الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس العشرون
(صنع الفهارس)
التعريف بالفهارس وأنواعها
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فنكمل خطوات إخراج المخطوط، وإعداده للنشر:
صنع الفهارس هو الخطوة الرابعة من خطوات إخراج المخطوط وإعداده للنشر:
وكلمة فهارس جمع: فهرس، وهي كلمة فارسية معربة، وهي تعني الكتاب الذي تجمع فيه أسماء الكتب، واستخدمت بهذا المعنى لدى العرب في القديم؛ فرأينا ابن النديم يؤلف كتابًا سماه (الفهرست)، ثم صارت الكلمة تطلق على السجل الذي يسجل فيه أسماء الكتب، أو عناوين الموضوعات، أو أسماء الأعلام، ويطلق عليها أحيانًا الكشاف، ولا شك في أن صناعة الفهارس عمل شاق يتطلب جلدًا وصبرًا، ومهما بذل المحقق من جهد في تحقيق المخطوط فإن عمله لا يكتمل إلا بصنع الفهارس؛ لأن القصد من نشر المخطوط عموم الفائدة، والفهارس هي مفاتيح الحقائق الكامنة بين دفتي الكتاب عن طريقها يستطيع الباحث الوصول إلى المعلومة بسهولة وسرعة، وبدونها يحتاج القارئ إلى وقت طويل وجهد كبير للوصول إلى المعلومة، وقد لا يصل إليها، وقد أصبحنا الآن في زمن يتطلب اختزال الوقت، وتوظيف كل دقيقة فيما يفيد، حتى نساير ركب التقدم والرقي في شتى المجالات، وقد عرف العرب نظام الفهرسة قديمًا، وتعد كتب التراجم والبلدان والمعاجم دليلًا على ذلك.
أما المستشرقون فقد توسعوا في هذا المجال توسعًا واضحًا، وتنوعت أنواع الفهارس لديهم لتشمل الأعلام، والبلدان، والشعر، والأيام، والأمثال، وتبعهم الباحثون والمؤلفون العرب في ذلك، وزادوا عليهم كثيرًا، وبذلوا جهودًا
محمودة في صنعها رغبة منهم في تقديم وتيسير كل طريق يفيد العلم والحضارة، وتتعدد أنواع الفهارس، وأهمها: فهارس الموضوعات، فهارس الآيات القرآنية، فهارس الحديث والأثر، فهارس الأمثال والحكم وأقوال العرب، فهارس اللغة، فهارس القوافي، فهارس الأعلام والأمم والقبائل والأماكن والبلدان
…
إلى آخر هذه الأنواع.
ونبدأ بفهرس الموضوعات، ويستحسن أن يكون هذا الفهرس مفصلًا، تظهر فيه جميع الجزئيات التي عالجها المؤلف في مخطوطه، ويكون ترتيبها بنفس الترتيب الوارد داخل المخطوط المحقق، إلا إذا رأى المحقق مبررًا لتغيير هذا الترتيب فله أن يغيره شريطة أن ينبه إلى ذلك، ويذكر في التنبيه المبرر الذي دعاه إلى التغيير، وقد رأينا شيخنا محمد عبد الخالق عضيمة -يرحمه الله تعالى- يرتب فهرست كتاب (المقتضب) لأبي العباس المبرد على حسب ترتيب أبواب ألفية ابن مالك؛ لشهرة هذا الترتيب عند دارسي النحو العربي، وخالف بذلك ترتيب الموضوعات الواردة في الكتاب، لكنه أشار إلى المبرر.
أما الآيات القرآنية فهناك طرق لترتيبها في فهارسها؛ فالبعض يرتبها في سورها، ثم ترتب السور حسب ورودها في المصحف الشريف، والبعض يرتبها على حسب ورودها في النص المحقق، وبعضهم يرتب السور على حسب حروف الهجاء، وقد اهتدى العلامة المحقق الأستاذ عبد السلام هارون إلى طريقة جديدة في ترتيبها، وعدها ميسرة للتهدي إلى الآيات الواردة بالكتاب المحقق، قام بترتيبها في نطاق المواد اللغوية، واعتمد على الكلمات البارزة في الآية؛ فمثلًا إذا أراد أن يفهرس لقول الله سبحانه وتعالى:{وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} (طه: 18)، وضعها تحت مادة أرب، أو قوله مثلًا:{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} (المزَّمل: 8) فوضعه تحت مادة بتل،
وقوله عز وجل: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} (المدَّثر: 4) يضع فهرسة هذه الآية تحت مادة ثوب، وهكذا، ثم يضع اسم السورة ورقم الآية عقب الآية مباشرة، وللباحث المحقق أن يختار، المهم أن ييسر الطريق للقارئ لكي يحصل على مكان الآية في صلب الكتاب، أو في المتن المحقق.
وأما الأحاديث النبوية الشريفة؛ فمن الممكن أن يتم ترتيبها على حسب أول حرف في أول كلمة وردت فيها، ويمكن أن تفهرس كل كلمة فيها في فهرس عام يشبه (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف)، ويمكن أن تفهرس بترتيبها لغويًّا على حسب أبرز كلمة فيها، وتتبع هذه الطريقة في فهرسة الأمثال والحكم وأقوال العرب.
وأما فهرسة الأشعار فإنها ترتب ترتيبًا هجائيًّا على حسب القوافي من الهمزة إلى الياء، وتوضع الألف اللينة في آخرها، ثم ترتب كل قافية على أربعة أقسام: الساكنة، ثم المفتوحة، ثم المضمومة، ثم المكسورة، ويضاف إلى آخر كل قسم من هذه الأقسام ما يمكن أن يختم بالهاء الساكنة في القوافي، ثم المضمومة، ثم المفتوحة، ثم المكسورة، وبعضهم يرتبها على حسب البحور الستة عشر، وهناك ترتيب ثالث يعتمد على صاحب الشعر في ترتيب الأبيات، يعني يذكر اسم الشاعر، ثم يأتي بالأبيات، وفي جميع هذه الحالات التي ذكرت ترتب الصفحات في كل قافية على حدة، ويستحسن أن تذكر الكلمة الأخيرة من كل بيت مع وزن البيت، وأحيانًا يذكر اسم الشاعر، وبعض المحققين يذكر الكلمة الأولى إذا تشابه بيتان من وزن واحد في الكلمة الأخيرة.
وإذا ذكر في النص المحقق صدر بيت، أو عجز بيت، أو قطعة منه، وعرف المحقق تكملة هذا البيت وجب وضعه في فهرس القوافي مع وضع علامة بجوار كلمة
الروي، كأن يضع مثلًا نجمة للدلالة على جهد المحقق في إتمام البيت، ولا يوضع مثل هذا في أنصاف الأبيات في الفهرس إلا إذا عجز المحقق عن الاهتداء إلى تتمته، فعليه أن يضع البيت في أنصاف الأبيات، وإذا ورد بيت غير منسوب في الأصل، واستطاع المحقق نسبته إلى صاحبه بالرجوع إلى المصادر المختلفة؛ فيوضع اسم الشاعر في فهرس القوافي بين قوسين للدلالة على أنه كان بلا نسبة في الأصل، ويستحسن ألا يفصل الرجز عن القصيد في فهرس الشعر، فكثير من القراء لا يفرق بين الرجز والقصيد، ويمزج بينهما، ومن ثم فيضطر إلى مراجعة نوعين من الفهارس في حرف معين بدلًا من مراجعة فهرس واحد، وفي هذا إرهاق وضياع للوقت.
ويا حبذا لو أن المحقق فهرس كل بيت ورد في الكتاب المحقق، ولم يكتف بفهرس البيت الأول من المقطوعة أو القصيدة التي أوردها المؤلف؛ فقد يكون المؤلف أورد عدة أبيات من قصيدة ما، فيأتي بعض المحققين ويفهرس البيت الأول فقط، ويستحسن أن يفهرس كل بيت، ويتبع نظام القافية على حسب الحروف الهجائية، فربما يبحث القارئ عن البيت الثاني أو الثالث مثلًا في المقطوعة، والمحقق فهرس البيت الأول فقط، وبعد بحث طويل لا يجد مثل هذا البيت؛ لأنه لا يوجد في الفهرس، وهذه حقيقة، ولكن لو أنه فهرس كل بيت على حسب القوافي فإنه يسهل بذلك الرجوع إلى البيت نفسه ومعرفة صفحته.
أما فهرسة الأعلام فنرى بعض المحققين يستبعدون الشعراء، ويجعلونهم في فهرس مستقل خاص بهم، والبعض الآخر يدرجهم ضمن الأعلام، ولا ضير في الطريقتين، وفي فهرسة الأعلام تستبعد الألف واللام التي للتعريف، فالعباس مثلًا يذكر تحت حرف العين، واليزيدي يذكر تحت حرف الياء، أما الأسماء
المبدوءة بـ أبو أو ابن أو أم فيمكن إسقاط هذه الثلاثة من الاسم عند الترتيب؛ فأبو عمرو بن العلاء مثلًا يذكر في حرف العين، ابن جني يذكر في حرف الجيم، وهكذا، ويمكن أن توضع هذه الأسماء في ترتيب الهمزة شريطة أن تتبع طريقة واحدة، ويشار إليها في مقدمة الفهارس العامة، وإذا ورد العلم في النص المحقق باسمه مرة ومرة أخرى بكنيته أو لقبه فتحول أرقام كل -مِن الكنى والألقاب- عند الفهرسة إلى الاسم الظاهر، قل: انظر اسم كذا، أو العلم كذا؛ لأنه هو المعتمد في الترتيب، وأما الكنى والألقاب التي لم يرد لها اسم ترد إليه فتوضع كما هي في ترتيبها، ومثل هذا الذي أشرت إليه في فهرسة الأعلام يمكن أن يستخدمه المحقق عند ترتيب القبائل والبلدان حين فهرستها.
وقد يجد الباحث بعض الصعوبات التي تحتاج إلى إعمال فكر وهو يقوم بالفهرسة، وحينئذٍ عليه أن يجتهد، عليه أن يتحرر من إسار التقليد إن كان من هؤلاء الذين تلك صفتهم، وعليه أيضًا أن يجد حلًّا لما صادفه من صعوبات ما دام عمله يلتزم منهجًا واضحًا محددًا، وفي حدود الدقة المطلوبة في مثل هذا، فهذه الآراء التي أشرت إليها ليست قوانين مقدسة، ولكنها وجهات نظر لك أن تأخذ بها، ولك أن تتركها إذا ما كان عندك البديل الصالح لمثل هذا. أما فهرسة المراجع والمصادر؛ فهي نوعان: مصادر استمد منها المؤلف مادة علمية داخل المخطوط، أو مصادر ورد ذكرها على سبيل التنبيه، هذه تجمع وترتب على حسب الاسم الذي وردت به داخل المخطوط، مع الإشارة إلى أسماء مؤلفيها، وإن كان هناك تغيير أو تبديل في اسم المصدر يشار إليه، وترتب ترتيبًا أبجديًّا.
النوع الثاني من المراجع والمصادر وهي التي استعان بها المحقق عند التحقيق والتوثيق، وترتب هذه المراجع والمصادر بنفس الطريقة التي أشرت إليها عند