الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعليه أن يستعين بالنصوص التي نقلت عن المؤلف أي: التي اقتبسها المؤلفون من هذا المخطوط.
وعلى أي حال يضع هذا الذي وجده بين قوسين في المتن، ويشير في الحاشية إلى ذلك، أو يضع عدة نقاط في المتن مكان الخرم، ويذكر الناقص في الحاشية، فإن لم يجد النص الذي أصاب الخرم بعض كلماته، يرجع إلى المؤلفات الذي كتب فيه المؤلف مخطوطه، ويستوعبها جيدا، ثم يجتهد في الترميم مستعينا بما حصله من معلومات يمكنه الإفادة منها في إصلاح الخرم ويحاول بقدر الإمكان أن يكون الترميم في نفس مساحة الخرم، يعني: المساحة تتحمل كلمة، يكون الترميم بكلمة، كلمتين يكون الترميم بكلمتين وهكذا.
هناك سقط في الأوراق عليه أن يأتي بالفهرس إن كان المؤلف قد وضع فهرسا لمخطوطه، وبإمكانه أن يصلح السقط من خلال العناوين التي توجد في أوراق المخطوط، فإن لم يهتد إلى ترميم الخرم أو إصلاح السقط كأن تجمع النسخ على ذلك مثلا، يشير المحقق إلى ذلك في الحاشية، ثم يجتهد في معرفة مضمون السقط، ويذكره في الحاشية.
التصحيف والتحريف
هذه هي الصورة الثالثة من صور الخلل أو الفساد الذي يلحق بالنص. الحقيقة أن قضية التصحيف والتحريف تعد من أخطر القضايا التي تواجه الباحث ولا يصح التهاون أو التقصير فيها بحال من الأحوال؛ لأنها تتصل بجوهر التحقيق، وهو سلامة النص وتأديته على الوجه الذي تركه عليه صاحبه. ومما يزيد من خطورة التصحيف والتحريف أنه قد يبنى على اللفظ المصحف أو المحرف رأي في العقيدة أو اللغة أو الأدب، فحكى الحافظ السيوطي قال: "قيل: إن النصارى كفروا
بلفظة أخطئوا في إعجامها، وشكلها أي بسبب لفظة قال الله تعالى في الإنجيل لعيسى عليه السلام: أنت نبيي ولدتك من البتول، فصحفوها وقالوا: أنت بنيي ولدتك من البتول". وتعالى الله سبحانه علوا كبيرا.
وكذلك ما روي عن الخليفة سليمان بن عبد الملك وكان غيورا على الحرم، فقيل له: إن المخنثين قد أفسدوا النساء في المدينة، فكتب سليمان بن عبد الملك إلى قاضي المدينة وواليها أبي بكر بن حزم أن احص مَن قِبلك من المخنثين، فصحف كاتبه وكتب أن اخص بدل أن احص، كتبها بالخاء المعجمة مكان الحاء المهملة، وابن جُعْدُبة هو راوي هذا الخبر، فدعاهم فخصاهم. وقد عرف العلماء التصحيف والتحريف بتعريفات شتى، فبعضهم جعلهما مترادفين، وبعضهم فرق بينهما في الدلالة، عرف الجاحظ التصحيف بأنه يكون من وجوه من التخفيف ومن التثقيل، ومن قِبل الإعراب أيضا ومن تشابه صور الحروف.
الحسن بن عبد الله العسكري استخدم التصحيف عند الخطأ في النقط والرسم أو فيهما معا، أو الخطأ في الرسم والشكل معا، واستخدم مصطلح التحريف للدلالة على الخطأ في بناء الكلمة أو شكلها، استخدم مصطلح التغيير والتبديل كبديل للتحريف، واستخدم مصطلحات أخرى كثيرة كالقلب والغلط والوهم إلى آخر تلك المصطلحات التي وردت عنه. وكان للشعراء أيضا رأي في هذه القضية. يقول أبو نواس في هجاء أبان اللاحقي:
صحفت أمك إذ سمتك في المهد أبانا
سيرت باء مكان التاء تصحيفا عيانا
قد علمنا ما أرادت لم ترد إلا أتانا
والأتان هي الحمارة. بدل أبان أتان، يعني هي أرادت أتانا وأنت صحفت. مثال آخر: قال المفجع البصري وهو يهجو دريد صاحب (الجمهرة) ويتهمه بالتصحيف:
ألست مما صحفت تغترق الطرق بجهلِ
فقلت: تعترك وقلت كان الخباء من أدمِ
…
وهو حباء يهدى ويستدق
المتنبي سوى بين التصحيف والتحريف حيث قال:
وإنك إن قويت صحف قارئ ذئابا
…
ولم يخطئ فقال: ذباب
فالهمزة هنا غيرت إلى باء، وسمى المتنبي ذلك تصحيفا. ومن خلال هذه التعريفات الكثيرة نرى أن أقرب التعريفات وأعدلها، ما قيل من أن التصحيف هو تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط كالذي يحدث في كلمات مثل: عباس وعياش، العيب العتب، نَمت نِمت، العدل العذل، حمزة حمرة وغيرها مما هو على هذه الشاكلة.
أما التحريف فهو العدول بالشيء عن جهته. قال الله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} (النساء: 46)، وقال سبحانه وتعالى:{وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة: 75) وهو خاص بتغيير شكل الحروف ورسمها، كالدال والراء أو الدال واللام أو النون والزاي أو الميم والقاف أو اللام والعين، إلى آخر هذه الصور التي تتصل بتغيير شكل الحروف أو رسم الحروف، والأصل اللغوي لكلمة تصحيف يرجع إلى الأخذ عن الصحف دون التلقي من أفواه المشايخ، يقول العسكري: "فأما
معنى قولهم: الصحفي والتصحيف، فقد قال الخليل: إن الصحفي الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف، وقال غيره: أصل هذا أن قوما كانوا قد أخذوا العلم عن الصحف من غير أن يلقوا فيه العلماء، فكان يقع فيما يروونه التغيير والتبديل، فيقال عنده: قد صحفوا، أي رددوه عن الصحف وهم مصحفون، والمصدر التصحيف". وانطلاقا من هذا رأينا العلماء يشددون في ضرورة الأخذ والتلقي والمشافهة، وعدم الاعتماد على الصحف في تلقي العلم، وقد مدحوا من يأخذ العلم من أفواه العلماء وذموا من يأخذه من الصحف؛ لمظنة الوقوع في التصحيف، فيقول الشاعر:
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة
…
يكن عن الزيف والتصحيف في حرم
ومن يكن آخذا للعلم عن صحف
…
فعلمه عند أهل العلم كالعدم
ويقول أبو نواس في رثاء خلف الأحمر:
أودى جماع العلم مذ أودى خلف
…
راوية لا يجتني من الصحف
يعني: هو كان راوية لا يأخذ من الصحف وإنما يتلقى مشافهة من العلماء. وهجا شاعر أبا حاتم السجستاني بضد ذلك فقال:
إذا أسند القوم أخبارهم
…
فإسناده الصحف والهاجس
هناك أخبار كثيرة لدى الشعراء، ولدى غير الشعراء تكشف عن أن التصحيف هو الأخذ من الصحف، ولم يتلق صاحبه العلم مشافهة من أفواه العلماء. وأما التحريف فإنه أنواع قد يكون بإبدال حرف مكان حرف، وقد يكون بزيادة كلام في النص الذي كتبه المؤلف، وغالبا ما تقع الزيادة من قبل النساخ والقراء، ونضرب مثالا لذلك، لابن المعتز كتاب يسمى (فصول التماثيل) هذا الكتاب له
نسخة مخطوطة في "كوبنهاجن" ورد في هذه النسخة نص طويل بعنوان: باب ما قيل في أسماء الشراب قال صاحب (قطب السرور)، ينقل ابن المعتز نص (قطب السرور)، وهذا الشيء نفسه في نسخة أخرى موجودة في "برلين" غير نسخة "كوبنهاجن".
وبالفحص الدقيق والتحقيق العلمي والتأمل الواعي ندرك أن هذا النص لا يمكن أن يكون ابن المعتز قد كتب هذا النص في مؤلفه؛ لأن كتاب (قطب السرور) ألفه الرقيق القيرواني، وهذا الرجل كان حيا سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة من الهجرة، وابن المعتز مؤلف كتاب (فصول التماثيل) مات سنة ست وتسعين ومائتين، فكيف ينقل ابن المعتز عن كتاب ألفه صاحبه بعد وفاته بأكثر من قرن من الزمان؟! هذا لا شك أنه تحريف.
وقد يكون التحريف بالنقص كأن يكون هناك سقط ولا يتنبه له الناسخ أو القارئ أو المحقق، فتبدو العبارة محرفة غير واضحة الدلالة، ويبدو السياق مضطربا. ورد في (معجم الأدباء) حين الترجمة لأحمد بن الحسين بديع الزمان الهمذاني قال المؤلف: "ثم أنشد الخوارزمي على هذا النمط، فلما فرغ من إنشاده قال البديع للوزير الرئيس: لو أن رجلا حلف بالطلاق: إني لا أقول شعرا، ثم نظم تلك الأبيات التي قالها الخوارزمي، ولا يقال: نظرت لكذا، ويقال: نظرت
…
"، إلى آخر النص الذي ورد في (معجم الأدباء).
"ولا يقال: نظرت"، هنا اضطراب وخلل واضح نتج عن التحريف الناشئ عن نقص في النص، هذا النقص هو: "هل كنتم تطلقون امرأته عليه؟ فقالت الجماعة: لا يقع بهذا طلاق، ثم قلت: انقد عليّ في ما نظمت، واحكم عليه كما حكمت فأخذ الأبيات، وقال: يقال: نظرت إلى كذا أو نظرت في كذا ولم
أنظر"، بهذا يستقيم السياق وتطمئن العبارة، فلينتبه المحقق إلى مثل هذا الاضطراب، وليتأكد من سلامة العبارة واتصالها قبل أن يحكم بالخطأ على المؤلف أو الناسخ.
وقد تنبه العلماء في القديم إلى خطورة ظاهرة التصحيف والتحريف، انطلاقا من دقتهم وأمانتهم في الحفاظ على النص يقول الزمخشري:"التصحيف قفل ضل مفتاحه، ومن أجل ذلك اصطنعوا وسائل شتى لصون الكلام منه والتغلب عليه"، ومن هذه الوسائل التي لجأ إليها العلماء القدماء لحفظ الكلام وصونه من التصحيف؛ أولا: ضرورة التقييد والضبط والإعجام، والإعجام هو إزالة إبهام الكتابة بالنقط والتشكيل، يقول الأوزاعي:"نور الكتاب إعجامه". ولهم في الضبط طريقتان؛ الأولى: كانوا يضبطون حروف الكلمة بأن توضع الفتحة أو الضمة أو الكسرة على الحرف نفسه، وأمعن بعضهم في الدقة فرسم تحت الحاء حاء صغيرة، وتحت الدال نقطة، وتحت السين المهملة ثلاث نقاط، وفوق الحرف المخفف كلمة خف، وغير ذلك من مصطلحات استخدموها في مخطوطاتهم.
الطريقة الثانية من طرق الضبط: الضبط بالحرف؛ بأن يصف الكاتب حروف الكلمة التي هي مظنة التصحيف، بما يزيل أو يبعد عنها شبهة التصحيف في ضبط كلمة العتب يكتب الكلمة، ثم يقول: بالعين المهملة والتاء الفوقية والباء الموحدة، وبذلك لا يلحق الكلمة تصحيف على الإطلاق. ومن تلك الوسائل الوقائية التي لجأ إليها هؤلاء العلماء لتجنب التصحيف والتحريف: أنهم كانوا يشرحون الكلمة الواضحة الظاهرة لا لخفاء معناها، ولكن لأنها مظنة تصحيف.
مثال ذلك ما جاء في (النهاية في غريب الحديث والأثر) في حديث عمر رضي الله عنه أن امرأة نشزت على زوجها فحبسها في بيت الزبل. قال ابن الأثير: "هو بالكسر السِّرْجِين وبالفتح مصدر زبلت الأرض إذا أصلحتها بالزِّبْل. قال: وإنما ذكرنا هذه اللفظة مع ظهورها؛ لئلا تصحف بغيرها، فإنها بمكان من الاشتباه". كما كانوا يتدخلون أثناء الكلام أو عقبه بتقييد ينفي التصحيف عن الكلمة. مثال ذلك ما ذكره ابن السبكي في ترجمة أبي القاسم بن السمرقندي حيث قال: "قال أبو شجاع عمر البسطامي، أبو القاسم إسناد خراسان كله والعراق"، ثم وضع بين علامتي الاعتراض قوله:"وإسناد بنون"، يعني: مسنده، وواضح أن مظنة تصحيف إسناد هي أستاذ، فوضع بين علامتي اعتراض الكلمة الصحيحة وقال:"بنون".
ولا شك في أن علماء اللغة والأدب مدينون لعلماء الحديث بأصول ذلك المنهج المحكم في القبول والرد والتصحيح والتضعيف، وفي لفت أنظارهم إلى كشف هذه الظاهرة، فيما انتهى إليهم من كلام العرب، وتدوين ما وقعوا عليه من تصحيف، وإفرادهم المؤلفات الخاصة بالتصحيف والتحريف. وهناك كتب تحدث العلماء فيها عن أشكال التصحيف والتحريف. ربما يكون ابن قتيبة الذي توفي سنة ست وسبعين ومائتين للهجرة أول من صنف كتابا برأسه في هذا المجال سماه (تصحيف العلماء) ولكن الكتاب لم يصل إلينا.
ثم جاء من بعده أبو بكر الصولي الذي توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة للهجرة فصنف كتابه واسمه (ما صحف فيه الكوفيون) وهو مفقود أيضا، ثم جاء حمزة بن الحسن الأصفهاني الذي توفي سنة ستين وثلاثمائة، فوضع كتابه الشهير الذي نشر أكثر من مرة بعنوان (التنبيه على حدوث التصحيف)، ومن بعده كتاب
(التنبيهات على أغلاط الرواة) لعلي بن حمزة البصري الذي توفي سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، ثم ألف أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري -الذي توفي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة- كتابين هما كتاب (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف) وطبع محققا، والكتاب الثاني بعنوان (تصحيفات المحدِّثين) ونشر أيضا محققا، وألف معاصره علي بن مردار القطني البغدادي الذي توفي سنة خمس وثمانين كتابا عنوانه (التصحيف) لكنه لم يصلنا بعد.
ومن الكتب التي ألفت في هذا المجال أيضا كتاب (الرد على حمزة في حدوث التصحيف) لكنه مفقود، وهو لإسحاق بن أحمد بن شبيب، كما صنف الخطيب البغدادي الذي توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة كتابه (تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل فيه عن نوادر التصحيف والوهم). ومن الكتب أيضا (التصحيف والتحريف) لعثمان بن عيسى البلطي، وكتاب (صحائف التصحيف ولطائف التحريف) لمحمد بن محمد الأزهري، وكتاب (التطريف في التصحيف) للسيوطي، وكتاب (التنبيه على غلط الجاهل والنبيه) لأحمد بن سليمان بن كمال، وكتاب (التعريف في فن التصحيف) لمحمد بن علي بن طولون الصالحي.
من خلال هذا العرض السريع لتلك المصنفات نستطيع القول: إنهم حاصروا هذه الظاهرة، وقاوموا هذه الآفة العلمية بما يقضي عليها أو يخفف من حدتها، ولم يقفوا عند حد التصحيف الوارد في النص، وإنما لجئوا إلى تأليف الكتب التي تبحث في المؤتلف والمختلف، منها ما هو في أسماء الرجال، وألف في ذلك الدارقطني، وأحمد بن علي الخطيب البغدادي، وابن ماكولا، وابن نقطة الحنبلي، والذهبي وغيرهم كثير، ومنها ما هو في أسماء الشعراء، وقد ألف فيه الحسن بن بشر الآمدي، ومنها ما هو في أسماء القبائل، وقد ألف فيه محمد بن