الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثاني: قد يكون العيب في النص ذاته، كأن يكون فيه خطأ أو وقع فيه تصحيف أو تحريف أو أصابه خرم أو سقط، أو أي شيء من هذا القبيل، أي صورة من صور الفساد.
الخطأ وكيفية علاجه
المحقق المنصف هو الذي يتهم نفسه أولا قبل أن يتهم النص الذي أمامه بالخطأ، فإذا ما وقع المحقق على شيء ورآه من وجهة نظره خطأ، أو صعب عليه أن يفهمه، لا يتسرع في الحكم عليه قبل أن يبحث عن صحة التركيب في كتب اللغة، وقبل أن يتعرف على أنماط التعبير في الأساليب القديمة، فإن الجهل بالأساليب القديمة ينعكس أثره على معالجة النصوص، لا شك في هذا، فليحذر الباحث المحقق من تغيير شيء لا يفهمه، أو الحكم على شيء بالخطأ إلا بعد التثبت بالدليل القاطع. وليس كل نص يراه المحقق صعبا غير مفهوم يعد مغلوطا، فقد يحدث في بعض الأحيان أن يغير النُسَّاخ بعض العبارات الصعبة غير المفهومة بعبارات سهلة مفهومة، وعند المقابلة يظن المحقق أن النسخة ذات العبارات الصعبة مغلوطة، وهذا غير صحيح فإن كثيرا ما يختبئ الصحيح فيما مظهره غير مفهوم، وعلينا إذًا أن نستخرجه ولا نكتفي بتغيير النُسَّاخ، ولا يصح أن ننسب الخطأ في متن المخطوط إلى المؤلف إلا إذا قامت الأدلة على ذلك، كاتفاق النسخ التي لم ينقل بعضها عن بعض على هذا الخطأ، أو اضطرد مثلا وقوع الخطأ نفسه في مواضع مختلفة من الكتاب.
أما إذا وجدنا النسخ غير متفقة في الخطأ كان هناك احتمالان:
إما أن يكون الخطأ ليس من المؤلف، وإما أن يكون من المؤلف وانتبه إليه بعض النُسَّاخ فأصلحه، ولا يمكن نسبة الخطأ إلى المؤلف إلا إذا كانت النسخة الأصلية التي كتبها بيده محفوظة وورد بها ذلك الخطأ، وإذا كان الخطأ نحويا واضحا فاضحا كأن ينصب الخبر مثلا، أو يرفع اسم إن، أو ينصب اسم كان، فينبغي للباحث أن يقوم بتصحيحه، ثم يشير في الحاشية إلى ذلك وينبه عليه بقوله: وفي الأصل كذا وكذا، ويذكر العبارة التي ورد فيها الخطأ. أما إذا كان الخطأ له وجه من الصحة فلا يصححه، وإنما يتركه على حاله ويشير في الحاشية إلى ما يريد أن يقوله من تضعيف لما ذكره المؤلف أو غير ذلك. وهناك أخطاء لا يتردد أحد في الحكم عليها بأنها من قبيل السهو الخالص، ويدخل في ذلك سقوط حرف أو حرفين من الكلمة مثلا كأن يقول المؤلف: ولا أرى لا جها، والمقصود: وجها، أو يقول: إنما الأعمال النيات، ويقصد بالنيات، فعلى المحقق حينئذ أن يضع الزيادة بين قوسين معكوفين، ويحذف ما زيد سهوا، ويشير إلى ذلك كله في الحاشية.
في بعض الأحيان ينقل مؤلف المخطوط عبارة عن غيره يستدل بها أو يناقشها، ثم ينص على اسم المصدر المنقول منه وصاحبه، وقد تسقط من النص المنقول كلمة أو أكثر عن طريق السهو الواضح، ولا يمكن أن تستقيم العبارة المنقولة إلا بما سقط، عندئذ يثبت المحقق ما سقط، ويضعه بين قوسين معكوفين، ويشير إلى ذلك في الهامش أيضا. وأما الشواهد القرآنية فلما لها من تقدير ديني لابد أن توضع في مكانها، وينبغي للمحقق أن يستشعر الحذر الكامل في تحقيق الآيات القرآنية، وألا يركن إلى أمانة
غيره في ذلك مهما بلغ قدر غيره من العلم والثقة، لابد أن يقدر النص القرآني، وينبغي له أن يتحقق ويضبط النص القرآني، ينظر فيه إلى عدة اعتبارات، ومن ثم لا يكفي أن نرجع إلى المصحف المتداول، بل لابد من الرجوع إلى كتب القراءات، كتب القراءات السبع، ثم العشر، ثم الأربع عشر، ثم كتب القراءات الشاذة، وكتب التفسير يرجع إلى التي تهتم بالقراءات كتفسير القرطبي، وأبي حيان وغيرهما.
وإذا كان الخطأ الوارد في النص القرآني من جهة الرسم أو الضبط، فلا يتسرع المحقق في ضبطه، وعليه أن يتأكد إذا ما كان المؤلف يعرب أو يكتب على حسب قراءة معينة، فعلى المحقق أن يحافظ على ما قاله حينئذ، ربما يكون كتب الآية على حسب قراءات من القراءات المعترف بها والمشهورة، فلابد أن يرجع إلى مثل هذه الكتب للتأكد من هذه الآيات. ويرى بعض العلماء إبقاء النص القرآني المحرف كما هو في صلب المتن التزاما بمبدأ الأمانة العلمية في نقل النص؛ إذ تقتضي الأمانة أن يؤديه كما وقع في المؤلَّف، والمسألة فيها خلاف قديم بسطه ابن كثير في كتابه (اختصار علوم الحديث) حيث قال: "وأما إذا لحن الشيخ فالصواب أن يرويه السامع على الصواب، وهو محكي عن الأوزاعي وابن المبارك والجمهور، وحكي عن محمد بن سيرين، وأبي معمر عبد الله بن سخبرة أنهما قالا: يرويه كما سمعه من الشيخ منحولا.
قال ابن الصلاح: وهذا غلو في مذهب اتباع اللفظ، وعن القاضي عياض أن الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم، ولا يغيروها في كتبهم، حتى في أحرف من القرآن الكريم استمرت الرواية فيها على خلاف التلاوة، ومن غير أن يجيء ذلك في الشواذ كما وقع في الصحيحين
و (الموطأ)، ولكن أهل المعرفة منهم ينبهون على ذلك عند السماع في الحواشي". فالمسألة مردها إلى الأمانة عند الفريقين، والحقيقة أن إبقاء النص القرآني المحرف في الصلب كما هو لا يليق؛ لأن مكانة القرآن الكريم تجل عن أن نجامل فيه مخطئا، أو أن نحفظ فيه حق مؤلف لم يلتزم الدقة مهما كان هذا المؤلِّف، فلابد أن نصلح الخطأ القرآني، وأشر في الحاشية إلى هذا، لكن لا تصلح إلا بعد التأكد من أن المؤلف لم يرد قراءة معينة أو رسما معينا.
وأما نصوص الحديث الشريف، فينبغي للمحقق أن يعرضها على كتب الحديث للتأكد من صحتها، أنت تعلم أن الحديث له أكثر من راو، فقد يكون رواه راو بلفظ ورواه راو آخر بلفظ، ولذلك نحن نحمل مؤلف المخطوط أمانة روايته، وتسجيله بالطريقة التي خط بها، فنبقيها كما هي، إذا تأكدنا أنه كتبها بهذه الصورة، وللمحقق أن يعلق في الحاشية، ويثبت ضعف الرواية أو قوتها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.