المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عملية إخراج المخطوط - أصول البحث الأدبي ومصادره - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 مقدمة في أصول البحث الأدبي ومصادره

- ‌كلمة "بحث": معناها، ودلالتها

- ‌العرب والثروة الأدبية

- ‌الطرق التي ساعدت العرب على حفظ تراثهم

- ‌الدرس: 2 العرب والبحث العلمي - مناهج التأليف عند العرب (1)

- ‌هل كان العرب مجرد مبدعين أم أنهم عرفوا طريق البحث العلمي

- ‌أدوات البحث العلمي عند العرب

- ‌اتجاهات التأليف عند العرب "اتجاه الاختيارات الأدبية المجرد

- ‌الدرس: 3 مناهج التأليف عند العرب (2)

- ‌بعض المصادر التي تمثل اتجاه الاختيارات المجردة

- ‌الاتجاه الثاني "اتجاه أصحاب الطبقات والتراجم

- ‌الدرس: 4 مناهج التأليف عند العرب (3)

- ‌كتاب (الشعر والشعراء) كنموذج على اتجاه الطبقات والتراجم

- ‌الاتجاه الثالث: "اتجاه الدراسة الأدبية والنقدية

- ‌الدرس: 5 مناهج التأليف عند العرب (4)

- ‌الاتجاه الرابع "الموسوعات العلمية

- ‌الصور التي جاءت عليها الموسوعات، ونماذج لها

- ‌الدرس: 6 مناهج البحث الأدبي في العصر الحديث

- ‌حقيقة المنهج وأهميته في مجال البحث العلمي

- ‌نشأة المناهج العلمية وتطورها

- ‌الدرس: 7 المنهج التاريخي

- ‌المنهج التاريخي: مفهومه، ونشأته، ومقياس الجودة عند أصحابه

- ‌قيمة المنهج التاريخي في مجال البحث الأدبي

- ‌الدرس: 8 المنهج النفسي

- ‌صلة الأدب بالنفس

- ‌حقيقة المنهج النفسي، وعلاقة النفس بالأدب

- ‌نشأة المنهج النفسي، وتطوره في العصر الحديث

- ‌مقياس الجودة الفنية عند أصحاب المنهج النفسي، وقيمته

- ‌المآخذ على المنهج النفسي

- ‌الدرس: 9 نظرية الفلسفة الجمالية وعلاقتها بالدراسات الأدبية

- ‌نظرية الفلسفة الجمالية وقيمتها في مجال البحث الأدبي

- ‌رؤية العربي لفكرة الجمال الأدبي

- ‌الدرس: 10 المنهج المتكامل وقيمته في مجال البحث الأدبي الحديث

- ‌أهم المناهج البحثية: المنهج المتكامل

- ‌ملاحظات لمن يريد استخدام المنهج المتكامل، وبيان قيمته

- ‌الدرس: 11 خطوات البحث الأدبي (1)

- ‌مادة البحث الأدبي

- ‌خطوات البحث العلمي: اختيار موضوع البحث

- ‌الدرس: 12 خطوات البحث الأدبي (2)

- ‌رسم الخطة

- ‌تحديد المصادر والمراجع

- ‌الدرس: 13 خطوات البحث الأدبي (3)

- ‌استقراء المصادر والمراجع

- ‌كيفية استخدام القدماء والمحدثين للمصادر

- ‌الدرس: 14 خطوات البحث الأدبي (4)

- ‌صياغة البحث

- ‌مراعاة قواعد الكتابة العربية في صياغة البحث

- ‌الدرس: 15 مفهوم التحقيق والتوثيق وشروط المحقق

- ‌(مفهوم التحقيق والتوثيق

- ‌شروط المحقق

- ‌الدرس: 16 كيف نحقق نصا أو مخطوطا

- ‌جمع النُسخ، وترتيبها

- ‌تحقيق العنوان، واسم المؤلف، ونسبة الكتاب

- ‌الدرس: 17 تحقيق متن المخطوط

- ‌مقدمات الدخول إلى النص

- ‌الخطأ وكيفية علاجه

- ‌الدرس: 18 الخروم والسقط، والتصحيف والتحريف

- ‌(الخروم والسقط

- ‌التصحيف والتحريف

- ‌أسباب انتشار ظاهرة التصحيف والتحريف

- ‌الدرس: 19 تخريج النصوص وإخراج المخطوط

- ‌(تخريج النصوص

- ‌عملية إخراج المخطوط

- ‌الدرس: 20 صنع الفهارس

- ‌التعريف بالفهارس وأنواعها

- ‌كيفية صناعة الفهارس

- ‌فهرسة المخطوطات

الفصل: ‌عملية إخراج المخطوط

بهذا أيها الإخوة ينتهي الحديث عن تحقيق المتن.

‌عملية إخراج المخطوط

إذا فرغ الباحث من تحقيق المتن، ووثقه، وقومه، وأصلح فاسده، وصيره على صورة أقرب ما تكون إلى الصورة التي كتبها صاحبه، بعد ذلك يبدأ في إعداده للطباعة والنشر، وهذا يسمى بعملية الإخراج؛ فإخراج المخطوط يعني إعداده للطباعة والنشر بحيث يخرج في صورة جيدة تتيح للقارئ الاطلاع عليه، والانتفاع بمادته العلمية في يسر وسهولة، ورغم أن عملية الإخراج تعد من المكملات الحديثة إلا أنها من الأهمية بمكان، فكم من كتاب محقق ومنشور وينفر منه القراء، والسبب هو سوء الإخراج.

وفي الأزمنة السالفة كان الناشرون يدفعون بالمخطوط إلى المطبعة دونما أدنى اهتمام بإخراجه، ولم يكن يعنيهم سوى طبع أكبر عدد منه دون العناية بالنص ذاته، اللهم إلا من كان لديه قدر من الدقة والأمانة، ومن ثم أعيد إخراج وطبع عدد كبير من هذه الكتب بطريقة علمية صحيحة، بعد إخضاع الكتاب المطبوع لعدة إجراءات علمية دقيقة قبل نشره، وإذا كان الفضل يرجع للعرب في وضع الأسس العلمية للتحقيق والتوثيق فقد حازوا قصب السبق في هذا المجال؛ فإن فضل المستشرقين واضح في تأسيس المدرسة الطباعية الأولى للتحقيق والنشر، وقام العلامة الدكتور أحمد زكي باشا بدور الوساطة بين العرب والمستشرقين في هذا المجال، ونقل خبرتهم إلى البيئة العربية نقلًا أمينًا، وأفاد منه المتخصصون في هذا المجال فائدة كبرى. هناك خطوات تتبع قبل نشر المخطوط وإخراجه يسير عليها الباحثون ليخرج المخطوط على أفضل صورة، نشير إلى هذه الخطوات فيما يلي:

ص: 359

أولًا: إذا كان المؤلف قد قسم المخطوط إلى أبواب أو فصول، ووضع عناوين للأفكار، وكان تقسيمه ذاك -تقسيمه للفصول إلى أجزاء- مناسبًا للطبع فعلى الباحث الالتزام بهذا التقسيم عند إخراج المخطوط وإعداده للنشر، أما إذا كان المؤلف لم يقسم المخطوط إلى أجزاء، أو فصول، أو أبواب كحال كثير من العلماء في العصور القديمة، أو كان المؤلف قام بتقسيم مخطوطه تقسيمًا غير مناسب أو غير مساير للأحجام المعتادة للطباعة، فللمحقق حينئذٍ أن يقسم المخطوط ويضع العناوين المناسبة التي تعينه وتعين القارئ على الاستيعاب. وفي حال تقسيم المؤلف للمخطوط تقسيمًا غير مناسب فللباحث الحق في إعادة التقسيم، وكل هذا الذي أشرت إليه مشروط بالمحافظة على الإطار العام للنص، وارتباط المضامين داخل المخطوط، ويستحسن أن يضع المحقق أرقامًا للأبيات الشعرية، وتوضع الأرقام في الهامش بجانب المتن والبيت الشعري.

ثانيًا: التقديم للنص، قبل نشر المخطوط لا بد من التعريف بالمؤلف من خلال الترجمة له ترجمة وافية تكشف عن مولده، وثقافته، ومصادر هذه الثقافة، وأعماله التي تقلدها، وآراء العلماء فيه، وإن كان لهؤلاء الذين كتبوا مخطوطات اهتمام فني غير الذي كتبوا فيه تلك المخطوطات على الباحث أن يكشف عن هذه الاهتمامات، كما يذكر الباحث أيضًا المؤلفات التي ألفها صاحب المخطوط، ويشير إلى المطبوع منها والذي لا زال مخطوطًا، ثم يوضح أثره في الحياة العلمية والثقافية، ويشير إلى عصره، وطبيعة ذلك العصر من شتى الجوانب، يستقي الباحث المعلومات المتصلة بهذه العناصر من المراجع المعروفة بكتب الأخبار، والتراجم، والطبقات، وغيرها.

ص: 360

وقد كان الناشرون الأقدمون يعنون بهذا بعض العناية، وربما اقتصر جهدهم في هذا المجال على نقل نص بأكمله من كتاب معين من الكتب التي ترجمت للمؤلف، نحن الآن في ظل هذه القوانين العلمية التي تتسم بالدقة والتمحيص لا نقبل من الباحث الوقوف عند هذا الحد، وإنما يجب أن يعمل فكره بالتدقيق، والتمحيص، والنقد لما ينقله من معلومات عن المؤلف من شتى المصادر؛ لأنها في النهاية تمثل فكره، وتعبر عن رأيه، ومما يتصل بالتقديم للنص أيضًا التعريف بالكتاب، أي المخطوط، يقدم الباحث دراسة خاصة بالكتاب المخطوط يوضح فيها منزلته، وطريقة معالجته للموضوع، والأشياء الجديدة التي يقدمها إلى الفن الذي ينتمي إليه، وإن كان الكتاب أو بعضه قد نشر قبل ذلك لا بد أن يصف الباحث تلك النشرة القديمة، كما يقوم المحقق بوصف الأصول الخطية التي اعتمد عليها في تحقيقه.

وينبغي أن توصف كل النسخ، وفي مقدمتها النسخة التي اعتمد عليها في تحقيقه بتفصيل تام، دون إغفال أي نسخة من النسخ حتى لو كانت مستبعدة، يصفها ويشير إلى أنه استبعدها، ويذكر الأسباب التي أدت إلى استبعادها، حتى لو نسخة استعان بها في بعض المواضع لا بد أن يشير إليها ويصفها وصفًا كاملًا، ويبين العلاقة القائمة بين هذه النسخ كلما أمكن مبينًا درجات هذه النسخ في الأصالة، وواصفًا الخطوط التي كتبت بها هذه النسخ فيذكر نوع الخط، وكيفية تنقيطه، وما يشاهده فيه من زخرفة وغيرها إن وجد مثل هذا، وهل قوبلت النسخة بأصلها أم لا، ويصف المحقق صفحة العنوان، ويوضح ما كتب عليها من تمليكات، أو سماعات، أو وقف، أو خواتيم، أو مثل هذه الأشياء، ويقتصر في كل ذلك على ما له قيمة، ويستحسن أن يترجم المحقق لمن ورد اسمه في هذه التمليكات أو السماعات ما أمكنه ذلك، وبمقدار ما تسعفه به مصادره؛ فإن مثل هذه الترجمة تكشف لنا عن جوانب مهمة.

ص: 361

من هذه الجوانب مثلًا معرفة عصر المخطوط إن كانت قد خلت من ذكر تاريخ النسخ، أو الكشف عن قيمته من خلال معرفة العلماء المشهود لهم بالكفاءة والتفوق ممن تملكوها، أو أجازوا روايتها لتلاميذهم، أو قرءوها وعلقوا عليها، كل هذه أشياء مهمة لا ينبغي للباحث المحقق أن يغفل عنها بأي حال من الأحوال عند إخراج المخطوط، كما ينبغي للباحث أيضًا أن يكشف عن إملاء النسخة وخصائصها التي تنفرد بها، ويحكم هل هي صحيحة، أو مغلوطة، أو متوسطة، ويقدر قيمتها، وهل الكتابة، واضحة، أو مطموسة، وهل النسخة سليمة، أو ممزقة، أو فيها خرم، هل هي كاملة أو ناقصة، وإن كان فيها نقص فأين هو، في أولها، في آخرها، في أوسطها؟ لا بد للباحث المحقق أن يحدد ذلك، وهو يصف النسخة.

ثم يصف الورق والتجليد وعدد الأوراق، ومقاس المخطوطة من خارج الغلاف طولًا وعرضًا، والسطور، ومتوسط عدد الكلمات في السطر الواحد، كما ينبغي أن توصف خاتمة المخطوط، ويشير إلى ما فيها من تاريخ للنسخ، وإجازات، وسماعات إن وجد، ويستحسن أن يقرن الباحث ذلك كله بتقديم نماذج مصورة لبعض صفحاتها، ويفضل أن يكون من بين هذه الصفحات المصورة صفحة العنوان، والصفحة الأولى، والصفحة الأخيرة؛ لأنها أدق الصفحات في التعبير عن تقدير المخطوطات. ومن الأفضل ألا يقدم الباحث على ذلك ويقدمه إلى المطبعة إلا بعد الفراغ من طبع نص الكتاب، حتى يتمكن من إتمام دراسته في ضوء النسخة الأخيرة التي تخرجها المطبعة، كما أنه قد يشير في التقديم للنص أو المتن إلى صفحة في الكتاب، فتكون الإشارة في موضعها، ويجب ألا يدع المحقق مجالًا للشك فيما هو موجود في النسخة أو النسخ، وأن يقابلها بعناية تامة، ويبين بلفظ صريح ما ذهب إليه عند اختلاف النسخ.

ص: 362

والأهم من هذا كله ألا يغير المحقق شيئًا دون أن ينبه القارئ عليه، ويحدد ذلك الشيء حتى يمكن للقارئ من قبول أو رفض هذا الشيء الذي قرأه، ولا يتركه هكذا، وكذلك يجب عليه الامتناع عن إسقاط شيء من النص دون تنبيه القارئ عليه؛ حتى لا يضلل القارئ تضليلًا يصرفه عن سياق النص أو عن فهم الموضوع الذي يريد أن يتعرف على شيء منه. واعلم أن تغيير النص أو إسقاط شيء منه بغير إشارة إلى ذلك يعد تزييفًا للنص نربأ بالباحث المحقق عنه.

ثالثًا: العناية بالإخراج الطباعي، وأعني بهذا شيئين: إعداد الكتاب للطبع، ثم معالجة تجارب الطبع معالجة دقيقة. أما بالنسبة لإعداد المخطوط للطبع فإن لهذا الإعداد أثره العظيم في إخراج العمل على أفضل وجه، ومن ثم ينبغي أن يكون الأصل المعد للطبع دقيقًا، وتمت مراجعته بعناية، وروعي فيه التنسيق الكامل، والوضوح التام في كتابته، ويتحقق ذلك بكتابة النسخة المحققة بعد مراجعتها بخط واضح لا لبس فيه ولا غموض، ومن نعم الله سبحانه وتعالى علينا في هذا العصر أن سبل الكتابة على الحاسوب أصبحت في متناول كل باحث، فأصبح الأمر يسيرًا، واحتمال الأخطاء أصبح قليلًا، والحاسوب الآن هو نفسه فيه تصحيح إملائي.

فعلى الباحث أن ينتبه إلى السياقات بعد ذلك والربط بينها، ويتحقق التنسيق والوضوح أيضًا بمراعاة علامات الترقيم واستخدامها استخدامًا صحيحًا، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل عند صياغة البحث، وعرفنا أن الاستخدام السيئ لعلامات الترقيم قد يدخل الجمل في بعضها البعض، مما يؤدي إلى سوء فهمها، واضطراب فكرتها، فعلى الباحث أن يستخدم العلامات الترقيم استخدامًا جيدًا، وألا يهملها.

ص: 363

ويتحقق التنسيق أيضًا بتنظيم الفقرات والحواشي، وكان القدماء لا يعنون بتنظيم الفقرات إلا بقدر يسير؛ فكان بعضهم يضع خطًّا فوق أول كلمة من الفقرة، وبعضهم يميز تلك الكلمة بأن يكتبها بمداد مخالف، أو بخط مختلف، أما الآن فللفقرة نظام في الكتابة؛ حيث تبدأ الفقرة بسطر جديد، ويترك الكاتب بعض الفراغ في أول ذلك السطر، وكذا الحواشي والتعليقات لم يكن لها نظام معين عند الأقدمين، فأحيانًا كانوا يضعونها بين الأسطر، وبعضهم كان يضعها في جانب الصفحة في الهامش، ويشير إليها، أو لا يشير إليها.

الآن يجب أن نفصل الحواشي عن المتن، وتكون الحاشية عادة في أسفل الصفحة، وتكتب بحروف تختلف عن حروف المتن حتى تتميز، لو أن الباحث كتبها بنفس الحروف في الحجم وفي النظام لالتبس على بعض القارئين، وهناك طرق لكتابة الحواشي، فالبعض يجعل حواشي كل فصل والتعليقات التي فيها في آخر الفصل، والبعض يجعل الحواشي بما فيها من تعليقات في آخر الكتاب.

والبعض يجعل الإشارات إلى اختلاف النسخ في حاشية الصفحة نفسها، أما التعليقات وبقية ما يرد بالحاشية فيجعله في آخر الكتاب كالشرح، والتحليل، والتعليق، والتفسير، ولهؤلاء حجتهم، فهم لا يريدون أن ينشغل القارئ بشيء غير المتن، وهناك من يجعل حواشي كل صفحة أسفلها، والحقيقة أنا أميل إلى حواشي كل صفحة موجودة في أسفلها، بالإشارات، بالتعليقات، بالتفسيرات، كل شيء.

فكثيرًا ما يحتاج القارئ إلى معرفة معنى كلمة مثلًا، أو موضع صفحة، أو اسم مرجع، أو اسم مؤلف، أو أي شيء مما يسجل في الحاشية، فليس من اللائق أن يترك القارئ الصفحة موضع تأمله، ويذهب إلى آخر الفصل، أو إلى آخر الكتاب ليعرف ما يريد من كلمة، أو اسم مرجع، أو اسم مؤلف؛ فإن في ذلك ضياعًا للوقت، وانفصالًا للفكر عن الموضوع الذي يقرؤه، ويستحسن أن تبتدئ كل

ص: 364

فقرة بسطر مستقل، لا تتداخل الفقرات بأي حال من الأحوال، ومما يتصل بإعداد الكتاب للطبع أيضًا أرقام الصفحات في المخطوط الأصلي، أو في الطبعات السابقة إن كان المحقق يحقق كتابًا قد طبع قبل ذلك، ثم أرقام الأسطر داخل المخطوط، وعلى الباحث المحقق أن يضع أرقام صفحات المخطوط الأصلي في أحد جانبي الصفحة.

على أن يحدد بداية الصفحة في متن الكتاب المطبوع بوضع علامة تميز ذلك، كأن يضع مثلًا خطّا مائلًا أو رأسيًّا، أو يضع نجمة مثلًا، وفائدة هذا الترقيم هنا التيسير على من يريد الرجوع إلى المخطوط لمعرفة النص، وإذا كان المحقق يحقق كتابًا مطبوعًا قبل ذلك فعليه أن يشير إلى أرقام الطبعة التي كثر تداولها؛ إذ إن وضع تلك الأرقام من شأنه التسهيل على القارئ عند إرادة التعرف على تلك النصوص في النسختين القديمة والجديدة، أما أرقام الأسطر فتوضع على جانب آخر غير الجانب الذي توضع فيه الأرقام السابقة، وتفيد أرقام السطور عند الحاجة إلى معرفة الاقتباس والرجوع إليه يحتاج إليها القارئ إذا أراد التأكد من هذا الاقتباس، فرقم السطر يفيده وييسر عليه الرجوع إلى ذلك.

ومما يتصل بإعداد الكتاب للطباعة أيضًا تجنب التعقيدات الطباعية التي تؤدي إلى الغموض وانشغال القارئ بها عن التفكير في النص ذاته، حقيقة هذه التعقيدات الطباعية تؤلم القارئ ألمًا لا حد له، وتأتي هذه التعقيدات نتيجة استخدام بعض الرموز التي تحتاج إلى كد للذهن في فهمها، سواء كانت هذه الرموز حرفية أم عددية، فبعض الناشرين يستخدم مثل هذه الرموز، وهي في الحقيقة عندما يستخدمها يظن أنها تساعده في فهم النص، وتيسر عليه أشياء كثيرة، وهو يقرأ ويستوعب ما يقرؤه، ولكن في الحقيقة هذه الرموز الكثيرة تعد تعقيدات تحول بين

ص: 365

فهم القارئ للنص، وبين التعرف على ما فيه من أفكار، والربط بين الفقرات، وتجعل القارئ ينشغل بفك شفرات هذه الرموز، وهي كثيرة.

نضرب مثلًا ببعض الناشرين الذين يستخدمون هذه الرموز، فبعضهم يستخدم القوس، بعضهم يضع حرف الميم، بعضهم يستخدم القوس المعكوف، بعضهم يستخدم كلمة نعم، بعضهم يكتب كلمة نون، هم يقصدون بهذا الإشارة إلى أن كلمة نعم وضعت في المتن في نسخة "م"، وسقطت من نسخة "ن"، ولا ريب أن استعمال هذه التعبيرات الرمزية يخرج بالقارئ عن النص إلى محاولة حلها وفهمها، وماذا على الناشر أو المحقق لو أنه استعاض عن هذه الرموز المعقدة إلى الكتابة الصريحة، فليقل مثلًا: سقطت من نسخة "م"، أو زائدة عن نسخة "أ"، وهكذا يستخدم الألفاظ الصريحة في التعبير عن مضمون هذه الرموز.

الجانب الثاني من جوانب العناية بالإخراج الطباعي، هو: معالجة تجارب الطبع؛ إذ ينبغي للباحث المحقق أن يباشر عملية الطبع بنفسه، ويعيش معها خطوة خطوة، فالطباعة فن يحتاج إلى تدريب وممارسة طويلة، ويقوم بالطباعة متخصص في فن الطباعة، والتصحيح أيضًا يحتاج إلى إلمام المصحح بأنواع الخطوط، والمقاسات المختلفة، وحجم الصفحة، وعدد الأسطر

إلى آخر هذه التنظيمات المعروفة، بمعنى أن المصحح لا بد أن يكون على دراية وخبرة بما يكون عليه المتخصص في فن الطباعة نفسه، المتخصص في فن الطباعة يعرف أنواع الخطوط، ينبغي للمصحح أيضًا أن يعرف أنواع الخطوط حتى يستطيع أن يخرج المخطوط في صورة خطية جيدة، القائم بالطباعة يعرف المقاسات المختلفة، يعرف حجم الصفحة، يعرف عدد الأسطر

إلى آخر هذه الأشياء، ينبغي للمصحح أن يكون على دراية تامة بمثل هذه الأشياء أيضًا، وإلا فكيف يقول للمتخصص بفن الطباعة أن الخط رديء، أو أن المقاس غير مضبوط، أو أن حجم الصفحة صغير أو كبير، أو أن عدد الأسطر قليل أو كثير، لا بد لمن يقوم بمهمة التصحيح أن يكون على دراية تامة بهذه الأشياء.

ص: 366

ومن الأسباب القوية التي تؤدي إلى وقوع المصحح في الخطأ من حيث لا يدري: اعتماده على إلفه للكلمات والحروف، وهو يقوم بعملية التصحيح، فإنه إذا اعتمد على إلفه للكلمات والحروف وهو يقرأ لا بد أن يخطئ؛ لأنه لا يقرأ بعينه كلها، وإنما يقرأ بجزء منها مع جزء من تفكيره، وصور الأخطاء الطباعية كثيرة جدًّا كتكرار كلمة، أو زيادة لفظة، أو حذف لفظة، كالتباس الضمة بالسكون، أو الشدة المفتوحة بالشدة المكسورة، وعلى المصحح تدارك كل هذا، وإن بدا في نظره قليلًا أو هينًا لا يفرط فيه بحال من الأحوال، وعليه ألا يقر من الحروف إلا ما هو واضح تمام الوضوح، ظاهر كل الظهور؛ فإن الحرف الضعيف في الكتابة يكون ضعيفًا في القراءة والاستيعاب، ومن الأفضل أن يستعين الباحث في مراجعة البروفات الأخيرة بعين أخرى غير عينه؛ لأن القارئ الغريب أيقظ نظرًا، وأشد انتباهًا.

وإذا عَنَّ للمحقق رأي بعد نشر الكتاب، أو ظهر له خطأ، أو غيَّر فكرة كان قد طرحها قبل ذلك، أو ظهرت له نسخة من المخطوط جديدة لم يكن قد اطلع عليها حال التحقيق وهي نسخ مهمة، وفيها من الزيادة ما ليس في النسخ الأصلية، أو كانت النسخ الأم التي اعتمد عليها في التحقيق فيها سقط، فيها خرم، وفي النسخة التي عثر عليها فيها إصلاح لهذا، ماذا يفعل المحقق في مثل هذه الحالة؟

لا يتردد لحظة في إعادة طبع المخطوط مرة ثانية، وإضافة ما يراه ناقصًا، أو حذف ما يراه زائدًا، ويعدل ما ينبغي تعديله، والمخطوط بعد طبعه كالمولود يحتاج إلى تعهد بالرعاية حتى يستوي على عوده، ومن ثم لا ينبغي للمحقق أن يهجر المخطوط بعد نشره، بل يظل على صلة به دائمة، ويعلم الكتابات والآراء التي تدور حول هذا المخطوط بالنقد، أو التعليق، أو الثناء، أو غير ذلك، يستوعبها المحقق جيدًا فلربما أضاءت له طريقًا كان خافيًا عنه حين التحقيق، وليحاول الإفادة من كل ذلك عند كل مرة يعيد فيها نشر هذا المخطوط.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 367