيم، وما يترتب عليه من نتائج.

ونضرب لذلك مثالًا نتعرف من خلال على خطر هذا السلوك غير المنهجي، والذي لا يقوم على أساس علمي منظم، فمثلًا: يقع اختيار باحث من الباحثين

ص: 227

على شخصية شاعر من الشعراء، ويريد أن يقيم حولها دراسة، فيطلب منه تقديم خطة للموضوع، يقول له الأستاذ المشرف: أعطني خطة، فيذهب ذلك الباحث إلى مكتبة الرسائل، فيبحث عن موضوع تناول شخصية أدبية، ثم ينقل نفس الخطة التي وجدها بعينها، وجدها الباحث مذكورة في موضوع درس، يشبه الموضوع الذي اختاره، المقدمة، التمهيد، الباب الأول: حياة الشاعر، الفصل الأول من الباب الأول: نشأة الشعر، الفصل الثاني من الباب الأول: شبابه، الفصل الثالث: تعليمه، يعني: الباب الأول في فصول ثلاثة. الباب الثاني بعنوان: شعره، ويقع في فصول ثلاثة، الفصل الأول: المدح، الفصل الثاني: الغزل، الفصل الثالث: الرثاء. الباب الثالث تحت عنوان: الدراسة الفنية، الفصل الأول: الأسلوب، الفصل الثاني: الخيال، الفصل الثالث: التجديد في الأوزان والقافية، ثم تأتي بعد ذلك الخاتمة، ثم المصادر والمراجع.

وفي البداية أقول: هذه الخطة التي ذكرتها الآن خطة بحث درس ونوقش صاحبه، والباحث ذهب ونقل هذه الخطة؛ لأن موضوعه شخصية أدبية فقال: هذه خطة أنقلها وأريح نفسي من العناء والتعب، والبحث والتفكير، نحن لا ننكر أن هناك خطوطا عامة للبحث، ولكن الخطوط العامة المناسبة لبحث قد لا تتناسب مع بحث آخر، لا بد أن تدرك ذلك جيدًا.

ومن ثم، فإن أهمية الخطة تنبع من كونها مستمدة من الجزئيات المنبثقة عن القضايا العامة، الخطة أنا لا أخترعها، وإنما تتشكل نتيجة النظر في المادة العلمية التي عندي في القضايا التي سأبحثها، المشكلة التي سأعالجها، هي التي تفرض عليّ خطوطًا معينة وتنظيمات. فالخطة التي عرضتها الآن، والتي نقلها

ص: 228

الباحث من دراسة مشابهة تمامًا لموضوعه، مثلًا: فيها باب عن حياة الشاعر الباب الأول بعنوان: حياة الشاعر، وقسمه الباحث إلى فصول، وقد تكون المادة العلمية التي تشكل حياة الشاعر عند الباحث الذي نطلب منه خطة، قد تكون المادة العلمية التي تشكل حياة الشاعر لا تنهض لتكون بابا؛ مادة علمية قليلة جدًا، فكيف يصنع منها بابًا؟ ماذا يفعل إذا انقطع به الطريق عند هذا الحد من المعلومات؟ انظر في باب آخر نرى فيها أيضًا فصلًا بعنوان: الغزل، وهو الفصل الثاني من الباب الثاني، عنوانه: الغزل، نفرض أن الشاعر الذي اختاره الباحث لم يتطرق إلى فن الغزل، لم ينظم فيه بيتًا واحدًا. في الباب الثالث مثلًا، الذي بعنوان: الدراسة الفنية، نجد هناك فصلًا بعنوان: التجديد في الأوزان والقوافي، فماذا يفعل الباحث إذا عرف أن الباحث أو الشاعر الذي يبحث فيه ليس له دور في التجديد، ولا يعرف معنى التجديد؟ هذا لا يصح؛ لأنه عندما يجيء ليطبق على بحثه فلم يجد من المادة العلمية.

اعلم أيها الباحث أن ما عندك يختلف عما عند غيرك، وما عند شاعرك يختلف عما عند الشاعر الآخر، فعليك أن تقلب الموضوع الذي اخترته للدراسة على أكثر من وجه؛ حتى تهتدي إلى الخطة الجيدة التي لا تفضلها خطة أخرى، والتي لو نوقشت فيها لأمكنك النقاش والدفاع؛ لأنك ستكون أعرف بها من غيرك؛ لأنها نابعة من فكرك وصميم موضوعك. من أجل ذلك أقول: إن العجلة غير مطلوبة عند إعداد الخطة، بل لا بد من التأني والتفكير المستمر، والدقة في التخطيط والتنظيم بعد أن ينتهي الباحث إلى صورة مناسبة للخطة يجلس وينظر فيها مرات ومرات، ثم يعدل ويبدل ويغير معتمدًا على المادة العلمية التي لديه، ثم الخبرة المكتسبة عنده، وثقافته في مجال كيفية إعداد البحوث العلمية. وليكن في غاية الحذر من أن يعتري الخلل خطته من أي جانب.

ص: 229

ومن أجل أن تخرج الخطة كاملة لا يعتريها نقص أو خلل أرى أنه ينبغي للباحث أن يترك خطته مدة من الزمن، ولا ينقطع تفكيره عنها خلال هذه المدة، يعني: يظل على اتصال بها، يترك خطته مدة من الزمن، وكلما عرض له رأي خلال هذه المدة التي يتركها فيها، أو عنت له فكرة، أو ظهر له خاطر، أو جد خبر، رجع إلى الخطة فتأملها، وأجرى عليها من التعديل ما يجعلها قابلة لاحتواء كل جديد، هذه المدة التي أشرت إليها تسمى: فترة التخمير، أو تسمى: فترة اختمار الخطة. فإذا ما استوت الخطة، واكتملت عناصرها يعرضها الباحث على الأستاذ المشرف.

واعلم أيها الباحث أن الخطة هي أساس بحثك، وهي المحك الذي يكشف عن علمك وفكرك ودرايتك وثقافتك، وهي أخطر ما تقابل به المشرف، فاحذر العجلة، وإياك أن تقدم عملًا غير كامل، واحذر أن تعرض على أستاذك أمرًا من الأمور التي تدل على ضعفك، أو كسلك، أو تقصيرك. احذر ذلك جيدًا، وتنبه له. وقد ترفض الخطة من أستاذك، وهذا أمر لا يقلل من شأنك إلا إذا كنت قد قصرت، ولم تتبع الخطوات الصحيحة في رسمها، وقد يقوم الأستاذ المشرف بالتعديل فيها، فقد يضيف إليها أشياء، أو يحذف منها شيئًا، كل هذا وارد، فلا تنزعج، ولا تقلق، فلكل رؤيته المبنية على علم وخبرة بطرق البحث العلمي وإجراءاته، ولا تتعجل الانتهاء من خطتك إذا طلب منك تعديلها، بل لا بد من التأني والإفادة من توجيهات أستاذك، هذا الذي أشرنا إليه من التنظيم والإعداد، ووضع الإطار العام لخطة البحث لا يعني أنك وصلت إلى نهاية المطاف، وأن عملك في الخطة قد انتهى عند هذا الحد. هذا الذي أشرنا إليه يمثل صورة أولية من صور الخطة، وهي صورة تعتمد على الخيال، وبعض المعلومات وخبرة الباحث آنذاك، ويراها الباحث مقبولة حينئذ.

ص: 230