المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خطوات البحث العلمي: اختيار موضوع البحث - أصول البحث الأدبي ومصادره - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 مقدمة في أصول البحث الأدبي ومصادره

- ‌كلمة "بحث": معناها، ودلالتها

- ‌العرب والثروة الأدبية

- ‌الطرق التي ساعدت العرب على حفظ تراثهم

- ‌الدرس: 2 العرب والبحث العلمي - مناهج التأليف عند العرب (1)

- ‌هل كان العرب مجرد مبدعين أم أنهم عرفوا طريق البحث العلمي

- ‌أدوات البحث العلمي عند العرب

- ‌اتجاهات التأليف عند العرب "اتجاه الاختيارات الأدبية المجرد

- ‌الدرس: 3 مناهج التأليف عند العرب (2)

- ‌بعض المصادر التي تمثل اتجاه الاختيارات المجردة

- ‌الاتجاه الثاني "اتجاه أصحاب الطبقات والتراجم

- ‌الدرس: 4 مناهج التأليف عند العرب (3)

- ‌كتاب (الشعر والشعراء) كنموذج على اتجاه الطبقات والتراجم

- ‌الاتجاه الثالث: "اتجاه الدراسة الأدبية والنقدية

- ‌الدرس: 5 مناهج التأليف عند العرب (4)

- ‌الاتجاه الرابع "الموسوعات العلمية

- ‌الصور التي جاءت عليها الموسوعات، ونماذج لها

- ‌الدرس: 6 مناهج البحث الأدبي في العصر الحديث

- ‌حقيقة المنهج وأهميته في مجال البحث العلمي

- ‌نشأة المناهج العلمية وتطورها

- ‌الدرس: 7 المنهج التاريخي

- ‌المنهج التاريخي: مفهومه، ونشأته، ومقياس الجودة عند أصحابه

- ‌قيمة المنهج التاريخي في مجال البحث الأدبي

- ‌الدرس: 8 المنهج النفسي

- ‌صلة الأدب بالنفس

- ‌حقيقة المنهج النفسي، وعلاقة النفس بالأدب

- ‌نشأة المنهج النفسي، وتطوره في العصر الحديث

- ‌مقياس الجودة الفنية عند أصحاب المنهج النفسي، وقيمته

- ‌المآخذ على المنهج النفسي

- ‌الدرس: 9 نظرية الفلسفة الجمالية وعلاقتها بالدراسات الأدبية

- ‌نظرية الفلسفة الجمالية وقيمتها في مجال البحث الأدبي

- ‌رؤية العربي لفكرة الجمال الأدبي

- ‌الدرس: 10 المنهج المتكامل وقيمته في مجال البحث الأدبي الحديث

- ‌أهم المناهج البحثية: المنهج المتكامل

- ‌ملاحظات لمن يريد استخدام المنهج المتكامل، وبيان قيمته

- ‌الدرس: 11 خطوات البحث الأدبي (1)

- ‌مادة البحث الأدبي

- ‌خطوات البحث العلمي: اختيار موضوع البحث

- ‌الدرس: 12 خطوات البحث الأدبي (2)

- ‌رسم الخطة

- ‌تحديد المصادر والمراجع

- ‌الدرس: 13 خطوات البحث الأدبي (3)

- ‌استقراء المصادر والمراجع

- ‌كيفية استخدام القدماء والمحدثين للمصادر

- ‌الدرس: 14 خطوات البحث الأدبي (4)

- ‌صياغة البحث

- ‌مراعاة قواعد الكتابة العربية في صياغة البحث

- ‌الدرس: 15 مفهوم التحقيق والتوثيق وشروط المحقق

- ‌(مفهوم التحقيق والتوثيق

- ‌شروط المحقق

- ‌الدرس: 16 كيف نحقق نصا أو مخطوطا

- ‌جمع النُسخ، وترتيبها

- ‌تحقيق العنوان، واسم المؤلف، ونسبة الكتاب

- ‌الدرس: 17 تحقيق متن المخطوط

- ‌مقدمات الدخول إلى النص

- ‌الخطأ وكيفية علاجه

- ‌الدرس: 18 الخروم والسقط، والتصحيف والتحريف

- ‌(الخروم والسقط

- ‌التصحيف والتحريف

- ‌أسباب انتشار ظاهرة التصحيف والتحريف

- ‌الدرس: 19 تخريج النصوص وإخراج المخطوط

- ‌(تخريج النصوص

- ‌عملية إخراج المخطوط

- ‌الدرس: 20 صنع الفهارس

- ‌التعريف بالفهارس وأنواعها

- ‌كيفية صناعة الفهارس

- ‌فهرسة المخطوطات

الفصل: ‌خطوات البحث العلمي: اختيار موضوع البحث

بدقة؛ حتى يصل إلى نتائج دقيقة، وهذه الأسس هي بعبارة عن عدة خطوات نجملها، ثم نعود إليها بالتفصيل:

أولًا: اختيار موضوع البحث.

ثانيًا: رسم خطة مفصلة للبحث تحدد عناصره، وتوضح أبوابه، وفصوله، ومباحثه التي يتكون منها.

ثالثًا: التعرف على المصادر، والمراجع التي يستعين بها الباحث.

رابعًا: استقراء تلك المصادر والمراجع؛ لاستنباط المادة العلمية المتصلة ببحثه منها وجمعها وتدوينها.

خامسًا: صياغة البحث، أي: إخراجه في صورته الأخيرة.

هذه خطوات خمس يلتزمها الباحث بنفس الترتيب الذي ذكرته، لا يقدم خطوة على أخرى، ولا يؤخر خطوة عن مكانها الذي ينبغي أن تكون فيه؛ لأنها مترتبة على بعضها البعض كما سنرى الآن، وسوف نقف عند خطوة من هذه الخطوات وقفة توضيحية.

‌خطوات البحث العلمي: اختيار موضوع البحث

الخطوة الأولى من خطوات البحث العلمي هي اختيار موضوع البحث: في الحقيقة يمثل مشكلة من المشكلات التي تواجه المشتغلين بالبحوث العلمية في كل مكان، ليس في مجال الأدب فحسب، لكن في جميع مجالات البحث العلمي؛ لأن طبيعة البحث العلمي تقتضي الجدة والابتكار -كما أشرت إلى ذلك آنفًا، ونحن نتحدث عن مدلول كلمة بحث. البحث العلمي يقتضي

ص: 198

الجدة والابتكار، ولا يقبل التكرار؛ فالباحثون في حاجة من أجل هذا الابتكار وتلك الجدة إلى الإلمام التام بكل ما كتب حول الموضوع الذي سيدرسونه، ورصد آخر ما وصل إليه التطور العلمي في مجال من المجالات البحثية. لا يمكن لباحث جاد يعرف طبيعة البحث العلمي أن يقبل على البحث إلا إذا فعل ذلك، يرصد آخر ما وصل إليه التطور العلمي في مجال بحثه، ويستقرئ جميع الكتابات التي كتبت حول موضوعه، ويبدأ من حيث انتهى الباحثون قبله، يفعل الباحث ذلك؛ لكي يستطيع أن يدرس موضوعه، ولا يأتي تكرارًا لبحث آخر سبقه في مكان ما. فاختيار موضوع البحث من أصعب ما يواجه الباحث، فإذا وفق الباحث في اختيار موضوع تحققت فيه مقاييس الجودة، وناسب ثقافته، ولائم ميوله النفسية فإن ذلك يمثل نصف البحث.

ومن ثم، ينبغي للباحث الفطن أن يحسن اختيار موضوعه، ويحدده تحديدًا دقيقًا، ويعرف أبعاد المشكلة التي سيعالجها قبل المضي في بحثه، قبل أن يكتب أو يقرأ سطرًا واحدًا عليه أن يحدد الموضوع تحديدًا دقيقًا، ويعرف أبعاد المشكلة التي يفترضها، والتي ينبغي أن يعالجها قبل المضي في بحثه. وتتوقف جودة الموضوع أو رداءته على فطنة الباحث من ناحية، وعمق ثقافته من ناحية أخرى، فكلما كان الباحث فطنًا ذا ثقافة واسعة ملمًا بالعلوم الأدبية والنقدية، وما يتصل بهما إلمامًا تامًا كان التوفيق حليفه في اختيار موضوع بحثه؛ لأن ثقافة الباحث تمكنه من إدراك جوانب النقص في مجال الدراسات الأدبية والنقدية التي هي مجال بحثه، أما فطنته فتجعله قادرًا على تمييز الموضوع الجيد من غيره.

كما ينبغي أيضًا أن تتحقق ملكة الذوق لدى الباحث في الأدب، بمعنى: أن يكون عنده قدر من التذوق الفني، وأن يكون قادرًا على فهم النصوص وتحليلها؛

ص: 199

حتى يستطيع استنباط ما فيها من قيم فنية وجمالية وفكرية مختلفة، وأن يكون ملمًا بالحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها؛ حتى يستطيع توجيه النص توجيهًا صحيحًا، وتحديد اتجاه الأديب تحديدًا دقيقًا ولا يجنح إلى التأويل والافتراض القائم على الظن، ولا بد أن يكون الباحث أيضًا ملمًّا بفنون الأدب وقضايا النقد، ومناهج البحث فيهما مدركًا لشتى الاتجاهات والمذاهب الأدبية والنقدية الحديثة؛ لأن ذلك يمكنه من وضع النص وصاحبه في المكان الصحيح. ولا شك في أن ذلك كله وغيره مما ذكرنا يؤثر في اختيار الموضوع، فلو كان هناك باحث لا يملك الاستعداد لتذوق الفن الأدبي فكيف يتعامل مع النص، لا بد أن يتعرض له، كيف يتعامل مع النص وهو ليس عنده قدر من التذوق الفني له؟ كيف يطبق المناهج البحثية التي أشرنا إليها سابقًا من خلال تعامله مع النص وهو لا يستطيع أن يتذوقه؟ كيف يصدر حكمًا على شيء لا يستطيع تذوق ما فيه من قيم جمالية وغيرها؟ هذا بالنسبة للتذوق الذي اشترطناه في الباحث.

أما بالنسبة لإمامه بفنون الأدب، أو بالحياة الثقافية أو بالاتجاهات والمذاهب الأدبية في عصر ما، فكيف يتأتى لباحث غير ملم بفنون الأدب بالحياة الثقافية، أو بالاتجاهات والمذاهب الأدبية في عصر ما لمثل هذا الباحث أن يعالج مشكلة في فنون الأدب؟ أو يعالج قضية أدبية لها علاقة بالحياة الثقافية، أو يتحدث عن مذهب أدبي في عصر من العصور، لا يمكنه ذلك بحال من الأحوال. وبالتالي، لا يمكنه اختيار موضوع يتصل بهذه الجوانب. من أجل ذلك، اشترطنا هذه الشروط في الباحث الأدبي. وينبغي للباحث أن يختار موضوعه بنفسه عن طريق الاطلاع الواسع المدقق، والدراسة المتعمقة المتأنية، والوقوف على دراسات السابقين وبحوثهم. فكثيرًا ما يجد الباحث في القراءة ميادين متعددة، قد تكون بعيدة عن اهتماماته لكنها تساعده بطريقة ما في الاستبصار بموضعه الذي سيبحث فيه، ومن خلال القراءة والتقصي يعثر الباحث على مشكلة ما، أو قضية من القضايا، أو ظاهرة

ص: 200

من الظواهر الأدبية التي تثير اهتمامه فيسعى إلى تحديدها وحصرها؛ ليبدأ من حيث انتهى الباحثون الآخرون فيها.

كل هذا يأتي عن طريق الاطلاع، والدراسة، والاستقصاء؛ فتحديد نقطة البداية مهم جدًّا، نقطة البداية هذه تسمى: بمرحلة التوثيق العلمي الذي يتم من خلاله الوقوع على الموضوع والاقتناع به، ويتم ذلك من خلال الاطلاع الواسع على كل ما كتب حول موضوع ما؛ إذ ليس من المعقول أن يقدم الباحث على موضوع من الموضوعات، أو قضية من القضايا الأدبية دون التعرف على ما كتب حولها، أو ما توصل إليه الباحثون الذين تناولوها بصورة مباشرة، أو غير مباشرة. هذا لا يمكن على الإطلاق أن يقبل، بل لا بد أن يقرأ الباحث كل ما كتب حول موضوعه، ويتعرف على ما توصل إليه الباحثون.

إن التريث والصبر في اختيار موضوع البحث، واعتماد الباحث على نفسه في اختياره يزيد من مدى فهمه لمشكلته، ويسهل عليه المضي في بحثه بشكل جيد، ويمكنه من تحديد أهدافه، ووضع خطته، وصياغة فرضياته، ثم في النهاية التوصل إلى نتائج تتسم بالدقة والمصداقية. وقد ثبت بالتجربة أن الباحث الذي يختار موضوعه بنفسه، ويتعايش معه، وينشأ لون من الألفة بينهما يكون هذا الباحث أسرع إنجازًا، وأصدق حكما من الباحث الذي يأخذ موضوعًا معدًّا أي: جاهزًا يفرض عليه من قبل غيره كأساتذته، أو زملائه، أو أي أحد سواه.

ومن صفات الباحث الجيد أيضًا: الاستقلالية في الفكر والرأي، واختيار الباحث موضوعه بنفسه منذ البداية يربي في نفسه تلك الاستقلالية التي نشهدها في الباحثين الجادين. أما إذا اعتمد على غيره فإنه يفقد هذه الصفة المهمة، ويظل عالة على غيره دائمًا، وقد شبه الدكتور شوقي ضيف -يرحمه الله- تلك الفئة

ص: 201

من الباحثين الذين يعتمدون على غيرهم شبههم تشبيهًا له دلالات شبههم بالنباتات التي تتسلق الأشجار الشامخة، فقال: ومن أخطر الأشياء أن يبدأ الباحث حياته عالة على غيره من الباحثين الذين سبقوه؛ فإن ذلك يصبح خاصة من خواص بحوثه، ولا يستطيع فيما بعد أن يتحول باحثًا بالمعنى الدقيق لكلمة باحث، فوجوده دائمًا تابع لوجود غيره كوجود النباتات المتسلقة على الأشجار الشامخة، هذه حقيقة، وهذا واقع، فكم من باحث كان بهذا الشكل رأيناه بعد أن ينتهي من بحثه لكن بعدما ينتهي من بحثه يتوقف، وإن تقدم خطوة واحدة، فإنه يكون أيضًا عالة على غيره فيها، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يبتكر، أو يجدد، أو يأتي بشيء جديد في مجاله.

ماذا يفعل الباحث إن عجز عن اختيار موضوعه؟ إن عجز الباحث عن اختيار موضوعه بنفسه، فإن ذلك دليل ضعفه أولًا، وبرهان على كسل فكره، وإشارة إلى أنه يستمرئ الاعتماد على غيره وهذا يضره، ولا يفيده في مستقبل أيامه، فماذا يفعل؟ إنه قرأ واستقصى، وعاد النظر في كتب الأدب التي تتصل بالشمول والعمق، واطلع على دوائر المعارف المختلفة، والمصادر القديمة وغير ذلك من الطرق التي يمكنه من خلاله استنباط مشكلة بحثية، يبحث فيها فعل كل هذا، لكنه لم يصل إلى موضوع ما، إذا عجز عن اختيار الموضوع، ولم يتمكن من ذلك فلا مانع من الاستعانة بغيره كالأساتذة المتخصصين أو غيرهم من الباحثين؛ لأن نظرتهم تكون أكثر إحاطة، وأشد عمقًا، والاستعانة بالغير في اختيار الموضوع لها حدود ينبغي أن نفهما فهمًا جيدًا، ويجب ألا يتجاوزها الباحث، وإلا كانت آثارها سلبية. فينبغي ألا تخرج هذه الاستعانة عن مجرد الإضاءة أو الإرشاد، الأستاذ يضيء لك الطريق، يرشدك، وفي النهاية تكون أنت الذي اخترت موضوعك.

ص: 202

فأحيانًا يأتي أحد الباحثين، ويطلب منا أن نختار له موضوعًا لبحثه، وهذا ما يسمى بالموضوع الجاهز، فهب أن الأستاذ قال له: اكتب مثلًا عن الخوف في شعر المتنبي، وكان ذلك الباحث غير ملم بفن المتنبي وشعره، وحياته، وسماته الشخصية والخلقية. نفرض أن الباحث لم يكن يعلم شيئًا عن ذلك الشعر إطلاقًا، أو لا يقبل بنفس راضية عن الشعر العباسي مثلًا في نفسه شيء من الشعر العباسي، والمتنبي فحل من فحول شعراء العباسيين. هل يمكن أن يتقدم مثل ذلك الباحث في بحثه خطوة واحدة؟ لا يمكن، وإن تقدم فلن يصل إلى نتائج صحيحة. الطريقة المثلى في مثل هذا الموقف لا أرفض أن أساعدهم، ولكن يأتيني الباحث، ويطلب مني مساعدته في اختيار الموضوع، فأسأله إلى أي العصور تميل يا بني، أو في أي عصر تقرأ أنت الآن؟ فيقول مثلًا: أقرأ في الشعر العباسي. فأقول له: هل قرأت المتنبي؟ فيقول: نعم أو لا. فأطلب منه أن يقرأ حياة المتنبي وفنه بتأن، وأقول له: وأنت تقرأ حاول اكتشاف شخصية ملامح ذلك الرجل من خلال فنه الشعري، ثم أطلب منه تسجيل أبرز الصفات النفسية ظهورًا في شعره. أقول له: وأنت تقرأ حاول أن تقع على بعض الملامح النفسية لهذا الشاعر، فإذا كان الباحث نجيبًا فطنًا وقع على الموضوع بنفسه، الموضوع الذي هو ظاهرة الخوف في شعر المتنبي؛ لأنها واضحة، وإن لم يستطيع ذلك نفرض أنه قرأ المتبني، ولم يصل إلى تلك الظاهرة نفرض أرشده إلى أول الخيط فأقول له: يا بني إن المتنبي كان يتصف بالإباء والشجاعة أليس كذلك؟ فيجيب: بلى؛ لأن هذه ظاهرة لا تنكر. فأقول له: ألا ترى في شعره ما يخالف هذه الظاهرة؟ وبذلك أكون قد حصرت دائرة الإطلاع في جانب واحد، وهو جانب الشجاعة ونقيضها فيذهب الباحث مرة أخرى إلى ديوان المتنبي ويعيد القراءة من جديد، يعيد الباحث النظر من جديد هذه قضية

ص: 203

تناقضية جانب الشجاعة ونقيضها، ولا بد أنه سيهتدي للموضوع بنفسه في النهاية، إن أجاد القراءة وأحسن التأمل. أما إن لم يجد القراءة ولم يحسن التأمل فلا ينبغي أن يكون باحثًا. هكذا ينبغي أن يكون دور المرشد، وهذا نموذج لما يمكن أن يحدث، وينبغي للطالب أن يقف عند هذا الحدود، الإرشاد، والتوجيه نحو القراءة حول قضية عامة، وتركه يسجل ملاحظاته، وما يظهر له من موضوعات.

لدينا كثير من الطرق التي يمكن أن نوجه الباحث ونفيده من خلالها، وندفعه للقراءة، والتعرف على موضوعه بنفسه. هناك طرق كثيرة جدًا لكن في النهاية لا ينبغي أن يفرض موضوع على الباحث فرضًا، وهذا ما نسميه في مجال البحث العلمي: بالموضوع الجاهز؛ لأن الباحث لا يقبل عليه بنفس راضية، وإن أقبل فإنه لا يعرف حدوده؛ لأنه لم يختر منذ البداية.

موضوعات البحث الأدبي ما هي؟ هل البحث الأدبي له موضوعات يصلح فيها وموضوعات أخرى لا؟ لا، إطلاقًا تتنوع موضوعات البحث الأدبي تنوعًا كبيرًا، فقد يكون الموضوع دراسة شخصية أدبية دراسة عامة، وقد يكون الموضوع دراسة جانب من جوانب هذه الشخصية، وقد يكون الموضوع موضوعًا من موضوعات الأدب أو قضية من قضاياه، وقد يكون اتجاهًا نقديا، أو تأريخًا للأدب في فترة زمنية محددة أو إقليم من الأقاليم مثلًا، وقد يكون الموضوع موازنة بين نصين أو شخصيتين أو فنين إلى آخر هذه الموضوعات التي لا حصر لها، وفي النهاية هي كلها مستمدة من أين؟ من الأدب أو الأدباء أنفسهم لا تخرج عن هذين الإطارين.

ص: 204

هناك أمور أيها الباحث ينبغي أن تراعى عند اختيار موضوع البحث؛ حتى يكون الموضوع صالحًا للبحث، وحتى تتمكن من إنجازه والوصول إلى نتائج دقيقة.

أهم هذه الأمور: أولًا: أن يكون الموضوع في مقدور الباحث واستطاعته، وأن يوافق ميوله واستعداده الفكري والثقافي والمادي والزماني، هذه أمور مهمة قد يظنها بعض الباحثين أنها أشياء ثانوية، لكنها من الأهمية بمكان لا بد أن تراعي الميول النفسية، والاستعداد الفكري، والثقافي والمادي والزمني؛ حتى تستطيع النهوض ببحثك، فلا يصح أن يختار الباحث موضوعًا في النقد الأدبي مثلًا، وهو لا يميل إلى الدراسات النقدية، ولا يجيد التعامل مع النصوص الأدبية. الباحث الذي يتناول قضية نقدية هو ناقد في المقام الأول، فكيف يكون ناقدًا وهو لا يستطيع التعامل مع النص الأدبي، ولا يجيد ذلك، كيف يكون باحثًا نقديا؟ من الممكن أن يختار الباحث موضوعًا في النثر مثلًا وهو لم يقرأ عن النثر الفني ولم يعرف خصائصه ولكن ميوله تميل إلى الشعر أو النقد مثلًا إنه إذا اختار موضوعًا بهذا الشكل فإنه لا ينجز فيه، ولن يتقدم خطوة واحدة، أو يختار موضوعًا في الأدب المقارن مثلًا، وهو لا يجيد إحدى اللغات الأجنبية كيف ينجز بحثه؟ لا أعتقد ذلك على الإطلاق. كما ينبغي أن يراعي الوقت المحدد لإنجاز بحثه، هناك بحوث يقدمها طلاب الإجازة العالية وقتها لا يتجاوز عدة أشهر فلا تصلح لها إلا الموضوعات القصيرة غير المتشعبة، يعني: يكفي أن يكتب الطالب عن قصيدة من القصائد أو عن فن شعري لدى شاعر من الشعراء.

ص: 205

هناك بحوث أخرى يكتبها طلاب الدراسات العليا في المرحلة التمهيدية هم أكثر نضجًا، ولديهم من الوقت فترة زمنية أطول من وقت طلاب الإجازة العالية. فلا مانع من أن نتوسع في الموضوع بعض الشيء مع التعمق أكثر في اختيار الفكرة.

هناك بحوث تقدم لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه، الباحث حينئذ يكون قد اكتمل نضجه، وتكونت لديه ملكات البحث العلمي، وله مطلق الحرية في الكتابة، الوقت أمامه متسع. هكذا يختار من الموضوعات ما يتفق مع الوقت، يختار الموضوع ويحدد أبعاده في إطار هذه الفترة الزمنية الممتدة. نرى أن لكل بحثًا وقت محدد تفرضه طبيعة البحث وظروف الباحث، ولا بد من وضع ذلك في الاعتبار عند اختيار الموضوع، لا بد نحدد الوقت سأنجز بحثي في سنة، سنتين، سنة ونصف، ويختار الموضوع الذي يتناسب مع هذا الوقت. وهناك بحوث تتطلب من الباحث الانتقال من مكان لمكان آخر، ومن بلد إلى بلد آخر كأن يقوم الباحث بدراسة ميدانية مثلًا حول ظاهرة فنية في بيئة معينة، وقد يختار موضوع لا تتوافر مصادره إلا في بلد أجنبي، ولا يمكنه الحصول عليها إلا بالانتقال إلى هذا البلد، هذا يحتاج منه إلى جهد مادي ومعنوي، وأعباء نفسية وثقافية خاصة، قد لا يملكها ذلك الباحث، أو لا تتوفر لديه كل هذه الإمكانات. هل يصلح أن يأخذ بحثًا بهذا الشكل؟ لا، لابد أن يراعي هذا عند اختيار الموضوع؛ حتى لا يتعثر، لا يأتي في منتصف الطريق ويقف، ويكون الوقت قد فلت من بين يديه دون أن يصل إلى نتيجة، أو يتقدم خطوة واحدة.

الأمر الثاني الذي ينبغي مراعاته عند اختيار الموضوع: أن يكون الموضوع مفيدًا نافعًا يستحق ما سيبذل فيه الباحث من جهد، وما يلاقيه في سبيله من تعب ومشقة، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان الموضوع المختار يضيف جديدًا إلى الحياة العلمية، الإفادة والنفع من أين نحتسبها، أو كيف نقيسها؟ لا بد أن يكون أمام الباحث قضية تضيف

ص: 206

هذه القضية جديدا إلى الحياة العلمية والأدبية، ولم يكن قد سبقه أحد إلى دراسته وأن تتحقق فيه الجدة والطرافة، الجدة والطرافة تشمل الابتكار والافتراض الصحيح، الشرح الغامض، إتمام الناقص، اختصار المبسوط دون إخلال بالمعنى، ثم ترتيب المادة العلمية ترتيبًا جيدًا وجديدًا. وعلى الباحث أن يتأكد من ذلك بنفسه فيقوم بمراجعة مكتبات الماجستير والدكتوراه على مستوى الأقسام العلمية المتناظرة، ولا يترك الأمر للإداريين كما يفعل بعض الباحثين، كما ينبغي ألا ينظر إلى التقاء العناوين دون تأمل المادة العلمية داخل البحث. كثير من الباحثين يذهب ويبحث عن عنوان يتفق مع عنوانه، فقد يختلف العنوان، ولكن الموضوع يدرس تحت عنوان آخر أو كجزئية أو كقضية ضمن قضايا عدة، والباحث لم يطلع على صلب الرسالة أو البحث لكنه طابق العناوين على العنوان الذي اختاره، وقال: إنه لم يكتب فيه شيء. هذا من الخطأ الواضح البين الذي إن دل فإنما يدل على كسل الباحث.

الأمر الثالث الذي يجب مراعاته عند اختيار الموضوع: أن يتحرى الباحث الدقة في اختيار موضوعه، وأعني بذلك: تحديد الموضوع تحديدًا دقيقًا في شتى جوانبه فربما راق فن الوصف مثلًا بعض الباحثين في الشعر العربي، وأراد أن يكتب فيه بحثًا، وجعل عنوان بحثه الوصف في الشعر الجاهلي، عنوان جذاب فلا يصح هذا بحال من الأحوال؛ لأن الموضوع بهذا الشكل فيه اتساع وشمول، فالعربي لم يترك شيئًا وقعت عليه عيناه إلا وتناوله بالوصف، وصف الجبال، والوهاد، والحيوان، والنبات، والرعد، والبرق، والسحاب، والمطر، ولكل شاعر طريقة خاصة في هذا الفن فن الوصف، فوصف عنترة في الخيل مثلًا غير وصف أبي دؤاد الإيادي، ووصف زهير للحرب غير وصف النابغة مثلًا، وهكذا فماذا يكتب الباحث في هذا الموضوع، إنه صنع خرقًا لا يمكن رتقه عندما اختار

ص: 207

موضوعًا بهذه الصفة من الشمول والاتساع، ولا بد من التحديد حينئذ كأن يحصر الوصف مثلًا في شيء محدد، فيقول: وصف الليل أو وصف الخيل، أو وصف الرعد والبرق أو يقصره على شاعر واحد، فيقول: فن الوصف في شعر امرئ القيس، أو يتناول فن الوصف من خلال عدة قصائد مشهورة كالمعلقات، يقول: وصف كذا في المعلقات.

والحقيقة، أننا نصادف بحوثًا كثيرة على هذه الشاكلة، ونرى أصحابها كالغرقى في يم غابت شواطئه، وكانت النتيجة أن جاءت تلك البحوث سطحية التناول والدرس، لا عمق فيها، اعتمد فيها صاحبها على مجرد الوصف، ولم يصل إلى نتائج دقيقة، ومثل هذه البحوث لا ترقى إلى مستوى البحث العلمي الجاد بحال من الأحوال. فانتبه لذلك جيدًا، واعلم أن السبب هو اختيار الموضوع غير الدقيق.

وإذا كان الموضوع الذي اختاره الباحث شخصية أدبية موسوعية مشهورة فلا بد من تحديد جانب معين في تلك الشخصية، فعندما يتناول الباحث مثلًا: شخصية كشخصية زهير بن أبي سلمى، أو النابغة الذبياني، أو الجاحظ، أو المتنبي، أو شوقي، أو العقاد مثلًا، لا يصح أن يأتي الموضوع عامًا، فيقول: زهير، أو أدب زهير، أو أدب الجاحظ، أو نثر العقاد؛ لأن كل واحد من هؤلاء قد برع في اتجاه محدد، وأتى بدروب تعبيرية وتصويرية متنوعة في فنه، فإذا أراد أن يكتب الباحث عن هذه الشخصية، أو عن شخصية من هذه الشخصيات، فليحدد وليختر منذ البداية جانبًا أو اتجاهًا بارزًا لدى أي منهم، وينهض بدرسه فيقول مثلًا: الحكمة في شعر زهير، أو الصورة الفنية في شعر النابغة، أو أسلوب الحوار في أدب الجاحظ، كل هذا مقبول؛ إذ أن من شأن الباحث الفطن أن يثير قضايا جديدة

ص: 208

ويصل إلى نتائج حقيقية صادقة، ولا يتأتى له ذلك إلا إذا حصر نفسه وفكره في دائرة ضيقة يتأملها، ويغوص في أعماقها، ويستكشف ما غمض منها.

ولا بد من مراعاة هذا الأمر أيضًا عند دراسة الإقليم بحيث لا يكن متسعًا؛ لأن اتساعه يوقع الباحث في تيه لا حدود له، وقد يكون الموضوع في حد ذاته يتصف بالعموم والاتساع، ولكنه يكتسب التحديد من قلة ورود الظاهرة. انتبه إلى ذلك الموضوع قد يكون موضوع متسعا في ظاهره لكن الظاهرة التي يريد الباحث غرسها في زمان ما أو مكان ما تكون ظاهرة نادرة فالموضوعات اتساع الزمن موجود، والمكان موجود لكن الظاهرة نادرة، نضرب لذلك مثلًا: نرى موضوع مثل الماء في الشعر الجاهلي، أو بكاء الأطلال في الشعر الحديث، هذا موضوع وهذا موضوع نلمح فيها اتساع الماء في الشعر الجاهلي الشعر الجاهلي كله أو الأطلال في الشعر الحديث الشعر الحديث كله؟ نعم، نلمح فيها اتساعًا من حيث الزمان والمكان، ولكن يحد من هذا الاتساع أن الظاهرة نفسها غير منتشرة في جميع البيئات، أو بين الشعراء جميعًا. ومن ثم، يسمح بالكتابة في مثل هذه الموضوعات.

ويعتقد كثير من الباحثين أن اتساع الموضوع يفيده من حيث الحصول على المادة العلمية، كثير من الباحثين يعتقد هذا هذا اعتقاد خاطئ غير صحيح؛ لأن الغرض من البحث ليس مجرد جمع المادة العلمية وعرضها بطريقة ما، وإنما البحث العلمي الجاد يسعى وراء اكتشاف الحقيقة الغائبة، هذا هو عمل الباحث، عمل الباحث ليس جمع المادة، هو يجمع المادة، نعم، لكن يجمعها لا من أجل المادة نفسها، وإنما من أجل الوصول أو اكتشاف الحقيقة الغائبة المفترضة. ولا يتأتى ذلك إلا بالتعمق في الموضوع والإحاطة به من جميع جوانبه، ومعرفة

ص: 209

دقائقه، واتساع الموضوع يتنافى مع كل ذلك، ويحول الباحث إلى مجرد جماع لأراء غيره ليس إلا، وتختفي شخصيته تمامًا. والحقيقة، أنه كلما كان الموضوع ضيقًا محدودًا كلما كانت فرصة الباحث للتعمق في أغوار البحث أكبر، واكتشاف خفاياه أمكن، ونتائجه أصدق وأنفع.

الأمر الرابع الذي ينبغي مراعاته عند اختيار موضوع البحث: التأكد من توفر المادة العلمية المتصلة بموضوع البحث: المادة العلمية المطلوب توافرها قد تكون صلب الباحث، أو الموضوع ذاته كأن يكون موضوع البحث تحقيقًا لمخطوط ما، أو دراسة لديوان من الدواوين، أو لقصيدة معينة، وقد تكون المادة العلمية عبارة عن دراسات دارت حول موضوع البحث، تتمثل هذه الدراسات في المصادر والمراجع المختلفة، وسواء كانت هذا أو ذاك، يعني: سواء كانت المادة العلمية هي صلب البحث، أو كانت هي الدراسات التي دارت حول الموضوع وموجودة في مختلف المصادر، لا بد أن يتأكد الباحث أنها متوفرة وفي إمكانه الحصول عليها، فأحيانًا نجد بعض الباحثين يختاروا ظاهرة محددة في شعر شاعر من الشعراء، ويبني تصوره حول الموضوع على أبيات متناثرة للشاعر في بعض المصادر. قرأ في كتاب (الأغاني) مثلًا بعض الأبيات، أو قرأ في كتاب (العقد الفريد) بعض الأبيات لشاعر من الشعراء، هذه الأبيات ركز المؤلف على ظاهرة فيها فلفتت نظره، وظن الباحث أنها تمثل ظاهرة في شعره، لكن أين شعر ذلك الرجل؟ أو ربما يشير بعض الدارسين إليه، ثم يأتي الباحث ويبدأ يسجل هذا الموضوع، ويبدأ في التحرك والكتابة فيكتشف في النهاية أن شعر الرجل غير مجموع، وليس بإمكانه جمعه من مصادره المختلفة، فماذا يفعل؟ يتوقف بلا شك، لا بد أن يتوقف.

ص: 210

بعض الباحثين يختار مثلًا مخطوطًا من المخطوطات لمؤلف ما قرأ عنه في كتب التراجم، قرأ في كتاب مثلًا (الفهرست)، أو قرأ في كتاب (معجم المؤلفين)، أو إلى آخره أن فلانًا له من المخطوطات كذا وكذا وكذا فيختر هذا موضوعًا ماجستير أو دكتوراه، ويسجله والموضوع جديد نعم، ثم يذهب لإحضار المخطوط فيجد أن المخطوط ناقص أو مفقود، فهل يستطيع المضي في بحثه؟ لا يمكنه بحال من الأحوال. قد يوجد النص، أحيانًا يختار نص، ولكن لا توجد الدراسات التي دارت حوله، أو توجد في أماكن بعيدة ليس في مقدور الباحث الحصول عليها، كل ذلك ينبغي أن يتنبه له الباحث قبل أن يختار موضوعه؛ لأنه يمثل عقبة في طريق البحث العلمي، ولا يتيح للباحث الإحاطة بموضوعه أو معالجته معالجة جيدة، وتأتي نتائجه ناقصة لا محالة. تلك هي أمور ينبغي للباحث أن يراعيها عند اختيار موضوع بحثه، ويجب على الباحث عند اختيار الموضوع وتحديد المشكلة التي يود دراستها أن يسأل نفسه عدة أسئلة تتعلق بالموضوع والمشكلة، ويحاول الإجابة عنها هذه الأسئلة تعد معايير أو قواعد أو مقاييس أساسية للموضوع الجيد لو استطاع أن يجيب عليها. هذه المجموعة من الأسئلة التي سنعرضها الآن لو أجاب عنها الباحث قبل أن يقدم على بحثه؛ فإنها تعد بمثابة المعايير أو المقاييس.

1 -

لماذا اخترت هذا الموضوع؟

2 -

هل هذا الموضوع يثير اهتمامي وما مدى رغبتي الشخصية لمعالجته؟

3 -

ما مكانة هذا الموضوع بالنسبة للدراسات الأدبية والنقدية، وما الفائدة من دراسته؟

4 -

ما الوقت الذي سأستغرقه في دراسة هذا الموضوع، وما الأهداف التي أسعها إليها من وراء درسه؟

5 -

هل موضوع البحث يناسب تخصصي، وهل سيؤدي هذا الموضوع إلى تطوير معلوماتي الثقافية في مجال تخصصي؟

ص: 211

6 -

هل هذا الموضوع في مستوى قدراتي الثقافية، والفكرية، والمادية، واللغوية وغيرها؟

7 -

ما الصعوبات، أو المعوقات التي من الممكن أن تواجهني أثناء دراسة هذا الموضوع؟

أما بالنسبة لمشكلة البحث المفترضة: فمن الممكن أن يطرح الأسئلة التالية على نفسه، ويحاول الإجابة عنها: هل المشكلة التي افترضها ملحة وتستحق الدراسة؟ حاول أن تجيب على هذه الأسئلة. هل المشكلة التي افترضتها ملحة وتستحق الدراسة؟ هل يوجد باحث آخر قام بدراسة هذه المشكلة؟ هل هذه المشكلة محددة؟ هل المشكلة جديدة وتتصف بالأصالة؟ هل تتوافر المعلومات، والمصادر الأولية والثانوية اللازمة لدراسة هذه المشكلة؟

حاول أيها الباحث أن تجيب على هذه الأسئلة، فإن وفقت في إجابتك فقد وفقت في اختيار موضوعك، وحينئذ أقدر على الباحث بخطى واثقة وفكر واعي، هكذا يكون اختيار الموضوع، وتلك هي شروطه. بقي شيء لا بد أن أنبه عليه يتصل بموضوع البحث وهو: اختيار العنوان: اختيار العنوان لا يقل أهمية عن اختيار الموضوع؛ فهو المرآة التي ينظر القارئ إلى البحث من خلالها أي خلل في تلك المرآة يؤدي إلى اضطراب الصورة، وعدم وضوحها. ولذلك؛ يجب على الباحث أن يعير العنوان اهتمامه، وعادة يبدأ الباحث بفكرة عامة تشكل موضوع البحث عندما يشعر بوجود قضية أو مشكلة تستحق البحث والدراسة والاكتشاف يبدأ في تجميع خيوط تلك القضية؛ حتى تتبلور الفكرة في ذهنه، وتتضح أبعادها، ويضع يده على المشكلة بعد الانتهاء من ذلك كله؛ ليأتي دور اختيار العنوان الصالح لتلك القضية، والدال على كيفية المعالجة. لعلك لاحظت إذا الفرق بين الموضوع والعنوان، كثير

ص: 212

من الباحثين يخلط بين موضوع البحث وعنوانه، ويظن أن العنوان هو الموضوع. موضوع البحث: هو الفكرة أو القضية التي يود الباحث درسها. أما العنوان: فهو الدال على تلك الفكرة أو القضية، لما كان اختيار العنوان من الأهمية بمكان يجب أن يراعى عند اختياره ما يلي:

أولًا: أن يكون العنوان واضحًا في صياغته ودلالته بحيث يسمح للقارئ تصور ما بداخل البحث من أفكار وعناصر، ووضوح العنوان مرتبط بوضوح الفكرة في ذهن الباحث؛ فكلما كانت الفكرة واضحة كلما كان العنوان واضحًا.

ثانيًا: ينبغي أن يكون العنوان دقيقًا، تختار كلماته بدقة بحيث تشير كل كلمة فيه إلى جزء من المشكلة، أو طريقة من طرق المعالجة.

ثالثًا: ينبغي أن يكون العنوان موجزًا إيجازًا غير مخل، وأن يكون مثيرًا وجذابًا بحيث يجذب القارئ إلى الإقبال على الباحث، والبحث، والإفادة منهما. ويمكن أن يصاغ عنوان الباحث في هيئة فرض عام، أو سؤال يحتاج إلى إجابة محددة. المهم، أن يكون بطريقة تسمح للقارئ فهم دلالته على محتواه. وفي نهاية الحديث عن كيفية اختيار الموضوع أود الإشارة إلى أن موضوعات البحث الأدبي تتنوع تنوعًا كبيرا كما أشرت؛ لأن المادة الأدبية ثرية ومتجددة دائمًا سواء كانت شخصية، أو أدبية، أو قضية من القضايا. كما أود أن أوجه نصيحة إلى كل باحث عند اختيار موضوع بحثه، وأقول له: عليك أيها الباحث أن توازن بين جهدك الذي ستبذله في دراسة الموضوع، وبين الفوائد التي تتراءى لك من وراء تلك الدراسة، فليس كل موضوع يستحق ما يبذل فيه من جهد، فإن كان الموضوع حيًّا يمكن أن تتوصل من خلاله إلى نتائج ينتفع بها فأقبل على بحثك مستعذبًا كل ما تلقاه فيه من مشقة وعناء، وإلا فاصرف نفسك عنه، واستثمر جهدك فيما يفيد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 213